حنون مجيد مبدع متعدد المواهب.. وقفة عند الظاهرة الطباقية في قصصه .


شكيب كاظم
2022 / 5 / 15 - 23:40     

أزعم، أني واكبت المنجز الإبداعي بالغ الثرارة للقاص والروائي وكاتب المسرحية الأستاذ حنون مجيد، إذ تعود علاقتي الثقافية بهذا الحكّاء الماهر إلى سنة ١٩٨٥؛ وتحديداً إلى يوم الخميس التاسع عشر من شهر أيلول/ سبتمبر ١٩٨٥، حيث نشر قصته النفسية (الدرس) في صفحة (آفاق) من جريدة (الجمهورية) يوم كان يشرف عليها الناقد ماجد (صالح) السامرائي المعروف بدقته ومعه الأديب سهيل سامي نادر، عن تلميذ صغير مشاكس، يضربه معلمُه بعصاه، لكن معلمَه يشعر بالذنب معتذرا من تلميذه مطوّحاً بعصاه ، ولقد وقفتُ عند هذه القصة بالغة الرقة، المعبرة عن رقة كاتبها، وهل الأسلوب إلا كاتبه؟ كما قال الناقد الفرنسي سانت بيف، على عكس ما يقوله البنيويون، رولان بارت تحديداً، إن علاقة النص تنتهي بكاتبه ساعة ينشره! وقفت عندها بحديث نقدي نشرته صحيفة (العراق) يوم كان يحرر صفحتها الثقافية طيب الذكر الأستاذ أبو صارم؛ أحمد شبيب، يوم الأربعاء ١٨ من كانون الأول/ ديسمبر١٩٨٥، وإذ تنشر دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد سنة ١٩٨٦، باكورة أعماله القصصية، خصصتُ هذه المجموعة (تعاقب الفصول) التي احتوت إحدى عشرة قصة قصيرة، خصصتها بحديث نقدي نشرته ثقافية (العراق) في ٢٥من شهر مايس/ مايو ١٩٨٧، ووقفت طويلاً عند قصته الرائعة (ذاكرتان) حيث تعصف الأرزاء وتصاريف الزمان الشرسة بذاكرة أحد الصديقين، ومهما حاول تذكيره بصداقتهما، لكن ألفى صاحبه غارقاً في لجة النسيان. وفي مجموعته القصصية (البحيرة) أفصح حنون مجيد عن إمكانات متقدمة في فن الحكي، ففي قصصها شيىء من فانتازيا وغرائبية سحرية، وفيها شيىء من الكتابة الواقعية التي شغف بها مبدعنا حباً، فكانت مزاوجة جميلة بين الطبع والتطبع، على ما يقوله فتى النقد في العراق؛ عبد الجبار عباس (توفي١٩٩٢)، أو هي نسغ من الجذور وأخرى تحويم في أفيائها والنهل من عوالم جديدة، سطّر ذلك بدراسة قيمة خص بها هذه المجموعة القصصية (البحيرة) نشرها بجريدة (الثورة) في٣١ من شهر مايس ١٩٨٩، وإذ يهتم أستاذي الفاضل دكتور علي جواد الطاهر(١٩٩٦) بالإرث النقدي لتلميذه عبد الجبار عباس، ألذي كان موزعاً بين الصحف والمجلات ولم ينشره في حياته، يعاونه في هذا الجهد الدكتور عائد خصباك، فإنه نشر هذا الإرث، ومنه هذه الدراسة في كتاب عنوانه (الحبكة المنغمة)، نشرته دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد سنة ١٩٩٤.
وإذ تصدر الدار ذاتُها مجموعته (الطائر) سنة ١٩٩٩، فإني أقف طويلا عند قصته النفسية السايكوباثية (الطائر) وأدير عنها حديثا نقدياً نشرته جريدة (العرب) الصادرة في لندن بتاريخ الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر سنة ٢٠٠٠، وفيها تعريض خفي وموحٍ بقسوة الحياة والجوع الناتج عن الحصار الظالم، ألذي دمر منظومة القيم العراقية، هذه القسوة تدفع بأصحاب العقول ومرهفي الحس إلى مهاوي الجنون والعتمة العقلية؛ هذا الرجل المبتلى بدوي في رأسه ينغص عليه عيشه.
ولقد وقفت طويلا عند ظاهرة التضاد، أو بنية التضاد في قصص حنون مجيد، والتي أميل إلى تسميتها بظاهرة الطباق لا التضاد، مستفيدا من مصطلح (الطباق) في بلاغة العرب، ألذي يعني الشيء ونقيضه، فكانت مجموعته (لوحة فنان) زاخرة بهذا اللون الإبداعي، كما أقام مبدعنا الكبير فؤاد التكرلي (٢٠٠٨) مجموعته (حديث الأشجار) على البنية الطباقية هذه، فضلاً عن مجموعة (شجرة الأب) للمبدع ناطق خلوصي.
وإذ وقف عدد من القصاصين، عند هذا اللون، كتابة القصة القصيرة لا يكاد يغادرونه، مثل المبدع الكبير محمد خضير، ألذي يكرس جهده لكتابة عمل قصير، يعلم حدوده وإمكاناته، قانعاً بمزاياه، فالقصة القصيرة تشبه جدولاً صغيراً هادئاً إذا ما وازناها بالرواية، التي تشبه بحراً، وبعضنا- نحن القانعين- يفضل مسايرة نهر صغير على ركوب أهوال البحر، كما جاء ذلك في كتابه المهم (الحكاية الجديدة) فضلاً عن عبد الستار ناصر ونعمان مجيد، ويوسف الشاروني، فإن مبدعنا حنون مجيد، المجبول على تقحم الحافات البعيدة والخطرة والواثق من إمكاناته ومواهبه، شاء تقحم هذا اللون الإبداعي، فنشر روايته الأولى(المنعطف) سنة إحدى وألفين، وفيها الكثير من المجاز والكناية التأويل والتفسير، كي تفلت من مقص الرقيب الجدانوفي، أردفها بـ(مملكة البيت السعيد) ولقد سعدت كثيرا وأنا أقرأ روايته (المدونة الرقمية. حب هذا العصر) زانتها لغة راقية.
وإذا أردنا الوقوف عند من كتب القصة القصيرة جدا في العراق والوطن العربي، فلا بد أن نقف عند مبدعنا حنون مجيد، بوصفه مجلياً في هذا اللون ومجيداً، إلى جانب: زكريا ثامر، ووليد إخلاصي، وإبراهيم أحمد، وأحمد خلف، وعبد الستار ناصر، وخالد حبيب الراوي، وزهير بهنام بردى، وفرج ياسين، ويوسف الحيدري، وإذ نشر عددا من قصصه القصيرة جدا في مجموعته (الطائر) فإنه جعل كتابه (وردة لهذا الفطور) خاصاً بهذا اللون التعبيري، وكانت السمة الطباقية بارزة في عديد قصصها، مثل(اللذة المستترة) والعجوز التي تطربها مشاكسة الصغار لها، حتى إذا خلا الزقاق منهم، صرخت: أين يا ترى ولى الأوغاد؟ هي التي كانت تظهر برمها بزعيقهم ومشاكستهم لها، أردف هذه المجموعة بعديد المجاميع: (الخيانة العظمى) و(السُلّم) و(حجر غزة) و(السنونو) و(بصيرة البلبل) التي خصصتها بحديث نقدي نشرته في كتابي(إناخة في مضارب النقد) الذي نشره الإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق سنة ٢٠٢١.
حاشية
الحديث ألذي قرأته في ندوة الاحتفاء بمنجز القاص والروائي وكاتب المسرحية، الأستاذ حنون مجيد؛ الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب في العراق، التي عقدها بيت المدى للثقافة والفنون بمقره بشارع المتنبي من رصافة بغداد، ضحى يوم الجمعة ٢٩من شهر شعبان ١٤٤٣ه= الأول من نيسان/ أبريل ٢٠٢٢،وتحدث فيها تباعاً: الدكتور جمال العتابي، والدكتور عقيل مهدي وعلي حسن الفواز، وشكيب كاظم، وأمين قاسم الموسوي.