التناقض بين الظاهر والمضمون


فلاح أمين الرهيمي
2022 / 5 / 15 - 14:11     

مصلح اجتماعي يعيش في مدينة أكثرية أهلها هربوا من ظلم الإقطاعي في الريف وسكنوا في إحدى أطراف المدينة في بيوت شيدت من الطين وسعف النخيل والقصب أرهقهم الفقر والجوع ويركضون ليلاً ونهاراً مع أطفالهم من أجل توفير لقمة العيش وكان المصلح الاجتماعي يقضي وقته معهم بالوعظ والإصلاح والسلوك الحسن والعدالة الاجتماعية وفي أحد الليالي كان المصلح الاجتماعي في بيته وقد انقضى نصف الليل وهو جالساً على سرير نومه يفكر بهؤلاء البشر الفقراء والجائعين وبيوتهم المتهزعة والخاوية وهو لا زال في الأرق والتفكير جالساً على سرير نومه وبجانبه كتاب يحكي عن قصة أحد الفلاسفة باع عمره إلى الشيطان لكي يعيده إلى أيام الصبا والشباب فأخذ المصلح الاجتماعي ينظر إلى سقف غرفته ويتمنى أن يأتي له الشيطان ويتفق معه على إصلاح بيوت الفقراء الذين يعيش معهم وفجأة ظهر الشيطان من باب الغرفة فاضطرب المصلح الاجتماعي وأخذ يشتم ويسب الشيطان الذي بقي واقفاً أمامه حتى انتهى المصلح من ثورته ضد الشيطان فقال له الشيطان أنت الذي تمنيت قدومي كي أساعدك في إصلاح شوارع وبيوت الفقراء فضحك المصلح الاجتماعي وقال للشيطان هل أتفق معك على الإصلاح فقال الشيطان نعم وفي لمح البصر تتحول هذه البيوت إلى قصور من المرمر والشوارع مبلطات بالرخام فقال المصلح الاجتماعي أنا أتفق معك وماذا تريد مني عوضاً عن ذلك ؟ فقال الشيطان تذهب إلى الناس وتقول عمل ذلك بمساعدة الشيطان .. فغضب المصلح الاجتماعي وقال لعنك الله كيف تريدني أقول عملت ذلك بمساعدة الشيطان ؟.. فقال له الشيطان أنت مصلح اجتماعي وتعمل من أجل المجتمع يجب عليك أن تضحي وتقول للناس عملت ذلك بمساعدة الشيطان .. فوافق المصلح الاجتماعي مع الشيطان على شرطه .. فقال الشيطان أغمض عينيك وافتحها سوف تجد كل شيء قد تحول الشوارع مبلطات بالرخام والبيوت مشيدة بالمرمر .. وفعلاً حدث ذلك بلمح البصر وذهب المصلح الاجتماعي والشيطان يتجولان في شوارع الحي ويشاهدان الشوارع والبيوت .. فقال الشيطان للمصلح الاجتماعي هيا اذهب الآن إلى الناس وأخبرهم أن هذا أنجز بمساعدة الشيطان .. فقال له المصلح الاجتماعي أمهلني ثلاثة أيام حتى أعرف وضعهم العام .. فذهب المصلح الاجتماعي إلى أحد البيوت وعندما دخل إلى البيت شاهد الدجاج والطيور تقف على الكنبات والكراسي المغلفة بالقماش الفاخر وأوساخها على الأفرشة وغادر البيت وذهب إلى البيت الثاني شاهد الحمير والخراف والماعز في ساحة الدار المفروشة بقطع من الأفرشة الفاخرة وترمي بقاذوراتها عليها ثم ذهب إلى البيت الثالث فشاهد الزوج والزوجة على أسرة النوم وكل واحد يمسك بعلبة من الدبس والآخر يمسكن علبة من اللبن ويأكلان ويمسحان أيديهما بالأفرشة الفاخرة .. وحضر الشيطان إلى بيت المصلح الاجتماعي وسأله عما فعل فأخبره بما شاهده وقال إلى الشيطان أنا لا أريد تغيير مظاهر السكن والشوارع فقط وإنما تغيير النفوس وتنمية وعيهم ومعرفتهم وإدراكهم.