العلاقات الدولية وتناقضات بنيتها الوطنية


لطفي حاتم
2022 / 5 / 11 - 16:55     

تحتل موضوعة التناقضات الطبقية محوراً مركزياً في الفكر السياسي المعاصر نظرا لارتباطها بتطور الدولة الوطنية وطبيعة قيادتها السياسية، وبهذا المسار تبدلت موضوعة التناقضات تماشياً ومراحل تطور العلاقات الدولية وأشكال التناقضات الوطنية الأساسية منها والثانوية.
على أساس ذلك أحاول تناول موضوعة التناقضات بمحاور مكثفة يمكن تسميتها بالعناوين التالية-
أولا – العلاقات الرأسمالية وتناقضاتها الدولية.
ثانيا – ثورة أكتوبر الاشتراكية وحركة التحرر العالمية.
ثالثا- العولمة الرأسمالية والتناقضات الوطنية.
اعتمادا على المنهجية المثارة نحاول تحليل مضامينها بملاحظات عامة مكثفة.
أولا - العلاقات الرأسمالية وتناقضاتها الدولية.
مرت التناقضات الدولية طبقاً الى طبيعة التطور الرأسمالي وسمات مراحله المتدرجة تاريخياً فضلا عن طبيعة النظم السياسية الفاعلة في العلاقات الدولية.
انطلاقا من ذلك لابد من تناولها استناداً الى تطورها التاريخي عبر المراحل التالية: -
أ - مرحلة المنافسة الرأسمالية.
ارتكزت التناقضات الرئيسة في مرحلة الرأسمالية المنافسة على قوة الدولة الرأسمالية وقدرتها على السيطرة على الاقتصادات الوطنية، وبهذا المرحلة التاريخية ساهمت المنافسة الرأسمالية بخلق الدول الوطنية التي انسلخت من الامبراطوريات الكبرى وتسييجها بسيادة وطنية هدفت الى منع الدول الكولونيالية الأخرى من الهيمنة عليها.
استنادا الى ذلك سادت اشكالا متعددة من التناقصات الدولية أهمها -
-- تناقضات رئيسية بين الدول الرأسمالية المتنافسة بهدف السيطرة على الثروات الوطنية وما نتج عنها من حروب ونزاعات دولية -إقليمية.
- تناقضات وطنية بين القوى الرأسمالية والقوى الطبقية المتحالفة مع الاحتلال والسيطرة الاستعمارية.
- أفضت مرحلة المنافسة الرأسمالية وتناقضاتها الدولية الى اندلاع الثورات الوطنية وانتصار الثورة البلشفية في روسيا القيصرية وما تمخض عنها من تغيرات وطنية – دولية في طبيعة وأشكال التناقضات الدولية – الوطنية.
ب – ثورة أكتوبر الاشتراكية وحركة التحرر العالمية.
احدثت ثورة أكتوبر الاشتراكية انقساما حاداً في العلاقات الدولية رغم هيمنة نهوج التطور الرأسمالي على مضامينها واستناداً الى ذلك تجذر في السياسة الدولية خيار التطور الاجتماعي واغتنت حركة التطور الوطني العالمية بمضامين جديدة يتقدمها التخلص من الوصاية الأجنبية وبناء أنظمة وطنية مستقلة، وبهذه المضامين الجديدة استطاعت فصائل حركة التحرر العالمية الاستناد على حليف دولي تمثل بالدولة الاشتراكية السوفيتية والتي ساعدت الكفاح الوطني ضد القوى الرأسمالية المستغلة، ونتيجة لذلك نشأت في الدول الوطنية أحزاباً اشتراكية وأحزابا وطنية أخرى عبرت عن مصالح طبقات اجتماعية رافضة للهيمنة الكولونيالية وتجلياتها السياسية.
-- التناقضات الدولية بين خياري التطور الاجتماعي أدت الى انقسام السياسية الدولية وتحولت المنافسة الرأسمالية الى منافسة بين النظامين الاجتماعين اشتراكي – رأسمالي الامر الذي أدى الى الحرب العالمية الثانية وما نتج عنها من تغيرات دولية كبرى تجسدت ب-
-- انهيار الفصيلة الحربية للرأسمال الدولي المتمثلة في الفاشية الألمانية.
- انكفاء روح الهجوم على الاتحاد السوفيتي الذي خرج من الحرب قوة دولية كبرى.
- نهوض حركة التحرر الوطني العالمية وتبلور مطالبها الوطنية – الديمقراطية.
- تجذر حركة التحرر الوطني العالمية وزيادة ترابطها مع المعسكر الاشتراكي.
- بدل انتصار الاتحاد السوفيتي في الحرب الكونية الثانية اشكال التناقضات السياسية وبهذه المرحلة أصبحت التناقضات الدولية - الوطنية تتجلى بالأشكال التالية--
-- أصبح التناقض بين النظامين الاشتراكي والرأسمالي تناقضا أساسيا في العلاقات الدولية.
- سمح التناقض الاساسي في العلاقات الدولية بنشوء تحالفات وطنية بين القوى الاشتراكية وبين أحزاب البرجوازية الوطنية.
- سعي أحزاب البرجوازية الوطنية الى قيادة الكفاح الوطني بهدف التخلص من الهيمنة الكولونيالية.
استنادا الى تلك التبدلات السياسية – الاجتماعية توطدت فصائل حركة التحرر الوطني العالمية وعملت على صيانة الدول الوطنية من الهيمنة الكولونيالية وبهذا المسار نشير الى تأييد المنظومة الاشتراكية لقيادة البرجوازية للتحالفات الوطنية رغم الإرهاب والعنف الممارس ضد القوى الديمقراطية واليسار الاشتراكي أفضى الى أضعاف روح التضامن الاممي وحد من بناء سياج دولي حامي للتجربة الاشتراكية.
-- أدت التغيرات الكبرى ونشوء طبقة بيروقراطية متحكمة في الدول الاشتراكية الى تراجع كفاح القوى الاشتراكية بعد انتقال حليفها الدولي الى نهج التطور الرأسمالي.
ثالثا- العولمة الرأسمالية والتناقضات الوطنية.
- أحدث انهيار دول الكتلة الاشتراكية تغيرات كثيرة في العلاقات الدولية منها –
1- انهيار المعسكر لاشتراكي أدى الى سيادة العلاقات الرأسمالية في دول التشكيلة الرأسمالية العالمية.
2- أفضى انهيار المعسكر الاشتراكي الى تفكك حركة التحرر الوطني العالمية وتبدل نهوجها السياسية وانتقالها من التضامن الاممي الى أولوية النزعة الوطنية.
3 – انتقال التناقض الرئيسي بعد انهيار الكتلة الاشتراكية الى الدول الوطنية باعتبارها المجال الحيوي لتطور الرأسمالية المعولمة.
4 – سعى قوانين الرأسمالية المعولمة المتسمة بالتبعية والتهميش الى تفتيت الدول الوطنية وتحويلها الى أقاليم عرقية – طائفية.
5- لغرض مناهضة التبعية والتهميش بات ضرورياً نشوء تحالفات وطنية بقيادة اليسار الاشتراكي.
ان التناقض الرئيسي في مرحلة الرأسمالية العولمة يتمحور حول صيانة الدولة الوطنية باعتبارها القطب الاساسي المواجه لقوانين الرأسمالية المعولمة المتسمة بالتخريب والتفكيك.
تأسيساً على ما جرى استعراضه نتوصل الى الاستنتاجات لتالية –
أولا – افضت السيادة الدولية لعلاقات الإنتاج الرأسمالية الى المنافسة بين الدول الرأسمالية الكبرى لغرض استغلال تفكك الإمبراطوريات المنهارة واستغلال ثرواتها الوطنية.
ثانيا – أدى انتصار الاشتراكية في الحرب العالمية الثانية الى تجذر كفاح حركة التحرر الوطني العالمية ونشوء تحالف دولية - وطنية مناهض للهيمنة الرأسمالية.
ثالثاً - افضى انهيار كتلة الدول الاشتراكية الى سيادة العلاقات الرأسمالية في التطور الاجتماعي وتبدل طبيعة التناقضات السياسية.
رابعاً- التناقضات الدولية الرئيسية أمست بين دول الرأسمالية المعولمة وبين الدول الوطنية المهددة بالخراب والتهميش والتقسيم.
خامساً– مواجهة التبعية والتهميش تتطلب قيادة اليسار الاشتراكي للقوى والطبقات الوطنية المناهضة للتبعية والتهميش.