إضاءات على تاريخ مصر: مصر العثمانية تحت حكم المماليك


حسين محمود التلاوي
2022 / 5 / 14 - 03:05     

لم تكن أحوال المصريين تحت حكم المماليك في ظل الدولة العثمانية بالجيدة؛ فقد فقدت البلاد في ذلك الوقت الكثير من الأبهة التي كانت تعيشها في عصر المماليك؛ وهو ما يرجع إلى عدة عوامل؛ من بينها تراجع عائدات التجارة نتيجة اكتشاف رأس الرجاء الصالح، إلى جانب ضعف الصناعات جراء إهمال السلطة العثمانية لها مع تزايد الضرائب، وهي ما يضاف إليها ابتزاز المماليك للأموال من الفلاحين المصريين، وكان المماليك يعيشون مترفعين عن باقي المجتمع إلا قلة قليلة؛ حيث كانوا يعتبرون المواطنين بمنزلة الخدم، وهم السادة.
وقد كان لكثرة تغيّر الولاة العثمانيين على مصر أثر في ألا يصبح لهم نفوذ بين أوساط المواطنين؛ حيث كان بقاؤهم في الحكم لفترات طويلة يمكن أن يساعدهم في تقوية مراكزهم في البلاد؛ فكان الاتجاه في السلطنة العثمانية بتغييرهم بين فترة وأخرى؛ مما أعاد للماليك نفوذهم الذي كانوا يتمتعون به قبل الغزو العثماني، وإن لم يكن على مستوى الحكم الرسمي حتى إن علي بك الكبير؛ أحد كبار قادة المماليك، وشيخ البلد، أعلن استقلال مصر عن الدولة العثمانية، لكن العثمانيين استطاعوا تأليب مساعده محمد بك أبي الذهب عليه؛ فانتهت حركته الاستقلالية، وعادت الأوضاع إلى ما كانت عليه.
واستمر تعاظم نفوذ المماليك إلى أن وصلت الأمور إلى حد التعارض بين مصالح المماليك ومصالح العثمانيين؛ فبدأ العثمانيون حملة ضد المماليك أيام "مراد بك" و"إبراهيم بك"، لكنهما استطاعا أن يحافظا على نفوذهما، واستمرا في فرض الضرائب الباهظة على المواطنين الذين كانت أوضاعهم المعيشية تعاني في الأصل من الاضطرابات السياسية والمواجهات الحربية المستمرة؛ فقد انخفضت التجارة الخارجية كثيرًا إلى جانب الانخفاض الطبيعي بعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح، فيما كانت التجارة الداخلية تعاني السلب والنهب، بل إن المماليك كانوا يجبرون التجار على إقراضهم الأموال بعيدًا عن الأموال التي تجبى بشكل رسمي، وكثر التعدي على التجار الأجانب؛ الأمر الذي دفع هؤلاء التجار إلى الشكوى إلى دولهم في أوروبا؛ الأمر الذي استغلته فرنسا — الطامعة في غزو مصر منذ أمد — كذريعة للتدخل في مصر والعمل على غزوها؛ وهو ما ظهر في الحملة الفرنسية التي بدأت عام 1798، واستمرت لثلاث سنوات تقريبًا لتنتهي عام 1801.
كذلك تراجعت عائدات الزراعة؛ بسبب القوانين الجائرة التي كان يصدرها المماليك وتعديهم على الممتلكات؛ الأمر الذي شغل الناس كثيرًا عن الزراعة، ومما فاقم من الحالة الاقتصادية السيئة تلاعب كبار رجال الحكم بالأسعار عن طريق التلاعب في المعادن، مثل الفضة والذهب؛ حيث كان الغلاء يحدث عندما تقارن أسعار البضائع بأسعار الفضة، بينما كانت الأسعار إذا قورنت بالذهب سوف تكون في المتناول؛ ومن ثم كانت أوضاع المواطن المصري الأمنية والمعيشية بل الثقافية كذلك عرضة للتأثر بالصراعات بين العثمانيين والمماليك من جهة وبين المماليك بعضهم بعضًا من جهة أخرى. وقد كانت الصراعات الداخلية بين المماليك هي الأخطر؛ لأنها كانت خاضعة للأهواء وتبدل الولاءات والأمور الطبيعية مثل وفاة قائد وتنازع معاونيه على النفوذ من بعده.
أما على الناحية الثقافية؛ فقد كان هناك اهتمام بطلب العلم، لكنه لم يكن العلم الأصيل للقرون السابقة، ولا العلم المقتبس من النهضة العلمية في أوروبا، بل كان العلوم اللسانية والرياضية النظرية، وأدت الاضطرابات والقلاقل السياسية إلى قتل الإبداع من ضمن الآثار السلبية التي تركتها على المجتمع المصري في تلك الفترة؛ فلم يبرز من الشعراء أو الأدباء الكثير، لكن ما ساعد مصر على أن تحافظ على اللسان العربي من التتريك هو وجود لجامع الأزهر، على الرغم من أن التعليم فيه كان مكرسًا — في الإجمال — للعلوم الدينية واللسانية في غيبة من العلوم الرياضية والطبيعية؛ مثل الهندسة والطب الذي كان يمارس في المستشفيات التي كان يُطلق عليها في تلك الفترة "بيمارستانات"؛ مثل البيمارستان المنصوري الذي تأسس أيام المماليك.
للمزيد انظر:
تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر، عمر الإسكندري، سليم حسن، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2014، القاهرة، ص ص 65، 69، 81-86،
مصر العثمانية، جورجي زيدان، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2012، ص 129-150.