من المُلام؟ كيف نشأ الخلاف بين قادة الصين الماويين، والاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الأُخرى (7)


مالك ابوعليا
2022 / 5 / 19 - 02:30     

الكاتب: الصحفي السوفييتي أوليغ ايفانوف

ترجمة مالك أبوعليا

الشيوعيين السوفييت يسعون الى تطبيع العلاقات بعد اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي (1964)

يجب على المرء أن يُلاحظ، عند الحديث عن النوايا الطيبة للحزب الشيوعي السوفييتي، وبحثه عن الطرق للتغلب على الخلافات السوفييتية-الصينية، الجُهد الكبير البنّاء الذي بذلته اللجنة المركزية للحزب في مجال العلاقات السوفييتية الصينية بعد اجتماع اللجنة المركزية عام 1964. على مدى السنوات الـ25 الماضية، دعت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي والحكومة السوفييتيتان دائماً الى تطبيع العلاقات المُشتركة. تمت مُناقشة أعمال وجوهر تلك الجهود على نطاقٍ واسعٍ في الأدبيات العلمية السوفييتية. وهنا نلفت الانتباه الى أحداث عام 1964. جاءت قرارات الاجتماع العام للجنة المركزية من حقيقة أن وجود خلافات ايديولوجية خطيرة لا يُقلل من الحاجة الى وحدة الفعل، وقبل كل شيء، الوحدة في النضال ضد الامبريالية وتطوير العلاقات بين الدول. وبدعمٍ من الأحزاب الماركسية اللينينية الأُخرى، أوقف الحزب الشيوعي السوفييتي جميع الانتقادات الموجهة ضد وجهات نظر وأفعال الحزب الشيوعي الصيني في الصحافة. لم ترد بكين بالمثل، وواصلت دعايتها المُعادية للسوفييت. ومع ذلك، دعت اللجنة المركزية والحكومة السوفييتيتان عام 1964 وفداً حكومياً وحزبياً من الصين للمشاركة في الاحتفالات بالذكرى السنوية السابعة والأربعين لثورة أُكتوبر حتى يُمكن استخدام وسائل الاتصال رفيعة المُستوى من أجل ايجاد سُبُل لتطبيع العلاقات السوفييتية الصينية.
حاول الوفد الصيني، الذي كان من بين أعضاءه تشو انلاي وكانغ شينغ Kang Sheng استخدام الضغط المُباشر والصريح لجعل الحزب الشيوعي السوفييتي يتخلى عن موقفه المبدأي، واستخدام كل فرصة تسنح للابتزاز باتهام الحزب الشيوعي السوفييتي بأنه يتخذ موقفاً "غير ودياً" من الحزب الشيوعي الصيني. لجأوا الى شعار "افلاس التحريفية المُعاصرة وانتصار أفكار ماو تسي تونغ" من أجل إقناع قادة الأحزاب والدول الشقيقة الذين وصلوا الى موسكو ولزرع بذور الفتنة بين دول المنظومة الاشتراكية والحركة الشيوعية العالمية. تقدّم الجانب الصيني بطلب لم يسبق له مثيل في العلاقات بين الأحزاب: طُلِبَ من الحزب الشيوعي السوفييتي أن يتخلى عن سياستة المبنية على قرارات المؤتمرات من 20-22 ووثائق اجتماعات الأحزاب الشيوعية والعمالية التي عُقِدَت في موسكو عامي 1957 و1960، وتبنّي سياسة تقوم على "أفكار ماو تسي تونغ" والنقاط الـ25 ذات السُمعة السيئة والتي تتبعها بكين في "خطها العام" المنصوص عليها في وثائق اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني والمنشورة في عدد 14 حُزيران من صحيفة الشعب الصيني(5).
قُوبِلَت هذه المحاولات بالرفض. في موسكو، قِيل للوفد الصيني أن المسار السياسي لجميع مؤتمرات الحزب الشيوعي السوفييتي يعكس ارادة الحزب والشعب السوفييتي بأسره.
فيما يتعلق بجوانب مُحددة من العلاقات السوفييتية الصينية، كان موقف الحزب الشيوعي السوفييتي في الاجتماع واضحاً جداً: لقد ذكر أنه من أجل مصلحة قضيتهما المُشتركة، يجب على الحزبين الشيوعيين المُضي في علاقاتهما من عوامل وحدتهما وليس تفرقهما، لأن جوهر المسألة هو البدء في تطبيع الوضع بغض النظر عن الخلافات الايديولوجية القائمة. تم التأكيد على أنه من الضروري وضح حد للنزاع المفتوح ومناقشة مسألة اتخاذ الطرفين خطوات مُشتركة لتعزيز الجبهة المُعادية للامبريالية وكذلك تبادل وجهات النظر حول العلاقات المُتبادلة بين البلدين.
أكد قادة الحزب الشيوعي الصيني مرةً أُخرى في اجتماع عام 1964 رفضهم الامتناع عن الجدل العلني. كما رفضوا بشكلٍ قاطع مُقترح الحزب الشيوعي السوفييتي بابقاء الجدالات في اطار الجدالات الرفاقية.
امتنع الوفد الصيني عن مُناقشة تدابير مُحددة لتوحيد الجبهة المُعادية للامبريالية، وكما اتضح لاحقاً، لم يكن بدون سبب أن رفضوا مُقترح مُناقشة العلاقات بين البلدين وفشلوا في طرح أي مُقترحات ايجابية بخصوص تطبيع العلاقات.
استجاب الوفد السوفييتي بمبادرة جديدة ومهمة، وهي عقد اجتماع لمُمثلين رفيعي المُستوى للحزبين الشيوعيين بهدف تبادل الآراء حول العديد من المسائل واستعادة الثقة والوحدة بين الحزبين والدولتين عندما يكون الجانب الصيني مستعد لذلك. وتم اقتراح عقد الاجتماع في موسكو أو في بكين في أي وقت يُناسب الجانب الصيني. لم يؤيّد الجانب الصيني هذا المُقترح.

***

قام الاتحاد السوفييتي في السنوات التي أعقبت ذلك، بطرح مُقترحات مُتنوعة كان من المُمكن أن يؤدي تحقيقها الى تحسين العلاقات بين الدولتين الى حدٍ كبير. ان ذكر عدد من هذه المُبادرات سيُظهِر للقارئ غير المُتحيز، النوايا الحسنة التي كان الاتحاد السوفييتي يُظهرها.
اقترح الاتحاد السوفييتي في 8 تموز من عام 1970 اصدار اعلان عام مُشتَرك من قِبَل الحكومتين السوفييتية والصينية يُفيد بأن كلا الجانبين لم يُطالب بأراضي الآخر، وأن كل جانب عازم على الحفاظ على الوضع الراهن فيما يخص الحدود المُشتركة.
في 15 كانون الأول عام 1971 تلقّت الحكومة الصينية مسوّدة معاهدة بشأن نبذ استخدام القوة، وفي 14 حُزيران لعام 1973 تم تقديم مشروع مُعاهدة عدم اعتداء بين الاتحاد السوفييتي والصين. منذ ذلك الحين، وخاصةً في السنوات القليلة الماضية، طَرَحَ الاتحاد السوفييتي مراراً وتكراراً مُقترحاتٍ حول تطوير التعاون والتبادل في مجالات العلوم والتكنولوجيا والصحة العامة والرياضة وبين جمعيات الصداقة السوفييتية الصينية، وبشأن تحسين العلاقات فيما يخص الأقسام الحدودية النهرية ولتطوير التجارة الحدودية.
وهكذا، يُظهِر موقف الاتحاد السوفييتي أنه لا توجد في العلاقات السوفييتية-الصينية مسائل لا يُمكن حلها من خلال نهج حُسن الجوار. لقد أعرب الاتحاد السوفييتي دائماً عن استعداداه لإيلاء اهتمام شديد لأي مُبادرات بناءة تصدر من الجانب الصيني. ولكن هذه المبادرات لم تظهر أبداً. كما لم يكن هناك استجابة ايجابية على المُقترحات البناءة التي طرحها الاتحاد السوفييتي. ظل العديد منها بدون أي رد، كما رُفِضَ بعضها الآخر بدون أي أساس.
بالإضافة الى ذلك، رفضت القيادة الصينية في نيسان 1979 تمديد مُعاهدة الصداقة والتحالف والمُساعدة المُتبادلة التي وقّعها البلدان في شباط عام 1950.
وفي وضع انحياز القيادة الصينية للامبرياليين، اعتُبِرَت المُعاهدة السوفييتية الصينية في بكين، بمثابة كابح لخُططها المُتمثلة بانشاء "جبهة عريضة موحّدة" ضد قوى السلام والاشتراكية والتقدم. رداً على هذا العمل العدواني، أصدرت الحكومة السوفييتية بياناً أفاد أنه بغض النظر عن المدى الذي سيذهب اليه أعداء الصداقة السوفييتية-الصينية في حذف جميع الأشياء الجيدة التي تحققت في سنوات التعاون الودّي بين البلدين ومُحاولتهم بناء حاجز من العداء بين الشعبين، فإن محاولاتهم ستنتهي بالفشل، وأن المسؤولية عن إحباط تمديد المُعاهدة تقع على عاتق الجانب الصيني.
ومع ذلك، وبفضل جهود الاتحاد السوفييتي، بدأت المُحادثات السوفييتية-الصينية في موسكو في خريف عام 1979 بهدف تطبيع العلاقات بين الدولتين. طَرَحَ وفد الحكومة السوفييتية مشروع مبادئ العلاقات بين الدولتين. كان يُمكن للتوقيع عليه أن يُقدّم أساساً قانونياً فعالاً لتطبيع العلاقات.
وأظهرت المُحادثات مرةً أُخرى أن الجانب الصيني لم يكن مُهتماً بتطبيع العلاقات بين البلدين وأنه ليس لديه النية لإتخاذ خطوات حقيقية في هذا الاتجاه، وأن سياسة القادة الصينيين ومسارهم المُعادي للسوفييت لم يتغيّر.
تضطر قيادة بكين الآن الى التفكير في الذرائع التي ستُقال لتبرير رفضها تحسين العلاقات بين الدولتين في نظر الرأي العام العالمي. ولتحقيق ذلك، تلجأ الى التكتيكات التي يُمكن تعريفها على نحوٍ مُلائم على أنها "الحلقة الصينية المُفرغة".
تزعم القيادة الصينية أنه قبل التوصل الى أي حل لأي جانب من جوانب العلاقات السوفييتية-الصينية، من الضروري تحقيق تقدّم في تسوية "القضية الحدودية". تعني كلمة "تقدم" في هذه الحالة، قبول الاتحاد السوفييتي لعددٍ من الشروط السخيفة. أحدها هو اعتراف الاتحاد السوفييتي بمُطالبات الصين الإقليمية بما يُسمى "المناطق المُتنازع عليها" والتي تضم عشرات الآلاف من الكيلومترات المُربعة من الأراضي السوفييتية مع مُدن ومناطق حكم ذاتي يقطنها سكان الدولة الروسية منذ قرون.
عندما وافقت القيادة الصينية على المشاركة في المُفاوضات مع الاتحاد السوفييتي، كانت تسعى لتحقيق أهداف سياسية مُختلفة تماماً. لقد سعت الى ما يلي:
- خداع الرأي العام العاملي من خلال تكتيك مُناوراتها في العلاقات السوفييتية-الصينية: الحِفاظ على سياساتها المُعادية للسوفييت تحت ذريعة "حسن النوايا"، واتباع "نهج واقعي" في العلاقات مع السوفييت.
- لمُمارسة الضغط على الولايات المتحدة ودول الناتو من خلال التهديد بتطبيع العلاقات السوفييتية-الصينية (بهدف الحصول على تنازلات من القُوى الامبريالية فيما يتعلق بالمساعدات العسكرية والاقتصادية للصين، وبالتالي تقوية هذه الأخيرة كقوة مُجابهة للاتحاد السوفييتي).
- الضغط على الاتحاد السوفييتي من خلال التقدّم بمطالب قاطعة من جهة، والتظاهر بالاستعداد لتسوية القضايا المعنية، من جِهة أُخرى.
كانت المحادثات السوفييتية الصينية مصحوبةً بدعاية بكين المُعادية للسوفييت والتي تم شنها ضد جميع جوانب السياسات الخارجية للاتحاد اليوفييتي وفييتنام ودول اشتراكية أُخرى.
في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات تقدّمت بكين بمطالبات أُخرى تجاه الاتحاد السوفييتي: الانسحاب أُحادي الجانب للقوات السوفييتية من الحدود الصينية، سحب الوحدات العسكرية السوفييتية من جمهورية منغوليا الشعبية، التي كانت تتمركز هناك بناءاً على طلب الحكومة المنغولية ووفقاً للاتفاقيات ذات الصلة، وتقليص المساعدات السوفييتية لفييتنام البطلة المُخصصة لحمايتها من مُطالبات بكين التوسعية التي امتدت ايضاً الى دولٍ أُخرى في جنوب شرق آسيا، وسحب القوات السوفييتية المتمركزة في أفغانستان بناءاً على طلب حكومتها الشرعية والمُخصصة لمساعدتها في صد عدوان باكستان والولايات المتحدة والصين. بخلاف ذلك، كما قال دينغ شياو بينغ، في مُقابلة له من مراسلين أجانب في تشرين الثاني عام 1980، فإن العلاقات السوفييتية الصينية لن تتغير حتى بعد 10 الى 20 عاماً.
هذه هي "الشروط" غير المسبوقة التي طرحها القادة الصينيون كشرط لاستئناف المفاوضات.
من المُثير للاهتمام أن كل هذه المُطالبات يتم تقديمها في وقتٍ تواصل فيه بكين تركيز قواتها العسكرية في مناطقها الحدودية، من أجل طرح مُطالبات جديدة بصدد أراضي الاتحاد السوفييتي ومنغوليا والقيام بأنشطة تخريبية ضد هذه الدول. من الواضح أن هذه الانذارات موضوعة من أجل عرقلة كل احتمالات تطبيع العلاقات بين البلدين.
ومع ذلك، يُمكن للاتحاد السوفييتي أن يطرح مطالبات مُحقّة من بكين، مثل إلزام الصين بالتخلي عن سياسة "تحضير جبهة دولية واسعة" ضد الاتحاد السوفييتي، والمُسجّلة في الدستور الصيني، والتخلي عن مطالباتها "الصُغرى" و"الكُبرى" بالـ33000 كيلومتر مربع و1.5 مليون كيلومتر مربع من الأراضي السوفييتية، والتي تم ذكرها في الوثائق الصينية الرسمية، ومطالبتها بأن لا تشن المزيد من الهجمات على فييتنام الاشتراكية، وأن تحترم سيادة فييتنام ومنغوليا ولاوس وكمبوديا والامتناح عن التدخل في شؤونها الداخلية، وانهاء حربها غير المُعلنة ضد جمهورية أفغانستان الديمقراطية، وما الى ذلك. لا يطرح الاتحاد السوفييتي هذه المطالب فقط لأنه يُدرك جيداً أن هذا من شأنه أن يؤدي بالمُحادثات الى طريقٍ مسدود.
بعد موت ماو تسي تونغ، اتخذ الاتحاد السوفييتي عدة خطوات تُظهِر استعداده الصادق لتحسين العلاقات مع الصين.
في بيانه، أكّد وزير خارجية الاتحاد السوفييتي اندريه غروميكو الذي ترأس الوفد السوفييتي، في الدورة الحادية والثلاثين للجمعية العامة للأُمم المُتحدة التي افتُتِحَت في أيلول 1970، أن الاتحاد السوفييتي يولي إهتماماً كبيراً لعلاقاته مع الصين ويواصل ذلك. وقال، أن إعادة العلاقات الى وضعها الطبيعي سيكون له تأثير إيجابي على الوضع في آسيا والعالم. "تحدد موقفنا هذا بوضوح فيما يتعلق بالصين من خلال قرارات المؤتمر الخامس والعشرين للحزب الشيوعي، وهو لا يزال ساري المفعول بالكامل اليوم".
تم التعبير عن مشاعر الصداقة والنوايا الحسنة تجاه الشعب الصيني في رسالة ترحيب من هيئة رئاسة مجلس السوفييت الأعلى ومجلس وزراء الاتحاد السوفييتي بمناسبة الذكرى السابعة والعشرين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. قالت الرسالة أن إعادة العلاقات السوفييتية الصينية الى مجراها الطبيعي على أساس المُساواة واحترام سيادة أراضي كُلٍ منهما، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، سيتوافق مع تطلعات الشعبين السوفييتي والصيني الذين يهتمان ببناء الاشتراكية والحفاظ على السلام والأمن العالميين وتوطيدهما.
في خطابه في الجلسة العامة للجنة المركزية للحزب الشيوعي، التي عُقِدَت في تشرين الأول 1976، حدد ليونيد بريجنيف بوضوح النهج المبدأي السوفييتي لتحسين العلاقات مع الصين: "أما بالنسبة للاتحاد السوفييتي، فإنه قد اتخذ باستمرار مساراً دائماً لمُحاولة تحسين العلاقات مع الصين... أود التأكيد على أنه، برأينا، لا توجد قضايا في العلاقات السوفييتية الصينية لا يُمكن حلها بروح حسن الجوار. سنواصل العمل لتحقيق هذا الهدف. سيعتمد الأمر على ما سوف يُقرره الجانب الآخر"(6).
كيف كان تجاوب قيادة ما بعد ماو في بكين على سياسة الاتحاد السوفييتي فيما يخص إعادة العلاقات مع الصين الى طبيعتها؟ أظهرت الأشهر الأولى من حُكمها أنها كانت تتبع نفس المسار وأنه ليس لديها النية لتغيير سياستها المُعادية للسوفييت. بالاضافة الى ذلك، أكد القادة الصينيون الجُدد بكل الطرق تمسكهم الصارم بهذه السياسة واستخدموا كل ذريعة لإظهار عدائهم الشديد تجاه الاتحاد السوفييتي.
في 28 شباط عام 1977، عاد نائب وزير خارجية الاتحاد السوفييني ليونيد ايليتشيف Leonid Ilyichev الذي ترأس الوفد السوفييتي في المفاوضات حول قضايا الحدود من بكين الى موسكو.
ويتحمل الجانب الصيني مسؤولية فشل المفوضات: فقد رفضت بكين جميع المُقترحات السوفييتية دون أي نقاش وكانت طوال الوقت تزعُم أن "الظروف لم تنضج بعد" لتحقيقها. أعلن الجانب الصيني بشكلٍ قاطع، رداً على المُقترح السوفييتي بوضح حد للجدل وخلق جو من حسن النية، أن "الخلافات حول المسائل المبدأية أمرٌ لا مفر منه وسيستمر عشرة آلاف سنة" (وهذا يعني استكمال الدعاية المُعادية للسوفييت والتدخل في شؤون الاتحاد السوفييتي الداخلية)، وأن هذا الاستمرار لهذه المدة سيتواصل حتى يعترف الحزب الشيوعي السوفييتي علناً "بخطأ سياسته" ويُقدّم ضماناتٍ بأنه لن يُكرر هذه "الأخطاء" في المُستقبل. من الطبيعي أنه تم رفض مزاعم القوة العُظمى هذه تماماً.
كان أحد الدوافع وراء تصاعد الهستيريا المُعادية للسوفييت في بكين هو جعل الاتحاد السوفييتي يتخلى عن موقفه المبدأي فيما يتعلق بالصين ويكتسب "حُججاً" لتبرير سياسته في شن مزيد من الهجمات على الاتحاد السوفييتي. هذه المحاولات باءت بالفشل.
كما قدّم ليونيد بريجنيف وجهة النظر السوفييتية حول تطور العلاقات مع الصين في اجاباته على رئيس تحرير صحيفة اساهي اليابانية شوريو هاتا shoryu hata في 6 حُزيران عام 1977. "نحن نُريد أن نُعيد العلاقات بين البلدين الى سياقها الطبيعي. ان اعادة علاقات حُسن الجوار الحقيقية بين بلدينا ستكون ذات أهمية كبيرة للصين والاتحاد السوفييتي مما سيُحسّن الوضع الدولي ككل". وقال: "انه عدم تحسّن العلاقات السوفييتية الصينية لسوء الحظ، لهو ذنب الجانب الصيني. تسير القيادة الصينية الجديدة على الطريق القديم البالي، ان جاز التعبير. ومن المعروف أن حملة التنديد بسياسة الانفراج مُستمرة وأن كل شيء يُبذّل لإحباط أي تدابير في مجال نزع السلاح"(7).
أكد الاجتماع العاشر للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني الذي عُقِدَ في الفترة من 16-21 تموز عام 1977 في جلسته الثالثة، رسمياً، أن قيادة الحزب الشيوعي الصيني الجديدة التزمت بمواقفها السابقة، واستمرت في اتباع التوجهات الأساسية للماويين في السياسة الخارجية والداخلية.
حدد الاجتماع العام سلفاً والى حدٍ كبير طبيعة ومضمون القرارات التي تم تبنيها في المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي عُقِدَ في الفترة من 12-18 آب عام 1977، وشدد المؤتمر على اخلاصه لمسار السياسة الخارجية الماوية، واعادة التأكيد على نزعة القوّة العُظمى والسياسة العسكرتارية، واتخاذ سياسة النضال ضد الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الأُخرى شن هجمات على الحزب الشيوعي السوفييتي والدولة السوفييتية.
أُعطِيَ برنامج القادة الصينيين المُعادي للسوفييت دفعَةَ أُخرى في الجلسة الأولى للمجلس الوطني الخامس لنواب الشعب في آذار 1978.
وباعتباره أعلى هيئة لسلطة الدولة في الصين، فقد أكّد على نهج القادة الصينيين المُعادي للسوفييت الذي تمت صياغته في المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي الصيني، وقد تم تثبيت هذا المسار في دستور جمهورية الصين الشعبية. لم يعد النضال ضد الاتحاد السوفييتي وحلفائه معياراً حزبياً ترسّخ في قواعد الحزب وحسب، بل صار أيصاً معياراً دستورياً، أي واجب على كل عضو في الحزب الشيوعي الصيني وعلى كل مواطن من أبناء الشعب. تم اجراء تعديل على الدستور لجعله يتماشى مع الوثائق التي تم تبنيها في المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي الصيني، وهو تعديل يُصنّف الاتحاد السوفييتي على أنه عدو الصين الأول.
وجّه المتحدثون في المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي الصيني اتهامات لا أساس لها ضد الاتحاد السوفييتي زاعمين أنه "لم يتخل عن فكرة استعباد بلادنا" وخَلُصَ الى استنتاج مفاده أن الصينيين "يجب أن يكونوا مستعدين للقتال" "ويبنوا جيشاً برياً وبحرياً وجوياً قوياً أيضاً"
في جلسة نواب الشعب الوطني، كرر رئيس المجلس هذا الاتهام كلمةً بحذافيره وربطه بالحاجة الى زيادة مُعدّل التنمية الاقتصادية للصين. وهكذا ارتبطت مُعاداة السوفييت بـ"المهمات العامة" لسياسة الصين الداخلية.
وكان من بين التطورات الجديدة في الجلسة إعلان مطالب الصين من منصة برلمانية، مما منحها طابعاً رسمياً.
هنا أيضاً تم إعطاء مكانة الصدارة لنسخة بكين الزاائفة لـ"الاتفاق المُتبادل بيئن رؤساء الحكومتين الصينية والسوفييتية" الذي تم التوصل اليه في اجتماع القمة في 11 أيلول عام 1969. كان رؤساء الحكومتين قد وافقوا على عدم افشاء مُحتوى مُحادثاتهم في مطار بكين ولا مُحادثاتهم حول مسألة الحدود. انتهك الجانب الصيني الاتفاقية بإعلان تفسيره الخاص "للتفاهم المُتبادل" في جلسة مجلس نواب الشعب، وفي وقتٍ لاحق في صحيفة الدولة الرسمية. لذلك يجب علينا أن نفسّر ما حدث بالفعل في اجتماع رؤساء الحكومات في أيلول.
أولاً وقبل كل شيء، تندرج المسائل التي نوقِشَت في الاجتماع في فئتين مُحددتين: المسائل التي عبّر فيها الطرفين عن وجهات نظر مُتطابقة أو متشابهة، وتلك التي أدت الى خلافات في الرأي وحتى الى مواقف مُتعاكسة.
ومن بين المسائل المطروحة في الفئة الأولى مسألة إعادة العلاقات على مُستوى السُفراء وزيادة التجارة بين البلدين واستعادة الاتصالات الهاتفية المُباشرة عالية التردد. كما توصّل رؤساء الحكومتين الى اتفاق على أن تسوية النزاع الحدودي مُهم جداً لتسوية العلاقات بين الدوليتين. اتفق الجانبان على الامتناع عن النزاعات الحدودية المُسلّحة، وبدء مُفاوضات حول تسوية حدودية والحفاظ على الوضع الراهن على الحدود (تم التأكيد على أن المبدأ الرئيسي في إبقاء الوضع الراهن هو الاعتراف بالحدود القائمة وأن كلا الجانبين سيلتزم على حدوده في الوقت الذي عُقِدَ فيه اجتماع القمة، أي 2 أيلول 1969). كان هذا هو جوهر الاتفاق والنتيجة الرئيسية للاجتماع.
ومن بين المسائل في الفئة الثانية، والتي اختلفت الآراء بشأنها من حيث المبدأ، المسائل حول "المناطق المُتنازع عليها"، والوضع العسكري والأنشطة الاقتصادية في "المناطق المُتنازع عليها". فَشِلَ الجانبان في الاتفاق على أنه يجب التوقيع على اتفاقية بشأن الحفاظ على وضع الحدود الراهن كشرط أولي لمُناقشة المسألة الحدودية، وهي الاتفاقية التي يُشير اليها القادة الصينيون كثيراً اليوم.
فَشِلَ اجتماع رؤساء الحكومتين في وضع أي وثيقة مُنسّقة تُحدد في شكلٍ مكتوب النقاط التي تمت مُناقشتها في مُحادثاتهم. بعد الاجتماع تم تبادل الرسائل بين رئيس مجلس وزراء الاتحاد السوفييتي ورئيس مجلس الدولة الصيني، حيث أوضحَ الجانبان موقفهما من جميع المسائل التي أُثيرت في اجتماع 11 أيلول 1969.
صاغ تشو انلاي، في رسالته المؤرخة 18 أيلول 1969 "الاجراءات الصينية المؤقتة" لتطبيع الوضع على الحدود وتجنب النزاعات العسكرية. تضمنت هذه المطالب بأن يعترف الاتحاد السوفييتي بوجود "مناطق مُتنازع عليها" على الأراضي السوفييتية، وسحب القوات السوفييتية منها وابرام اتفاقية على الوضع الراهن (أي جميع النقاط التي رفضها الجانب السوفييتي في اجتماع 11 أيلول). كتب تشو انلاي في رسالته أن رؤساء الحكومات بالكاد "تبادلوا الأراء" بصدد هذه النقاط وأن الموافقة على المطالب المذكورة أعلاه برسالة من رئيس الحكومة السوفييتية يُمكن أن يُحوّلها بسهولة الى اتفاقية رسمية بين حكومة الدولتين.
أظهَرَ رد رئيس مجلس وزراء الاتحاد السوفييتي في 26 أيلول 1969 مرةً أُخرى أن الجانب السوفييتي لا يُمكنه الموافقة على البنود التي اقترحها رئيس مجلس الدولة الصيني.
تُدرك بكين جيداً الوضع الحقيقي للأمور. ومع ذلك، خَلَطَ الجانب الصيني جميع النقاط التي أُثيرت في الاجتماع، ووضعت النقاط التي لم يوافق عليها الجانب السوفييتي مع تلك التي تم تبادل الآراء بشأنها فقط. هذه هي الطريقة التي وُلِدَت بها النُسخة الصينية عن "الاتفاق المُتبادل لرؤساء الحكومات".
لم تفشل جلسة آذار لمجلس النواب الصيني عام 1978 في إحداث أي تحسن في العلاقات السوفييتية الصينية وحسب، بل زادتها سوءاً.
من المعروف، أن موقف الصين لم يتغير الى الأفضل. يتغلغل العداء للسوفييت في جميع جوانب سياسة قادة بكين.
هناك دافع مُتزايد بإطراد ليس فقط لتوفير أساس "نظري" لمُطالبات الصين تجاه الاتحاد السوفييتي والتي طرحها ماو تسي تونغ في "قائمته" سيئة السُمعة في تموز 1964 ولجعل هذه "القائمة" في أساس السياسة العملية. يُطالب الشوفينيون في بكين بأراضي في جميع الدول المُجاورة لهم تقريباً. تتجاوز المساحة الاجمالية للأراضي التي وضعوا نُصب اعينهم عليها 3 ملايين كيلو متر مربع، وهذا يُعادل ثلث مساحة الصين، أو 5-6 أضعاف مساحة فرنسا.
يسترشد الاتحاد السوفييتي في علاقاته مع الصين بقرارت المؤتمر الخامس والعشرين للحزب الشيوعي. الى جانب مُعارضته لسياسة القادة الصينيين وأيديولوجيتهم، يتوخى استعداده لتطبيع العلاقات مع الصين على طريق التعايش السلمي. وفقاً لقرارات المؤتمر في 24 شباط 1978 اتخذ الاتحاد السوفييتي خطوةً مُهمة تهدف الى تطبيع العلاقات مع الصين من خلال ارسال بيانٍ صادرٍ عن هيئة رئاسة مجلس السوفييت الأعلى لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية الى اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب.
اقترح البيان أن يُصدِر كلا البلدين اعلاناً مُشتركاً لمبادئ العلاقات بينهما، والتي، كما ذّكّر، يجب أن تسنتد الى مبدأ التعايش السلمي والالتزام الصارم بمبادئ المساواة والاحترام المتبادل لسيادة أراضي كُلٍ منهما وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكلٍ منها والتخلي عن استخدام القوة.
رفضت القيادة الصينية بوقاحة هذه المُقترحات في 9 آذار عام 1978. وصفت وزارة الخارجية الصينية في مُذكرتها، مُستشهدةً بتعليماتٍ من اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الوثيقة المُقترحة بشأن مبادئ العلاقات المُتبادلة بين البلدين، وصفته بأنه "بيان فارغ" وكررت المُذكرة بمُطالبات الصين بالأراضي السوفييتية الواردة في تقرير هوا جوفينغ Hua Guofeng الى المؤتمر الوطني لنواب الشعب.
تم تأكيد سياسة القادة الصينيين المُعادية للسوفييت مرةً أُخرى في قرارات الجلستين الثالثة والرابعة والاجتماعات الكاملة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني 1978-1980، والدورتين الثانية والثالثة لمجلس لنواب الشعب في الاجتماع الخامس 1979-1980، وفي العديد من التصريحات التي أدلت بها.
ان الحملة الجارية الآن في الصين لجعل الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تسير بشكلٍ طبيعي موجهة للنضال ضد الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية الأُخرى ومن أجل تصعيد الاستعدادات العسكرية المُكثفة. أعلن القادة الصينيون أن النضال ضد الاتحاد السوفييتي سيكون مُهمتهم الرئيسية في الثمانينيات. لقد أيدوا "العقوبات" الأمريكية ضد الاتحاد السوفييتي، ورفضوا المُضي قُدُماً في المرحلة الثانية من المُحادثات السوفييتية الصينية، وقلصوا التجارة مع الاتحاد السوفييتي ورفضوا المُشاركة في الألعاب الأولومبية المُقامة في موسكو. تجري في الصين حملة خبيثة مُعادية للسوفييت على قدمٍ وساق. تدعو الصحافة الصينية الغرب الى مُحاربة الاتحاد السوفييتي قبل أن يصل الى "ذروته" العسكرية والاقتصادية، مُحذرةً من أنه بخلاف ذلك "سيكون الأوان قد فات". حاول رئيس اللحنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني تخويف الدول الغربية بالحديث عن "التهديد السوفييتي" ودعاهم الى مُراقبة السوفييت عن كثب ان لم يريدوا اندلاع حرب عالمية جديدة، وهاجَمَ اولئك الغربيون الذين يُصرون على الانفراج وقال أن الصين كانت دائماً تقف ضد أي تنازلات أو مساومات مع الاتحاد السوفييتي(9).
يواصل قادة بكين تكرار أُطروحاتهم البالية حول "التهديد العسكري" السوفييتي المزعوم للصين وينسبون الى الاتحاد السوفييتي الأهداف السخيفة المُتمثلة بـ"شن حرب عالمية ثالثة" والرغبة في "استعباد" الصين، وما الى ذلك، وبالتالي تعمّد تشويه الموقف المبدأي للحزب الشيوعي السوفييتي من المسألة الصينية(10).
يُظهِر موقف السُلطات الصينية هذا أنها لا تنوي تحسين العلاقات مع جيرانها. من الواضح أن هُناك قوىً في الصين تجد أن التوتر في العلاقات الصينية وتأجيج المُعاداة للسوفييت يسير بالتوافق مع مصالحها. انهم يعتبرون ذلك بمثابة هديةٍ يُقدمونها للقوى الامبريالية باعتبار أن مصلحتهم تسير بالتطابق مع التقارب معها لأنهم بذلك يحصلون على الوعود بتقديم قروض و"مساعدات" لتنفيذ برنامج "التحديثات الأربع".
ومع ذلك، يتذكر الثوار الصينيون الحقيقيون من أي مصدرٍ تلقت الصين مُساعدةً حقيقيةً لحركة التحرر الوطني في جميع مراحل الثورية ويتذكرون كذلك نتائح سياسة الكومينتانغ الصينية المُتمثلة في تحقيق "الازدهار الوطني" من خلال البرجوازية الكمبرادورية والامبريالية الأمريكية واليابانية وأعداء الشعب الصيني الآخرين.
على الرغم من سياسة بكين العنيدة المُعادية للسوفييت، فإن اجراءات الاتحاد السوفييتي لإعادة العلاقات مع الصين مُهمة للغاية. انها تُعرقل خُطط قادة الحزب الشيوعي الصيني الاستفزازية وتكشف عن الجوهر المُعادي للاشتراكية في سياستهم. بغض النظر عن رد فعل بكين عليها، فإن المُبادرات السوفييتية تَلقى ترحيباً من قِبَل جميع المُهتمين بإعادة العلاقات بين البلدين الى مسارها الطبيعي. ان لها أهميةً أيضاً لأنها تُقدّم للشعب الصيني دليلاً مُقنعاً على أن الجانب السوفييتي يبذل قًصارى جهده لاستعادة علاقات الجوار بين البلدين.
أما بالنسبة للاتحاد السوفييتي، فعلى الرغم من تنبؤات زُعماء بكين المُعادية للسوفييت والتنبؤات البرجوازية بشأن "العداء الحتمي" بين الاتحاد السوفييتي والصين، فإن الشعب السوفييتي كان لا يزال، مُسترشداً بأفكار الماركسية اللينينية يعتقد اعتقاداً راسخاً بأن الصداقة السوفييتية الصينية ستنتصر حتماً.
ان خط الحزب الشيوعي السوفييتي والشعب السوفييتي فيما يعلق بالمسألة الصينية مُحدد بوضوح في قرارات مؤتمري الحزب الخامس والعشرين والسادس والعشرين.

***

كثيراً ما يُطرَح السؤال: ما هي الأسباب الرئيسية لهذا اىلتحول في المسار السياسي في الصين؟ هل لأن قادتها يضعون المصالح القومية للصين فوق المصالح الأُممية ويسعون للحصول على مزايا خاصة لشعوبهم؟ على الرغم من أن هذه السياسة غير مُبررة ولا تستحق أن يُطلَق عليها أُممية، الا أنها مفهومة تماماً. ومع ذلك، فإن الاجابة أكثر تعقيداً. النقطة المُهمة هي أن سياسة الماويين تؤثر قبل كل شيء على المصالح الوطنية للشعب الصيني، فهي تحرمهم من الدعم من اصدقائهم الحقيقيين، وتخلق مصاعب اقتصادية اضافية تؤدي الى تصعيد موقف الشعب الصيني العامل.
علاوةً على ذلك، فإن الماويين، بعد أن سلكوا طريق العداء للاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية الأُخرى، مُستعدين للتضحية بقضية بناء الاشتراكية في الصين من أجل تحقيق طموحاتهم الخاصة. لا يُمكن للاشتراكية أن تتحقق بدون تطوير قوى انتاج حديثة. حَرَمَ القادة الماويون بلادهم، من خلال الانفصال عن المنظومة الاشتراكية، حرموا بلادهم من مصدر مساعدة موثوق به وليس له مصالح مُغرضة. ليس من قبيل المُصادفة أن اعلانهم الرسمي باجراء انتقال سريع "مُباشر" الى الشيوعية قد تم استبداله بأُطروحة جديدة مفادها أن بناء الاشتراكية يتطلب جهود عشرات الأجيال. الافتراض بأن التحول في سياسة الحزب الشيوعي الصيني ينبع من المصالح الوطنية لا يصمد للنقد.
ما الذي يجعل القادة الصينيون يدفعون مثل هذا الثمن الغالي مقابل طموحاتهم؟ لماذا يُضحون بمصالح بلادهم الوطنية؟ وفقاً للماويين، فإن انفصالهم عن الاتحاد السوفييتي كان "نتيجة" ولائهم للقضية الثورية، وتصميمهم على شن "نضال لا هوادة فيه" ضد الامبريالية، وما الى ذلك، وهو ادعاء تدحضه الوقائع بالكامل.
لقد داس قادة الحزب الشيوعي الصيني بشكلٍ صارخ على المبادئ الماركسية اللينينية للسياسة الخارجية للدولة الاشتراكية عندما اتبعوا سياسةً دوليةً ومُحاولة تشكيل جبهة واسعة مُعاديةً للدول الاشتراكية، وبالتالي تحولوا الى تحريفيين وشركاء صغار للامبريالية. عند الحديث عن جذور الخلافات المُتزايدة بين الحزب الشيوعي الصيني والحركة الشيوعية العالمية يُمكن للمرء أن يستشهد بموقف بكين بشأن النزاع الحدودي الهندي الصيني الذي حدث في الفترة من 1959-1962. لم ينزعجوا من حقيقة أن اطلاق العنان للصراع العسكري مع الهند يتعارض مع سياسة التعايش السلمي التي تنتهجها الدول الاشتراكية، والتي طالما التزمت الهند بها ودعمتها. علاوةً على ذلك، افتخر الماويون بأفعالهم وتعاطفوا علانيةً مع سياسة حافة الهاوية. كانت هذه فقط بداية الاجراءات العداونية للصين الماوية.
عندما يتم الحديث عن تحولٍ في السياسة يجب على المرء أن يُحدد ما الذي يتم تبادله مُقابل ماذا. أثناء تصعيدهم لهجماتهم ضد الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الأُخرى، كان الماويون يوسعون العلاقات الاقتصادية والسياسية الشاملة مع القُوى الامبريالية، على الرغم من
أن رغبة هذه الأخيرة في إقامة اتصالات مع الصين كانت نابعةً من وجوب فعل ذلك لأجل مُكافأة عداء الصين للدول الاشتراكية. بالاضافة الى ذلك، اعتبرت بكين هذه الاتصالات بمثابة تعويض عن مزايا التعاون مع المنظومة الاشتراكية، التي تم رفضها بالكامل.
ان المسار المؤيّد للامبريالية في الصين يرقى الآن الى نفس الاجراءات المُشتركة التي تقوم بها الدول الامبريالية في النضال ضد الاشتراكية وحركات التحرر الوطنية.
يحث قادة بكين الدوائر الامبريالية الحاكمة في الولايات المُتحدة واليابان وأوروبا الغربية على إقامة حلف عالمي مُعادي للسوفييت والشيوعية. تُولي الدول الامبريالية، وعلى رأسها الولايات المُتحدة، في لعبتها السياسية، اهتماماً مُتزايداً للعب بـ"الورقة الصينية".وكما لوحِظَ في الاجتماع العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي في تموز عام 1980، فإن الشراكة بين الامبريالية وهيمنة بكين هي ظاهرة جديدة وخطيرة على الساحة العالمية والتي يعتبرها الجانبان استراتيجية طويلة الأمد. ان توسّع التعاون العسكري الصيني- الامبريالي، والمساعي المُتزايد لقادة بكين للحصول على الترسانات العسكرية الغربية يُشكّل تهديداً خاصاً للسلام العالمي. والدليل في هذا الصدد هو زيارة وزيري الدفاع الأمريكي والبريطاني للصين والاتصالات المُستمرة بين مُمثلي الجيش الصيني وكبار الضباط اليابانيين والألمانيين الغربيين. يُحرِز التعاون العسكري بين الصين والولايات المُتحدة تقدماً خاصاً
توصّلَ البلدان الى اتفاق بشأن تنسيق أعمالهما في المجال العسكري وتبادل المعلومات الاستخبارية وطُلّاب المعاهد التعليمية العسكرية، فضلاً عن تزويد الصين بأحدث المعدات الحربية.
هناك تحالف ثلاثي بين الولايات المتحدة واليابان والصين في طور التشكّل، وهو قائم على أساس عدائهم للاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الأُخرى والأنظمة التقدمية في الدول النامية. ان تكثّف التعاون العسكري في اطار "الثُلاثي" هو عامل جديد يُزعزع استقرار الوضع في آسيا وفي جميع أنحاء العالم ويزيد من خطر نشوب حرب جديدة. وقّعت الدول الرأسمالية اتفاقيةً لمنح الصين ائتمانات تزيد على 30 مليار دولار تنوي بكين استخدامها أولاً وقبل كل شيء لتعزيز امكاناتها الصناعية العسكرية. ان المسار الحربي في بكين، المُستند الى برنامج "التحديثات الأربع" المدعوم بالاستثمارات وشحنات الأسلحة الغربية، يزداد خطورةً أكثر من أي وقتٍ مضى. ان القدرات العسكرية الصينية المُتزايدة وتهديدها المُستمر للدول والشعوب الأُخرى تؤكدها حقائق مثل امتلاكها لامدادات كبيرة من الأسلحة النووية واختبارها للصواريخ الباليستية العابرة للقارات في أيار 1980.
قال نيكولاي تيخونوف رئيس مجلس وزراء الاتحاد السوفييتي وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي في تشرين الثاني عام 1980: "ان تقارب الامبريالية وبكين يُسبب قلقاً مُتزايداً بين الدول. يحاول كلاهما، من خلال تحريض بعضهما البعض على مشاريع خطيرة في آسيا وأماكن أُخرى في العالم، التستر على مخططاتهما وأنشطتهما العدوانية بأكاذيب حول "التهديد العسكري السوفييتي". وكلما قلّت امكانات التشويش على الرأي العام، ارتفعت أصوات المُعادين للسوفييت أكثر".
اليوم، حتى الشخص العادي في السياسة يُدرك جيداً ما يقف وراء هذه التطورات: ان قررت بكين جعل البلدان الاشتراكية عدواً رئيسياً لها بدلاً من الامبريالية، فسوف تسعى للحصول على المُساعدة والدعم في هذا المشروع من الامبرياليين، لأنه لا يُمكنها بطبيعة الحال أن تكون في حالة حرب مع جميع الأطراف في نفس الوقت.
من الواضح، أن التحوّل في سياسة القادة الصينيين لم يكن نتيجة "ثوريتهم" الصارخة، أو اهتمامهم بالمصالح الوطنية للصين. ان هدفهم الرئيسي هو تحقيق الهيمنة في حركة التحرر الوطنية التي تعتبرها بكين مصدر دعم مُحتمل في أنشطتها السياسية، ومن ثم تحقيق الهيمنة في العالم كله. يُطالب القادة الصينيون بدور القادة الكبار في "الجبهة العريضة" المُعادية للاتحاد السوفييتي، والذي يسعون الى طرده من بين "الدول "الكُبرى" و"الوسطى" و"الثانوية"، بغض النظر عن أنظمتها الطبقية.
وفقاً لبكين، فإن الطريق لتحقيق هذه الأهداف هو استخدام الدول النامية لمصالح طموحات الصين بأن تكون قوةً عُظمى. بطبيعة الحال، لا يُمكن للقادة الصينيين تجاهل المكانة والتأثير الهائلين للاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية في حركة التحرر. هذا هو السبب في أن القادة الصينيون يُحاولون "اصطياد عصفورين بحجر واحد" من أجل توجيه سياسة الدول النامية الى مسارهم المُعادي للسوفييت. يُصنّف الاتحاد السوفييتي على أنه دولة "امبريالية اجتماعية" وبالتالي يتم استبعاده من حركة التحرر الوطني.
على الرغم من أن بكين اختلقت مئات المقالات التي تصف الاتحاد السوفييتي بأنه "طُغمة تحريفية" و"قوة امبريالية"، الا أنها لا تستطيع اخفاء جوهر سياستها، التي أُعيد توجيهها عمداً للنضال ضد الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الأُخرى.، مما يُقوّض وحدة القوى الثورية ويصب في مصلحة الدوائر الامبريالية الأكثر عدوانية. لقد صارت بكين شريكاً للامبريالية.
لقد كان ولا يزال من أسمى واجبات الماركسيين اللينينيين الحقيقيين فضح التحريف الماوي الايديولوجي والنظري والعملي للعالم كله. يُناضل الشيوعيين السوفييت، لدن كشفه جوهر الماوية بأشكالها المتنوعة، من أجل صينٍ اشتراكية، ومن أجل حزبٍ ماركسي لينيني، ومن أجل المصالح الحقيقية للشعب الصيني الجريح.
يعمل الحزب الشيوعي السوفييتي من خلال نضاله ضد الايديولوجيا الماوية الرجعية، على تقوية تطور الاتجاهات التقدمية في المسار الاجتماعي والسياسي للصين.

***

بالنظر الى تاريخ العلاقات السوفييتية الصينية، لا يُمكن أن يكون هناك شك في أن ماو تسي تونغ وشركاؤه كانوا يسعون بشكلٍ مُتعمد وباستمرار الى تخريب هذه العلاقات ثم قطعها. في البداية، حصر الماويون أنفسهم في التصريحات المُنافقة مثل الادعاء بأنه يوجد "تسعة أصابع" تؤيد الوحدة بين الحزبين الشيوعيين الصيني والسوفييتي، وأن هناك "اصبع واحد" يُشير الى اختلافهما. عندما كانت العلاقة بين الحزبين لا تزال قائمة في منتصف الستينيات، كانت القيادة الماوية تُعلن بالفعل أنه لم يكن هناك شيء يوحّد الحزبين الشيوعيين السوفييتي والصيني، ولكن فقط ما يُفرّق بيهما. تم نقل هذه السياسة في الحال الى مجال العلاقات بين الدول.
من الواضح الآن أن الهدف النهائي لقادة بكين كان وضع الاتحاد السوفييتي خارج اطار المنظومة الاشتراكية وطرد الحزب الشيوعي السوفييتي من الحركة الشيوعية العالمية. بعد أن تعرّض للفشل الذريع، وضع ماو تسي تونغ الاتحاد السوفييتي، بجرّةٍ من قلمه، في صنف القوى "الامبريالية الاجتماعية". احتاج الماويين المزيد من الذرائع للقيام بذلك. لقد كانوا بارعين في ابتكارها، أولاً في المجال الايديولوجي، ثم في مجال العلاقات بين الدولتين.
يحاول المُمثلون الرسميون وأجهزة الدعاية الصينية الحديث حول محاولات الاتحاد السوفييتي "وضع الصين تحت سيطرته" و"التدخل في شؤون الصين الداخلية"، وما الى ذلك. تم استخدام هذه التلفيقات لالقاء اللوم على الاتحاد السوفييتي فيما يتعلق بتفاقم الوضع، من أجل اثبات "جوهره الاشتراكي الاجتماعي" وبالتالي تقويض مكانته الدولية واثارة الهستيريا المُعادية للسوفييت بين الشعب الصيني.
كان الماويون يعملون بشكلٍ منهجي لتحقيق هدفٍ آخر: تحرير أنفسهم من الالتزامات الأُممية التي تقع على عاتق كل مجموعة من الحركة الشيوعية العالمية فيما يتعلق بالعملية الثورية العالمية، وتمهيد الطريق للتواطؤ مع الامبريالية. هذا هو نمط الخيانة الطبقية التي ارتكبها ماو تسي تونغ وجماعته.
اذا نظرنا الى الوراء في تاريخ الخلافات مع القيادة الماوية، يُمكن للشعب السوفييتي أن يقول بضميرٍ مُرتاح أن الحزب الشيوعي السوفييتي لم يدّخر جهداً لدرء هذا التدهور الخطير في تطور الأحداث وللنأي بنفسه عن استفزازات الماويين والمُحافظة على ودية العلاقة مع الحزب الشيوعي الصيني والشيوعيين الصينيين. ليس ذنبنا أنه لم يتحقق كل هذا. علاوةً على ذلك، فان الحزب الشيوعي السوفييتي والأحزاب الماركسية اللينينية الأُخرى قد شددوا منذ البداية على الطبيعة الخطيرة للتحريفية الماوية وحذروا من خطر الماوية الجسيم على الاشتراكية. تم التأكيد بشكلٍ مُتكرر على الإفلاس النظري لبرنامج القادة الماويين السياسي في الرسائل المفتوحة والمُغلقة للحزب الشيوعي السوفييتي، وفي تصريحات قادة الحزب وفي صحافة الحزب، وقد أكّدت الحياة صحة هذا النقد.
ان العداء للسوفييت ليست فقط مسألة مُتعلقة بالعلاقات السوفييتية الصينية. ان العداء للسوفييت هو شوفينية اجتماعية صينية مُركّزة، وفي نفس الوقت هي وجه آخر لعداء الماويين للاشتراكية. يُركّز الماويون هجماتهم على الاتحاد السوفييتي لأنهم يعتبرونه بمثابة الكابح الرئيسي لأهدافهم التوسعية والشوفينية. كان نموذج الاتحاد السوفييتي وتجربته في بناء الاشتراكية ومكانته الدولية العظيمة وامكاناته الدفاعية المُتزايدة باطراد عائق رئيسي لاحباط هذه الأهداف، حيث يضطر الماويون الى وضع كل هذا في حساباتهم.
واصل القادة الماويون في عامي 1979 و1980 مُفاقمة الوضع في العلاقات السوفييتية الصينية، وبالتالي أظهروا عدم رغبتهم في اعادة العلاقات بين البلدين الى سياقها الطبيعي. قال دنغ شياو بينغ في 16 كانون الثاني عام 1980 أن النضال ضد الاتحاد السوفييتي على الصعيد العالمي "هو المهمة السياسية الخارجية الرئيسية للصين".
في المواجهة المُتزايدة بين العالمين الاشتراكي والرأسمالي، تلعب الصين دور مُساعد الامبريالية الذليل في النضال ضد الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الأُخرى.
منذ البداية، تناول الحزب لشيوعي السوفييتي والأحزاب الماركسية اللينينية الأُخرى مسألة الخلافات بين الحزب الشيوعي الصيني والحركة لشيوعية العالمية من مُنطلق حُسن النية تجاه الشعب الصيني وقضية الاشتراكية في الصين. كانوا على دراية بالطبيعة المُعقدة لبناء العلاقات الاجتماعية على طول الخطوط الاشتراكية في بلدٍ كبيرٍ مثل الصين والحاجة الى ايجاد طُرُق ووسائل من شأنها أن تجمع بين القوانين العامة لبناء الاشتراكية والظروف الخاصة للصين. لم يفرض الحزب الشيوعي السوفييتي والأحزاب الشقيقة الأُخرى الصيغ الجاهزة على الشيوعيين الصينيين، ولم يدعوهم الى نسخ أساليبهم في بناء الاشتراكية. كانوا، بدلاً من ذلك، يرغبون في مُشاركة خبراتهم الواسعة على مدى سنواتٍ عديدة مع الشيوعيين الصينيين لمساعدتهم في تجنب المصاعب التي واجهها رواد هذه القضية وتحقيق الأهداف التي حددتها الثورة الصينية العظيمة والخُطط الخُمسية الأُولى والمؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الصيني. في الوقت نفسه، لفتوا الانتباه الى الخط الفاصل الأساسي بين العوامل التي تُعزز بناء الاشتراكية والعوامل التي تتعارض مع ذلك. كان بإمكان الشعب الصيني تجنّب العديد من المآسي والنكسات الاقتصادية والأزمات الاجتماعية والثقافية المُمتدة لو تم الالتفات الى النصائح المعقولة التي تم تقديمها.
لطالما كان الشيوعيين السوفييت وكل الشعب السوفييتي يحترمون بشدة الشعب الصيني الذي مرّ بالعديد من المِحَن. انهم يتمنون لهم بصدق تجنّب المآسي مثل "الثورة الثقافية". انهم يؤمنون ايماناً راسخاً بأن الماركسية فقط، وليس الماوية، هي القادرة على اضاءة طريق مُستقبل الصين المُشرق. واسترشاداً بقرارات المؤتمرين الخامس والعشرين والسادس والسادس والعشرين للحزب الشيوعي السوفييتي، يسعى الاتحاد السوفييتي دائماً الى استعادة علاقات حُسن الجوار مع جمهورية الصين الشعبية.
يُعتَبَر تفاقم حالة العلاقات السوفييتية الصينية حالةً شاذة. توجد جميع الشروط المُسبقة اللازمة من أجل إعادة الصداقة والتعاون بين الاتحاد السوفييتي والصين الى طبيعتهما، لأن التعاون سيكون مرةً أُخرى، مفيداً للغاية لكلا الجانبين ولتطوير وضع الثورة العالمية.
لقد أثبت الشعب الصيني طوال تاريخه أنه يستحق أن يُطلَقَ عليه لقب أمةٍ عظيمةٍ وبطولية. لا شك في أنه سيكون قادراً على التغلب على الصعوبات التي يواجهها، والدفاع عن مكاسبه الثورية، وإعادة الصين مرةً أُخرى الى طريق التطور الاشتراكي الحقيقي.

5- تجدر الاشارة الى أن بكين تُحبّذ "نسيان" هذه الوثيقة الديماغوجية والانتهازية التي تُلقّن الجميع حول "طُرُق القيام بالثورة". بعد أن كَشَفَ مُعظم الجهات المُناضلة في الجبهة المُعادية للامبريالية الطبيعة الزائفة والامبريالية لقيادة بكين، قامت قيادة هذه الأخيرة بسلوك الطريق المفتوح والمتواطئ مع الامبريالية الرجعية والأكثر عدوانيةً.
وكان قادة بكين، قد أدانوا في "نقاطهم الـ25" حلف الناتو والأحلاف العسكرية الامبريالية الأُخرى. اليوم تحولوا هم أنفسهم فعلياً الى شيء يُشبه عضواً "بدوام جُزئي" في كل هذه الأحلاف، كشيء يُشبه ناتو شرقي يُستخدم كأداة للسياسة الامبريالية الأمريكية.
استمر دينغ شاوبينغ Deng Xiaoping في العام 1963 بالعزف على نفس النغمة: "إن الجوهر العداوني للامبريالية لن يتغير أبداُ، وأنه "لا ينبغي الوثوق بالامبرياليين أبداً- فمن المؤكد أنهم يخدعوننا". اليوم، ينسى، جنباً الى جنب مع القادة الصينيين الآخرين، هذه الكلمات، شاجباً الاتحاد السوفييتي باعتباره "العدو الرئيسي للشعب"، ويحث على انشاء "جبهة موحّدة تضم جميع البلدان، بما في ذلك الولايات المُتحدة، للنضال ضد أول دولة اشتراكية في العالم.
6- Our Course: Peace and Socialism, Novosti Press Agency Publishing House, Moscow, 1977, pp. 246-247
7- Our Course: Peace and Socialism, Novosti Press Agency Publishing House, Moscow, 1978, pp. 89-90.
8- Renmin ribao , June 4, 1978
9- قام دونغ تشاوبينغ Dong Xiaoping سيء السُمعة بهجمات استفزازية مُعادية للسوفييت، خاصةً في المُقابلة التي أجراها مع الصحفي الايطالي غراند فالايي Grand Fallaei، والتي نُشِرَت على نطاقٍ واسع في الصحافة الصينية تشرين الثاني عام 1980.
10- قال نيكولاي تيحونوف Nikolai Tikhonov رئيس مجلس وزراء الاتحاد السوفييتي مُتحدثاً في اجتماع عُقِدَ في موسكو للاحتفال بالذكرى الثالثة والستين لثورة اكتوبر الاشتراكية العُظمى: "أثبَتَ الاتحاد السوفييتي منذ فترةٍ طويلة، من خلال سياسته ونشاطاته، أنه لا يُهدد أحداً، ولا ينوي القيام بذلك، وهذا صحيح أيضاً فيما يتعلق بالصين، التي نحن مُستعدون للحفاظ على علاقاتٍ طبيعية معها".

ترجمة من كُتيّب:
Who is to blame? How differences arose between china s Maoist leaders and the USSR and other Socialist Countries- Oleg Ivanov
Novosti Press Agency publishing House 1981