حول رواية قوارب الامل الهروب من جحيم الوطن


سعد الماركسي
2022 / 5 / 19 - 18:47     

أتدري ما هو البؤس ؟ إنه يتجسد في هذه الرواية بكامل صورته، إنها رواية تحوي بين أسطرها بؤس جيل بالكامل من الشباب إنها تعكس آلامنا وآمالنا وحياتنا وأفكارنا وبؤسنا .
الرواية كاتبها شاب مغربي هو الراوي نفسه الذي عاش أحداثها ودوّنها وهي تحكي قصة 6 شباب مغاربة أرهقتهم البطالة والقمع والظلم أولهم هو عبد الله أنوينة إبن مدينة آسفي صاحب الرواية لم يتحدث عن نفسه كثيرا لكن من خلال ما يعبر عنه في الرواية يبدو دا نزعة يسارية شاب مثقف سأم العيش في وطن لا يتسع للجميع بل فقط لحفنة من الطفيليات تستولي على خيراته البحرية والبرية وما فوق الارض وما تحتها، عزم على ركوب قوارب الامل كما سماها هربا من الموت البطيئ في وطنه، أما أيوب وهو أيضا ابن مدينة آسفي وصديق عبد الله قرر الهجرة أيضا وقد كان يلعب كرة القدم مع المنتخب فئة الصغار وهي هوايته المفضلة، لكنها لم تجدي نفعا في سعيه ﻹحترافها فأثر الهجرة بحثا عن بديل، أما سعيد فهو شاب في الثلاتين من عمره حاصل على إجازة في الاقتصاد والتدبير وشهادة في المعلوميات ولم يجد عملا يصون كرامته، وناصر الذي عنفته القوات المساعدة في احتجاجات أمام عمالة مدينته فكسرت على إثرها رجليه وأراد الهجرة لاسبانية أملا في الحصول على اللجوء هناك، أما كريم وهو شاب في العشرينات أيضا، فمنذ وفاة والدته وزواج والده من امرأة أخرى خرج من المدرسة، وبدأ في تعاطي المخدرات لكنه قرر الهجرة لكي يغير ما يستطيع تغييره هربا من واقع مؤلم وفظيع، وكذلك سمير فهو شاب عشريني مصاب بالسكري يحتاج إلى جرعتي أنسولين يوميًا لكنه بالكاد يجد ثمن خبزة وماء، الرواية تفصح عن حقائق صادمة كما أنها تعبر عن مدى اليأس والدمار الذي وصل إليه شباب الوطن ونساءه وفقدانهم للامل في أرض أصبح شبابها طعاما يشبع بطون الاسماك في المحيطات، هؤلاء الشباب الستة سيركوب قارب مطاطي ينطلق من مدينة القنيطرة على أمل الوصول الى إسبانيا في جو ممطر رهيب وعلو البحر يزداد كل ما ازداد المطر، هناك من استسلم ولم يستطع خوض المغامرة وغادر القارب المطاطي قبل إنطلاقه خوفا من فشل الرحلة والموت وسط البحر بطريقة بشعة دون دفن ولا جثة، وهناك من خاض المغامرة لانه يعلم ان تلك الفرصة هي الاخيرة، أما الاحداث فتدور في بداية يناير 2020 بينما العالم كان يحتفل بدخول سنة جديدة، بئيسة وكبيسة بالنسبة ﻷبناء الوطن الذين كانوا ينتظرون هذه الفرصة التي تجعل الكل مشغول باحتفالات رأس السنة ومن تم تسهل عليهم عملية العبور بمساعدة من رجال القوات المساعدة التي تحرص الشاطئ والتي تأخد حصتها من عملية الهجرة تلك، يضم القارب أكثر من 40 شاب بعد أن كانوا في البداية 90 وبعد إستسلام البعض منهم أصبحوا ما يقارب الاربعين، منهم 3 فتيات وأم تحمل بين دراعيها طفلتها الصغيرة، سيبحرون في جو مرعب بأمعاء فارغة وقلوب مفزوعة، سيصلون إلى منطقة البوغاز وسط البحر المعروفة برعبها، وهناك سيتعطل قاربهم وسط البحر وسيغرق منهم 3 في مشهد تراجيدي رهيب.
سأقف هنا لكي أترك المجال لمن يريد أن يقرأ الرواية ولكي لا أحرق اﻷحداث ولا أطيل أكثر في سرد التفاصيل وإلا فقد أكتب تلخيصا عن الرواية تجعل قراءتها ليس بالشيئ الضروري عكس ما أرى أن قراءة هذه الرواية هي مهمة لكي يعلم شباب الوطن وشيابه الى أي حد وصلنا اليوم ومدى قذارة الوضع الذي نعيشه ومدى وقاحة من يحكمون هذه الجغرافية التي كتب على أبناءها إختيار الطرق الغير الشرعية والغير اﻵمنة للهروب من جحيم وطن إستولى عليه حفنة من العملاء.
الرواية غزيرة باﻷحداث والمواقف والمعاناة جديرة بالقراءة والتأمل فيما وصلنا إليه كل شخص في الرواية يمثل نقطة في بحر معاناة المهاجرين الشباب وإنعكاس ليأسهم وبؤسهم وقبولهم للمخاطرة بحياتهم من أجل العدالة والعيش الكريم لا غير.
وهذه بعض الاقتباسات من الرواية :
- إن أوروبا هي المختبر الذي اكتشف فيه داروين أن الانسان حيوان كامل؛ اعلم هذا جّيًدا.

« وقت انطلاق الرحلة: حسب حالة البحر.
وقت الوصول: مجهول.
نسبة النجاح: 1%
نسبة الألمل: 99%
عدد الركاب: باﻵلاف كلهم شباب.
وسيلة الرحلة: أي شيء يطفو فوق الماء.
سبب الرحلة: ظلم الوطن.
ثمن الرحلة: حياتنا.
الوجهة: أحد شواطئ أوروبا »
بتصرف.

"الأرض لزيوس
الوطن للكهنة والنبلاء
الجوع والحرب للأقنان
الأقنان للأسماك
الأسماك للنبلاء والكهنة
لقد أكلوا أجسادنا يا زيوس".

"لقد أخذهما البحر، و الدور علينا!؟.
لقد ماتا، هل استوعب الجميع ذلك؟!
لقد ماتا !!
من أجل ماذا ماتا ؟؟
لقد ماتا، لا يوجد احتمال ثان !!؟.
ماتا حبا في الكرامة
ماتا حّبا في العدالة
ماتا وتركا خلفهما قلوًبا تحترق !!
طفلان.. صبيان.. ما ذنبهما؟!
اللعنة على من كان السبب.
ِ ماتا َغرقا تركا عائلتيهما.. تركا أحالمهما
لقد ماتا!!
دون جنازة
دون قبر،
دون عزاء؛ دون أي شيء
لم يكن البحر رحيما بهما تماما مثل وطنيهما!!
الوطن قتلهما
وفي البحر دفنا!."