كاوتسكي: حول فرديناند لاسال


محمد الأشقر
2022 / 5 / 17 - 00:55     

هذا النص كتبه كارل كاوتسكي في أغسطس من عام 1889 لمناسبة الذكرى الـ25 على رحيل أحد أبرز القادة في تاريخ الحركة الاشتراكية الألمانية، المنظر والسياسي فرديناند لاسال.
عنوان النص باللغة الانجليزية: Ferdinand Lassalle: A 25-year memorial
تم تعريب النص من النسخة الانجليزية على موقع: Marxists’ Internet Archive.
تعريب: محمد الأشقر

_______________________

بحلول يوم 31 أغسطس، سيكون قد انقضى ربع قرن منذ أن أغلق زعيم البروليتاريا الألمانية عينيه لآخر مرة. في كل مكان يتواجد فيه عمال يحملون الجنسية الألمانية، وفي كل مكان توجد فيه حركة عمالية متأثرة بالاشتراكية الألمانية، سوف يتذكرون في هذا اليوم بكل تقدير وعرفان ذكرى الراحل لاسال، الذي تقدم الصفوف بشجاعة للدفاع عن حقوق البروليتاريا كواحد من القلة الذين فهموا القدرات والإمكانات البطولية التي يمكن أن تظهرها الطبقة العاملة، وكان ذلك في الوقت الذي تسلل فيه اليأس إلى الآخرين.

إن محاولة تقديم مخطط تفصيلي هنا لمسيرة نضال لاسال من أجل الطبقة العاملة سيكون غير مفيد. لان الناس تعرف جيدا من هو فرديناند لاسال؛ هناك القليل من الأِشخاص الذين اكتسبوا شعبية واسعة وأصبحت قصة حياتهم في متناول الجماهير، وربما لا يوجد اشتراكي آخر يتم الاعتراف بعظمته من قبل الأعداء والأصدقاء في نفس الوقت كما هو الأمر مع لاسال.

إن الأعداء عندما يمتدحون لاسال يفعلون ذلك بغرض إظهاره وكأن لديه ميول قومية وملكية بالضد من المفاهيم الاشتراكية الديمقراطية والجمهورية والأممية؛ يريدون أن يلعبوا لعبة تضع لاسال في مربع العداء مع ماركس.

هذا بالطبع ممكن فقط عن طريق اختلاق الأكاذيب؛ إطلاقا لم يظهر لاسال أية معارضة ضد الأممية ولم يخف أبدا قناعاته الجمهورية. كانت الروح التي ظهرت في نشاطه التحريضي هي نفس الروح التي تغلغلت في البيان الشيوعي وهيمنت على الأممية.

إن المطالب الذي تقدم بها والتي تخص المطالبة بالاقتراع العام وجمعيات تعاونية للعمال تدعمها الدولة، ونضاله ضد الحزب التقدمي و مدرسة مانشستر الليبرالية [مدرسة مانشستر كانت حركة سياسية واقتصادية نشأت في مدينة مانشستر بانجلترا في القرن التاسع عشر وتبنت الليبرالية ونادت بحرية التجارة استنادا على تعاليم الاقتصاد الكلاسيكي - المترجم] كانت كلها تتوافق مع جوهر الاشتراكية الحديثة لأنها تنطلق من المفهوم الأساسي الذي يقضي بأن تحرر الطبقة العاملة يجب أن يكون نابعا من النشاط الذاتي للطبقة العاملة، من خلال الصراع الطبقي، الذي هو بالضرورة صراع سياسي يجب أن يستهدف الاستيلاء على سلطة الدولة لاستخدامها في مصلحة الطبقة العاملة من أجل التحول الاشتراكي للمجتمع.

ولكن إذا كان نشاط لاسال التحريضي ومطالبه تمتلئ بأفكار البيان الشيوعي، فإنه يترتب على ذلك أن البيان تم تعديله ليتناسب مع الفترة التي كان لاسال نشطا فيها؛ إنه يتناسب مع ظروف ألمانيا خلال ستينيات القرن التاسع عشر، وبشكل أكثر تحديدا الوقت الذي تصاعدت فيه وتيرة الاضطرابات في بروسيا، بجانب عبقرية لاسال وحماسه المتقد، لم يكن التعديل فقط هو ما ساهم في نسج خيوط الأساطير التي تم ترويجها عنه بل نشاطه التحريضي أيضا في تلك الفترة.

لكن، هذا التعديل مرتبط بزمان ومكان محددين؛ كان برنامج لاسال لم ينضج بالشكل الكافي مثل البلد الذي أراد تغييره بالضبط. لسوء حظه ولسوء حظ حزبه، أنه توفي قبل الاضطرابات الضخمة في ألمانيا، والتي كانت ستقوده بالتأكيد إلى تطوير وتوسيع برنامجه. انخرطت ألمانيا الحديثة لأول مرة في مسار الثورات السياسية عامي 1866 و 1870، جنبا إلى جنب مع الثورة الصناعية، والتي لا تزال تتطور.

مطلب لاسال الأساسي في ميدان السياسة هو الاقتراع العام، تم تحقيقه منذ فترة طويلة. والحزب التقدمي تقهقر وأصبح على الهامش، ومدرسة مانشستر أفلست ولم يعد لها تأثير. والتعاونيات العمالية، والتي لم يؤكد عليها لاسال كثيرا، في عصر الإنتاج على الصعيد العالمي، لم تعد تعتبر من عناصر الانتقال إلى نمط إنتاج أعلى، بل تشكل بدلا من ذلك العناصر الأخيرة لنمط إنتاج محتضر.. لكن منظمات العمال الإقتصادية، التي كانت في زمن لاسال غير معروفة في ألمانيا أو في أي مكان في القارة، كان ماركس قد دعا إلى أهميتها في عملية الصراع الطبقي بالفعل في عام 1847 - نعني بالطبع النقابات العمالية.

لا عجب أن المعارضة ضد الحركة الاشتراكية الديمقراطية، التي يزعجها كثيرا المكاسب التي تجنيها الحركة، تتوق إلى زمن تحريض لاسال الجميل. هؤلاء الحمقى لا يفهمون أن مجرى الأحداث دائما أقوى من أكثر عبقرييهم، كما أنهم نسوا أن لاسال كان على نفس أسس الاشتراكية الديمقراطية الحديثة عندما بدأ نشاطه التحريضي، وأنه كان من الممكن أن يكون أول من يسعى إلى تطوير برنامجه بعد تغير الظروف، وأن نشاطه من أجل ألمانيا متحررة وموحدة لم يكن ليقتنع مطلقا بأن يرى بسمارك جديدا على أنه تحقيق لأهدافه؛ وكانت أفكاره عن التعاونيات المدعومة من الدولة ستجعله عدوا شرسا لـ "المملكة الاشتراكية" التي بشر بها ويلهلم الأول والثاني، اللذين كانا دون شك قد تبنا مطالب لاسال لكن بشكل مختلف تماما في الواقع.

لكن لا يوجد لدى اشتراكيي الدولة سبب حقيقي للرغبة في أن يكون لاسال لا يزال على قيد الحياة، أو حتى سبب حقيقي لمناشدة لاسال الميت ضد الاشتراكية-الديموقراطية الحديثة، بصرف النظر عن الاختلافات في وجهات النظر حتى لو ارتبطت النصوص التحريضية الخاص بلاسال بزمان ومكان محددين، فإنها لا تزال حتى يومنا هذا أفضل النصوص الدعائية التي تمتلكها الاشتراكية الديمقراطية. هنا يمكننا أن نرى العظمة الحقيقية للرجل. إنه يجذب كل قارئ، بصرف النظر عما إذا كان المرء من العمال أو كان عالما أو سياسيا متمرسا. الوضوح والعمق في تفكيره، معبرا عنه بدقة ويقين، والمشاعر المتقدة حماسا - كلها تعمل معا لتحقيق تحريضا ملهما.

ينتمي الآن لاسال كسياسي ومنظر إلى التاريخ، لكن، كمحرض، لا يزال يعيش في مرحلة شبابه بين جميع العمال الناطقين بالألمانية، ولا يزال يشعل الحماس في قلب نضال الطبقة العاملة من أجل التحرر، ولا يزال يلهم بإرثه النضال ضد الاضطهاد والقمع. عندما نتذكر لاسال، لا يجب أن نتذكر فقط البطل الذي سقط، والذي حارب من أجل قضيتنا وكان نموذجا يحتذى به، فلنتذكر أيضا لاسال الخالد "المناضل والمفكر"، كما هو مكتوب على شاهد قبره: لان روحه باقية فيها، فإن أفضل طريقة للاحتفال بذكراه هي نشر نصوصه بين البروليتاريا "الصخرة التي ستُشيد عليها الكنيسة المستقبلية".