على هامش بعض الأحداث : شيرين و لينين و أشياء أخرى


احمد المغربي
2022 / 5 / 30 - 00:36     

كانت لي رغبة شديدة في التعليق العاجل على بعض الأحداث غير أن الوقت لم يُسعفني و مع أنه قد يبدوا كما لو أنه لا جدوى من نشر ملاحظتي الموجزة الآن إلا أنني أرى غير ذلك كما أنني أرغب الاستفادة من هذه الفرصة لأبوح للقراء بأنني "قد" أنشر هكذا مقالات موجزة(على هامش بعض الأحداث) بشكل دوري (شهري – أو أسبوعي بالإضافة للمقالات الاخرى) غير منتظم و سنتطرق في هذا المقال ل:
• اغتيال البطلة الشهيدة شيرين و الجوانب المعتمة التي كشفها
• لينين و حرية الصحافة في ضوء أحداث الحرب الحالية

على هامش اغتيال البطلة شيرين:
لقد كان اغتيال البطلة شيرين حدثا محزنا لكنه كان أيضا حدثا ذو دلالات مهمة كشفت و أعادت كشف المفضوح - الذي كان يصوره الليبراليون و المتصهينون كشائعات لا أساس لها من الصحة حينما يشير له اليسار الثوري - فإلى جانب دحض الخرافات التي تزعم أن دولة الاحتلال الصهيوني تمارس ارهابها ضد المسلحين في إطار الدفاع عن وجودها كشفت جريمة اغتيال الصحفية الفلسطينية زيف ادعاءات الغرب حول التزامه بالدفاع عن حقوق الانسان ففي حين أن الاعلام الغربي يشن حملة مسعورة ضد الرئيس الروسي و حربه في أوكرانيا(ولا نعني أنه بريء) فقد آثر التعامل باللغة الانشائية المعتادة مع جريمة الصهاينة و في حين أن اليمين و اليسار الغربي اتحدا في الترويج للأكاذيب التي لا دليل عليها على أنها حقيقة فأقصى ما طالب به من يُفترض أنهم "تقدميون" هو المطالبة بفتح تحقيق رغم أن حقيقة كون جيش الاحتلال ارتكب جريمة في حق صحفية فلسطينية كانت موثقة
أما الجانب الآخر الذي كشفه اغتيال الشهيدة فهو بمثابة تحذير لنا إذ أن التفاعل المُتساهل مع دعوة الرجعيين لعدم الترحم على الشهيدة لأنها مسيحية يدعونا نحن القوى التقدمية و الثورية الحقيقية للعمل و النشاط الفعال فقد يبدوا للبعض أن دخول الماركسيين في مثل هذه الجدالات سيضرهم أكثر مما ينفعهم غير أنني أرى أنه لا يضر الماركسيين إلا استنزاف جهودهم في الجدالات ضد بعضهم البعض بينما يتغاضون عن مثل هذه القضايا فالنضال ضد تأثير الرجعيين واجب ثوري و واهم و مخطئ من لا يولي التأثير الإيديولوجي للأعداء اهتمامه فصحيح أن الظروف الحالية و القادمة ستجبر الفئات الشعبية على النضال غير أن هذا ليس كل شيء رغم الأهمية الكبيرة التي يحتلها إذ أن مِن الرجعيين مَنْ لن يُغامر بفقدان نفوذه عشية صحوة الجماهير و دعنا نشر و لو بشكل عابر لأن بنكيران الذي دعا أعضاء حزبه لعدم الاحتجاج على التطبيع بالأمس حينما كانوا في الحكومة لم يجد اليوم حرجا في التغني بتمني الجهاد في فلسطين و إدانة المطبعين و اعتبارهم خونة و مرتشين ولهذا فمن الضروري التخلي عن الرهان القدري الذي يعتقد أن الجماهير ستتجه للقوى التقدمية بعفوية كما أنه من الواجب أيضا التخلي عن التهوين من خطر الرجعية دون السقوط في فخ الهلع اللاعقلاني...
إن تجرأ الإرهابيين من عملاء المخابرات على تقيأ سمومهم على الشهيدة الفلسطينية له دلالات قد لا يراها بعض رفاق القضية غير أنني أرى أن النضال ضد نفود هؤلاء يمثل ضرورة قصوى سنجني من إهمالها ضررا كبيرا
و سأقتبس نصا لغرامشي يوضح أهمية الوعي النظري و القضية التي أرغب أن أشير لها:
"إن الانسان الجماهيري يعبر عن نشاطه بطريقة عملية ولكنه لا يمتلك الوعي النظري لهذا النشاط العملي الذي هو نوع من أنواع فهم العالم و معرفته لأنه يقوم بتغييره بل إن الوعي النظري قد يكون متناقضا تاريخيا مع عمله و قد يمكن القول أن لهذا الانسان وعيين نظريين(أو وعيا متناقضا مع نفسه) أحدهما متضمن في عمله و هو واقعيا بكل المتعاونين معه على التغيير العملي للواقع و الآخر سطحي ظاهري ولفظي ورثه عن الماضي و اكتسبه دون نقده و على العموم فإن هذا المفهوم «اللفظي» ليس بلا نتائج فهو يرتبط بجماعة اجتماعية معينة و يؤثر في السلوك الأخلاقي و في اتجاه الارادة بشكل فعال نسبيا قد يصل إلى حد يؤدي فيه تناقض الوعي إلى المنع من القيام بأي عمل أو اتخاد أي قرار أو اختيار و إلى حالة من السلبية الوجدانية و السلبية السياسية"(مختارات غرامشي – الجزء 2)
و يمكن أن أقدم مثالا تقريبيا قد يوضح المسألة بشكل أكبر فاعتزال مغني الراب "ولد لكرية" صاحب أغنية "عاش الشعب" قد لا يكون له أي دلالة في حد ذاته إذ سبق أن انحرف و اعتزل مناضلون كان لهم تاريخ نضالي حقيقي غبر أن المثير للاهتمام و الذي يرتبط(قليلا) بالنص الذي اقتبسته من غرامشي هو أن صديقنا الذي غنى في القلعة الحمراء(جامعة ضهر المهراز بفاس) و تحول من سجين (حتى لا نقول مجرم) إلى مغني مناهض للنظام بفضل دعاية الرفاق اليساريين قد اعتزل لأنه تضامن مع الشيخ (الداعية الرجعي العوماري) ضد الشيخة و قد يعتقد بعض من استهواهم الكسل أن هذا ليس له أهمية غير أنني أرى أن لهذا إلى جانب التفاعل المتساهل مع دعوات عدم الترحم على الشهيدة شيرين دلالات عظيمة تكشف لنا بوضوح ما لا يره إلا من يتعامون عمدا إذ أن هذه الأحداث تحثنا على النضال الضروري ضد نفوذ الرجعيين الذي يمكن أن يلعب دورا خطيرا حتى بعد اندلاع الثورة كما توضح لنا أنه بدون تكوين عقول تنبذ الطائفية و الرجعية عن وعي فستظل كل محاولات التحرر محكومة بالفشل
وهكذا فقد نقول على هامش اغتيال البطلة شيرين(برصاص الصهاينة و دعاية الضلاميين) أنه لا تغيير بدون تنوير كما أنه لا نصر على الأعداء الخارجيين المكشوفين دون فضح الأعداء الداخليين الذين يدعون أنهم أصدقاء للشعب

حرية الصحافة بين لينين والغربيين: على هامش أحداث الحرب الحالية
لطالما تغنى الليبراليون الغربيون و أنصارهم بالدفاع عن حقوق و الحريات ولطالما روّج هؤلاء لأن الرأسمالية تساوي الحرية و لأن الشيوعية مرادفة للديكتاتورية غير أن الحرب الحالية فضحت نفاق أنبياء الحرية المزيفين ولن نتطرق لعنصرية الصحفيين - الذين تحسروا على الأوكرانيين فقط لأنهم أوروبيين و الذين لا شك أنهم كانوا سيبزقون سمومهم ضد الشيوعية في مناسبة كمناسبة ذكرى الثورة الروسية – لكننا سنتطرق للاغتيال الذي تعرضت له حرية الصحافة في الحرب الحالية و علاقته باغتيالها في الحرب الأهلية الروسية فأصدقاؤنا الليبراليون لا يفوتون أي فرصة لإدانة خنق حرية الصحافة في أي بلد من البلدان التي يعادونها(كوبا مثلا) و لا شك أنه لا يوجد أي ديموقراطي يمكن أن يعادي النضال من أجل حرية الصحافة غير أن اغلاق القنوات الروسية (قناة روسيا اليوم حُذفت حتى من اليوتوب) فضح زيف ادعاءات الليبراليين و شعاراتهم و وضح أنهم سيدوسون على الشعارات و المبادئ التي نصبوا نفسهم ناطقين باسمها حينما تتعارض مع مصالحهم الطبقية و السياسية و ليس سلوكهم الحالي حادثا معزولا بل يمكن أن نستغل هذه الفرصة لنُذكِّر بسلوك بوش في حربه على العراق حينما منع الحافة من توثيق جرائمهم وحينما هدد بقصف مكاتب قناة الجزيرة
إن الاشتراكي الثوري و الديموقراطي الحقيقي لا يمكنه أن يُنكر أن حرية الصحافة قد تعرضت للاغتيال في الحرب الأهلية الروسية غير أن الفرق بين اغتيالها في عهد لينين و اغتيالها الحالي من طرف الامبرياليين الغربيين يكمن في أن الثوار البلاشفة اغتالوها مجبرين للحفاظ على ثورة كانت محاصرة من طرف لصوص العالم بينما نرى أن الامبرياليين يغتالونها ليحاصروا شعوبهم بالكذب رغم غياب أي خطر حقيقي كالذي تعرضت له روسيا الثورية وحينما نرى الغربيين الآن يمنعون شعوبهم من رؤية الرأي الآخر بدعوى ضرورة التصدي للدعاية الروسية الخبيثة فيمكننا أن نتساءل عن سبب نواحهم وعويلهم على منع عملائهم من نشر سمومهم في كوبا المحاصرة أو منع عملاء أجدادهم من نشر سمومهم و أكاذيبهم الخبيثة في روسيا الثورية التي كانت محاصرة من طرف كل الامبرياليين (الكبار و الصغار) آنذاك
إن حرية الرأي و احترام الرأي و الرأي الآخر تمثل مبادئ لا غنى عنها لأي مجتمع لا يرغب أن يعيش في طغيان و استبداد من يدّعون احتكار الحقيقة أو احتكار تمثيل مصالح الشعب غير أن الأحداث الحالية تؤكد أن تلك المبادئ لا تعلوا على المصالح وأن الرأي و الرأي الآخر ليس مجردين(علينا أن لا ننسى أن رأي الارهابيين المجرمين أيضا يمثل "رأيا آخر") ويوضح سلوك الامبرياليين أنهم يدافعون عن الرأي الآخر في بلدان ككوبا فقط حينما يكون ذلك الرأي مجرد صدى لرأيهم و خادما لمصالحهم بينما لا يترددون في قمعه أو التغاضي عن قمعه حينما يتعارض مع مصالحهم ودعنا نشر و لو بشكل عابر لتدخلهم في باكستان من خلال عملائهم في البرلمان للإطاحة بالرئيس الشعبوي عمران خان لعدم اصطفافه لجانبهم في ادانة روسيا لندرك صحة قول ميكيافلي أن الاحزاب عادة ما تكون وسيلة فعالة في يد القوى الاجنبية و لندرك أن حظر الأحزاب(رغم مساوئه و أضراره الخطيرة) سواء بعد الحرب الأهلية الروسية أو في كوبا الثورية المحاصرة لم يكن مجرد قرار ناتج عن نزعة قمعية و ميول ديكتاتورية لا مبرر لها بل يجب أن نؤكد أن ما لا مبرر له هو نفاق الإمبرياليين الذين لا يحترمون القرارات الديموقراطية و يدينونها عند تعارضها مع مصالحهم كما فعلوا في فنزويلا أو بعد تصويت البرلمان العراقي على طرد قوات الاحتلال(2020) و بعد تجريمه للتطبيع مع الصهاينة(2022)
و رغم توضيحنا لما سبق علينا أن نؤكد أيضا على أن الأحداث التي تَلَتْ الثورة الروسية في القرن الماضي وضحت أنه حتى إن كان عدم الالتزام المطلق بالديموقراطية ضرورة مطلقة لانتصار الثورة و حمايتها في لحظات معينة فهو دوما يمثل خطرا كبيرا يهدد الثورة بالانحطاط وإن كان وجود الحرية المطلقة الساذجة في ظل وضع خطير يمثل تهديدا بتدمير الثورة من الخارج فغيابها(الحرية) يهدد بتدميرها(الثورة) من الداخل و لهذا فالنضال لأجل الحرية يجب أن يظل دوما ضمن الأهداف الرئيسية لأي ثوري شريف حقيقي