هل الحوار المتمدن موقع يساري علماني حقا؟


عبدالله عطية شناوة
2022 / 5 / 26 - 22:26     

حين بدأت الكتابة للحوار المتمدن قبل أكثر من عام، كنت أظن أنني أكتب في موقع يساري علماني ديمقراطي، كما يعرف الموقع بنفسه في صفحته الأولى. لكني أكتشفت بالتدريج أن الأمر ليس كما توقعت. وبان لي، أن ((مؤسسة الحوار المتمدن)) ترعى ما يمكن وصفه بالموقع الليبرالي، وإن كان أعلى صفحته يحتوي على حوارات مع شخصيات لا شك في يساريتها. أما تحت تلك الحوارات فخليط من المقالات بعضها يساري، وبعضها الآخر مغرق في اليمينية ومعاد لليسار، ولكل توجه مناهض للعدالة الاجتماعية، إن على الصعيد الأقليمي في العالم العربي، أو على الصعيد العالمي. وكثير من المقالات المذكورة، يشيد بالمنظومة الرأسمالية التي يقوم اليسار، أساسا، على نقدها. وتمضي بعض المقالات أبعد من ذلك فتنكر المظالم والجرائم التأريخية التي أرتكبتها تلك المنظومة، سواء في الأستغلال البشع للشغيلة، أو في أضرامها نيران الحروب العالمية، والحروب الأقليمية التي دفعت أطراف أخرى الى خوضها نيابة عنها. ووصل الأمربأحد الكتاب في رده على تعليق يتصل بأحد مقالاته، أن برر استخدام الولايات المتحدة للسلاح النووي في هيروشيما وناكازاكي. ونشهد حاليا مقالات تشيد بحلف الناتو ذو التأريخ الشنيع وتصفه بالمدافع عن الديمقراطية، والضامن للقانون الدولي!!

والى جانب المقالات العلمانية، التي تدافع عن حرية الرأي والمعتقد الفكري والديني، وتنتقد الفكر والفقه الدينيين من منطلقات علمية علمانية يحفل موقع الحوار المتمدن بمقالات لا تمت للعلمانية بصلة، بل هي معادية لها، مقالات تركز على نقد دين معين هو الإسلام، من منطلقات دينية تروج لديانات إبراهيمية أخرى. ومثل هذه المقالات مكانها بالطبع مواقع التبشير الديني وليس المواقع العلمانية. ويفتح الحوار المتمدن صفحاته لمقالات عنصرية تسيء للعرب كأثنية وكثقافة وكتأريخ، وتحط من قيمتهم كبشر وتصفهم بأشنع النعوت. وهذه المقالات لا علاقة لها بالطبع بالديمقراطية التي أساسها أحترام المختلف عرقيا وجندريا وثقافيا وسياسيا.

وحين يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، نجد كتابا متطوعين لتبييض صفحة إسرائيل، وإنكار سياستها التوسعية وتأريخها الطويل من الحروب العدوان على الشعب الفلسطيني والبلدان العربية، والتعتيم على سجلها المتخم بالمجازر الدموية ضد الفلسطينيين والعرب في جميع بلدانهم، مقابل وصم الشعب الفلسطيني بالإرهاب، واتهامه بعدم الرغبة في السلام، الذي تسعى إليه إسرائيل كما يزعم الكتاب المذكورون، الذين تركز مقالاتهم على صبغ نضال الشعب الفلسطيني المديد، الذي يتجاوز التسعين عاما، من أجل حق تقرير المصير، الذي أقرته الأمم المتحدة وقبلت على أساسه دولة فلسطين كعضو مراقب فيها، يصبغوه بصبغة دينية، نازعين عنه صفته الوطنية والإنسانية.

ويواكب هذا النشاط الذي لا نعرف إن كان منطلقا من أجتهدات لضمائر شوهاء، أو أنه نشاط مدفوع الثمن، يواكبه نشاط، مدفوع الثمن بالتأكيد، من قبل كتيبة الكترونية، تعمل تحت أسماء مستعارة، تتابع بانتظام ما ينشره كتاب رصينون يبتغون الحقيقة والعدل من منطلقات يسارية، لأهانتهم وتسفيه كتاباتهم، وشتمهم وشتم القضايا التي يدافعون عنها، وشتم العرب والمسلمين، والإشادة بالولايات المتحدة وإسرائيل، باعتبارهما كما يزعم الشتّامون (( قلب الحضارة الحديثة والقيم الأنسانية السامية، وحائط الصد ضد بربرية العرب والمسلمين، وشمولية اليسار وجرائمه، ووحشية الشعبين الروسي والصيني )).

هذا هو واقع الحوار المتمدن، المناقض لتعريفه بنفسه كموقع يساري علماني ديمقراطي.

أنا بالطبع سأواصل النشر في موقع الحوار المتمدن، ولكن ليس كموقع يساري كما يعرف نفسه، بل كموقع ليبرالي، يفتح صفحاته لي، ولغيري من الكتاب اليساريين، وسأفعل ذلك لسببين: أولهما أنه موقع واسع الشعبية، وأغلب متابعيه من اليساريين، ولكي لا يتحول في حال انساحبي، وغيري من الكتاب اليساريين منه، الى منبر آخر لليمين العنصري الممول غربيا، وإسرائيليا يضاف الى منابره ومواقعه العديدة، وثاني الأسباب هو النكاية بعناصر الكتائب الألكترونية التي تبتئس من كتابات اليساريين ومنها كتاباتي.