الصين والشرق الأوسط


خالد رافع الفضلي
2022 / 5 / 19 - 03:07     

تعد الصين واحدة من أسرع الدول النامية في العالم الحديث، الأمر الذي يستلزم حتما تغيير دورها في العمليات السياسية العالمية. لذا تسعى جمهورية الصين الشعبية إلى فرض نموذجها الخاص للعلاقات الدولية على أساس البراغماتية ورفض المواجهة الجيوسياسية والاعتراف بالمصالح المشتركة؛ تنبع هذه الحالة من العقيدة المحافظة التي هيمنت على السياسة الخارجية للمصلح الصيني "دنغ شياو بينغ" . كتب "سام تشيستر" في مقال افتتاحي لـ Asia Times أنه إذا لم تكن الموارد الخارجية مهمة للأمن القومي للصين، فيجب على السياسة الخارجية الصينية أن تتجنب العمل السياسي العدواني .
في هذا الصدد، أصبح من الضروري فهم استراتيجية السياسة الخارجية لجمهورية الصين الشعبية فيما يتعلق بدول الشرق الأوسط، لأن تكثيف الجهود في هذه المنطقة تسمح لبكين بالسيطرة على جزء كبير من موارد الطاقة في العالم وتعطيها الفرصة، لترسيخ مكانتها كلاعب عالمي رائد.
ظلت الصين داعمة لعالم متعدد الأقطاب، منذ التسعينات شاركت بنشاط في بناء "حزام حسن الجوار" وأصبحت لاعبا نشطا في الساحة الدولية. في عهد "هو جينتاو"، تم طرح عقيدة "عالم متناغم"، والتي تم تطويرها واستمرارها في مفاهيم السياسة الخارجية التي اقترحها "شي جيبنغ".
في إطار هذه الاستراتيجية، تستخدم الصين عن عمد المجموعات التالية من الإجراءات الفعالة. أولاً، توقيع أنواع مختلفة من عقود التجارة الحرة، وتقديم قروض بدون فوائد بشروط متبادلة المنفعة للمشاريع الاقتصادية. ثانيًا، التغطية المستمرة في وسائل الإعلام للبعثة الإنسانية وحفظ السلام للإمبراطورية السماوية والدبلوماسية. ثالثًا، الترويج النشط والهادف للغة الصينية والثقافة الصينية في دول العالم العربي.
في الوقت نفسه، سيتعين على المتخصصين من جمهورية الصين الشعبية الذين سيشاركون في مشروع الحزام والطريق أن يحلوا عددًا من المشكلات القانونية، نظرًا لأن قوانين معظم دول الشرق الأوسط لها اختلافات خطيرة في نظام التوظيف والضرائب. والقانون المالي والأمن، إلخ. إن ارتفاع مستوى الفساد في تلك المنطقة يثير الشكوك. علاوة على ذلك، يعتقد الخبراء الصينيون أن الأنظمة القضائية في دول الشرق الأوسط قد تكون خاضعة لسيطرة "قوى خارجية"، مما قد يعقد بشكل كبير حل القضايا القانونية.
ولكن العامل الرئيسي الذي يهدد تحقيق الأهداف الاستراتيجية للصين في الشرق الأوسط هو الوجود العسكري والسياسي للولايات المتحدة في المنطقة. اليوم، يعمل الخبراء الأمريكيون بنشاط على ترهيب المجتمع العالمي بمزاعم التهديد الصيني والطموحات الإمبريالية للإمبراطورية السماوية، ويقنعون دول الشرق الأوسط برفض المشاركة في المشاريع الاقتصادية الصينية.
كما تعتقد الصين أن العمليات المدمرة التي تحدث في دول الشرق الأوسط تخضع لسيطرة واشنطن وتهدف إلى الحفاظ على الهيمنة الجيوسياسية الأمريكية على المدى الطويل، وإرساء السيطرة على المواد الخام وإخراج المنافسين الأمريكيين، وخاصة روسيا والصين، من المنطقة. وتتوقع بكين استمرار الوضع الصعب في الشرق الأوسط لفترة طويلة ولا تستبعد أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار على نطاق عالمي.
في الواقع، لا تزال الصين وافدًا جديدًا نسبيًا إلى المنطقة وتتسم بالحذر الشديد في مقاربتها للتحديات السياسية والأمنية المحلية، فقد اضطرت الصين إلى زيادة مشاركتها مع الشرق الأوسط بسبب تواجدها الاقتصادي المتزايد هناك. كما تدعو القوى الأخرى أن تتخلى عما تعتبره عقلية الحرب الباردة لتأسيس نظام أمني جديد قائم على تقاسم الأعباء والسلع العامة، وبالتالي تعزيز السلام والتنمية المستدامين.