النضال النقابي والنضال السياسي׃ اية علاقة من المنظور الماركسي


جمال براجع
2022 / 7 / 24 - 22:20     

تكتسي علاقة النضال النقابي بالنضال السياسي أهمية كبيرة بالنسبة للقوى الماركسية سواء على المستوى النظري اوعلى المستوى العملي. وقد اثارت هذه العلاقة ومازالت تثير الجدل والنقاش. ومن شان فهم هذه العلاقة فهما صحيحا كعلاقة جدلية ان يساهم في تطور الممارسة النضالية للحركة الماركسية وللحركة العمالية الثورية نحو تحقيق أهدافها في بناء القوة الطبقية العمالية المنظمة القادرة على اسقاط الرأسمالية وبناء الاشتراكية.
المنظور الماركسي للعلاقة بين النضال النقابي والنضال السياسي
لا يمكن فهم علاقة النضال النقابي بالنضال السياسي بشكل علمي الا ضمن التصور الماركسي العام للصراع الطبقي كصراع بين راس المال والعمل المأجور أي بين الطبقة البرجوازية الرأسمالية المالكة لوسائل الإنتاج والطبقة العاملة التي لا تملك سوى قوة عملها التي تبيعها للرأسمالي مقابل اجر. وتتعدد حقول ووسائل هذا الصراع.
فالطبقة العاملة تخوض هذا الصراع في حقله الاقتصادي عبر النقابة وفي حقله السياسي عبر حزبها الثوري المستقل وفي حقله الأيديولوجي عبر مختلف وسائل الدعاية والتحريض الحزبية والنقابية وغيرها.
وتعتبر النقابة أولى اشكال وأدوات تنظيم ونضال الطبقة العاملة ضد الاستغلال الرأسمالي. وقد ظهرت أنويتها الاولى في بدايات نشأة الطبقة العاملة وخاصة في إنجلترا مهد الثورة الصناعية وتطورت لتشكل تجمعات عملية مهنية (التريديونية) ركزت في نضالها على الرفع من سعر قوة العمل عبر رفع الأجور وتقليص ساعات العمل.
وقد رأى ماركس في هذه الاشكال الأولى للحركة النقابية الخلايا الأولى لتنظيم الطبقة العاملة معتبرا إياها افرازا موضوعيا ملازما لظهور الصناعة الكبرى وتشكل الطبقة العاملة وتموقعها في وتجمعها في مصانع واوراش كبرى֚֚ عكس اشتراكيو ذلك الوقت ومنهم برودون الذين كانوا يزدرون النقابات ويعتبرونه مضيعة للجهد والوسائل.
ورغم تأكيد ماركس على أهمية وضرورة النقابة فانه بين ان نتائجها تبقى محدودة بالحدود التي يرسمها النظام الرأسمالي نفسه֚ ولا تؤدي الى القضاء على أساس الاستغلال الرأسمالي القائم على العمل المأجور وسرقة فائض القيمة من العمال֚ بل فقط الى تلطيفه داعيا الى تجاوز النضالات الجزئية من اجل الاجر العادل الى النضال من اجل الغاء العمل المأجور.
وقد وضح ماركس هذه الفكرة في رسالته حول النقابات للمؤتمر العمالي الأول بجنيف في 1866 حيث قال ֕ إضافة الى عمل النقابات المباشر الموجه الى ضد مناورات راس المال المزعجة ֚ على هذه النقابات ان تناضل الان وبكل وعي بوصفها مراكز لتنظيم الطبقة العاملة بغية تحقيق هدفها الأسمى والمتمثل في التحرر الجذري. وعليها ان تساعد كل حركة اجتماعية وسياسية تنحو هذا المنحى...وهدفها هو السعي لتحرير ملايين العمال الذين يتعرضون للازدراء".
هكذا اذن يؤكد ماركس على أهمية النقابات وضرورتها لتنظيم العمال لمواجهة شطط راس المال ֚ لكنه دعاها الى تسخير قوتها المنظمة لتحرير الطبقة العاملة تحريرا تاما والى ربط نضالها بالحركات الاجتماعية والسياسية التي تناضل ضد الرأسمالية. اي الى تجاوز تصورها النقابي الضيق والانفتاح على الصراع الطبقي كصراع سياسي للسيطرة على السلطة السياسية. وهذه السيطرة لن تتم بالنسبة للطبقة العاملة الا إذا انتظمت سياسيا في حزبها المستقل.
وقد عرفت الحركة النقابية العمالية تطورات كبيرة في ارتباط بتطورات الصراع الطبقي في اوربا بين الطبقة العاملة والبرجوازية وبالتطورات التي عرفتها الرسمالية في سياق تحولها الى مرحلتها الامبريالية في أواخر القرن 19 م. ومن أبرز هذه التطورات ظهور وسيادة الاتجاهات الاقتصادوية التي ارتبطت من جهة بتشكل ارستقراطيات عمالية تستفيد من الريع الرأسمالي و بصعود وهيمنة الاتجاهات الاصلاحية البرجوازية الصغرى داخل الحركة الاشتراكية الديمقراطية في اوربا والتي نهجت سياسة السلم والتوافق الطبقي مع البرجوازيات الحاكمة والمسيطرة. الشيء الذي حرم الطبقة العاملة من أدواتها النقابية والسياسية لصراعها ضد الرأسمال. وبالتالي تم الفصل بين النضال النقابي والنضال السياسي وإعطاء هذا الأخير مضمونا برجوازيا رجعيا.
وقد واجه لينين النزعة الاقتصادوية ֚كاتجاه برجوازي صغير داخل الحركة العمالية֚ بكل قوة وحزم وخاصة في كتابه "ما العمل"֚ اذ اعتبرها "تحطيما تاما للوعي من طرف العفوية". فعكس ما تدعيه الاقتصادوية فان الحركة العفوية للطبقة العاملة لن تؤدي الا الى الخضوع للأيديولوجية البرجوازية أي اخضاع العمال فكريا للبرجوازية من خلال اقتيادهم نحو السياسة التعاونية والسلم الاجتماعي مع البرجوازية. وقد أبرز لنين ان مهمة الحركة الاشتراكية الديمقراطية
هي ان "تحمل للطبقة العاملة وعي وضعها ووعي رسالتها". أي ان تحمل اليها ليس الوعي الاقتصادي الحسي بظروف معاناتها واستغلالها وكيفية انتزاع مطالبها وتحسين شروط عملها֚ بل الوعي الطبقي السياسي لتتحول من طبقة في ذاتها الى طبقة لذاتها. وهذا غير ممكن الا ببناء حزبها السياسي المستقل الذي يقودها كهيئة اركان في صراعها من اجل القضاء على الرأسمالية وبناء الاشتراكية. وسيرورة البناء هاته لا يمكن ان تتم الا في معمعان الصراع الطبقي بمختلف مستوياته وحقوله֚ وليس ميدان النضال الاقتصادي النقابي وحده رغم انه هو المدرسة الأولى التي تتعلم فيها الطبقة العاملة التنظيم والنضال والتضحية وتكتسب فيها الخبرات والوعي الطبقي الحسي الضروري لتبلور وتطور وعيها الطبقي السياسي. ֚
نستخلص مما سبق ان النضال النقابي/الاقتصادي ضروري بالنسبة للطبقة العاملة من اجل انتزاع مكتسبات واصلاحات وكمدرسة للتنظيم والنضال ومراكمة الخبرات والوعي. لكن يجب ان يرتبط هذا النضال بشكل جدلي مع نضالها السياسي֚ والايديولوجي أيضا֚ عبر حزبها السياسي المستقل من اجل الاستيلاء على السلطة السياسية كشرط للتحرر وبناء الاشتراكية.
العلاقة بين النضال النقابي والنضال السياسي في الحالة المغربية.
اتخذ تطور الحركة النقابية في المغرب֚ منذ الاستقلال الشكلي الى الان֚ مسارين خطيرن شكلا ֚ ومازالا ֚ عائقا امام تنظيم الطبقة العاملة وتطور الوعي الطبقي لتحرر من وطأة الاستغلال الرأسمالي او على الأقل التخفيف منه. وقد تسببا في اضعافها وتشتيتها وتجريدها من سلاح نضالها الاقتصادي أي النقابة بإفراغها من مضمونها النضالي الطبقي.
-المسار الأول هو مسار هيمنة ارستقراطية عمالية في الاتحاد المغربي للشغل استفادت من علاقاتها مع الباطرونا والنظام لمراكمة الامتيازات وخصوصا عبر الريع النقابي. وقد فرضت هذه الارستقراطية نظاما بيروقراطيا في المركزية حولها من أداة للصراع الطبقي تخدم مصالح العمال وتربط نضالهم بالنضال العام للشعب المغربي من اجل التحرر والديمقراطية الى أداة للتعاون والعمالة الطبقية للبورجوازية مقابل الامتيازات والترقي الاجتماعي لعناصرها. ويعرف هذا النوع من النضال بالنضال النقابي "الخبزي".
-المسار الثاني هو مسار الهيمنة السياسية على الحركة النقابية. وتمثله على الخصوص مركزية الاتحاد العام للشغالين بالمغرب التابعة لحزب الاستقلال التي انشقت عن الاتحاد المغربي للشغل في سنة 1961֚ ومركزية الكونفدرالية الديمقراطية للشغل التي انفصلت بدورها عن الاتحاد المغربي للشغل في سنة 1978 وأصبحت تابعة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والان تحت هيمنة المؤتمر الوطني الاتحادي. وقد انفصلت عنها الفيدرالية الديمقراطية للشغل تحت هيمنة الاتحاد الاشتراكي. وظهرت الى جانبها مركزية الاتحاد الوطني للشغل التابعة لحزب العدالة والتنمية֚ دون الحديث عن نقابات أخرى لكن لا وجود فعلي لها في الواقع. هذه الهيمنة جعلت النقابة رهينة للقرار السياسي للحزب المهيمن عليها في علاقته بالسلطة والبرجوازية֚ يوظفها في إطار الصراع السياسي֚ المتحكم فيه طبعا֚ لتحسين شروط التفاوض مع النظام قصد انتزاع مكاسب سياسية حزبية وخصوصا ما يتعلق بالتمثيلة في مؤسسات النظام. هذا دون اغفال طبعا الاستفادة المادية للفئات المتنفذة داخل هذه المركزيات من الريع النقابي والتواطؤ مع الباطرونا مما ساهم في ترقيها الاجتماعي على حساب العمال/ات.
ان خطورة الهيمنة البيروقراطية والسياسية على الحركة النقابية تكمن في تجريد الطبقة العاملة֚ سواء المنتمية نقابيا او تلك غير المنتمية֚ من السلاح النقابي الضروري للدفاع عن مصالحها الاقتصادية والاجتماعية وتحصين مكتسباتها في وجه الهجوم البرجوازي الرأسمالي المتوحش وتعسفات الدولة البرجوازية֚ وجعلها خاضعة ضعيفة ومشتتة وغير منقبة لا تقوى على النضال والصمود والدفاع عن نفسها بالشكل الذي يحمي وجودها ومكتسباتها. وهذا ما يفسر الى حد كبير احجام اغلب العمال/ات على الانخراط في النقابات. فالبيروقراطية بجميع اشكالها تشكل امتدادا للفكر البرجوازي وسط الطبقة العاملة. والتخلص منها ليس سهلا لكنه ضروري إذا ارادت الطبقة العاملة ان تقرر مصيرها وتأخذ زمام امورها بيدها. والا ستبقى تحت رحمة الاستغلال والقهر الرأسمالي.
خلاصة عامة
ان النضال النقابي وفق التصور الماركسي هو أحد واجهات وأدوات الصراع الطبقي الذي تخوضه الطبقة العاملة. وهو يرتبط جدليا مع النضال السياسي والايديولوجي. ولا يمكن لهذا النضال ان يكون فاعلا ومؤثرا في سيرورة تطور الوعي الطبقي للطبقة العاملة وصراعها العام ضد الرأسمالية الا إذا كان مؤطرا وموجها بأيديولوجيتها أي الاشتراكية وبأهدافها المرحلية والاستراتيجية في القضاء على الرأسمالية وبناء الاشتراكية في افق المجتمع الشيوعي. ولن يتحقق ذلك الا إذا امتلكت الطبقة العاملة حزبها السياسي المستقل. هذا الحزب وحده بإمكانه بناء تمفصل سديد بين أدوات الصراع الطبقي للطبقة العاملة من جهة وبينها وبين مختلف التنظيمات الذاتية للجماهير الشعبية بما يحترم استقلاليتها وبما يخدم التغيير الثوري الحقيقي وضمان نجاحه.