الأسس التربوية (البيت والمدرسة)


فلاح أمين الرهيمي
2022 / 5 / 23 - 12:29     

يأتي دور الأسرة (البيت) في الأساس في نشوء وتكوين شخصية الإنسان حيث كانت ولا تزال أقوى سلاح يستخدمه المجتمع في عملية تطبيع وتنمية المجتمع ونقل التراث الاجتماعي من جيل إلى جيل آخر وقد أجمعت التجارب للناس والعلماء على ما للتربية في الأسرة من أهمية وأثر فعال وعميق وخطير في نشوء الإنسان وتكوينه ونموه وتطوره المادي والمعنوي وتشكيل شخصيته وخاصة في مرحلة الطفولة المبكرة أي السنوات الأولى الخامسة والسادسة من حياة الإنسان وذلك لعدة أسباب منها أن الطفل في هذه المرحلة من حياته لا يكون خاضعاً لسلطان الجماعة الأخرى غير أسرته ويكون فيها سهل التأثير وسهل التشكيل شديد التقبل للإيحاء والتعليم قليل الخبرة عاجزاً وضعيف الإرادة وقليل الحيلة وفي حاجة دائمة إلى من يعوله ويرعى حاجاته العضوية والنفسية المختلفة لأن التطبيع فيها مركزاً وعنيفاً إذا تعرفنا هذا قدرنا ما يمكن أن يكون وما يمكن لها من أثر في تشكيل شخصية الطفل وتوجيهها إلى الخبر وليس إلى الشر وإلى الصحة وإلى المرض وبذلك تكون حياة الإنسان فترة حاسمة في تكوين شخصية الإنسان أما تأثير المدرسة والتطبيع الاجتماعي على تكوين وبناء شخصية الإنسان فقد نشأت المدارس يوم شعرت الإنسانية أن الأسرة عاجزة وحدها عن إعداد الإنسان للتوافق الاجتماعي اللازم وقد تأكد من حيث أن للمدرسة دور مهم يفوق مقدرة الأسرة على القيام بتكوين وبناء شخصية الإنسان لأنها أقرب إلى مطاليب المجتمع من الأسرة باعتبار المدرسة أرحب أفقاً وأوسع مجالاً من الأسرة وبمنجاة وبعيدة عن التقاليد البالية والغريبة التي تسود في الأسرة وتجثم بكابوسها من حيث العادات التي ترزح تحتها الأسرة وإن المدرسة تمتاز بالحدّ والجدية والالتزام وبعيدة عن الدلال في معاملة التلميذ ولذلك يتجلى اعوجاج السلوك في المدرسة أكثر مما يتجلى في البيت لأن الطفل يخرج من البيت وقد تأثرت شخصيته به تأثيراً عميقاً ولذلك يعتبر انتقال الطفل من البيت إلى المدرسة بعد الطفولة المبكرة حدث حرج خالد في حياته لأنه يمثل انتقال من مجتمع صغير وبسيط منطو على نفسه إلى مجتمع أوسع وأعقد وأكثر اتصالاً بالحياة لأنها تعتبر بيئة جديدة ذات نظم وقوانين جديدة وبها من واجبات وتكاليف ما لم يعهدها الطفل كما فيها علاقات جديدة ومنافسات جديدة ومغامرات جديدة بين أتراب يختلفون عنه من نواح كثيرة وفيها يضطر الطفل إلى التضحية بكثير من المميزات التي كان ينعم بها في البيت .. والمدرسة سواء كانت روضة أم غيرها فمعناها الانفصال عن الوالدين وخاصة الأم ولذلك يعتبر هذا التغيير العنيف في بيئة الطفل له أثر كبير في شخصيته وخلقه وسلوكه الاجتماعي لأن العادات والتصرفات في البيت ليس لها وجود في المدرسة كما أنها تفرض عليه واجبات جديدة وأن يراعي النظام والالتزام بالآداب وأن يلتفت وينتبه إلى محدثه وأن لا يقاطع ويتجاوز على حقوق الآخرين وأن يتعاون مع زملائه الطلاب ويشترك معهم في الأشغال والألعاب .. وبذلك تعتبر المدرسة مرحلة انتقال إلى مرحلة أخرى من حياة الإنسان وتأثيرها كبير على شخصيته بحيث تستطيع أن تفعل الكثير من تغييرات في حياة الطفل ونموه وتطوره وتكوين شخصيته من خلال هذه المنظومة من القيم (الأسرة والمدرسة) التي هي بمثابة الرحم الذي ينمو فيه الإنسان المدرك والواعي والمثقف والعالم والخير والشر والتقدم والتطور لأنها تعتبر الرحم الذي يولد منه الإنسان الذي يمتلك العقل المدرك والمدبر والخالق لجميع مستلزمات حياة الإنسان المادية والمعنوية والذي يعتبر أرفع الكائنات الحية في الوجود.