كارل راديك: الماركسية والحرب


محمد الأشقر
2022 / 5 / 22 - 10:01     

هذا النص: جزء من مقالة كتبها الثوري الروسي كارل راديك في العام 1914، تناقش بعض المسائل الخلافية التي نشبت داخل صفوف الحركة الاشتراكية على إثر الحرب العالمية.
تم تعريب النص من النسخة الانجليزية على موقع: Marxists’ Internet Archive.
عنوان النص: Marxism and the Problems of War
تعريب: محمد الأشقر

_____________________

بعد أن نزع فتيل الحرب، انتشرت في الصحافة العمالية نصوص الزعماء القدامى للاشتراكية العلمية في أماكن عديدة. كانت هذه النصوص مدفوعة بروح استدعاء ماركس وانجلز من أجل خدمة فكرة واحدة وهي الموقف من الحرب الراهنة، يحملها هؤلاء الذين كلما كانت سياسة الطبقة العاملة تميل ناحية نفس النصوص و تسترشد بها في معاركها الطبقية كانوا يشهرون على أنصارها سيف السخرية باعتبار أنهم يجعلون منها نصوصا مقدسة ومازالت أرثوذكسيتهم تأسرهم في الماضي. لكن، الآن هؤلاء يتحدثون عن نصوص ماركس وانجلز وكأنها هابطة من السماء؛ هؤلاء يريدون تعميم موقفهم من الحرب على الغالبية من الحركة الاشتراكية الديمقراطية، لدرجة أن أحد مؤرخيهم والذي يحمل من السلامة العقلية ما يجعله حريصا على جماعته من الانزلاق في مستنقع التوظيفات المخلة لنصوص مؤسسي الاشتراكية العلمية: رأى أن هذه النصوص المستدعاة لم تراع التغيرات التي طرأت على الواقع وتختلف عن تلك التي اتخذ فيها ماركس وإنجلز مواقفهما من مسائل الحرب.

في القليل من الأسطر التالية، بقدر المستطاع نأمل في اجتلاء وجهة نظر ماركس وانجلز في ما يخص موضوعة الحرب.
نفترض ابتداء إنه لمن الضروري الإشارة إلى أن ماركس وانجلز لم يكن ثمة انحرافات عن منهجهما عندما أعلنا موقفهما من الحرب في زمنهما. إن المنهج الذي اتبعاه كان جليا؛ كان المنهج - أي أسلوب بحثهما العلمي - يتأسس على مفهوم تطور قوى الانتاج، وقد قاما بشرح مختلف الظواهر الاجتماعية في مسارات تطورها التاريخي طبقا لهذا الأساس. أما في ما يتعلق بموضوعة الحرب، فقد ركزت مباحثهما على مسألة الحرب في مزامنة مع التطورات الاقتصادية ودورها في تحديد الأهمية الخاصة بكل حرب. مهما كانت الأضرار والقسوة الناجمة عن الحرب، فلن تجد مطلقا لديهما أي تظاهر إنسانوي، بإطلاق العنان للدموع والنحيب. في الوقت الذي كان الصياح الإنسانوي من جانب الأصدقاء معدومي الرؤية التاريخية يتصاعد جراء الدماء والخراب، كان ماركس وانجلز فضلا عن ذلك يقومان بالتساؤل عن أسباب اندلاع هذه الحرب، وهل ما إذا كانت هذه الحرب أسقطت ودمرت بناية عتيقة طالها العفن، وما هي إمكانية ازدهار حياة جديدة من تحت الأنقاض التي خلفتها، وما تأثير ذلك على مسار الصراع الطبقي. بالطبع يجب علينا تطبيق منهجهما على الحرب الراهنة.

مع منهجية الأساتذة القدامى بجانب رؤى ودراسات تلاميذهم حول الأزمة الاقتصادية الحالية التي في حوزتنا الآن، فنحن مجبرون على الكشف عن التناقضات الاقتصادية الكبيرة التي أدت إلى اندلاع الحرب العالمية.
لو كانت أحزاب الدول المتورطة في الحرب اعتمدت منهجية أساتذتنا، لكان لدينا اليوم اتفاق جماعي حول الموقف من الحرب. حتى لو كانت الجماهير الشعبية مجبرة على الانخراط في ميادين القتال دون أن تتمكن من منع نشوب الحرب، هذه الوحدة الفكرية كانت كفيلة بمنع انهيار الثقة بين أحزاب الاشتراكية الديمقراطية.

تفقد النظرية الماركسية قيمتها العملية وأهميتها الكبيرة، عندما يتم التعامل معها بوصفها مجموعة من الاقتباسات والوصفات الجاهزة، بدلا من اعتمادها كمنهجية ودليل يكشف للمرء الحقائق وسط ضباب الأكاذيب.

يتبع...