صورة الاله المستبد وصورة الحاكم المستبد


مالوم ابو رغيف
2022 / 5 / 27 - 18:44     

لكي نتقدم يجب ان نبني من جديد، فكل البناء الفكري القديم لم يعد صالحا لمسايرة ذهنية العصر، لا الدين ولا الاخلاق ولا الحب ولا العلاقات.
في العراق يتضح ذلك جليا، فان المعاناة الأكبر والتي تشكل عائقا امام أي تقدم او تطور، هو ذلك الركام الديني والعشائري والاجتماعي الذي يسد المنافذ امام أي محاولة للنفاذ الى عالم جديد.
ركام الدين الذي يفرض شروطه وقوانينه وفتاواه على المجتمع بقوة العادة او قوة التقليد او قوة المليشيات
ركام الإرث العشائري الذي استفحل وزاد وزن تأثيره من خلال الأثر والفصل والدگات العشائرية والغزو والابتزاز.
فان كان القديم لم يعد صالحا، وتوقف عن التطور ولم يعد يحمل في احشاءه أي وليد جديد، اذ انه يعيد نفسه في نفس دائرة التخلف المغلقة، فلا معنى يبقى لشعار اصلاح الدين.
مشكلة الإسلام تكمن في اثنين، القرآن والسنة، فالقرآن، وان حمل أوجه عديدة للتفسير، لكن حقيقة اعتبار القرآن كلام الله وليس كلاما منقولا عن الله، يصبح كل ما فيه قدسيا ومنزلا من الله ولا يستطيع احد الجدال في مثل الحسد والسحر والتقسيم الطبقي وعلو الرجال على النساء وتعدد الزوجات والاستعباد والجهاد وطاعة رجل الدين وعدم تساوي الإرث وكذلك روح التعصب وعدم التسامح, لقد نفذ السحرة والمشعوذون وتجار الدين من خلال خزعبلات قرآنية فابدعوا واطنبوا في افساد المجتمع،.
صحيح ان الدولة الحديثة تستطيع سن وتشريع قوانين لا تعتمد على الشريعة الدينية، لكن القرآن بصفته قدسيا يفرض نفسه على الحياة الاجتماعية العامة وعلى الاخلاق والتصرفات والسلوك والمعاملات التي تتم بمعزل عن قوانين الدول، من خلال نشاطات وفعاليات رجال الدين او من خلال الكتب الدينية والشبكة العنكبوتية التي ينشط الإسلاميون نشاطا متميزا لا يمكن اغفاله، وهذا ما يفسر التناقض الدائم بين المجتمع الإسلامي والدولة المدنية الحديثة أينما وجدت وكذلك مقدرة الإسلاميين على كسب الرأي العام الشعبي والوقوف ضد العلمانية.
في مسيرة ليس بالطويلة، ومن خلال حملته الايمانية المشؤومة، استطاع الرئيس المشنوق صدام حسين إعادة العراق الى عهد صدر الإسلام، فأطالت الناس لحاها وعجت المساجد بالمصلين وتم كتابة القرآن بدمه وأصبحت الصلاة والصيام احد اهداف حزب البعث الصدامي.
لقد أصبح القرآن مقدس مرتين، مرة لأنه كلام الله وأخرى لأنه مكتوب بدم صدام.
إذا كان الدين مفروضا بالقوة، وهو دائما كذلك، فان النفاق سيكون هو المظهر العام للمجتمع.
صدام كان صورة للإله بطغيانه وجبروته وصرامته وعقابه، كان يحي ويميت، يرزق ويفقر، يسجن ويعفو، يستعبد ويعتق. ذلك ان الدكتاتور المستبد يستعير صورة الاله المستبد. لاحظ أيضا كيف ان لصدام 99 اسما تماما مثلما لله أيضا نفس العدد من الأسماء.
عندما أسقط الامريكيون النظام الصدامي، واطاحوا بصنم الدكتاتور، استبدلت الأحزاب الإسلامية صورة الرئيس المستبد بصورة الاله المستبد وزرعتها في ذهنية المواطنين التي تلقفتها لأنها مهيئة نفسيا لها، بالطبع معززة بالخوف من فرق الإرهاب والمليشيات ومجموعات الاغتيال والخطف،
وكما كان النفاق مظهر المجتمع العام في زمن الرئيس المشنوق، أصبح أيضا وجه للمجتمع الجديد ووجه للسياسة أيضا ووجه للايمان.
لم يختلف المجتمع عما كان عليه، كل ما هناك تبدل مصدر الخوف، سابقا كان خوف من الهمجي الارعن صدام، واليوم من الأحزاب الإسلامية وأحزاب الفساد بغض النظر عن انتماءاتها الطائفية، التي تسيطر على كل فرق الإرهاب والاغتيال والخطف والمليشيات.
لذلك، ولكي نبني الجديد، يجب محو صورة الاله المستبد، الآيات التي تحرض على الاستبداد، الأحاديث تحث على الاستبداد، الفتاوى التي تستحضر الاستبداد وتروج له. اعتقد بدون ذلك لا يمكن تغيير المجتمع ابدا.


ا