المقاومة في عالم الديجيتال


حازم كويي
2022 / 6 / 4 - 14:25     

أعداد:حازم كويي
تتحدث الأستاذة المكسيكية مارسيلا سواريز إسترادا عن أشكال الاحتجاج في أمريكا اللاتينية، فقد تبنت الحركات الاجتماعية في أمريكا اللاتينية التقنيات الرقمية كجزء من مقاومتها وكأداة مفيدة في نضالاتها. وكيفية دمج حركات المساحات الرقمية والأجهزة مثل الطائرات بدون طيار وغيرها من التقنيات في احتجاجاتهم وماينشأ من تناقضات عن ذلك.
في البحوث التي أجرتها عن الأشكال الرقمية للاحتجاج في أمريكا اللاتينية، لم تستطع تسميتها جميعاً،فهي ترى أن هناك عدداً قليلاً جداً من الإحتجاجات التي لاتشمل الأنترنيت على الأقل لتداخلاتها وأشكال مشاركاتها.
هناك دوماً شخص يلتقط صورة أو مقطع فيديو ثم يتركها طليقة، يمثل الإنترنت الأستمرارية للفضاء الاجتماعي الذي نعرفه والساحة السياسية، بمعنى أن الناس يقولون: سأخصص هذه المساحة للتعبير عن مطالبي، ولإثبات أنني لا أتفق مع شيء ما، وفي نفس الوقت أريد أن أجعل موضوعاً معيناً مرئياً باستخدام إستراتيجيات مختلفة.
ولاحظت في بحثها كيف تنزل الجماعات النسوية إلى الشوارع ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي. من ناحية، يتحدث الجميع عن حقيقة أن الجسد أصبح مسيساً أكثر فأكثر لأن الاحتجاج موجه ضد حالة العنف. من ناحية أخرى، أصبحت الشبكات الاجتماعية مسيسة، فهي تخصص هذه المساحات لأهدافها،والمطالبة بإنهاء العنف واتخاذ إجراءات ملموسة.
صحيح أن الإنترنت كمساحة أجتماعية لا يقتصر فقط على وسائل التواصل الاجتماعي. هناك أيضاً شبكات بديلة أنشأتها المجتمعات، الذي يتوسع في أمريكا اللاتينية، باستخدام البنية التحتية الخاصة بها، على سبيل المثال البرامج (سيرفر)غير المرتبطة بالشركات الكبيرة أو المرتبطة جزئياً فقط في تسلسلها. هناك تركيز قوي على إنشاء محتوى يتضمن على روايات بديلة وروايات لأشخاص وقصص ووجهات نظر غير مهيمنة. غالبية هذه المساحات عبارة عن مدونات أو مواقع ويب أو مواقع ويكي تعمل كأرشيف لجميع أنشطة الحركات الاجتماعية. يتميز إنشاء المحتوى بسمات مبتكرة للغاية، وهنا يتم دمجها رقمياً بإنشاء كتيبات مثل مستندات PDF التي يتم تداولها في الشوارع وكذلك على مواقع الويب. يتمثل التحدي الكبير في القدرة على أرشفة كل هذا المحتوى،كونه يختفي على الأغلب.
ومع ذلك، تلعب الشبكات الاجتماعية دوراً مهماً للغاية في تنظيم الاحتجاجات. هناك شكلين أستراتيجيين يستخدمهما الإنترنت للاحتجاج: من ناحية، يقول النشطاء "لا نريد تخصيص المساحات التجارية، لأن Facebook و Twitter و Instagram و TikTok هي شركات. إنه مثل الذهاب إلى مركز التسوق للاحتجاج، فنحن لانريد لهذه الشركات أن تضمن الأرباح." لأن كل إعجاب، حتى لو تم تقديمه كإحتجاج، يعني ربحاً لهذه الشركات. هناك موقف ثان يتعلق بمعضلة تخصيص وسائل التواصل الاجتماعي للتنظيم، فالمجموعة الثانية تقول "علينا تخصيص هذه المساحات لأننا بهذه الطريقة نصل إلى الأشخاص الذين يتعين عليهم تسييس علاقتهم بالتكنولوجيا وعليهم النزول إلى الشوارع." هذه هي اللعبة المزدوجة للنظام.
هناك نقاش كبير حول ما يمكننا حتى فهمه على أنه تكنولوجيا. لا يتعلق الأمر بهذه الأجهزة فحسب، بل أيضاً بالتشكيك في توازن القوى الذي يُحدد ما هو وما لا يصنف على أنه تقنية. بالإضافة إلى ذلك، فإن العلاقة بين الإنسان والآلة ديناميكية للغاية. لا يوجد فصل بين الأنسان وبين الآلة.
إحدى هذه التقنيات الأخرى هي طائرات بدون طيار. تم الاستيلاء على الطائرات بدون طيار من قبل النشطاء في أمريكا اللاتينية كأغراض معاكسة للثقافة، لنقد التقنيات باستخدام علم الأنساب العسكري والأبوي وتبديد الصورة النمطية للآلة كرجل أو خبير ذكر وراء الآلة. في المكسيك على سبيل المثال، تعمل الجماعات النسوية على تفكيك هذه الفكرة بالذات وتقوم بمراقبة مضادة للدولة كاحتجاج.
الشيء المثير للاهتمام هو أن الجماعات النسوية لا تلائم الطائرات بدون طيار فقط ككائن للثقافة المضادة، ولكنها تخلق شخصية أنثوية خيالية (Droncita)فهي تمتلك (الطائرة بدون طيار) ولها حسابها الخاص على Twitter وتصدر تعليقات جدلية للغاية حول السياسة، مع مقاطع فيديو، و تكتب على الجدران صورة للرئيس بينيا نييتو آنذاك بسبب الصراع الدائر حول فقدان 43 طالباً، والتي كانت الدولة مسؤولة عنها (كل ما لديك هو كذبة. أنت المسؤول.)
في البرازيل، على سبيل المثال، هناك أيضاً مجموعات لها هواتف تطير مثل الطائرات بدون طيار باستخدام تقنيات (DIY). تم إنشاء هذه الهواتف في مدارس الهاكرز في المجتمعات المحلية لفضح عنف شركات البناء أثناء أعمال دورة الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو. تم أستخدام هذه الصور حتى في دعوى قضائية لحماية هذه المجتمعات من السرقة من قبل شركات البناء. لذلك يتم أستخدام الشبكات الاجتماعية والمساحات الرقمية جنباً إلى جنب مع الاحتجاجات في الشوارع. (Droncita) كان نشطاً خلال النزاعات الاجتماعية المختلفة في المكسيك، لا سيما في حالة الطلاب الـ 43 المفقودين،ومنذ عام 2015 وثقت الاحتجاجات المناهضة لخطاب الشرطة، الذي هاجم العائلات المتضررة والمتظاهرين.أرادت فيها قبل كل شيء، تقديم الدليل على أن كل ما قالته الشرطة لتجريم الاحتجاجات كان كذباً.
اليوم ، يتم أستخدام العديد من الطائرات بدون طيار في الاحتجاجات بكثرة، لدرجة أن استخدامها تم حظرهُ في المكسيك وعبر أمريكا اللاتينية. لا يُسمح للطائرات بدون طيار بالطيران حين يتجمع أكثر من 50 شخصاً. خلال الاحتجاجات النسوية الأخيرة، كان ضباط الشرطة من أعلى المستويات يحمون القصر الحكومي في مكسيكو سيتي بأجهزة يبدو أنها أسلحة. بعد ذلك، أصبح معروفاً في الصحافة، أن هذه ليست أسلحة، لكنها أجهزة يمكن أن تقطع إشارة الطائرات بدون طيار. فالحكومة تخاف حقا من Droncita كمصدر إزعاج لها.
الحركات الأجتماعية تواجه تحدٍ كبير لجعل المساحات الرقمية آمنة للاحتجاج ولمستخدميها،حيث يتطلب الكثير من النضال والمقاومة. النقطة المهمة هي أن العنف يستمر أثناء وبعد المظاهرة. إنها دائرة عنف ومقاومة، فالنساء يتظاهرن بسبب العنف، لكن في نهاية المقاومة يتعرضن للعنف. فبينما تساعد المنصات في التنظيم الجماعي، فقد أصبحت أيضاً مساحات يستمر فيها العنف. على سبيل المثال، كان هناك احتجاجان في مكسيكو سيتي في عام 2019. أغتصب أربعة من ضباط الشرطة قاصراً. بعد أسبوعين، جرى أغتصاب قاصرآخرمن قبل ضابط شرطة يعمل في متحف. فالإفلات من العقاب، لا سيما العنف القائم على النوع الاجتماعي في المكسيك وأمريكا اللاتينية، معروف جيداً. في ذلك الوقت، تم تنظيم مسيرة أمام مكتب المدعي العام وأمام مركز الشرطة في مكسيكو سيتي. لم يجري الأكتفاء بذلك، ولهذا تمت الدعوة إلى مظاهرة أخرى في 16 آب 2019. لم تكن هذه أول مظاهرة نسوية، لكنها كانت مميزة من حيث تنفيس النساء عن إحباطهن في أماكن إستراتيجية، مثلاً أمام مركز الشرطة وفي النصب التذكارية، حيث رسمن عليها شعارات نسوية أو علامات تصنيف مثل #دولة قتلة النساء. لقد كسَرن كل الصور النمطية لكيفية إحتجاج النساء. رداً على ذلك، كانت هناك عاصفة قذرة على وسائل التواصل الاجتماعي تطالب النساء بالعودة إلى مكانهن، أي المطبخ. وتداولت تهديدات ودعوات للعنف الرقمي والجنسي ضد الناشطات. بالإضافة إلى ذلك، تلقت الجماعات التي دعت إلى المظاهرة رسائل بها صور لجثث مشوهة ومقطوعة الرأس.
الدولة تدرك أنها لا تستطيع التحكم بشكل كامل في كل ما يتعلق بالإنترنت والتطبيقات في الوقت الحالي. لذلك تم تعزيز الشرطة الإلكترونية. وتم أستثمار الكثير من الأموال هنا لتدريب المتسللين وبشكل عام في جميع المجالات التي لها علاقة بالتحكم في التطبيقات ومراقبة المدافعين عن حقوق الإنسان. سيتم تنظيم منطقة الصراع هذه أكثر فأكثر في السنوات القادمة.
المعركة في السنوات القليلة المقبلة ستكون حول تنظيم الإنترنت، وستبدأ بحقوق النشر والتحكم في التطبيقات غير التجارية. فالتعبئة والاحتجاجات شوكة في خاصرة الدولة وهي تحاول الآن الوصول إلى البيانات من أجل مزيد من تقييد الحقوق على الإنترنت. ستكون هذه هي المعركة التالية، إنها تحدث بالفعل في مناطق معينة وستتوسع.