ثلاثون عاماً على اللجوء للدنمارك .!..1 من 3


أمير أمين
2022 / 6 / 5 - 13:39     

أنهيت دراستي الجامعية في بلغاريا وحصلت على شهادتي يوم 19 حزيران عام 1991 وعند هذا التاريخ تكون السلطة العراقية في بغداد والمحافظات قد أحكمت نفوذها بالقوة المفرطة على مدن العراق الوسطى والجنوبية بحيث صار أمل العودة للعراق والتعيين فيه والعمل شيء مستحيل حيث أنني قد بنيت تفكيري على نجاح انتفاضة آذار والتخلص من النظام السابق والعودة بحرية للاستفادة من شهادتي والاستقرار في بلدي بعد كل هذه السنين ومنذ خروجي مضطراً منه عام 1979..لذلك صرت أفكر وبجدية باللجوء لإحد بلدان العالم التي تقبل اللاجئين لديها ..إنتظرت الفرصة وخاصة حينما يتوفر المال لأي من إخواني ..وفي يوم 8 أذار عام 1992 غادرت مدينة صوفيا بالطائرة الى موسكو ومن هناك بقيت على صلة بإثنين من اخوتي خاصة وأن أخي سمير كان قد وصل للسويد قبل حوالي سنة وأخي داود وصل للدنمارك في شباط عام 1992 ومن هنا سيتحقق لي المصدر المالي الذي سوف ينقذني من المحنة والمصير المجهول ..طبعاً حينما نزلت في مطار موسكو إستلمت ورقة لتدوين مدخراتي من العملة الصعبة والذهب والفضة وغيرها فكتبت أن لدي 30 دولاراً وسألت الضابط ..أنا لا أملك الذهب فهل أترك فراغاً هنا أم أكتب اي شيء ..! إستلم مني الورقة وحينما رأى المبلغ الضئيل جداً المدون فيها ..قام بطيها بعصبية بيده ورماها بسلة القمامة وقال لي ..روح خلاص ..!! بقيت في موسكو في القسم الداخلي في الايام الاولى لكني تعرفت على صديق للحزب كانت لديه شقة صغيرة طلب مني أن أسكن معه لمساعدته في التفاهم باللغة الروسية وهذا ما حصل لكنه بعد قليل غادر الى السويد فبقيت الشقة عندي وكان إيجارها بسيط في ذلك الوقت ..قمت بالبحث عن طريقة للخروج من موسكو بالوقت الذي أسعفني فيه إخواني وخاصة توأم الروح أخي سمير الذي إقترض مبلغاً من المال وارسله لي ..تحدثت مع أحد المهربين وكان قريباً من حزبنا أو عضو في الحزب ..لا أعرف بالضبط وإتفق معي بالمبلغ وقال أن قسماً كبيراً منه سيذهب للضابط الروسي المناوب في هذا اليوم وأكد ..نحن متفقين معه على كافة الترتيبات ..! وصلت للمطار في النصف الثاني من أيار ووضع الضابط الختم على جوازي وأرشدني لخرطوم الطائرة ثم طلب مني التذكرة والجواز !! لكني رفضت ولم أعرف أن هذه الاجراءات كان قد أتفق عليها مع المهرب بحيث أنه سيستفيد من ارجاع التذكرة ولما تحادثت معه وأصريت على موقفي طلب مني العودة وأشار لصاحب الختم بأن يضع على جوازي دخولية جديدة الى موسكو التي صرت بشكل قانوني خارجها الآن ..! عدت الى شقتي بعد أن سلمت المفاتيح لجيراننا االروس ! وفي الليل إتصلت بالمهرب الذي علم برجوعي وكان عصبي المزاج ويصرخ بالتلفون ..أخي شبيك إنت ..! أعطيهم أي شيء يطلبونه منك وخاصة التذاكر ..! المهم هدأ من روعي أخيراً وقال خيرها بغيرها وإنشالة هذه المرة سيحالفك النجاح ولا تنسى الرضوخ لمطالبهم !! تم تحديد يوم 8 حزيران عام 1992 موعداً لمغادرة موسكو ..وقبل ذلك بيوم التقيت وكالمعتاد في كل ليلة بعشيقتي مارينا الروسية شارحاً لها خروجي من موسكو ولكني لم أخبرها بالتفاصيل وخاصة اللجوء ..الخ ..ودعتني بحرارة وعند الصباح عادت لبيتها فقمت بجمع حاجياتي على عجل وسلمت المفتاح مجدداً للجيران وغادرت الشقة التي كانت تقع في منطقة إسمها الفيدنخة ..وصلت للمطار متذكراً ما عليّ القيام به وكنت أحمل اربعة تذاكر سفر من موسكو الى كوبنهاكن ومنها للسويد ومن السويد الى براغ ومنها الى موسكو مجدداً ..! وحينما يستلمون مني التذكرة الاولى سوف أحتفظ بالثلاثة الاخرى وممكن إعادتها والحصول على المال ..! كما فهمت ..شاهدني ضابط آخر كبير السن والرتبة وعرف وضعي لكنه قال سوف تغادر الى كل هذه الدول ولم تكن لديك حتى فيزة لإحداها ..! وضحك ثم غمز لصاحبه بأن يختم جوازي اليمني الجنوبي وأرشدني لطريق الطائرة التي كانت حينها متأهبة للمغادرة ولم يطلب مني سحب جوازي او إستلام التذاكر! ..جلست في الطائرة التابعة للخطوط الروسية وأنا في صدمة وغير مصدق وكان فيها عدد من الرياضيين يشغلون المقاعد الخلفية ..وما هي إلاّ دقائق حتى صارت الطائرة في الجو ..ثم هبطنا في مطار كوبنهاكن ..! نزلت مع الناس ولم يكن لدي أي تصور عن وضعي لكني حفظت كلمة رفيوجي اي لجوء التي قلتها للشرطي الذي نادى على زميله وكان الاثنان شابان طويلان بشكل ملفت أمسك أحدهما بيدي وقال ..اين جوازك ..وما هي رحلتك ..وأين طائرتك ..وما هي وجهتك ..! ..الخ كلمات باللغة الانكليزية ..ثم قاداني الى الطائرة الروسية التي كانت لا زالت جاثمة بالمطار وصعدت معهما وقالا لي سوف تبقى فيها وسنقوم بإعادتك الى موسكو ..! ثم طلبا مني ارشادهما للمكان الذي كنت أجلس فيه ..! وقاموا بتفتيشه بدقة والبحث عن جواز سفري الذي مزقته في تواليت الطائرة ولم يبقى منه أي أثر ..وحينما خارت قواهما بالبحث قالا لي ..إنزل معنا ..وبكل هدوء أكدت لهما أنني لم يكن لدي أي جواز سفر وأنا أريد اللجوء في الدنمارك وكانت معي صورة أخي داود ..قلت لهما هذا أخي الاكبر هنا عندكم ..كانوا يسخرون من كلامي وفهمت أن أحدهما يقول لزميله عني ..أنه يتصور لأن أخيه لاجيء هنا فهو سوف يتم قبوله عندنا ..! صدمت في عدم فهمهم لوضعي وكوني سياسي معارض للنظام وهارب من الاعدام والتصفية الجسدية بيديه ..وضعوني تحت سلالم أحد أجنحة المطار وقالوا سوف نتصل بالمترجم لمعرفة وضعك القانوني ..وبعد حوالي نصف ساعة حضر مترجم سلّم عليّ وقال أنه عربي اردني ..وأكد لي بأن أدلوا بصحة معلوماتي عن شخصيتي وأن لا أخاف..ولما إنتهت المقابلة وذهاب المترجم طلبوا مني ان أصعد معهم في سيارة الشرطة وكنت في المقعد الخلفي بينما كان فيها شرطي في المقعد الامامي بالاضافة للسائق ولم يتكلم أي منهما بشيء لحين وصولي الى كامب اللاجئين الذي كان إسمه ساندهوم وسلموني للمسؤولين فيها الذين احتجزوني ليلة في مكان أشبه بالسجن وكان فيه شخص من رومانيا وأخر صربي وعند الصباح أيقضوني جالبين لي صينية الفطور وتفاجئت بمحتوياتها ..أي كان فيها موزة كبيرة ناضجة وكأس نسكافة وحليب وجبن وخبز ..أكلت بسرعة ثم جاءت شابة تحمل على كتفها نجمة وقالت لي..هل لديك معارف هنا ..قلت نعم أخي الاكبر ..قالت وفي بلدان مجاورة ..قلت أيضاً لي أخ في السويد ..قالت ..هل يعرف التحدث بالانكليزية ..وكنت أعرف أن أخي سمير ذكي وضليع بسرعة تعلم اللغات فقلت لها أكيد يعرف ..قالت هل لديك تلفونه ..قلت لها نعم ..وإتصلت هي به وأخبرني المترجم المصري أن معلوماته عني كانت مطابقة لمعلوماتي في المطار ..إنصرفت الشابة ثم جاء شاب آخر وكان أيضاً ضابطاً وسيماً كان في إحدى أذنيه قرط وكان يعلك ..قلت مع نفسي ..أي من دبش راح أحصل على الاقامة مع هذا الشاب المايع ..!! ولما إستمع لحديثي المطول معه ومن خلال المترجم ..قال لي أنا لست متعاطفاً مع الافكار الشيوعية ولكن هذا شيء شخصي لا يؤثر على سير التحقيق معك ..همس لي المترجم وكان رجلاً طيباً ومن كبار السن ..لا تخاف هذا ما بيده شيء وهنا لجان سوف تدرس طلبك باللجوء وسوف تقره ..فرحت كثيراً للكلمات التي قالها لي بمودة ..ثم طلب أن يعملوا لي هوية وإمتثلت لأخذ صورتين إحتفظوا بهما وكانت إحداهما للهوية الشخصية ..ثم قالوا لي أنت الآن حر !..روح هناك إبحث عن مكان للنوم والاقامة وتعرف على زملائك حيث ستجد عدد من العراقيين والعرب هنا ..وهذا ما حصل منذ اللحظات الاولى حينما تجمعنا على العشاء وبقيت في ساندهوم لبضعة أسابيع ثم جرى نقلي الى الجزيرة الثانية..