الارتفاع الجنوني للأسعار في لبنان في ظل انهيار العملة اللبنانية وفشل السياسة الاقتصادية


عادل عبد الزهرة شبيب
2022 / 5 / 7 - 01:15     

يعاني لبنان من ازمات اقتصادية متتالية اسوأها انهيار العملة الوطنية ( الليرة ) وفقدانها لأكثر من 85% من قيمتها اذ يبلغ اليوم سعر صرف ( 100 ) دولار امريكي نحو 2,700,000 مليون ليرة ( مليونان وسبعمائة ألف ليرة ) , بينما كان سابقا قبل سنوات ( 150,000 ألف ليرة ) . وقد انعكست هذه الأزمة على حياة الشعب اللبناني وخصوصا الطبقات الكادحة والفقيرة حيث ارتفعت اسعار المواد الغذائية والأدوية واجور النقل والسكن واسعار كل المواد بشكل كبير حيث بلغ سعر الصمونة الواحدة 2000 ليرة واصبح سعر تبديل قنينة الغاز 410 ألف ليرة مع ارتفاع اسعار الوقود مما اثر على ارتفاع اجور النقل , واحجمت كثير من الفنادق عن تشغيل مولداتها بسبب ارتفاع اسعار الوقود واذا قامت بتشغيلها فأنهم يرفعون من اجرة المبيت في الفندق بشكل كبير , مع ارتفاع اسعار الفواكه والخضر بشكل جنوني , اذ بلغ سعر باقة الفجل الأحمر 4000 ليرة وهكذا لبقية المواد فلا تستطيع الطبقات الفقيرة في المجتمع اللبناني من تحملها في ظل عدم زيادة الرواتب لتتناسب مع غلاء الأسعار.
وتعد الأزمة الاقتصادية الراهنة التي يشهدها لبنان حاليا هي الأخطر على مدى تاريخه المعاصر , حيث لم تعرف بلاد الأرز مثل هذه الأزمة حتى اثناء الحرب الأهلية التي استمرت نحو 15 عاما بين 1975 و 1990 , وقد تتالت الأزمات في لبنان من اقتصادية الى جائحة كورونا الى انفجار مرفأ بيروت في آب 2020 وما لحق كل ذلك من عدم الاستقرار . وفي ظل هذه الأزمات اصبح اكثر من نصف السكان في لبنان تحت خط الفقر . ونتيجة لذلك اعلنت الحكومة اللبنانية عن التوقف عن سداد الديون الخارجية واغلاق البنوك امام العملاء من حين الى آخر وتشديد القيود على عمليات سحب العملات الأجنبية . وعبثا حاولت الحكومة اللبنانية احتواء الوضع المتأزم عبر تدابير مختلفة مثل دعم السلع الاستهلاكية وملاحقة المتاجرين بالعملة لكن تدهور الليرة اللبنانية شكل ضربة قاصمة لتلك الجهود , والنزيف مرشح للاستمرار , فمن شأن ذلك نفاد احتياطي المصرف المركزي من الدولار الذي يستخدم بشكل رئيسي لدعم استيراد القمح والمحروقات والأدوية ان يجعل الدولة عاجزة عن توفير ابسط الخدمات . وترى الدكتورة ( ليلى نقولا ) استاذة العلاقات الدولية بالجامعة اللبنانية ان هناك اربعة اسباب للأزمة اللبنانية الراهنة وهي :
اولا : السياسات الاقتصادية التي كرسها سابقا الرئيس ( رفيق الحريري ) في التسعينات من القرن الماضي عندما وضع سياسة نقدية ريعية تعطي مجالا للخدمات على حساب الاقتصاد المنتج , وادت هذه السياسة الى افلاس الشعب اللبناني وافلاس مؤسساته لأن الاقتصاد لا يمكن ان يقوم على الريع دون انتاج فعلي .
ثانيا : الفساد والنهب المنظم لخزينة الدولة اللبنانية , حيث تشير التقارير الى نهب حوالي ( 52 ) مليار دولار من خزينة الدولة لا يعرف كيف صرفت و لا أين تبددت , وان هناك طبقة سياسية مارست نهبا منظما لخزينة الدولة على مدى 30 عاما , وبالتالي فهي تتلاعب بسعر الدولار وبمصير الشعب لكي تغطي على فسادها .
ثالثا : تهريب الدولار والمواد الغذائية المدعومة الى الخارج اضافة الى جشع التجار .
رابعا : السبب الرابع هو خارجي , حيث ان ضغط امريكا على ايران وحلفائها ادى الى الضغط على الاقتصاد اللبناني ونظامه المصرفي , ما ادى الى وقف التحويلات الخارجية وادى الى عدم التعامل مع القطاع المصرفي اللبناني بشكل مريح .
الأسوأ لم يأت بعد : بحسب تقرير نشره مرصد الأزمة بالجامعة الأمريكية في لبنان , فإن الأسوأ لم يأت بعد وان البلاد على شفا انههيار شامل لن يطال الاقتصاد وحده , ويشير التقرير الى ان السبب الرئيسي للأزمة هو عدم وجود سياسة متكاملة لمواجهة الأزمة الاقتصادية , الى جانب غياب الارادة السياسية الحقيقية للحل والمواجهة , ويوحي اداء القوى السياسية في لبنان انها منفصلة عن الواقع رغم وجود ضغوط دولية قادتها فرنسا خصوصا لتشكيل الحكومة , كما ان الصراعات السياسية في لبنان قد اثرت على عدم استقرار الوضع السياسي فيها مما اثر على تقديم الخدمات وخدمة الشعب .
ان من اهم التحديات التي تواجه لبنان اليوم وفي المرحلة القادمة هي اعادة الثقة الى القطاع المالي والمصرفي وعودة الانتظام الى المالية العامة حيث جفت مصادر تمويل خزينة الدولة والقطاع المصرفي بالعملات الأجنبية , وبالمقابل على الدولة اللبنانية التزامات عديدة تتطلب توافر الدولار لسدادها .
وبهذا الصدد يرى الحزب الشيوعي اللبناني بأن لبنان يعاني من ازمة متعددة الأبعاد على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة , وان ازمة نظام الطائف وصلت الى مداها , مع فشل السلطات التنفيذية والتشريعية وشللها , مع تفاقم الأزمة النقدية والمالية كجزء من أزمة اقتصادية أشد عمقا وشمولا , وابرز عواملها : طغيان الأنشطة الريعية والقطاعات الانتاجية المتدنية غير القادرة على خلق الوظائف , وانهيار البنى التحتية ووظائف الدولة الأساسية وغياب التقدم التكنولوجي والابتكار والتفاوت الكبير في توزيع الدخل والثروة وتراجع العوائد الناتجة عن العمل بالتزامن مع ارتفاع متواصل في كلفة المعيشة , وقد انتجت هذه العوامل على الصعيد الاجتماعي بطالة وهجرة وتهميشا خصوصا بين الشباب , واضعفت بنسبة كبيرة القدرة الشرائية للعمال والأجراء والموظفين ولجماعات واسعة من الفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة التي فرض عليها ان تتحمل بشكل غير متساو ( مقارنة بالطبقات الغنية ) الأعباء الضريبية وتكاليف خدمة الدين العام ونفقات الصحة والتعليم والنقل والسكن . ويطرح الحزب الشيوعي اللبناني برنامجه الذي يرمي الى تحقيق تغيير عميق ينهي استثمار المنظومة الحاكمة للانقسات الطائفية وما تنتجه من شلل دستوري , ويؤسس لبناء دولة ديمقراطية علمانية واقتصاد يلبي تطلعات الشباب والمتعلمين والنساء والطبقة العاملة والفئات المتوسطة نحو التقدم والحداثة والعدالة الاجتماعية , بدلا من اقتصاد تسيطر عليه الاحتكارات والمصارف والرساميل الكبرى المستظلة بنظام سياسي مذهبي تحاصصي متخلف ورجعي لا يليق بلبنان القرن الواحد والعشرين .




المصادر :
1. الحرة .
2. يونيسيف لبنان .
3. D.W . عربية .
4. الجزيرة .
5. برنامج الحزب الشيوعي اللبناني