- العلاج الروحي العميق - عبر الوصول إلى مصدر الطاقة النفسية الكلية للحياة


وليد مهدي
2022 / 5 / 19 - 22:49     

درست علم النفس منذ سنوات طويلة ، ولسنوات طويلة ، ثمة حلقة مفقودة فيها نادرا ما تسلط عليها أقلام الكتاب والمفكرين الضوء . حلقة تمثل العلاقة بين تطور النفس الحيوانية والنفس الانسانية . ومثلما تختبئ في الجينات البشرية اسرار تطور الحيوانات ، تقبع في أعماق النفس البشرية الميول الأساسية الحيوانية للغريزة .
فكرة الانسان المعدل وراثيا ، أو الكائن المخلوق من الطين كانسان أول ، تصبح عبئا كبيرا على منهج العلاج النفسي أو مسار التطوير الذاتي للنفس البشرية . لان هذه القصص الراسخة في الخيال الجمعي البشري تجعل من الدماغ البشري تحت طائل برمجة اجتماعية ذاتية تحد من مجال الطاقة البشرية النفسية وتجعلها محدودة الميول ضمن نطاق العرف الاجتماعي الذي يخدم بناء المجتمع والسلطة الحاكمة .
برمجة ذاتية تبدأ من ادم ، كائن الطين الذي شكلته يد القدرة وفق ما تشاء وامرته بما تشاء . ولسنا هنا في محل الاعتراض عليها لكن ، لتوضيح دورها الإيجابي اجتماعيا والذي يصبح سلبيا فقط في حالة وجود اعتلالات نفسية عميقة.
فهذه الصورة الأولية , الممثلة لاطار خاص بالعقل المعاصر للبشر , ترسخ في اللاوعي حدود صغيرة للطاقة النفسية التي تمثل كجهد وقدرة محطة كهرباء عملاقة ، بمقابل حاجة منزل أو بيت واحد لقدر محدود من الطاقة .. هل يمكنك تخيل هذا ؟؟
قصة ادم تفعل بالضبط ذلك ، تعمل كصمام مقاومة لتحويل طاقة النفس العميقة الحيوانية الضخمة جدا إلى تيار، محدود يناسب منزل بسيط ، بيت ادم وحواء ، العائلة المثالية السعيدة التي تتعرض للعقاب اذا خالفت التعليمات .. !!
العائلة التي تؤدي وظيفتها على أكمل وجه في الدولة ، الجسم الكبير الذي يشكل مجموع طاقات بيوته ، مجمل الطاقة النفسية الحيوانية الكبرى .. !!
ما اريد قوله بوضوح ، إطار قصة ادم مناسب جدا للسيطرة على طاقة نفسية محدودة تلعب دورها في نسق البناء والنشاط الاجتماعي ، لكنها لا تنفع المعالج النفسي ، أو الخبير المختص بالتطوير النفسي العميق الذي يحتاج اطارا أوسع يقوم بضخ طاقة نفسية كبيرة تساعد في الشفاء والتطوير ..!!
المسالة تشبه بالضبط من يتعرضون لحوادث مفاجئة يتطلب دخولهم المستشفى واجراء عمليات طارئة ونقل دم كثير جدا لإبقائهم على قيد الحياة ..!!
هذا ما نفعله في عملية العلاج العميق , ضخ دماء نفسية غزيرة حيوانية لترميم الذات البشرية ..!!
فهذا الإطار الحيواني الاوسع الذي يتجاوز ارتباط البشر بأيقونة الانسان النموذجي ( آدم ) يساعد في ضخ كمية من الطاقة عاجلة وكثيفة تسهم في شفاء حقيقي للنفس البشرية يعالجها في أعماقها البنيوية التكوينية التي تشكلت خلال حقبة المليار سنة من عمر الحياة على هذا الكوكب .
الانسان بترابطه التاريخي العضوي في المملكة الحيوانية هو الانسان النموذجي الكامل الذي يجب ان نشتغل في حدود إمكانياته في علم نفس الاعماق والعلوم الروحانية العميقة .محاضرتنا اليوم ليست دعوة للتمرد على الإطار التقليدي الذي يحافظ على بنية نسقية خاصة للمفاهيم الانسانية , لا نريد ان نوجه دعوة للشطط عن نموذج " آدم الإنسان " , إنما هي رؤية الى ما قبلها وما بعدها نحو فهم اشمل واوسع لحدود قدرات الانسان الحقيقية الممكنة ..
لذا ، في رحلتنا نحو الاعماق ، عليك شد الأحزمة بإحكام لان الرحلة صادمة واحداثها غير متوقعة ، سواء كنت معالجا نفسيا ، أو كنت مريضا تطلب الشفاء ، أو انسانا سليما يسعى لتطوير قدراته النفسية والروحانية الاوسع . في كل الاحوال ستخرج عن اعتبارات عقدية تم تنشئتك عليها لتكون عضوا اجتماعيا صالحا ، والتي هي أساسا ، لم توضع لشفائك العميق أو تطوير قدراتك ، فذلك كان حكرا على قوى كونية غامضة آثرت كتمان تلك الأسرار الاف السنين .بينما نحاول نحن هنا فك القليل من اسرار الاطر الاوسع التي تفتح للعقل والوعي قدراته الكامنة الاسطورية الغامضة .
---------------
الخريطة الزمنية للأعماق
قصة ادم تبدأ من تحديد الطاقة الروحية للإنسان وتحديد سلوكه وحصره بتعليمات معينة . لكن ، ما قبل الفردوس ، كانت ثمة رمزية في الخلق وسجود الملائكة له كأنما هو الإله .. وهو ما يعبر عن " المطلق " الكامن المخفي المبطن في ذات الإنسان . هذا ما يتعلق بالصورة الأسطورية ، اما التفسير المنطقي لعملية الخلق هذه بانها لم تتعدى التعديل الجيني على مورثات حيوانية اخذت من الأرض , كما لمحت الخليقة السومرية , بل أشار القران إلى تعديلها بوضوح ومعنى صريح بكلمات ( احسن تقويم ) ، والتقويم هو التعديل على شيء معوج غير سليم و كذلك ( فسواك فعدلك) .. حسب #القراءة_الحرفية_للقرآن .
بالتالي ، ما قبل التعديل ، تتفق الاسطورة مع العلم المعاصر على وجود هذا العمق الحيوي لجينات الانسان بمدى، قدره مليار سنة وهو اتساع هائل يكشف أمكانيات كامنة ممتدة عبر الزمن .
مدى الانسان الاجتماعي المحدود قد لا يتجاوز العشرين الف سنة ، اما العمق الانساني السلوكي ما قبل الادمي فهو يمتد خمسة ملايين سنة ، بينما عمق الغرائز الأولى الأساسية فهو يقارب النصف مليار سنة ..
لذا ، نحن أمام ذاكرة لسلوك وغريزة للإنسان عمرها نصف مليار سنة ، وذاكرة بناء خلوية عمرها مليار سنة . لا يمثل الادمي المتحضر منها الا طيفا عابرا مدته لا تتجاوز التاريخ المكتوب بحدود بضعة الاف عام ..
بالتالي ، غوصنا في ازمنة تلك الاعماق ، يجعل لاوعي المريض او الخاضع للفحص في تناغم مع تلك الحقب العميقة في التاريخ البيولوجي يعتمد على ماهية الهدف من جلسات العلاج النفسي أو تمارين التطوير الذاتي بما يتيح تحرير طاقة نفسية هائلة ( يمكنك تسميتها طاقة الروح ) لأنها تخرج من اعماق الماضي السحيقة الما قبل بشرية .
يمكن التعامل مع الذاكرة الشخصية الذاتية للفرد للتخلص من العقد الدفينة واعادة النفس إلى سويتها من صدمات عابرة مرت في حياة الفرد ، يمكن تدريجها بعمق لا يتعدى السبعين سنة في اعقد الحالات . اما الذاكرة الجمعية لعمر الحضارة الانسانية والروحانية لمعالجة اعتلالات اكثر عمقا من المرض النفسي المتعارف في قواميس الطب النفسي الحديث ، قضايا الجان والتلبس والتناسخ وما إلى ذلك .. فهي تدرج بعمق لا يتعدى السبعة الاف سنة ..( تفصل لاحقا .. )
اما المحيط الاعمق للنفس البشرية ، فهو تلك الصلات المندثرة تحت قاع الغرائز والسلوك من ادمان العادات أو سمات الطبائع الاصيلة في الشخصية اذا ما أراد المعالج تعديلها في شخص ما ، سيحتاج إلى الغوص بذاكرة الخمسة ملايين عام ...
تبقى الاعماق الارحب اللامتناهية ، المرتبطة بغرائز البقاء والتكاثر و الجنس فهي التي تستمد منها دافعيتنا النفسية ورغبتنا في البقاء واستمرار الحياة فهي بعمر النصف مليار سنة ، حتى فجر ظهور الكائنات الفقارية . من هنا تنطلق رحلة معالجة الاكتئاب بطريقة تحفيز نفسي بدون استخدام العقاقير مطلقا ..
يبقى أن نشير بأن العقل البشري ونفس الإنسان العميقة يمكنها النفاذ إلى ما هو أعمق ، إلى مطلع المليار الأول للحياة الخلوية على الأرض ، عندما كانت الارض تحكمها الطحالب البدئية والبكتيريا . أي العودة في الزمن إلى أساس تكون الخلايا الأولى للجسد ، يمكن للعقل بهذا المستوى من تعديل وشفاء الجسد خلية خلية ، عضية عضية ، اعتمادا على تحرير الطاقة الروحية (النفسية العميقة ) المنطوية في جينات وعضيات الخلايا , بما يقترب من علاج اعقد الأمراض العصية ومنها تلف الاعضاء ( الكبد الكلى والسكري ) و الخلايا السرطانية او حتى نقص المناعة المكتسبة .
الغوص أعمق ، يعني ادراك الجزيئات الكيميائية والمعادن وصولا إلى تاريخ تشكل الأرض والكواكب في النظام الشمسي قبل خمسة مليارات سنة وما قبلها تشكل الكون والطاقة الأساسية بأشكالها الأولية قبل أربعة عشر مليار سنة ، وهو مستوى القدرة العليا للعقل في التأثير على المادة عن بعد . ( هو ليس موضوع محاضرة اليوم ) .
ادوات رحلة الوعي في الاعماق
يمكن اعتبار ايقاعات التنفس ( الاوكسجين ) ، وحِدّةُ الانفعال العصبي ( الشحنة الكهربائية ) ومستوى الكلوكوز في الدم ( السعرات الحرارية ) هي وقود فعالية المخ . بأدوات او اعضاء تستعمل هذا الوقود ممثلة بالرئتين و الدماغ والدم ( القلب ) . هي اذن اعضاء وادوات الجسد للغوص في تلك الاعماق لدورها الأساسي في تحديد حالات الوعي المتغيرة المنعكسة بصورة صحو بعيون مفتوحة أو حركة وتوتر عالي من جهة ، وبين نعاس واسترخاء أو نوم خفيف وعميق من جهة اخرى ..
اما آلية استخدام تشفير الطاقة والتنفس و حالة المزاج فهي تعتمد على المستوى الذي ترغب أن تصل إليه من الاعماق :
اولا : علاج الكأبة وتعزيز تقدير الذات
تمارين التنفس العالي الكثيف الذي يؤدي إلى دخول أكبر كمية أوكسجين ويجعل الرئتين والقلب بنشاط فائق وكذلك يكون الدماغ في حالة استنفار أقصى ( موجات غاما ) ، يجعل الجسد في حالة رنين مع تاريخ الفقاريات وتاريخ الرئيسيات العليا ( تقريبا نصف مليار سنة ) . أثناء التأمل بعد تمارين شاقة ترفع مستوى الطاقة والانفعال العاطفي في المريض . يؤخذ وعي المريض في رحلة لزيارة اعماقه بتقنية نسميها اكتشاف الحيوان الداخلي واستخراجه .
( سبق ووضحنا مقدمة بسيطة عنها بأنها رحلة الميركابا السفلى في فيديو سابق ) سيبدأ المريض بعد عدة جلسات من العلاج بادراك وجود ذات داخلية منفصلة عنه شريرة همجية حيوانية لكنها مليئة بطاقة كبيرة تحب الحياة . تكون قادرة على اكتساح كل علله واكتئابه بصورة سحرية مذهلة .. !
هي شخصية ما قبل آدمية متصلة بحقب النصف مليار عام . تتناقض تماما مع شخصيته الاعتيادية الاجتماعية وتبدي رغبات غريبة و ميولات لم يألفها المريض عن نفسه حسبما جربته شخصيا مع متطوعين . يمكن بتقنية اكتشاف الحيوان الداخلي ( المعروفة بشكل سطحي وهامشي في المعارف الهندية ) تعزيز مهارات عديدة واضافة معاني جديدة للحياة والشخصية اعتمادا على مهارة وعمق أفاق المعالج أو الطبيب . يعالج هذا المستوى الاكتئاب ويعزز الرغبة بالحياة والدافعية النفسية ويعيد تقدير الذات اعتمادا على تنشيط الجسد وجعله يعمل بأقصى طاقة ممكنة لفترة طويلة من الوقت . يمنع هذا النوع من التمارين على مرضى الصرع أو من يعانون من الانفعال والهيستيريا المفرطة . كذلك , يجب الحذر من خروج " حيوان الاعماق " عن السيطرة وقد عرف لدى الاقدمين بهذه الحالة بتسمية " القرين " . مستوى الرنين مع الحقب يناسب الحالة المراد علاجها أو ادراكها بتطوير الذات نذكر تفاصيلها في دروس لاحقة .
ثانيا : علاج تلف الاعضاء والانسجة والاورام
ممارسة التنفس المنخفض إلى أدنى مستوى ، كذلك الصيام بصورة عامة ، أي خفض كمية الاوكسجين والكلوكوز إلى أدنى مستوى ممكن . ايضا النوم الطويل العميق (موجات دماغ دلتا) ، يجعل الوعي يهبط إلى ذاكرة المليار سنة ويدخل في حالة رنين معها . حين كان الكوكب يغص بالطحالب والبكتيريا .
( لم نتطرق سابقا إلى هذا النوع من الرحلات لحساسيته وخطورته ( رحلة الميركابا العليا ) وما ينجم عنها كنتائج عرضية مثل الخروج الاثيري عن الجسد أو العروج النجمي ، والاقتراب من الموت )
ابتداءا من جلسات التأمل والاسترخاء بإغماض العينين (موجات الدماغ ألفا) وصولا إلى موجات دلتا الدماغية الخاصة بالنوم العميق . يتم توجيه وعي المريض باقتحام حقب التاريخ التي تتجلى أمامه كغابات، مليئة بوحوش مختلفة يواجهها ويتجاوزها مرورا بالبحار العميقة وصولا إلى حقبة الأرض الطحلبية والفطرية حين كانت الارض مملوءة بأشكال الفطر والهلام، الذي يملأ كل الأرض والمياه ..
هي في الحقيقة , رحلة من تنويم ايحائي تشبه إلى حد التطابق احيانا رحلة جلجامش السومرية للوصول إلى عشبة الخلود (طحلب الشفاء المقدس) . وهي وان لم يحصل الوعي بموجبها على الخلود لكنها ستكون فعالة بشكل كبير في شفاء اكثر الامراض غموضا واستعصاء.
ممارسة هذا النوع من التنويم الايحائي عززت عندي فكرة أن الملحمة السومرية اصلا كانت جلسة علاج استشفائي عميق ربما قامت بها كائنات غير ارضية متطورة لتطوير روحانية أو شفاء حاكم العراق جلجامش الذي سعى للحصول على الخلود والقرائن عديدة و لا يسع الموضوع لذكرها الآن .
يمكن تعزيز فردانية البنكرياس أو الكلية أو القلب كأعضاء منفصلة عن الجسد وصولا إلى الخلية الأحادية وتحويل العقل والوعي إلى وعي بدئي بطاقة نفسية أعماقية هائلة تعالج المشاكل البنيوية العميقة للغدد أو الخلايا المنفردة ويعيد للنظام المناعي القدرة على تحديد الخلايا الشاذة الورمية حين يصبح ادراك المريض ووعيه راسخا في هذه الحقبة ما يجعل " طاقتها " متاحة ومنسابة بتأثير وعيه . هذا النوع من التأمل يتطلب جهدا كبيرا جدا لأنه يصل بالمريض إلى حالة من نوم عميق جدا ولفترة طويلة تشبه الغيبوبة . خطورتها تكمن في طريقة الاستفاقة والتعامل معها . لكنها مهمة جدا من الناحية النظرية لتعزيز المناعة واعادة توجيه الطاقة العميقة نحو الانقسامات الخلوية بصورة سليمة .
تفاصيل آليات العمل وتقنياتها سنتعمق فيها في فيديوهات لاحقة إن شاء الله .
الفيديو القادم بإذن الله سيخصص لجلسة خاصة بالاستشفاء العميق عبر رحلة الميركابا العليا.
#علم_نفس_الأعماق #علم_النفس_اليونغي
رابط المحاضرة على يوتيوب :
https://www.youtube.com/watch?v=gN0cz6OYWsc&t=31s