الأنطولوجيا بين المادية والإسلامية


محمد فياض
2022 / 5 / 4 - 10:17     

تسيرُ النفس البشرية في هذه الحياة مُتأثرة بعاملي المادةِ والحس , وتستمرُ في صراع دائم من أجل إيجاد التوازن الطبيعي بين هذين الأمرين فتجدُ مَن أبصر بالمسألة عن كثب يسعى لمسك العصا من المنتصف أو لربما يكون مُتحيزاً فيدنو مِن طرف الوجدان بضع خطوات .
إنَّ ضرورة فهم ثوابت المعادلة يترتبُ عليها النتيجة الصحيحة فسلامة المقدمات يترتبُ عليها مِن باب أولى سلامة النتيجة في نهاية المطاف .
وإلّا قد يتوارد الى اذهان البعض أفحوى الحياة بنكهتها المادية البحتة فقط؟
بعيداً ع الصراع القائم بين الماديين والإسلاميين فالنظرُ عن بضعة أمتار من المشهد يجسد الحقيقة بشكل أوضح .
فتجد من تعرض للمادة وزيّنها بنظريات عديدة ليجعل منها محور الوجود وغاية الحياة العظمى ، فإيمان الماديين يقتصر على الادراك الحسي فالمحسوس عندهم كل ما يُدرَك مادياً بالحواس العادية والالات المساعدة وكل ما خرج عن هذه الدائرة فهو مرفوض قطعاً كالغيب والأمور الغيبية مثلاً.
وهذا الذي وسّع آفاقه متأخراً كلّ من كارل ماركس وفريدريك انغلز والذي انتهى بالمذهب المادي أخيراً.
في واقع الأمر إنّ اعتماد معيار الحس فقط في رسم خارطة الوجود يترتب عليها ضياع جزء كبير من الحقيقة ونظرة ضيقة لمعالم الوجود وبالتالي نهاية تحمل وجهاً واحداً من الواقع .
فإقرانُ العقل بالحس وفهم كلّ منهما بدلالة الاخر سيخلُق فلسفة جديدة في هذه المسألة .
فقد ينسى من اعتنق المادة مذهباً إنَّ كل ما هو معقول يدخل في نطاق العلم والوجود وإن لم يكن محسوساً.
فتخيل الكون بهذه الهندسة الدقيقة العجيبة وبهذا الانتظام الرهيب من غير المعقول ان يكون محل الصدفة والتكرار .
لذا فالعاقل يدرك استحالة وقوع الصدفة بنفس الهيئة والتركيب على نفس النقطة من محوري الزمان والمكان في الالاف السنوات .
فالأثرُ يُشيرُ الى المؤثر ، فلو رأيتَ يوماً أثر قدم في الأرض فإنّك مُباشرة ستُدرِك إنّ احدهم مرَّ من هنا ولو رأيتَ كتاباً مخطوطاً ومركوناً على رفِّ مكتبة ما ستُدرك أيضاً إنَّ وراء هذا الكتاب من كتب حروفه ولو اخبرتُكَ بإنَّ الكتاب وجدَّ مِن فراغ وأنَّ أثر القدم لا صاحبَ لها سيمتنع عقلك من تصديقها
والسؤال الاولى هنا فكيف بهذا الكونِ بما حمل أيُعقل ان يوجد من فراغ ؟
إنَّ الغوص في المادة لدرجة الإسفاف كما فعل فريدريك نيتشه بربط مشاكل الانسان واختلاجاته في تفاصيل المادة واللذة لهو فخ آخر وفلسفة فارغة لا تبرحُ إلّا أن ترمي بِمَن تمسك بحبالها بحفر الضياع والظلام .
فالجميع يعلم إنَّ السيرَ في بحر اللذائذ لا تُرسى له نهاية يتحقق عندها الإشباع .
فتجد الفلسفة الإسلامية قد وضعت أُسساً منطقية تُحاكي العقل البشري وتُنظم حياة الانسان بعيداً عن الاسراف وتهذيبُ الغرائز لا كبتها كما يفهم البعض ، بل جعلت لكلّ واحدة منها باباً يؤتى منه وضوابط تجعل المرء يُنتشَل من بحر المادية التي غرق فيها لسنوات لِتسمو به الى آفاق الملكوت شيئاً فشيئا .
وهذا خلاف ما فهم البعض محاربة الاسلام اللذائذ فنجدُ الله في كتابه الكريم بكل وضوح مُخاطباً رسوله الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم )
"وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا"
ذلك النصيب المشروع الذي يُذكّر اللهُ رسولَه بمشروعيته هو عينه الفلسفة التي طرحها الاسلام للتعامل مع المادة وحياة اللذائذ .