تغيير مناهج التعليم وسياسة المعايير المزدوجة


ماهر الشريف
2022 / 5 / 7 - 01:17     


نقلت صحيفة "القدس العربي" في عددها الصادر في 27 نيسان/أبريل الجاري، عن مسؤول فلسطيني قوله إن اجتماعًا للمفوضية الأوروبية سيعقد خلال الأيام المقبلة من أجل اتخاذ القرار النهائي بشأن عودة تقديم المساعدات الأوروبية للسلطة الفلسطينية، والمتوقفة منذ العام الماضي، وذلك بعد أن ذكرت تقارير إسرائيلية أن دولًا في الاتحاد الأوروبي لا تزال تربط عودة تلك المساعدات المالية بقيام السلطة الفلسطينية بتغيير المناهج التعليمية. ونفى أسطفان سلامة، مستشار رئيس الوزراء الفلسطيني لشؤون التخطيط وتنسيق المساعدات، ما ذكر مؤخرًا عن ربط الاتحاد الأوروبي المساعدات بشرط تغيير المناهج التعليمية. وقال: "لا يوجد موقف أوروبي برفض تقديم المساعدات لفلسطين، أو ربطها بأي شروط تتعلق بالمنهاج الفلسطيني"، مشيرًا إلى "أن كل ما جرى هو أن هناك مفوضًا أوروبيًا يتبع لهنغاريا، هو من تحدث بشأن ربط المساعدات الأوروبية بالمنهاج الفلسطيني".



الاتحاد الأوروبي وتغيير المناهج الفلسطينية

في 21 أيار/مايو 2020، أشار أحد المواقع الإسرائيلية إلى أن السلطة الفلسطينية "وافقت على خطة لإجراء تغييرات على محتوى مناهجها التعليمية"، وذلك في أعقاب قرار أقره البرلمان الأوروبي "يدين التحريض على كراهية إسرائيل وأبناء الديانة اليهودية في مناهجها المدرسية"، مضيفًا أن رئيس "معهد رصد السلام والتسامح في التعليم المدرسي" غير الحكومي (IMPACT-SE) عقب على ذلك بقوله: "نحن ننتظر لنرى ما إذا كان سيكون هناك تغيير حقيقي في الكتب المدرسية، كما هو مطلوب من قبل الاتحاد الأوروبي، أو ما إذا كان هذا هو تكتيك جديد لكسب الوقت"، وأضاف: "لن نعرف إلا في بداية العام الدراسي في أيلول (سبتمبر) ما إذا كان التحريض على الكراهية والعنف قد أزيل من الكتب المدرسية، وما إذا تم إدخال معايير السلام والتسامح". وكان البرلمان الأوروبي قد اعتمد، في منتصف أيار/مايو 2020، قرارًا عبّر فيه عن "القلق إزاء المحتوى الإشكالي المدرج في الكتب المدرسية الفلسطينية التي لم تتم إزالته"، و "استمرار الفشل في التصرف بشكل فعال ضد خطاب الكراهية والعنف في الكتب المدرسية". وأكد على أن "رواتب المعلمين وموظفي الخدمة المدنية في القطاع العام للتعليم، والتي تموّل من الأموال المقدمة من الاتحاد الأوروبي يجب استخدامها لإعداد وتدريس منهج يعكس قيم السلام والتسامح والتعايش واللاعنف لليونسكو".وبحسب ما نشرته مجلة "تايمز أوف إسرائيل" الإلكترونية، في 1 شباط/فبراير 2022، فإن دراسة أجرتها منظمة IMPACT-se نفسها بيّنت أن الكتب المدرسية في السلطة الفلسطينية ظلت "دون تغيير إلى حد كبير ولا تزال تحتوي على التحريض على العنف والكراهية، على الرغم من وعود الاتحاد الأوروبي بالعمل مع السلطة الفلسطينية لمراجعتها". ونقلت عن الدراسة نفسها بعض الشواهد، ومنها إشارتها إلى [الشهيدة] دلال المغربي في معرض "وصف العنف بأنه حق مشروع للفلسطينيين الذين يسعون إلى مقاومة الاحتلال" و"زعم الكتب المدرسية أن الصهيونية هي أيديولوجية عنصرية تقوم على مقدمات خاطئة مثل انتماء اليهود إلى مجموعة قومية واحدة". وبغض النظر عن التصريح المذكور أعلاه لمستشار رئيس الوزراء الفلسطيني لشؤون التخطيط وتنسيق المساعدات، يبدو أن الاتحاد الأوروبي، الذي يتخذ قراراته بإجماع دوله التي يبلغ عددها 27، قد جمّد بالفعل مساعداته إلى السلطة الفلسطينية وربط تقديمها بتغيير المناهج التعليمية الفلسطينية، إذ وردت معلومات عن أن المجر، وهي حليف وثيق لإسرائيل، عرقلت مساعدات الاتحاد الأوروبي إلى السلطة الفلسطينية، وربطتها "بشطب عناصر معينة من الكتب المدرسية الفلسطينية ووقف دفع رواتب الأسرى الفلسطينيين". كما اتخذت النرويج قرارًا "بعدم المساهمة بنصف الأموال السنوية لنظام المدارس في السلطة الفلسطينية حتى تتوقف عن التحريض على الكراهية والعنف من خلال كتبها المدرسية".



الفلسطينيون وقضيتهم في المناهج التعليمية الإسرائيلية



في دراسة نشرها ضمن كتاب: "المدرسة والأمة"، عن "تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي في كتب التاريخ الإسرائيلية: بين الرفض والقبول"، قسّم أستاذ تاريخ التربية في جامعة تل أبيب أفنير بن عاموس تاريخ الكتب المدرسية الإسرائيلية التي تتناول الصراع العربي الإسرائيلي إلى ثلاث فترات رئيسية: أولًا: فترة الإنكار، التي كان العامل المهيمن فيها هو الرواية التاريخية الصهيونية التي "أكدت على الرابطة بين شعب إسرائيل وأرض إسرائيل، وهي رابطة تهدف إلى ترسيخ شرعية الحكم اليهودي في أرض إسرائيل"، وتبنت موقف "اللامبالاة بالوجود العربي في هذه المنطقة الجغرافية، بما في ذلك التاريخ الخاص للمجتمع والثقافة العربية الفلسطينية"، ثم صار العرب، كنتيجة طبيعية لإطالة أمد الصراع، "يمثلون عاملًا عدوانيًا وعدائيًا بينما كان اليهود الضحايا الدائمين". وفيما يتعلق بمسألة مسؤولية إسرائيل عن ظهور مشكلة اللاجئين الفلسطينيين خلال حرب 1948، كان موقف الكتب المدرسية "واضحًا لا لبس فيه: الادعاء المقدم هو أن إسرائيل لا علاقة لها بظهور المشكلة، لأن العرب فروا من البلاد، بتشجيع من القادة العرب". ثانيًا: الفترة الوسيطة، وبدأت من الكتب المدرسية التي تتناول الصراع في النصف الثاني من السبعينيات تقريبًا وانتهت في نهاية العقد الأخير من القرن العشرين. وقد أصبحت الصورة العربية المعروضة في الكتب المدرسية، في تلك الفترة، "أقل نمطية وأكثر دقة"، وكان للفلسطينيين "حضور أكبر في تاريخ العهد العثماني وتاريخ الانتداب البريطاني بحيث لم يعد من الممكن التحدث، على سبيل المثال، عن دولة خالية من السكان وصل إليها المستوطنون الصهاينة". وكانت هناك بعض التغييرات في تمثيل ظهور مشكلة اللاجئين الفلسطينيين سنة 1948، إذ أشارت بعض الكتب المدرسية لأول مرة إلى الخطة "دالت" للهاغاناه، والتي نقلت هذا التنظيم العسكري من الدفاع إلى الهجوم، "لغزو المناطق التي كان على الإنجليز إخلاؤها وطرد سكان القرى العربية المعادية الذين كانوا في هذه المناطق". كما تمّ التذكير أحيانًا بحقيقة أن الجيش الإسرائيلي "شجع على هروب السكان العرب المحليين إلى الدول العربية المجاورة"، و "منع اللاجئين من العودة إلى ديارهم". ثالثًا: فترة القبول؟ إذ حدث تغيير حقيقي فقط في الكتب المدرسية التي نُشرت في نهاية العقد الأخير من القرن العشرين، بتأثير "اتفاقيات أوسلو" وبروز ظاهرة "المؤرخين الجدد". بالطبع، "لم تقدم جميع كتب التاريخ المدرسية التي نُشرت في نهاية العقد الأخير من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين مقاربة جديدة للعرب ومشكلة اللاجئين، لكن بعضها احتوى على تغييرات مهمة"، وركّز "على تصوير العلاقات في عهد الانتداب البريطاني"، وعلى "تقديم ليس فقط وجهة النظر الصهيونية، ولكن أيضًا وجهة النظر الفلسطينية بطريقة محايدة نسبيًا، وبالتالي يتم تقديم الصراع كمأساة ناتجة عن الاشتباك بين حركتين قوميتين تدعيان امتلاك الأرض نفسها".



بيد أن هذه الكتب أثارت، كما يتابع أستاذ تاريخ التربية نفسه، جدلًا عامًا عنيفًا في السنوات 1999-2000، إذ هاجم اليمين العلماني الكتب المدرسية "لاعتقادهم أنها شجعت تبني وجهات النظر الانهزامية، وتجاهلت الأبطال اليهود والصهاينة من عصور مختلفة، وفشلت في تصوير العرب كما هم بالفعل، كأعداء معلنين سعوا بأي ثمن لتدمير دولة إسرائيل"؛ في حين أن اليمين الديني القومي، الذي "يعتقد أن أرض إسرائيل قد وهبها الله لشعب إسرائيل، كما يتضح من الكتاب المقدس"، وأن "إقامة دولة إسرائيل في القرن العشرين، واحتلال قطاع غزة والضفة الغربية سنة 1967، والاستيطان اليهودي في هذه الأراضي، كانوا دليلًا ملموسًا على أن العملية كانت بداية لفداء شعب إسرائيل"، أن هذا اليمين القومي الديني أكد أن الكتب المدرسية، التي "عرضت المنظور العلماني للتاريخ اليهودي واعترفت - ولو جزئيًا - بحقوق للعرب في أرض إسرائيل، هي أعمال خطرة تحدت شرعية الهيمنة اليهودية في أرض إسرائيل".



ويضيف أفنير بن عاموس أن هذا الجدل توقف بعد اندلاع الانتفاضة الثانية، إذ وصفت وزيرة التربية والتعليم من الليكود، ليمور ليفنات (2000-2006)، الكتب الحديثة بأنها تندرج في تيار "ما بعد الصهيونية" ، وقامت بمنع توزيع بعضها، ككتاب التاريخ للكاتب داني يعقوبي لأنه " قدم، من بين أمور أخرى، موقفًا ً إيجابيًا للغاية تجاه اللاجئين الفلسطينيين"، ثم حظر الوزير، جدعون ساعر، الذي حل محلها في سنة 2009 "استخدام كتب التاريخ التي تحتوي على مصطلح النكبة في المدارس العربية" ، كما "حظر ثلاثة كتب تاريخ في المدارس اليهودية". وكان أحد هذه الكتب، وهو كتاب تسافرير غولدبرغ، قد صدر عن مؤسسة عامة أصدرت عددًا من الكتب المدرسية، وكانت قد حصلت في البداية على ترخيص من الوزارة، وذلك لأنه "تضمن اقتباسًا من مؤرخ فلسطيني يزعم أن الجيش الإسرائيلي انتهج سياسة التطهير العرقي في سنة 1948". ويخلص بن عاموس إلى أن السرد الصهيوني "لا يزال سائدًا في جميع الكتب المدرسية، ويتم تقديم تاريخ الصراع من منظور يهودي".



شواهد أخرى على الرفض الإسرائيلي لسياسة التعايش والتسامح

أفادت صحيفة "هآرتس"، في مقال نشرته في عددها الصادر في 27 أيلول/سبتمبر 2010، بأنه تم استدعاء مدير مدرسة ثانوية إسرائيلية، تقع بالقرب من بلدة سديروت، من قبل رؤسائه لأنه "سمح لمعلم باستخدام كتاب مدرسي محظور يقدم النسخة الفلسطينية من إنشاء دولة إسرائيل"، أي يتبنى مصطلح "نكبة". وكانت وزارة التربية والتعليم قد قررت، في تموز/يوليو 2009، استبعاد مصطلح "النكبة" من الكتب المدرسية المخصصة لعرب إسرائيل، معتبرة أنه "لا يوجد سبب لتقديم إنشاء دولة إسرائيل على أنه كارثة في المناهج الرسمية".



ومن ناحية أخرى، توقفت صحيفة "هآرتس" نفسها عند إحدى الدراسات الأخيرة حول النهج المدرسي للاحتلال الذي اختارته الدولة، فأشارت إلى أنه "منذ سن مبكرة، يتبنى التلامذة الإسرائيليون رؤية جيوسياسية موجهة للغاية"، بحيث تظهر "السيطرة اليهودية على المناطق [المحتلة] والمكانة المتدنية للفلسطينيين على أنها وضع طبيعي وواضح لا يحتاج المرء إلى التفكير فيه". ويتم "تقليص قضية الصراع والاستعمار إلى بضع جمل من قبل وزارات التعليم اليمينية". وغالبًا "ما يتم التذرع بالعهد القديم في النقاش لتبرير جذور الشعب الإسرائيلي وثقافته داخل مناطق يهودا والسامرة". وتصوّر خرائط كتب الجغرافيا "المنطقة الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ​​ونهر الأردن كمساحة موحدة، تتناثر عليها أحيانًا بقع بنية قليلة تشير إلى المنطقة أ التي تحكمها السلطة الفلسطينية".وتبرز سياسة رفض التعايش بصورة جلية في استبعاد رواية رومانسية للكاتبة دوريت رابينيان بعنوان: "حياة الحدود" من مناهج التعليم الثانوي، في سنة 2014، بحجة أنها تتناول قصة حب بين مترجمة إسرائيلية وفنان فلسطيني، وتشجع بالتالي بحسب القائمين على وزارة التربية والتعليم "الزيجات بين اليهود وغير اليهود"، الأمر الذي أثار سخرية روائيين كبار مثل عاموس عوز، الذي دعا مستهزًا إلى إزالة الدراسات الأدبية من المناهج الدراسية، وقال: "اعتاد الملك داود والملك سليمان النوم مع نساء أجنبيات دون عناء التحقق من جنسيتهن في بطاقة هويتهن". كما أدى استبعاد الرواية إلى زيادة مبيعاتها.



تغيير المناهج يعني التخلي عن روايتنا بصفتها ركنًا من أركان هويتنا

يتجاهل الاتحاد الأوروبي، الذي اعتاد انتهاج سياسة الكيل بمكيالين، ما تنطوي عليه المناهج التعليمية الإسرائيلية من مشاعر الكراهية إزاء الشعب الفلسطيني ومن تحريض على رفض التعايش والتسامح حياله، ولا يطالب بمراجعة مناهج المدارس الإسرائيلية، ولا يضغط على إسرائيل ويفرض عقوبات عليها كي تقبل بشروط "سلام العدل الممكن" الذي ارتضاه الفلسطينيون، بل هو يضغط على الفلسطينيين، ويريد منهم، في الواقع، أن يتخلوا عن روايتهم التاريخية التي تمثّل ركنًا رئيسيًا من أركان هويتهم الوطنية، وهو ما لا يمكن لأي وطني فلسطيني حريص على حماية هوية شعبه ووحدته الإقدام عليه.