مسؤولية فرنسا الرسمية في آبادة إمازيغن نريف


كوسلا ابشن
2022 / 5 / 19 - 21:31     

أصدر مجلس الامن لهيئة الامم المتحدة قرار الرقم 955 لسنة 1994 يدعو الى وقف الآبادة العرقية للتوتسي في رواندا, ومتابعة الاشخاص المسؤولين عن هذه المذابح , وفي نفس السياق أصدرت المحكمة الدولية حول روندا قرار متابعة الاشخاص المسؤولين عن الابادة الجماعية وكل ما يخالف القانون الدولي داخل روندا من 1 يناير الى 31 دسمبر 1994. و إعترف ماكرون في ماي 2021, عن مسؤولية فرنسا في عدم منع حدوث المجزرة.
في 19 أبريل 2007 سن الاتحاد الاوروبي قانونا يجرم إنكار محرقة اليهود, والقانون كان ساري المفعول في الكثير من الدول الاوروبية, التي إعترفت بالمحرقة بعد محاكمة نورمبرغ. ولم يعد ينكر المحرقة حاليا إلا أعداء اليهود.
أقرت الأمم المتحدة, أن يوم 27 يناير من كل سنة, على أنه اليوم العالمي لإحياء ذكرى ضحايا الإبادة المنظمة لليهود (هولوكوست) التي إقترفها النازيون, بحيث أبادوا ستة ملايين يهودي بمعسكرات الإعتقال مثل معسكر لودز ووارسو ومينسك وريغا وكوفنو و غيرها, أو في معسكرات الإبادة (بغرف الغاز) كولمهوف وسوبيبور وتريبلينكا وأوشفيتز بيركيناو ومايدانيك وغيرها.
كما أن فرنسا إعترفت سنة 2001 بإبادة الارمن بين سنة (1915 و 1917), وأقرت الجمعية الوطنية الفرنسية, قانون تجريم إنكار الإبادة الأرمنية سنة 2011.
أعلنت ألمانيا في 28 ماي 2021 عن مسؤوليتها عن الإبادة الجماعية للهيريرو و ناما (ناميبيا) أثناء المقاومة للقوة الاستعمارية الألمانية بين سنة 1904 وسنة 1908.
بالإعتراف الرسمي للحكومة الفيدرالية الألمانية, بأن الجرائم التي أرتكبت ضد هيريرو و ناما تعتبر حسب القانون الدولي بالإبادة الجماعية, تحملت ألمانيا تبعات الإبادة, المادية والمعنوية بتعويض ضحايا الابادة الجماعية.
قصف التحالف الإستعماري الإسباني -الفرنسي -العروبي, جمهورية ريف بالسلاح الكيمياوي ما بين 1921 و 1926, و قد إستخدم العدو 400 طن من المواد الكيمياوية (الإيبيريت أو غاز الخردل, الفوسجين, الديسفوسجين, والكلوروبيكرين...) معبأة في عشرة آلاف قنبلة, إستهدف بها طيران التحالف الإستعماري, المناطق المكتضة بالمواطنين العزل من السلاح في تجمعات الاسواق والأحياء السكنية و المزارع, لقتل العدد الأكبر من المدنيين, كما منع الاستعمار المنظمات الانسانية ( الصليب الاحمر ) من تقديم المساعدات الطبية للمصابين. لقد أستعمل النظام الكولونيالي العروبي السلاح الكيمياوي للمرة الثانية ضد شعب ريف, فقد قصف الطيارون الفرنسيون بلدات ريف بالغازات السامة (قنابل النابلم) ما بين سنة (1958 و 1959), ردا على الإنتفاضة المناهضة للإستعمار العروبي.
رغم إستعمال السلاح الدمار الشامل المحرم دوليا ضد شعب ريف المسالم, سواء اثناء الحرب الكيمياوية بين 1921 و1926, أو أثناء الهجوم العرقي الوحشي, بإستعمال الغازات السامة ( قنابل النابلم ), من طرف الاستعمار العروبي بقيادة الحسن الفاشي بين 1958 و1959 ضد المواطنين العزل من السلاح, لم تتحرك الدول المسؤولة عن جينوسيد ريف, بالإعتراف بالجريمة و تحمل تبعاتها المادية و الأخلاقية و إنصاف الشعب و المنطقة.
جرائم الإستعمار في كلا الحالتين الأولى و الثانية تدخلان في إطار جرائم الإبادة الجماعية حسب القانون الدولي, و هذا ما يؤكده قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 260, المؤرخ في 9 ديسمبر 1948, من إتفاقية منع و معاقبة جريمة الإبادة الجماعية.
إذ أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة, ما يلي:
في المــادة الثانية:
"في هذه الاتفاقية, تعني الإبادة الجماعية أيا من الأفعال التالية, المرتكبة عن قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية, بصفتها هذه:
( أ ) قتل أعضاء من الجماعة.
(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
( ج) إخضاع الجماعة عمداً, لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا.
( د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
(هـ) نقل أطفال من الجماعة, عنوة, إلى جماعة أخرى.
المــادة الثالثة:
يعاقب على الأفعال التالية:
( أ ) الإبادة الجماعية.
(ب) التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية.
( ج) التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية.
( د) محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية.
(هـ) الاشتراك في الإبادة الجماعية.
المــادة الرابعة:
يعاقب مرتكبو الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة, سواء كانوا حكاما دستوريين أو موظفين عامين أو أفرادا".
رغم أدلة جرائم الإبادة الجماعية المرتكبة بريف واضحة بمقتضى القانون الدولي, فإن الهيئة الأممية لم تندد بهذه الجرائم و لم تطالب الدول المرتكبة لإبادة شعب ريف بجبر الضرر و المطالبة المسؤولين هذه الجرائم المكوث أمام المحاكم الأممية للمحاكمة على أفعالهم الإجرامية.
فرنسا الرسمية المشارك المباشر في الحرب الكيمياوية الأولى و الثانية, ضد جمهورية ريف, بقصف أسطولها الجوي لجمهورية ريف بالسلاح الكيمياوي و إرتكاب آبادة جماعية, على نمط ما يعترف به القانون الدولي بأنه آبادة جماعية و ما أشير إليه بالمادة الثانية والثالثة من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة, رقم 260 , المعلن في 9 ديسمبر 1948, الخاص بالإبادة الجماعية. فرنسا الرسمية التي إعترفت بفشلها في منع حدوث جينوسيد التوتسي, و هذا إعتراف ضمني بمسؤوليتها في آبادة التوتسي, لكنها مازالت تتستر على ما إقترفته من جينوسيد في ريف و ترفض تقديم إعتذار رسمي لشعب ريف. ماكرون المسؤول عن المقابر الجماعية, قبل إنسحاب جنوده المتوحشين من أزواد, فقد سبق له و بوقاحة بالجهر بموقفه المندد بإنتفاضة ريف سنة 2016 و 2017, و الداعم للنظام الفاشي العنصري للديكتاتور آل علوي في قمعه الإنتفاضة الشعبية لشعب ريف بوحشية و الزج بالمناضلين في غياهب السجون القروسطوية, و الحكم عليهم بأحكام وصلت الى 20 سنة نافذة, إنتقاما لإعادة صوت ريف الى المواجهة. ماكرون لا يخفي تعاونه مع النظام الكولونيالي العرقي ضد إمازيغن عامة و إمازيغن نريف خاصة, و يتجاهل المواثق و القوانين دوليين المنددة بالتمييز العنصري و الإبادة الجماعية و ميثاق حقوق الإنسان, بتأييده لنظام كولونيالي فاشي و عنصري. ماكرون لا تهمه إلا مصالح الإمبريالية الفرنسية و من أجلها فهو مستعد أن يتحالف مع الأنظمة النازية العروبية و الإسلامية, أما الواثيق الدولية و مبادئ الدمقراطية, وحقوق الإنسان, فهي شعارات تستغل في الدعاية الإعلامية في محاربة الدول المرتدة عن الإمبريالية أو المنافسة لمصالح الإقتصاد الإمبريالي.
كل القرارات الدولية التي صدرت وتم الإعتراف بها من أعضاء جمعية الأمم المتحدة, و بمقتضاها تم كذلك إعتراف بعض الدول بمسؤوليتها في إرتكاب جرائم آبادة جماعية, و تم التصالح مع جرائمها الوحشية, بجبر الضرر المادي و المعنوي. إلا أن هذا الإعتراف بالإبادة الجماعية لم يأتي من إيقاض الضمير الإنساني لدى الإمبريالية, بل فرض بقوة إرادة الدول المدافعة عن حقوقها, و بمساعدة الحلفاء الدوليين.
سقوط دولة ريف تحت الإحتلال العروبي, و فقدان السيادة و الإستقلالية, حرم ريف من الدفاع عن قضاياه في المحافل الدولية. و رغم جهود المناضلين إمازيغن في إيصال قضية الحرب الكيماوية ضد ريف و الإبادة الجماعية الى الهيئات الدولية, إلا أن مساعيهم تبقى بلا جدوى, لسبب جوهري و هو عدم وجود دعم دولتي.
إن غياب صوت أحرار ريف في فرنسا, وغياب وحدة الصوت الإنتخابي الأمازيغي القادر بالضغط على المكونات السياسية الفرنسية و التأثير في القرارات السياسية, لهما تأثير سلبي في الدفاع عن القضية الأمازيغية بفرنسا. كما أن غياب التضامن الشعبي الفرنسي مع القضايا إمازيغن عامة و قضية إمازيغن ريف خاصة, راجع الى غياب أو ضعف العلاقة أمازيغ فرنسا مع اليسار, وهو الحليف المبدئي و الإستراتيجي الوحيد لقضايا الشعوب. اليسار الفرنسي كان داعما لإستقلال ريف في العشينات و كما طالب بإطلاق سراح رئيس دولة ريف و إرجاعه الى بلده في الأربعينات من القرن الماضي. صحيح أن ظروف التغيرات الدولية بهيمنة الإمبريالية على القرارات الدولية و حمايتها الأنظمة الفاشية من جهة , ومن جهة آخرى تشتت المكون الأمازيغي داخل فرنسا و ضعف إنخراطه في المجال السياسي و الثقافي, و عدم التعامل بشكل صحيح مع سياسة التحالفات, قدم لماكرون كل التبريرات ليس لعدم الإعتراف بمسؤوليته عن جينوسيد ريف فحسب, بل أزيد من ذلك, لنهج سياسة تهميش أمازيغ فرنسا و إقصاء لغتهم من المدارس الفرنسية, أضف الى ذلك معاداته الصريحة للقضايا العادلة لإمازيغن المقهورين في بلادهم (تامازغا) تحت نير السيطرة الكولونيالية العروبية, و كذا معادات الحقوق العادلة لشعب ريف في العيش بكرامة و حرية. قوة التأثير الدولي لا يمنع تغيير سياسة فرنسا الرسمي إزاء القضايا العادلة للأمازيغ, اذا إنقلبت المعادلات السياسية داخل فرنسا, بوصول القوى المحبة للسلام الدولي و المؤيدة لقضايا العادلة للشعوب الى الحكم في فرنسا, وهذا ممكن فقط بدعم القوى الدمقراطية و الجماهير الشعبية الفرنسية و خاصة الفرنسيين من أصول أجنبية و في مقدمتهم الفرنكو- إمازيغن موحدين في كتلة واحدة مؤيدة لبرنامج التغيير و إنصاف الشعوب المتضررة من السياسة القهرية لفرنسا الإمبريالية. بوحدة الإرادة الأمازيغية يمكن تقديم درس لماكرون لا ينساه في الإنتخابات, بالتصويت ضده و ضد حزبه.