في تهنئة رئيس الجمهورية - قيس سعيد- بعيد الفطر


هيثم بن محمد شطورو
2022 / 5 / 3 - 14:05     

من زاوية نظر الديالكتيك التاريخي لخط سير الحرية في التاريخ، فالحرية كفكرة كلية تغترب عن نفسها في الواقع لكي تعود إلى ذاتها من جديد في طور أكثر تجسيدا وتشكيلا لها في التاريخ، وكل نفي إنما هو في حقيقته لا يعني فسخ المرحلة السابقة كلها وإنما يحمل بعضها في الطور الجديد من التوحد و التـشكل الجديد، وكل تلك الخطوات من سير الحرية في التاريخ من نفي لنفسها وعودة إلى ذاتها من جديد، هو عملية انتساخ ضرورية لتتجسد الحرية في الواقع أكثر ما يمكن، لأن الحرية في التاريخ ليست مطلقة وجل ما يحكم الصيرورة التاريخية ما هي إلا عملية تحرر. وبالتالي ومن وجهة النظر التاريخية الواقعية، لا يمكن إلا تتـفيه المقولات المجردة حول الحرية التي تبدو كقوالب جاهزة وإنما فاقدة لكل حيوية وواقعية فتجدها كالأحجار الصماء وإن كانت تظهر لك كتمثيل لفكرة جميلة وإنما في النهاية فهي مجرد تمثال ومنحوتة فنية قد ترضي الذائقة الفنية ولكن لا حقيقة لها واقعيا في التاريخ ولا فاعلية لها فعلية ولا حتى أن تكون لها أي مشروعية تاريخية..
من خلال زاوية النظر هذه، فاللحظة السياسية التونسية الحالية التي أعلن فيها الرئيس الاستثنائي " قيس سعيد" بحكم صلاحياته الاستـثـنائية في الحدث السياسي الاستـثـنائي، ليلة عيد الإفطار الأخير وبمناسبة تهنئة الشعب التونسي بالعيد، وهو يزف له بشرى تتمثل في قراره بتـشكيل لجنة لأجل بناء الجمهورية الثالثة، أي دستور جديد ونظام سياسي جديد يمكن من التعبير الأمثل عن الطور الجديد لصيرورة الحرية في تونس، والذي سيتم عرضه للاستفتاء الشعبي يوم 25 جويلية القادم. وهنا يتضمن ما يُطلق عليه بالاستثنائي معنى الفعل المُسرع في التاريخ، والذي كان من الممكن له أن يتـشكل في ثورة شعبية عارمة إرهابية دموية بدأت فعليا بحرق مقرات حزب النهضة الاسلاموي في تونس، وتلك الهبة الإعصارية الشعبية كانت ستتحول إلى العنف الذي قد يصل حتى إلى سحل الإسلاميين في الشوارع وهؤلاء بطبيعة الأمر سيمارسون إرهابهم وربما كنا سنرى عمليات تفجير للأسواق والمغازات الكبرى ولمحطات الوقود لإرهاب الشعب الذي لا يرتهب بدوره وبالتالي كانت ستتحول البلد إلى ساحة دموية خارقة يخرج فيها ذاك الوحش الكامن في الأعماق من عقاله ويتحرر من كل محمول ثقافة السلم التي طُبع بها، والتي يرتكز عليها كثيرون والى اليوم في استهداف هذا الشعب. في النهاية ففي لحظة تهديد الكيان في ذاتها فإنه يفجر كل طاقة العنف التي لديه. ساعتها كان العالم سيتعرف على التوحش العظيم للشعب المُسالم. وبالتالي فاللحظة الاستثنائية سياسيا والمتمثلة في قرار رئيس الجمهورية بتجميد البرلمان ومن ثم حله والذي يعني تحديدا وأساسا من الناحية السياسية إزاحة الحركة الإسلاموية من الحكم والسلطة، كان في حقيقته الخط المتوافق ضمنيا مع إرادة الشعب ولكن بمحمول ثقافته في تجسيد الاتجاه السلمي في التغيير. ومن خلال هذا المسار فإن تهنئة رئيس الجمهورية بعيد الفطر هي في النهاية تهنئة بتعبير الكيان التونسي عن نفسه سلميا عن لحظة التغيير الواجبة والضرورية في صيرورة حريته تاريخيا والتي هي لحظة متـقدمة في مسار تحرره...
صورة التوحش التي ذكرناها في النهاية تصور حقيقة الصراع الذي بلغته اللحظة التاريخية والمتمثلة في حسم الشعب مع الإسلام السياسي، ولكن في تونس هناك مؤسسات حاملة للسلاح قوية والتي كانت ستتحرك لحسم المسألة حتى وإن لم يحسم رئيس الجمهورية الأمور. الجيش التونسي لا يمكن أن يبقى متـفرجا والبلد مشتعلا، فهو المسئول عن حماية الوطن وهي المهمة المقدسة لكل جيش لكل دولة. في تونس هناك مؤسسة الاتحاد العام التونسي للشغل والذي له من القوة على تكييف الموقف الشعبي نحو التحركات السياسية السلمية ولكن دور الاتحاد في مثل غضبة الشعب العظيمة على الإسلاميين وحسمه النهائي في رفضهم،كان يتطلب تحول الاتحاد إلى دور الحزب الثوري وهذا يبدو مستحيلا لعدة عوامل. ما كنا لنتخيل أن يثور الاتحاد على نفسه ليعود إلى لحظة فرحات حشاد. أما الأحزاب السياسية الأخرى فلا قوة ولا دور فعلي لها لدى الشعب الذي يراها مجرد بوم ينعق في الغروب، أي لا دور فعلي لها في التاريخ كحزب سياسي...
من هنا، فرئيس الجمهورية "قيس سعيد"، هنأ الشعب بعيد الفطر مرفقا ذلك بتشكيل لجنة للإعداد للجمهورية الثالثة، بحكم سلطاته الاستثنائية في المرحلة الاستثنائية، هي في مضمونها تهنئة بالمسار السلمي في ثورته المستمرة بتشكلاتها المتطورة التي تعرب عن تقدم مسيرة تجسيد تحرره المتقدم باستمرار في التاريخ.