تمييع المفاهيم و إفراغها من محتواها : البرجوازية الصغيرة ومفهوم الطبقة العاملة


عمر الماوي
2022 / 4 / 30 - 19:21     

يتصدر البرجوازيون الصغار المشهد و باتوا يشغلون مراكز متقدمة في الأحزاب الشيوعية و اليسارية ، و أمسى جوهر الأحزاب الشيوعية غريبًا بالمطلق عما هو مفترض بهذه الأحزاب كأحزاب للطبقة العاملة ، كان لإحتواء البرجوازية الصغيرة لتصبح المكون الأساسي للأحزاب الشيوعية أثاره المدمرة ، ما تسبب غفي إفراغ هذه الأحزاب من محتواها لتفقد دورها التاريخي كان عليها ان تضطلع به.

و قطعًا ان الدعوة الى تأطير مفهوم الطبقة العاملة و الحفاظ على معانيه ومضامينه التاريخية و الأيدولوجية و السياسية ليس ضربًا من الجمود العقائدي بأي حال من الأحوال، طالما أننا نتحدث عن الرأسمالية و تناقضاتها، فلا معنى لتمييع هذا المفهوم و ضرب كل الإعتبارات التاريخية و الأيدولوجية عرض الحائط، و نحن الماويون تحديداً ندرك أكثر من غيرنا طبيعة هذا التمايز، لأن الماوية هي من طرحت هذه القضية بكل ما تنطوي عليه من تناقضات وعملت على حلها في خضم الثورة الثقافية العظمى في الصين الماوية.

من هي الطبقة العاملة؟



وفقًا للمادية الديالكتيكية ، يتحدد كل مجتمع بنمط إنتاجه. ما يهم هو كيف يعيد المجتمع إنتاج حياة المجتمع وأفراده ، وإلى أي مدى يوسع الوسائل الاقتصادية لتمكين تلك الحياة.

لذلك ، لفهم طبيعة نمط الإنتاج ، يجب الانتباه إلى الإنتاج الفعلي ، وليس الطريقة التي يتم بها توزيع هذا الإنتاج . تهدف بعض الأطروحات الخاطئة ، على سبيل المثال ، إلى جعل من يؤدون الخدمات كعمال و منتجين كالمحاسب مثلاً.

هذا خاطئ تمامًا ، لأن المهم ليس الأجر ، بل المساهمة في الإنتاج الإجتماعي ، و التي لا تتوفر لدى المحاسب . وينطبق الشيء نفسه على سلسلة كاملة من الوظائف الاجتماعية.

و أبعد من ذلك، لا يتورع البعض من المنغمسين في الإنحطاط البرجوازي خاصة التروتسكيين عن الحديث عن البغايا و العاهرات بوصفهن "عاملات في الجنس".

و على أي حال ، يشرح لنا ماركس في كتاب راس المال هذه المسألة برمتها و يقول :

"جميع أفراد المجتمع الذين لا يلعبون دورًا مباشرًا في الإنتاج ، سواء مع العمل أو بدونه ، يمكنهم فقط الحصول على نصيبهم من ناتج العمل السنوي - ومن ثم وسائل استهلاكهم - من الفئات التي يقع فيها الإنتاج مباشرة: العمال المنتجون ، والصناعيون. الرأسماليين وملاك الأراضي.

من وجهة النظر هذه ، يأتي دخلهم ماديًا من أجور (العمال المنتجين) ، ومن الربح ومن ريع الأرض.

لذلك تبدو العملية كمشتقات لهذه الإيرادات الأولية.

من ناحية أخرى ، فإن المستفيدين من هذه العائدات ، بالمعنى الذي رأيناه للتو ، يتلقونها بحكم وظيفتهم الاجتماعيةة: كاهن ، مدرس ، عاهرة ، مرتزق ، إلخ. وبالتالي يمكنهم القيام بهذه الأعمال للمصادر الأولية لدخلهم ".

و من ناحية أخرى، قد يتبجح المعلم و يقول إنه يتقاضى راتبه من الإنتاج العام للمجتمع ، وأنه بدون التعليم الذي يقدمه ، لن يكون هذا الإنتاج العام على ما هو عليه.

هذه وجهة نظر خاطئة و مغرقة في المثالية . يتم تحديد المجتمع من خلال إنتاجه للسلع والأستاذ أو المعلم لا يشارك في هذا الإنتاج للسلع. يتم توفير راتبه - أي وسائل شراء البضائع - من نصيب الذين يشاركون بشكل مباشر في الإنتاج.

ولهذا السبب يرى ماركس و إنجلز طبقتين فقط:
الطبقة العاملة و البرجوازية هي فقط ما يمكن ان نطلق عليه مسمى " طبقات " ، كونها تحافظ على إستقرارها التاريخي، و بهذا المعنى يمسي الحديث عن "الطبقة الوسطى" ضربًا من المثالية و الإنتهازية، هناك شرائح وسطى ولا توجد طبقة وسطى، البرجوازية الصغيرة و البرجوازية الوسطى (الوطنية) هي الحاجز الفاصل بين البرجوازية و الطبقة العاملة.

في كتاب رأس المال ، يقسم ماركس البرجوازية إلى ملاك الأراضي - الذين يمتلكون الأرض التي يوفرونها للعاملين بها - والرأسماليين الصناعيين ، الذين تنتج ورشهم ومصانعهم البضائع.

من هذا المنظور ، فإن الرأسمالي المالي هو أيضًا يطفل الإنتاج ، على الرغم من أنه عندما يستثمر يصبح هو نفسه كرأسمالي صناعي بشكل جزئي ، بما يتماشى مع تحليل لينين للاندماج بين رأس المال المصرفي ورأس المال الصناعي.

لذلك لا تعتبر المادية الديالكتيكية أن " الكهنة ، والأساتذة ، والعاهرات ، والمرتزقة و الموظفون... الخ" لديهم نشاط يتعلق بالإنتاج ، وهذا لا يعني أنه ليس لهم أي منفعة اجتماعية ، يوضح ماركس حول هذه الفئات أن الأشخاص الذين يقومون بهذه الأنشطة هم في خدمة البرجوازية.

كان ماركس يعني أساتذة الجامعات ، لكن الأمر نفسه ينطبق على أساتذة الجامعات والمدارس ، الذين يتخيلون أنهم7 يشاركون اقتصاديًا في الانتاج الإجتماعي ، في حين أن وجودهم تحدده الرأسمالية التي تضحي بجزء من ثروتها للتعليم الاجتماعي الذي يخدم وجودها بالضرورة.

يتخيل المعلمون أنفسهم انهم يقدمون تعليمًا "محايدًا" ضمن إطار مرتبط بالدولة "المحايدة" ، وبالتالي يشاركون في الإنتاج ، بينما هم في الواقع جزء من البنية الفوقية التي أقيمت على البنية التحتية التي هي نمط الإنتاج.

و لمزيد من الوضوح ، اذا اخذنا بالاعتبار ان حجر الزاوية في نظرية ماركس هي مسألة فائض القيمة الذي يسرقه البرجوازيون من العمال، و اذا ما ادركنا بالتالي ان النظام الرأسمالي بأسره يقوم على العمل الحي للطبقة العاملة، فإننا سندرك بالنتيجة ان مفهوم الطبقة العاملة من وجهة نظر ماركسية محصور بمن يقومون بالإنتاج الفعلي و يخلقون القيمة التي يسرق البرجوازيون فوائضها من العمال اليدويين تحديداً.
عمال المصانع الذين ينتجون السلع في عملية تتيح نهب فائض القيمة الذي انتجه عملهم.
يقتات البرجوازيون على العمل الحي للعامل من خلال سرقة فائض ما يخلقه العامل من قيمة اخذت شكل سلعة في النهاية.
اذا ما ادركنا هذا القانون فإننا سندرك بالنتيجة ان الطبقة العاملة (البروليتاريا) المقصود بها بالتحديد هم عمال المصانع الذين ينتجون القيمة و ينتجون ما يستهلكه المجتمع بأسره.
لكن ، سيأتينا من يقول ان العمال الذهنين كالمبرمجين مثلا يتعرضون للاستغلال!
المبرمج و المحاسب و المحامي و المعلم و المهندس و الطبيب وحتى الممرض و الحرفي الذي يعمل لحسابه الخاص و موظف الشركة و المؤسسة الخاصة و الحكومية (مدني و عسكري) و الكاتب و الصحفي و الفنان و استاذ الجامعة ، كل هؤولاء عدى عن عملهم الفردي فهم لا ينتجون القيمة التي يستهلكها المجتمع بل يؤدون خدمات مقابل اجور تتناسب طرديًا مع مستوى تجهيزهم و تأهيلهم الاكاديمي و المهني و بالتالي هم في الادب الماركسي يتم اعتبارهم برجوازية صغيرة ، كل من تطلب وجودهم في سوق العمل تجهيزاً اختصاصيًا معينًا كالتعليم الاكاديمي او المهني عدى عن مسائل السيرة الذاتية و الخبرة و بالتالي تتناسب اجورهم طرديًا مع مستوى هذا التجهيز فهؤولاء برجوازية صغيرة هاجسها الاساسي هو الامتيازات و الارتقاء بدلا من النزول في الهرم الطبقي ، فضلاً عن ان اجور هؤولاء تدفع من خلال الإنتاج الفعلي للطبقة العاملة التي تخلق الثروة، بحيث ان البرجوازية تضحي بجزء من هذه الثروة كما سبق و أشرت.

سيقول لنا اخر ان المبرمج الذي يعمل في شركة وينتج تطبيق او برنامج يبيعه صاحب الشركة بسعر عالي الم يخلق قيمة؟ كلا فالمبرمج قدم خدمة و حصل على اجر يتناسب مع مستوى تجهيزه الأكاديمي و خبرته وسيرته الذاتية ولا يمكن ان يكون كالعامل الذي يحصل على اجر زهيد ويقوم بعمل بدني شاق و ينتج قيمة مادية يتم تصديرها الى السوق كسلعة.
من يجلسون خلف المكاتب ليسوا عمالاً بأي حال من الاحوال و لديهم هوس بمسألة الحق البرجوازي كونهم من "المتعلمين" ولا يقبلون ان يعاملوا كعمال ، كما انهم بالاساس كبرجوازيين صغار يحتقرون العمال ، مثلا في عيد العمال بالاول من ايار جزء كبير منهم لا يعتبرون ان هذا اليوم يخصهم و يعنيهم من قريب أو بعيد، لان هاجسهم دائمًا هو الارتقاء الطبقي و عدم النزول الى مستوى هؤولاء العمال ، هذا هو الحق البرجوازي الذي يعتبر من تمظهرات التناقض بين العمل الذهني و العمل اليدوي (البدني).
الموظفون و العمال في سوق العمل في المدن و المناطق الحضرية ينقسمون الى عدة شرائح. قلنا الطبقة العاملة (البروليتاريا) و البرجوازية الصغيرة ، و اشباه البروليتاريا من هم اشباه البروليتاريا ؟ هؤولاء الذين تحدث عنهم القائد ماو تسي تونغ في تحليله لطبقات المجتمع الصيني، وهم العمال اليدويين الذين لا يملكون الا قوة عملهم او قدرتهم على العمل و الكدح ولكنهم لا ينتجون القيمة.
مثل عمال المياومة بمختلف اصنافهم
و عمال النظافة سواء في الشوارع او المحلات و المراكز التجارية، عمال المحلات التجارية او الورش، عمال محطات الوقود، وغيرها الكثير و اشباه البروليتاريا كما يقول ماو يجب ان تتم توعيتهم و تثقيفهم حتى لا يتحولوا الى مخربين و اعداء للثورة.

مما سبق نستنتج ان الطبقة العاملة او البروليتاريا الصناعية هي رائدة المجتمع ، و عصب المجتمع لانها تنتج كل قيمة يستهلكها المجتمع بمختلف طبقاته وشرائحه الاجتماعية.
لكن هل هذا كل شيء؟ لا
هل يمكن للطبقة العاملة ان تستغني عن البرجوازية الصغيرة في بناء الحزب الشيوعي ؟ لا
يتكون الحزب الشيوعي من ثلاث شرائح
العمال و الفلاحون و المثقفون الثوريون
المثقفون الثوريون هم اشخاص من الشرائح البرجوازية الصغيرة (الجناح اليساري تحديدا لان هناك جناح يميني محافظ بالبرجوازية الصغيرة) التي لديها ميول ثورية و من اكثر شرائح المجتمع استجابة وخدمة للدعاية الثورية ، لا غنى عنهم في الحزب الشيوعي على الاطلاق لكن قطعًا على ان لا يكونوا قادة النضال و الحزب لانهم و بحكم طبيعتهم الطبقية المتذبذبة لا يمكنهم ان يذهبوا في النضال الى اكثر من المدى الذي تحتمله طاقاتهم و مصالحهم الطبقية، فقط الطبقة العاملة (البروليتاريا) هي التي تناضل و تقاتل حتى النهاية. بينما الفلاحين وعيهم الاقطاعي يحد من قدرتهم على قيادة و مواصلة النضال لذلك الحزب الشيوعي لا يمكن الا ان يكون تحت قيادة البروليتاريا كأكثر الطبقات ثورية و جذرية ونضجًا بما يكفي لتقود وتواصل النضال من اجل الاشتراكية و الشيوعية .
لكن بالعودة الى البرجوازية الصغيرة ، يقول لينين ان الطبقة العاملة تحتاج في الحزب الى مئات من الثوريين المحترفين ، أي الثوريين. و المناضلين من ذوي الاختصاصات الأكاديمية و المهنية، يعني الحزب الشيوعي بحاجة الى المثقف الثوري الطبيب و الاستاذ الجامعي و المبرمج و المحاسب و المهندس و المحامي (لينين نفسه درس الحقوق لكنه لم يزاول مهنة المحاماة).

الفهلوة البرجوازية الصغيرة :

Listen to الحلقة 1: يوم العمال by Sawt99 | صوت٩٩ on #SoundCloud https://soundcloud.app.goo.gl/6epN4

في هذا الرابط نجد هذا الفهلوي من كوادر الحزب الشيوعي اللبناني، و الذي أكاد أجزم أنه لا يفقه أي شيء بالماركسية هو فقط يعبر عن ميول برجوازية اصلاحية أقرب ما تكون الى النقابوية.

هذا الفهلوي خلص الى أن العامل ليس شرطًا ان يكون على وجهه "شحمة"، و المهم انه يستيقظ كل يوم ليذهب الى العمل في الصباح (هذا معيار مهم بالنسبة لهذا الفهلوي) ، هنا تتبدى النزعة النقابوية في إنكار تام للتناقض بين العمل الذهني و العمل اليدوي ، و حتى انكار تام لمفهوم ماركس في الإغتراب ، العامل المسحوق الذي تملئ "الشحمة" وجهه هو يعبر عن مفهوم ماركس في الإغتراب ، بينما من يجلسون وراء مكاتبهم بكل ما ينطوي عليه ذلك من حيثيات و تفاصيل (الشكل و الملبس و الجهد و الراتب و الإمتيازات .. الخ) لا يعبرون بأي شكل عن هذا الاغتراب، فضلاً عن كونهم كما سبق و أشرت لا ينتجون القيمة و اجورهم تتناسب طرديًا مع مستوى تجهيزهم و تأهيلهم للانخراط في سوق العمل.


هذا البرجوازي الصغير الذي يتحدث في الرابط اعلاه هو تعبير عن مدى إنحطاط الاحزاب الشيوعية و مدى تأثير الفلسفة البنيوية البرجوازية الرجعية عليها ، خاصة الحزب الشيوعي اللبناني الذي و بعيدًا عن تاريخه المفعم بالتحريفية، تحول الى "دكانة" NGO s ترتع البرجوازية فيها، ولا عجب في هيمنة قوى ظلامية مثل حزب الله على لبنان، طالما ان هؤولاء هم واجهة الحزب الشيوعي اللبناني.

لا يمكننا ان نضع العامل الذي ينتج القيمة الحقيقية في ذات القالب مع البرجوازي الصغير الذي يؤدي خدمات يتقاضى اجراً عليها.
و الأنكى أن هذا الفهلوي (و أمثاله كثر من المتمركسين) ينادي بتحديث النظرية، ربما كان على القائد ماو أن يذهب ليأخذ دروسًا في تحديث النظرية عند الفهالوة ، لأن ماو والحزب الشيوعي الصيني في اطار ادراكهم و فهمهم العميق لتمايز الطبقة العاملة عن المثقفين البرجوازيين الصغار من كافة النواحي التاريخية و الأيدولوجية و الإنتاجية.. الخ ، قاموا خلال الثورة الثقافية البروليتارية العظمى بإرسال مجموعات كبيرة من المثقفين البرجوازيين الصغار الى المعامل و المصانع و الأرياف ليشاركوا بالإنتاج الحقيقي مع الطبقة العاملة و ينخرطوا بها لتقييد الحق البرجوازي و القطع معه و تصفيته ، كسبيل وحيد لحل التناقض الموروث عن المجتمع القديم بين العمل الذهني و العمل البدني ، و هذا ما سمي أنذاك بـ"اعادة تربية المثقفين" ، يبدو ان ماو و الحزب الشيوعي الصيني لم يدركوا أهمية تحديث النظرية على طريقة أصحابنا الفهالوة!.
و على اي حال ، هناك محددات ومعايير واضحة ولا لبس فيها ولا تحتمل او تقبل الفهلوة و الذاتية البرجوازية الصغيرة لتأطير مفهوم الطبقة العاملة و المفاهيم ذات الصلة :
١. هل ينتج قيمة ام يقدم خدمة ؟
٢. هل لديه وسيلة انتاج ام يبيع قوة عمله مقابل اجر؟
٣. هل يعمل لحسابه الخاص ام هو مأجور؟
٤. هل احتاج لتأهيل علمي او مهني معين حتى ينخرط في سوق العمل؟
العامل البروليتاري ينتج القيمة وليست لديه وسيلة انتاج و يبيع قوة عمله كعامل مأجور و لم يحتاج في عمله الى تأهيل علمي و اكاديمي، بينما البرجوازي الصغير من الممكن ان يكون عكس البروليتاري في كل هذه المحددات الأربعة.
اما شبه البروليتاري الذي سبق و أشرت اليه وهو الذي لا ينتج القيمة، قد يطابق البروليتاري في الثلاث محددات الأخرى غير مسألة القيمة.
طبعًا هنا اشرت الى البروليتاريا و اشباه البروليتاريا و البرجوازية ةلصغيرة لانها الفئات الثلاث الموجودة في سوق العمل.
و على أي حال ، هنا دعوة الى التصدي لكل محاولات ترمي الى تمييع مفهوم الطبقة العاملة ، نحن ندرك ان البرجوازية الصغيرة من اكثر الشرائح الإجتماعية تناقضًا و تذبذبًا لأنها ليست طبقة و لا تحظى بأي ثبات تاريخي، وهي شرائح مضطهدة و تتعرض للقمع ،. و ندرك أيضًا ان البرجوازي الصغير المأجور مزدوج الطابع.
فهو غالبًا يستجيب للدعاية الثورية و يتعاطف مع العمال (مع مساعيه للتمايز عنهم) لانه يعمل حتى يعيش ، و بنفس الوقت هو لا يريد ان يكون مثل العمال، هو برجوازي من جهة و كادح من جهة اخرى لذلك هو مزدوج الطابع و مواقفه متذبذبة إعتماداً على الوضعية، لكن بشكل عام هو يستجيب للدعاية الثورية غالبًا، لهذا قال ماو ان هؤولاء يجب العمل على كسبهم او تحييدهم على الأقل.

مفهوم "الفقراء" و إمعان التحريفية في تمييع المفاهيم :

يمعن التحريفيون المتمركسون الإنتهازيون في تمييع مفهوم الطبقة العاملة و افراغه من مضامينه عبر إستخدام مفهوم "الفقراء" و هو مفهوم ماتبس يحتمل الكثير من التأويل، فضلاً عن أنه مفهوم غير ماركسي.
فالبرجوازي الصغير و المرتزق و اللص و قاطع الطريق قد يكون فقيراً، التحريفية بحكم طبيعتها البرجوازية لا يمكنها أن تتبنى خطابًا بمعزل عن الروح الإنتهازية و الشعبوية البرجوازية الصغيرة ، مصطلح "الفقراء" عدى عن انه ملتبس و مطاطي، فهو أيضًا ينطوي على نزعات مثالية و شعبويات لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالماركسية.
و لكن ، القائد ماو تسي تونغ أعطانا الأهم في خطابه في مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني عام ١٩٤٩ ، أشهر قبل التحرير الكامل و قيام جمهورية الصين الشعبية ، يقول ماو :


" من الذي نعتمد عليه لقيادة نضالاتنا في المدن؟ يعتقد بعض الرفاق المرتبكين أنه لا ينبغي أن نتكئ على الطبقة العاملة ، بل على جماهير الفقراء. يعتقد الرفاق الآخرون ، الذين لديهم أفكار أكثر حيرة ، أنه يجب علينا الاعتماد على البرجوازية. بالنسبة لاتجاه تطور الصناعة ، يعتقد بعض الرفاق الذين لديهم أفكار مشوشة أنه يجب علينا قبل كل شيء أن نساعد في تطوير المؤسسات الخاصة وليس مؤسسات الدولة. يجادل آخرون ، على العكس من ذلك ، بأنه سيكون كافياً التعامل مع الشركات المملوكة للدولة وأن الشركات الخاصة ستكون ذات أهمية قليلة. يجب أن ننتقد هذه الأفكار المشوشة. يجب أن نعتمد بكل إخلاص على الطبقة العاملة ، ونتحد معنا الجماهير العاملة الأخرى ، معارضة كسب المثقفين والتأكد من أن أكبر عدد ممكن من عناصر البرجوازية الوطنية وممثليها ، من المحتمل أن يتعاونوا معنا أو يقفوا إلى جانبنا أو يظلوا محايدين ، حتى نتمكن من خوض نضال حازم ضد الإمبريالية
، الكومينتانغ
. البرجوازية البيروقراطية وهزيمة هؤلاء الأعداء تدريجياً. في الوقت نفسه ، سنبدأ عملنا في البناء ، وسوف نتعلم شيئًا فشيئًا لإدارة المدن ، وسنقوم باستعادة وتطوير إنتاجها. وفيما يتعلق بمشكلة استعادة الإنتاج وتطويره ، يجب تحديد ما يلي: أولاً ، إنتاج صناعة الدولة ، وثانياً إنتاج الصناعة الخاصة ، وثالثاً الإنتاج الحرفي. منذ اليوم الذي استولينا فيه على المدينة ، يجب أن تكون أعيننا على استعادة إنتاجها وتطويره. يجب أن نكون حريصين على عدم التصرف بشكل أعمى وخاطئ ومن خلال نسيان المهمة الرئيسية ، بحيث بعد عدة أشهر من الاستيلاء على المدينة ، لم يكن الإنتاج والمبنى موجودين بعد. على المسار الصحيح وأن العديد من الصناعات حتى توقفوا هناك ، مما تسبب في بطالة العمال ، وانخفاض مستوى معيشتهم وعدم رضاهم عن الحزب الشيوعي. مثل هذا الوضع سيكون غير مقبول على الإطلاق. ومن هنا تأتي الحاجة لرفاقنا لبذل أقصى الجهود لتعلم تقنيات الإنتاج وأساليب الإدارة ، لتعلم جميع الأنشطة المتعلقة مباشرة بالإنتاج ، مثل التجارة والمصارف. فقط من خلال انتعاش الإنتاج وتطويره في المدن ، مع تحويل مدن الاستهلاك إلى مدن إنتاج ، يمكن تعزيز القوة الشعبية. المهام الأخرى التي يتعين القيام بها في المدن - على سبيل المثال ، العمل التنظيمي للحزب ، والعمل في أجهزة السلطة ، والنقابات العمالية والمنظمات الشعبية الأخرى ، والعمل في مجال الثقافة والتعليم ، والعمل على تصفية الثورة المضادة ، والعمل في وكالات الأنباء والصحف والإذاعة ، كل هذه المهام يجب أن تتم حول المهمة المركزية للإنتاج والبناء الاقتصادي ، وخدمتها. إذا كنا لا نعرف شيئًا عن الإنتاج ولا يمكننا الحصول بسرعة على المعرفة اللازمة ".

هكذا وضع القائد و ببراعة خطوط و تخوم التمايز بين المفاهيم ، الطبقة العاملة هي بطل الرواية و اللاعب الرئيسي في التحرر الوطني، هذه المسألة لا نقاش ولا لبس فيها بالنسبة للماركسية و لكل ماركسي حقيقي .

لكن و لأن الشيء بالشيء يذكر، فهذا الفكر المخصي كما أسماه مهدي عامل له جذوره التي تعود الى ثمانينات القرن الماضي ، عندما بدأت التحولات الأيدولوجية الكبرى تطرأ على حركة التحرر الوطني لتتحول بثبات الى الأسلمة، عندما تم إرسال المحتال المدعو موسى الصدر الى لبنان في إطار مهام أيدولوجية لتسميم المناخ الثوري و تسميم الجماهير بأيدولوجيا ولاية الفقيه ، بوقتها اسس الصدر حركة أسماها بـ "حركة المحرومين" و بمشورة من ياسر عرفات ، هذه الحركة كانت النواة الأولى لحركة أمل و من ثم حزب الله .

الفكر الديني الظلامي يتحدث بعمومية عن الفقراء ، ولا يتحدث عن الطبقات و الصراع الطبقي لأن هذا يوازي " الكفر و الالحاد" ، و كل الذين يستعيضون بمصطلح "الفقراء " عن مصطلح" الطبقة العاملة" من المتمركسين و الإنتهازيين و التحريفيين هم عمليًا يعبرون عن فكر ديني متأصل في داخلهم.