ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية


سعيد العليمى
2022 / 4 / 28 - 18:06     

1 -الماركسية وعلم النفس – بقلم سوزان روزنتال *
ترجمة سعيد العليمى
وصف ماركس وإنجلز رأس المال بأنه علاقة والرأسمالية كنظام علاقات. هل قصدا أن كل جانب من جوانب علاقتنا مع أنفسنا والآخرين والمجتمع تشكلها الرأسمالية ، بحيث أن الثورة الاشتراكية من شأنها أن تغير كل هذه العلاقات؟ أم أن الوصف كان عاما جدا؟ هل بعض جوانب التجربة الإنسانية لا تتأثر بالمجتمع ، لذلك نحتاج إلى شيء آخر غير الماركسية لفهمها وشيء أكثر من الاشتراكية لتغييرها؟ هذا هو جوهر النزاع بين الماركسية وعلم النفس.
ينظر المنهج الماركسي للتجربة الإنسانية في سياق تاريخي اجتماعي. بينما يعتبر علم النفس والتحليل النفسي والعلاج النفسي والطب وعلم الوراثة ومعظم التخصصات الأخرى الفرد (أو أجزاء من الفرد) منفصلة عن السياق الاجتماعي. الافتراض الكامن هو أن الفرد (أو الجزء) لديه صفات بيولوجية أو نفسية ثابتة تحكمها قواعد مختلفة عن تلك التي تحكم المجتمع الأكبر. لذلك ، لا يمكن تغيير هذه الصفات إلا على مستوى الفرد أو الجزء.

إن فصل الفردى عن الاجتماعي من أجل التأكيد على الفردى هو أيديولوجية رأسمالية وليس علمًا. يؤدي تحديد أولوية العوامل الفردية إلى إعفاء النظام من المسؤولية. وإذا كان بإمكان الأفراد اختيار ما يحدث ، فيمكن إذن لومهم على الاختيار السيئ ، مما يؤدي مرة أخرى إلى إخراج النظام من مأزقه.

يخبرنا العلم أن المجتمع والفرد يشكلان بعضهما البعض في تفاعل ديناميكي. إذا كان للمرء وزن أكبر ، فهذه هي البيئة المادية والاجتماعية التي نشأ منها جنسنا البشري والتي سممتها الرأسمالية.

تسبب السموم البيئية الغالبية العظمى من السرطانات ، ومع ذلك يتم إلقاء اللوم على ضحايا السرطان لاتخاذهم خيارات غير صحية ولأن لديهم "شخصيات سرطانية" أو "جينات سرطانية". وبالمثل ، فإن الاغتراب يجعل الناس مرضى عقليًا ، ومع ذلك يتم إلقاء اللوم على المرض العقلي ، على التفكير الخاطئ أو كيمياء الدماغ المتزعزعة أوعلى الجينات المعيبة. إن إلقاء اللوم على الضحية يحمي النظام من خلال التركيز على ما يفعله الأفراد بدلاً من التركيز على ما يفعله النظام بهم .

كان المرض العقلي يعني الجنون. احتوى كتيب الخلاصة الأمريكية للاضطرابات النفسية لعام 1918 على 22 فئة تشخيصية ، أشارت 21 منها إلى أشكال الجنون. تضخمت منذ ذلك الحين فئة "المرض العقلي" لتشمل مجموعة واسعة من السلوكيات المنحرفة والمتمردة ، وطرق مختلفة لمعالجة المعلومات (التنوع العصابي) ، والاستجابات العاطفية على العزلة والحرمان ، والأعراض المرتبطة بالصدمات. تُستخدم تسمية المرض العقلي لتشخيص المحتجين والذين يعانون والذين تقوض احتياجاتهم الطاقةالإنتاجية. سواء كانت القيود جسدية أو عقلية ، فإن الأقل إنتاجية يتم وصمهم على أنهم معيبون اجتماعيا وأكثر أو أقل قابلية للتضحية بهم .

الأشخاص الموصوفون بأنهم "مختلون عقلياً" يشكلون مجموعة مضطهدة. ومثل جميع أشكال الاضطهاد ، تؤثر الأمراض العقلية على الناس من جميع الطبقات. ومع ذلك ، كما هو الحال مع أشكال الاضطهاد الأخرى ، يقع العبء الأكبر على عاتق الطبقة العاملة. ويعاني المصابون بأمراض عقلية من التمييز القانوني والطبي والاجتماعي والسكني. يمكن إيداعهم قسراً في مؤسسات ، وتخديرهم رغماً عنهم ، وحرمانهم من الحق في اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتهم. وهم ممثلون بشكل مفرط بين السجناء ومن المرجح أن يكونوا عاطلين عن العمل وفقراء ومشردين.

الاضطهاد ضروري للرأسمالية. إن إخضاع المجموعات المضطهدة يمكّن الطبقة الحاكمة الصغيرة من تقسيم وحكم طبقة عاملة أكبر بكثير. يعزز قمع المرضى عقليًا توافق الفكر والشعور والسلوك في المجتمع ككل على وجه الخصوص .
يخدم الطب النفسي الرأسمالية من خلال تشخيص التحدي على أنه اضطراب عقلي. خلال الخمسينات من القرن الماضي ، تم تطبيق تسمية الفصام بشكل أساسي على ربات البيوت الساخطات. حثت الثورات المناهضة للعنصرية في الستينات من القرن الماضي الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM) إلى تغيير وصفه لمرض انفصام الشخصية من المزاج المكتئب في المقام الأول إلى العداء والعدوان وأوهام الاضطهاد ، أي من ربات البيوت في الضواحي البيضاء إلى السود المتمردين في المناطق الحضرية. . اليوم ، يُرجح أن يتم تصنيف الأمريكيين السود أكثر ثلاث مرات من الأمريكيين البيض بـ "الفصام".

قام الأطباء النفسيون وعلماء النفس بتشخيص احتجاجات العبيد والمعارضين السياسيين. وقاموا بإجراء جراحة فصية للنساء المتمردات وحاولوا تحويل المثليين جنسياً. لقد قاموا بحملات من أجل القتل الرحيم وإجراء عمليات تعقيم لمن بهم "عيوب اجتماعية".وهم يساعدون في الاستجواب والتعذيب. إنهم يخدرون الجنود لإبقائهم يقتلون. كما يخدرون كبار السن والسجناء لإبقائهم هادئين. ويخدرون الأطفال المتمردين.

عندما تغرق العائلات في أزمة ، يصبح الآباء أقل قدرة على تلبية احتياجات الأطفال العاطفية. وتساهم المدارس في محنة الأطفال من خلال حبسهم في غرف مغلقة لفترات طويلة لحفظ معلومات لا علاقة لها بحياتهم. وعندما يحتج الأطفال من خلال التمثيل ، يصفهم المحترفون بأنهم مختلون عقليًا وأن والديهم غير لائقين.

بمجرد تصنيف الأطفال ، يمكن إجبار الوالدين قانونًا على تخديرهم. في عام 2013 ، تم وصف عقاقير نفسية لأكثر من 8 ملايين طفل أمريكي دون سن 17 عامًا. كان مليون من هؤلاء الأطفال دون سن الخامسة ، وربع مليون كانوا أقل من عام.

يدافع الاشتراكيون عن المظلومين. نحن نرفض الحجة القائلة بوجوب تربية النساء لأطفالهن لأنهن مبرمجات وراثيا على أن يصبحن مربيات. نحن نرفض الحجة القائلة بأن السود هم أكثر عرضة لأن يكونوا فقراء لأنهم أقل ذكاء. نحن نفهم أن مثل هذه الحجج البيولوجية لا تستند إلى العلم ؛ هى علم زائف - دعاية متنكرة في زي العلم. تخلط الرأسمالية بشكل منهجي بين العلم والعلوم الزائفة ، وتستبدل ما هو صحيح بادعاءات غير حقيقية. مثال على العلوم الزائفة هو الادعاء بأن المرض العقلي متجذر في البيولوجيا.

يختزل النموذج البيولوجي للأمراض العقلية العقل إلى الدماغ ، الذي يصبح موضوع الدراسة والعلاج. (أحد أشكال هذا النموذج هو الفرويدية ، التي تختزل العقل إلى الأعضاء التناسلية.) لا ينبغي الخلط بين هذه المادية الفظة والمادية الماركسية ، التي تنظر إلى المرض العقلي في السياق الاجتماعي والتاريخي - كتعبير فردي عن مجتمع مريض بسبب العمل المغتراب.
حقيقة أن الظروف الاجتماعية تولد المرض العقلي هي حقيقة واضحة لدرجة أن صناعة الطب النفسي مطالبة بإقناعنا بخلاف ذلك . وصفت طبعة 1952 من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية المرض العقلي بأنه رد فعل لحدث خارجي أو موقف أو حالة بيولوجية. وقد تمت إزالة هذا الوصف من جميع الإصدارات اللاحقة.

إن إخفاق الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية في تحديد السبب الخارجي للمرض العقلي يعني أن السبب داخل الفرد (الأفكار الخاطئة أو السلوكيات أو الكيمياء أو الوراثة) ، والعلاج هو تغيير المريض ، وليس الظروف التي تسبب المعاناة . يأتى التركيز على العلاج الدوائي وأبحاث الجينات من النموذج البيولوجي. وتشير ممارسة توجيه المرضى لتغيير أفكارهم ومشاعرهم وسلوكياتهم إلى أن المشكلة المركزية تكمن في فشل المريض في التفاعل بشكل مناسب.

يقر البعض بأن الظروف المعاكسة قد تسبب ضائقة الطفل واضطرابات عاطفية مثل القلق والاكتئاب ، لكن الاضطرابات الإدراكية مثل الذهان يجب أن يكون لها سبب بيولوجي. غيرأن هذايعد منطقا خاطئا.

الإدراك البشري مبني اجتماعيا. تشكل الأفكار التي تهيمن على المجتمع ما يعتقده الناس ، وماذا يريدون ، ومن يثقون به ، ومن يخافون ، ومن يلومون ، وما هو مقبول وما هو غير مقبول. كما أن سوء الإدراك مبني اجتماعيا. يتم توظيف علماء النفس واستشاريي الإعلان وخبراء الإدارة لبيع نظام قائم على الخداع ("إنها بلاد حرة") ، والتناقض (الحرب كتدخل إنساني) ، وإنكار الخبرة المعاشة (العمل الجاد دائمًا مايكافأ) ، والتهديد (إعمل أو جع). بينما يتقبل معظم الناس ما هو غير مقبول ، فإنهم لا يحبونه. البعض يتمردون علنا. ويحتج آخرون من خلال الأعراض الجسدية والعقلية والإدمان والانتحار. ويهرب البعض إلى واقع مختلف.
يتطور الذهان عادةً أثناء الانتقال من مرحلة المراهقة إلى مرحلة البلوغ ، عندما يكون الصراع بين نمط وجود العالم والكيفية التي يجب أن يكون عليها قد إختبرت . تؤدي عدم القدرة على حل هذا التناقض إلى إصابة بعض الناس بقلق شديد وشك عميق. العالم لا معنى له ، لذا فهم "ينفصلون عن الواقع" ويختبئون في عوالم خيالية حيث تنقل الاستعارات الخيالية ما لا يمكن التعبير عنه. نتحدث جميعًا مع أنفسنا ، لكن الذهان يعطل العلاقة مع الذات بحيث يُساء إدراك الأصوات الداخلية وكأنها قادمة من الخارج. كما يُساء إدراك الإشارات المرئية أيضًا لتكوين وصياغة أشكال الأشخاص والأشياء غير الموجودة في الواقع.

يتم رفض الأساس الاجتماعي للذهان من قبل البيولوجيين والأطباء النفسيين الذين يعاملون الفرد الذهاني بوصفه قائمة لمظاهر العجز يتعين تصحيحها. يتم تجاهل تجربة الشخص ومنظوره واحتياجاته الاجتماعية. ولا يتم إيلاء اهتمام لما يحاول الشخص توصيله من خلال الكلام والعواطف ولغة الجسد وأنماط السلوك. ينصب التركيز على التلاعب بكيمياء الدماغ ، ومواجهة الجينات المعيبة ، والسيطرة على السلوكيات

إن أفضل علاج للمرض النفسي هو الدعم الاجتماعي. وجدت دراسة أمريكية مستفيضة أن مرضى الذهان الذين تلقوا أدوية أقل ودعمًا فرديًا وعائليًا أفضل بكثير من المرضى الذين تلقوا العلاج المعتاد الذي يركز على الأدوية. تم استخدام نموذج الدعم الاجتماعي بنجاح في أستراليا والدول الاسكندنافية وأماكن أخرى. حقيقة أن الدعم الاجتماعي يمكن أن يعالج اضطرابات الإدراك يشى بأن هذه الاضطرابات تقوم على أساس اجتماعي.
الدعم الاجتماعي فعال أيضًا في علاج الأمراض العقلية على المستوى المجتمعي. وجدت دراسة كندية أجريت على أكثر من 2000 من المشردين المصابين بأمراض عقلية شديدة وتبين أن توفير سكن مستقر كان أكثر فعالية من أي علاج آخر.
يمكن أن يؤدي رفع مستويات المعيشة في الواقع إلى علاج الأمراض العقلية. وجدت دراسة استمرت ثماني سنوات في الولايات المتحدة أن الأطفال الفقراء تبين بعد تشخيصهم بأن لديهم أكثر من أربعة أضعاف الأعراض النفسية مقارنة بالأطفال الذين لم يكونوا فقراء. في منتصف الدراسة ، بدأ كازينو جديد للمقامرة في دفع منح مالية انتشلت 14 بالمائة من العائلات من براثن الفقر.

انخفضت الأعراض النفسية بين الأطفال الذين لم يعودوا فقراء إلى نفس مستوى الأطفال الذين لم يكونوا فقراء. في المقابل ، ظلت الأعراض النفسية مرتفعة بين الأطفال الذين ظلوا فقراء. زيادة الدخل تمكن الوالدين من تلبية احتياجاتهم الخاصة حتى يكونوا أكثر قدرة على تلبية احتياجات أطفالهم.

تدفع الرأسمالية المزيد من الناس إلى الأزمة. وقدأثار الهجوم على الخدمات في كاليفورنيا استجابة من الطبقة العاملة.

في يناير 2015 ، أضرب أكثر من 3300 عضو من الاتحاد الوطني لعمال الصحة (NUHW) في Kaiser Permanente ، أكبر شركة طبية في أمريكا. على الرغم من الأرباح القياسية ، رفض كايزر توظيف عدد كافٍ من الموظفين لتلبية احتياجات المرضى. احتجاجًا على ذلك ، شن علماء النفس والمعالجون والأخصائيون الاجتماعيون والممرضون النفسيون التابعون لـ NUHW أكبر إضراب للعاملين في مجال الصحة العقلية ، مع 65 بؤرة اعتصامً في 35 مدينة.
وأعقب الإضراب الذي استمر أسبوعًا بتقديم التماسات وحملة "لا مزيد من انتحارات كايزر " للإعلان عن أعداد المرضى الذين يموتون بسبب نقص الرعاية. أخيرًا ، بعد تهديده بإضراب مفتوح ، وافق كايزر على مطالب النقابة: الحق في الدفاع عن المرضى ؛ حماية الأجور والمعاشات التقاعدية ؛ ونسبة جدولة جديدة تتيح للمرضى أن يتابعوا بشكل أفضل وتجرى تعيينات جديدة لتلبية الطلب.

حقق الربط بين احتياجات العمال والمرضى انتصارا غير مسبوق. ومع ذلك ، نحن بحاجة إلى أكثر من مجرد أن تتاح لنا الخدمات. نحن بحاجة إلى عالم لا يجعلنا مرضى.

حولت الرأسمالية العالم بأسره إلى مصنع لإنتاج رأس المال. يتم التعامل مع كل حاجة بشرية تقف في طريقها كعقبة ينبغى إزالتها. يدفع "الإنتاج الخالي من الهدر" العمال إلى حدودهم الجسدية والعاطفية القصوى . أولئك الذين يستسلموا يتم نبذهم واستبدالهم.

من المستحيل أن تكون بصحة عقلية جيدة في ظل الرأسمالية. يتفاقم البؤس اليومي المتزايد بفعل رعب الحرب الدائمة والدمار البيئي. إذا تبين عقلك بربرية الرأسمالية ، فسوف تصاب بصدمة نفسية. إذا أغلقت عقلك عنها ، فإنك تفقد إنسانيتك .

أفادت منظمة الصحة العالمية أن معدل الانتحار العالمي ارتفع بنسبة 60 في المائة على مدار الـ 45 عامًا الماضية ، وهو ما يمثل نصف إجمالى الوفيات العنيفة بين الرجال و 71 في المائة من الوفيات الناجمة عن العنف بين النساء. الانتحار هو السبب الرئيسي للوفاة بين الفتيات المراهقات اللائي تتراوح أعمارهن بين 15 و 19 عامًا. في الولايات المتحدة ، تضاعف معدل انتحار الفتيان السود الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و 11 عامًا منذ التسعينيات.

على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية ، انخفض معدل الدخل بسبب التضخم للأسر الأمريكية التي يرعاها خريج ثانوي بنسبة 19٪. رافق هذا الانخفاض في الدخل ارتفاع بنسبة 22 في المائة في معدل وفيات الأمريكيين البيض في منتصف العمر الأقل تعليما ، ويرجع ذلك أساسًا إلى إدمان الكحول وإدمان المخدرات والانتحار. إذا كان قد ظل معدل الوفيات لهذه المجموعة ثابتًا ، لكان من الممكن تجنب 96000 حالة وفاة. لو استمرت في الانخفاض وفق معدلاتها السابقة ، لكان من الممكن إنقاذ نصف مليون شخص.

إن إزالة المصادر الاجتماعية للمرض ليست خيارًا في ظل الرأسمالية لأنه لا يُسمح لأي شيء بإعاقة تدفق الأرباح. بدلاً من ذلك ، يسعى النظام إلى تحسين قدرة الأشخاص على العمل في ظل ظروف سامة. وهذا يعني قصر العلم والبحث والخبراء على دراسة العوامل الفردية والتلاعب بها. هذا صحيح بالنسبة للسرطان مثلما هو الحال بالنسبة للأمراض العقلية.

في حين أن بعض أشكال الأمراض العقلية (والسرطان) قد تكون ناتجة عن خلل بيولوجى ، لا يمكننا أن نعرف على وجه اليقين في نظام يسمم كل جانب من جوانب الحياة وصولاً إلى المستوى الجزيئي. بعد القضاء على الرأسمالية وإنشاء مجتمع معزز للصحة ، يمكننا أن نرى ما يبقى علينا معالجته بيولوجيًا. حتى ذلك الحين يجب على الاشتراكيين التأكيد على الحلول الجماعية للمشاكل الاجتماعية ، وليس الاستغراق في وهم بأنه يمكن حلها من قبل العلماء والخبراء على المستوى الفردي

ليس النزاع بين الماركسية وعلم النفس في الحقيقة حول علم النفس أو المرض العقلي.وإنما يتعلق الأمر بفهم الرأسمالية كنظام شامل للعلاقات الاجتماعية حيث تتغير التجربة الفردية من خلال عملية تغيير المجتمع.

في الثمانينات نظم العمال في بولندا أنفسهم في أكبر نقابة في العالم ، تضم ثلث السكان في سن العمل. مع انتشار الإضرابات وتنامي المظاهرات ، بدأت أسرّة الطب النفسي في المستشفيات تفرغ من العمال وتمتلئ بالمسؤولين الحكوميين المرضى. حدث هذا لأن الصراع الطبقي المتصاعد يفتح الباب أمام حل المشكلات الفردية بشكل جماعي.

قوضت عقود من تراجع الطبقة العاملة الثقة في الحلول الجماعية. والاشتراكيون ليسوا بمنأى عن هذا الإحباط. من الصعب للغاية طرح حلول طبقية في مجتمع تهيمن عليه الفردية وموقف الإصلاحيين "نعم ولكن" الذين يروجون للحلول الفردية "في نفس الوقت ". لا يوجد وقت. بات بقائنا يعتمد على إعادة ربط التقليد الاشتراكي بالطبقة العاملة الآن.

الاضطهاد جزء لا يتجزأ من الرأسمالية ويجب أن يكون الكفاح ضده جزءًا لا يتجزأ من النضال من أجل الاشتراكية. نحن نبني الصحة العقلية في عملية النضال من أجل ظروف عمل ومعيشة أفضل. نحن نبني الصحة العقلية في عملية بناء التضامن الطبقي ، ووضع الأساس لمجتمع اشتراكي يسعى جاهداً للإستفادة من قدرات الجميع وتلبية احتياجات الجميع.

المصدر :
Marxism and psychology – socialist review ,February 2016 , by susan rosental .


2 - مقاربة ماركسية لعلم النفس والطب النفسى – جوزيف ناهيم

تعتبر الماركسية علم النفس والطب النفسي علوما شابة معقدة وهى تتأثر بشدة بطبيعة المجتمع . وتسهم الماركسية فى هذين العلمين بتطبيق المادية الجدلية والمادية التاريخية على دراستهما وتطورهما . ان النقد الماركسي لعلم النفس والطب النفسى فى ظل الرأسمالية يعين الأثر الضار الشديد عليهما من أيديولوجية الطبقة الرأسمالية فى عدد من المجالات : نظريات معاداة الطبقة العاملة ، النزعة العرقية ، ،الشوفينية القومية ، التمييز الجنسى ، نظريات الطبيعة البشرية الشريرة الثابتة فضلا عن نظريات زائفة أو أحادية الجانب . يفترض أن تقدم الإشتراكية بيئة صحية للتطور النفسى للفرد ولتوظيف علم النفس والطب النفسى لغايات علمية وإنسانية .
ربما كان علم النفس أشد العلوم تعقيدا . فعلى علم النفس مثله فى ذلك مثل العلوم الأخرى ، أن يكتشف القوانين التى تحكم أصل ، وتطور ، وإشتغال المجالات النوعية لدراسته ، أى العقل الإنسانى ويظهر تعقيده من حاجته إلى تناول الملامح الكبرى الآتية .
فعلى علم النفس أن يدرس العقل الإنسانى فى كل من حالته العادية أو غير العادية . وهو من ثم يرتبط بوثوق كما يعتد جزئيا على الطب النفسى .
يرتكز العقل الإنسانى على المخ الذى ينتجه مع النظام العصبى المركزى ، الذى يعمل وفق قوانين فيزيقية ، وكيميائية ، وبيولوجية ، وفسيولوجية . وبالنسبة لعلم النفس فمن الهام على وجه الخصوص دراسة القوانين الفسيولوجية التى تتعلق بالنشاط العصبى . ومن ثم فمن الجوهرى لعلم النفس دراسة الأفعال المنعكسة الشرطية وغير الشرطية ، الإثارة ، والكبت ، التحليل والتركيب ، التعميم ، النمط الدينامى ، النظامين الإشاريين الأول والثانى ، وما إلى ذلك .
حيث أن الكائنات الإنسانية هى نتاج تنام تطورى ، كما أشار داروين ، فإن دراسة سلوك الحيوان تلقى ضوءا هاما على الفعالية السيكولوجية للإنسان . فمن ثم فإن علم نفس الحيوان متصل بعلم النفس الإنسانى .
العقل الإنسانى هو انعكاس للعالم الطبيعى والإجتماعى الخارجى . و ينتج هذا الإنعكاس داخل الأفراد فى مجرى نشاطهم فى العالم . ومادام النشاط الإنسانى إجتماعى بصفة أساسية فإن إعتماد علم النفس الإنسانى على العالم الإجتماعى وعلى النشاط الإجتماعى للفرد لذو مغزى عميق . و لايمكن لعلم النفس بالفعل أن يكون علميا حقا إلا عندما يكشف القوانين التى تحكم علاقة علم النفس البشرى بالمجتمع الإنسانى . ومن أجل إكتشاف هذه العلاقة فإن تحليل المجتمع علميا يعد أمرا حيويا . إن دور الطبقة ، والعرق ، والجنس ، والعمل ، والحياة الأسرية والزواج فى كل مجتمع يتعين أن يعرف ، ولابد من أن تفهم قوانينه ، على أن نضع فى إعتبارنا أن هذه القوانين تختلف فى المجتمع الرأسمالى عن المجتمع الإقطاعى أو الإشتراكى .
ان الإنعكاس الإنسانى ليس إنعكاسا سلبيا للبيئة والمجتمع . إنه ينتج فى مجرى النشاط الإنسانى ويرشد السلوك وعلى ذلك فحين ندرس النشاط والسلوك الإنسانى فى أشكاله المتعددة فذلك ضرورة سيكولوجية .
إن للنفسية الإنسانية قوانينها الخاصة وظواهرها النفسية الخاصة . وهى تتضمن الوعى و الأحاسيس ، الإدراك ، الوعى ، التصور ، الذاكرة ، الإنتباه ، التعلم والذكاء .
والبشر يتصرفون على مستويين واع وغير واع . والوعى الإنسانى حاسم فى فهم النفسية الإنسانية . كيفما كان الأمر فإن دور العمليات الذهنية غير الواعية لابد وأن يحدد علميا .
إن البشر ليسوا كائنات تفكر وتفعل فقط ، إن لديهم أيضا مشاعر وعواطف . وتدخل هذه المشاعر فى وتتفاعل مع الفكر والسلوك . كما أن دراسة الوجدان الإنسانى تعد أمرا لازما لعلم النفس .
إن علم نفس الفرد يحدده تاريخ الفرد النفسى وعلاقاته الإجتماعية . ومن ثم يتعين على علم النفس أن يدرس تشكل عقل الفرد وحالته الراهنة فى ضوء مجتمع هذا الفرد ، وجماعته ، خلفيته القومية والعرقية ، جنسه ، دينه ، ووضعه الإقتصادى .، تنشئته الأسرية ، تعليمه ، نشاطه فى العمل ، علاقاته بأقرانه ، الحب وعلاقته الزوجية ، وعيه الطبقى ، روابطه التنظيمية ، نظراته ومواقفه . ونظرته الفلسفية . يتطلب علم النفس مقاربة إجتماعية – تاريخية ثقافية لعقل الفرد وسلوكه .
إن تعقد علم النفس بوصفه علما تسمه حاجته لدراسة التطور الإرتقائى ، وعلم نفس الحيوان ، الفسيولوجيا والطب النفسى . علم الإجتماع والسيكولوجيا الإجتماعية ، مع القوانين النوعية للإشتغال النفسى الإنسانى . ( ويتضمن ذلك الإدراك ، العاطفة ، والسلوك ) ولقوانين تطور سيكولوجية الفرد . ليس علم النفس علما مركبا متعدد الجوانب ، إنه أيضا علم شاب . لقد ظهر علم النفس كعلم مستقل فى فى الجزء الأخير من القرن التاسع عشر . وفى مجالات معينة ، خاصة فى تلك التى ترتبط بالعلوم الطبيعية مثل الفسيولوجيا ، حقق علم النفس تقدما مرموقا . كما أحرز تقدما هاما أيضا فى دراسة الإحساس ، والإدراك ، والذاكرة . دور الكلام واللغة جرى فهمه بشكل أكثر مرضاة مؤخرا . مه ذلك جرى تقدم بطئ نسبيا فى مجالات مثل الشخصية ، السيكولوجيا الإجتماعية ، التعلم ، العاطفة، طبيعة العمليات غير الواعية ، وطبيعة علاج المرض العقلى . وبسبب تعقده وحداثته فهناك تطور غير متساو فى جوانبه .ولكن تقدم علم النفس قد تأثر بشكل حرج وأساسا بصورة سلبية ، بسبب القوى الإجتماعية والطبقية . لقد نشأ وتطور علم النفس فى فى مجتمع رأسمالى ، فى مجتمع طبقى . فى كل المجتمعات الطبقية فإن النظرات المهيمنة إجتمعيا ، وثقافيا وسياسيا هى تلك التى تعبر عن الطبقة المهيمنة .
فى ظل الرأسمالية تطور الطبقة الرأسمالية السائدة أيديولوجية تخدم مصالها . ومادامت العلوم الإجتماعية والسلوكية تمارس تأثيرا قويا على تفكير الناس فإن هذه العلوم يجرى إختيارها لخدمة المصالح الأيدلوجية للرأسمالية . نجد فى الولايات المتحدة أ تاريخ علم النفس متشبع بنظريات غير علمية وممارسات تتعلق بالعاملين ، السود ، الأقليات القومية ، النساء ، وبصفة أعم ، طبيعة الكائنات الإنسانية . النزعة العرقية ، الشوفينية ، التمييز الجنسى ، والأفكار المعادية للطبقة العاملة قد شغلت مكانا كبيرا فى علم النفس والطب النفسى .
أضف إلى ذلك فإن دراسة المجالات السيكولوجية الحرجة ، مثل الذكاء ، والسلوك ، والداف ، واللاوعى ، النشاط الإجتماعى ، العواطف ، المرض العقلى قد شوهت وزيفت من قبل الطبقة القوية والتأثير العرقى . وبالرغم من أنه ليس هناك من إنقسام يوصف ب " علم نفس رأسمالى " و " علم نفس ماركسي " ، فإن للماركسية إسهامها المعتبر فى تطوير علمى النفس والطب النفسى . وفى فهم دورهما ومغزاهما الإجتماعى .
ويمكن أن نرصد إسهامات الماركسية فى أربع مجالات : (ا ) مقاربة المادية الجدلية الماركسية للعلوم بصفة عامة ولعلم النفس والطب النفسى بشكل نوعى ، ( ب ) المقاربة المادية التاريخية الماركسية للمجتمع ولتطور الكائنات الإنسانية .( ج ) النقد الماركسى لعلم النفس فى الولايات المتحدة و ( د ) إسهام الماركسية وعلماء النفس الماركسيون لعلم النفس .
المادية الجدلية وعلم النفس
العلماء بمن فيهم علماء النفس والأطباء النفسيين إما غير مبالين بالفلسفة أو يتبنون فلسفة دون أن ينتبهوا لعلاقتها بعملهم العلمى . أشار فريدريك إنجلز أحد مؤسيي الماركسية لهذه الظاهرة ( 1 ص ص 183 - 184 ) :
يعتقد العلماء الطبيعيون أنهم قد تحرروا من الفلسفة بتجاهلها أو بإساءة توظيفها .وهم لايستطيعون وكيفما كان الأمر أن يشقوا طريقهم بدون فكر وحتى يفكروا يلزمهم تحديدات فكرية . ولكنهم يأخذون هذه المقولات بدون تأمل من الوعى العام لمن يسمون المتعلمون ، المحكوم بآثار فلسفات عفا عليها الزمن ، أو من قليل من الفلسفة التى يجب أن ينصت لها جبرا فى الجامعات ( التى ليست بمثابة شظايا فقط وإنما أيضا تنويعة من النظرات تنتمى لأشد ها تنوعا من أسوأ المدارس ) أو من قراءة غير نقدية أو منهجية للفلسفة بكل أنواعها . ومن ثم فهم ليسوا بدون إرتباط بالفلسفة ، وإنما لسوء الحظ فى معظم الأحوال بأردأ فلسفة ، وأكثر الذين يسيؤن توظيف الفلسفة هم عبيد تحديدا لأسوأالآثار المبتذلة لأسوأ الفلاسفة .
لاتحل الفلسفة ولايمكن لها أن تحل بالطبع محل العلم . كل علم ، بما فيه علم النفس ، لابد أن يدرس مجالاته النوعية بمناهج علمية حتى يستطيع أن يكشف القوانين الأساسية للظواهر فى هذه المجالات . على أى حال تمارس الفلسفة تأثيرا قويا على طبيعة البحث الذى يقام به ، إنشاء فرضيات جديدة ، وتفسير النتائج العلمية ، وتطوير النظريات . لقد تم التوصل لنظرية داروين فى التطور فقط بعد أن تمكن داروين من أن يفسر بصواب المادة العلمية التى جمعها وأن يطور نظرية علمية نقضت النظرية التوراتية .
كما أن الفلسفة تؤثر أيضا فى المنهج المستخدم فى البحث العلمى . أغلب أبحاث السلوك فى الولايات المتحدة محكوم بمنهج تصميم البحث والإحتمالية الإحصائية . وتنبع هذه المنهجية من النزعة الإجرائية ، المتجذرة فى الفلسفة المثالية الذاتية .
العلم فوق كل شئ ، ترشده فلسفة العلم ، أى نظرة كلية لطبيعة الكون ، وللتاريخ الإنسانى . ولابد لهذه الفلسفة من أن تشمل جانبين : نظرية عن العالم ومنهج لمقاربة دراسة الواقع . وبشكل أشد خصوصية فإن العلم يشتغل بشكل ظاهر أو بشكل مضمر بنظرة مادية أو مثالية عن العالم . وبمقاربة جدلية أو ميكانيكية للواقع .
وإنها لذات دلالة عن تناقض النظرة المادية مع المثالية للعالم حكاية سؤال نابليون للفلكى الفرنسى لابلاس أين موضع الله فى نظامك الشمسى وإجابته " لست بحاجة لهذه الفرضية ، ياسيدى " . لقد تأسست نظرية لابلاس على القانون الطبيعى ، وليس على قصة التوراة عن الخلق .
تمثلت أطروحة أن المقاربة الجدلية تناقض الميكانيكية فى رفض بافلوف للنظرة الميكانيكية القائلة بأن كل الحيوانات بمن فيهم الكائنات الإنسانية تشبه الآلات . لقد عين بافلوف ( 2 ، 536 -537 ) الإختلاف الكيفى بين البشر والحيوانات فى إمتلاكهم نظام إشارى ثان ، الكلام ، الذى كان " آخر ماأحرزته عملية التطور " .
الماركسية متجذرة فى الفلسفة المادية االجدلية . وتستبعد نظرتها المادية النظرات الدينية، أو مافوق الطبيعة ، أو المثالية . وهكذا ففى علم النفس فإنه يستبعد الروح مافوق الطبيعية كأداة تفسيرية للسلوك الإنسانى .
لقد كانت المادية هى التى إقترنت بوضوح بالعلم فى تطورها السريع بعد العصور الوسطى . وقد أسست الماركسية نظريتها الكلية على هذا التقليد المادى .
لقد طور ماركس وإنجلز الجدل الماركسى بوصفه ينطوى على أعم قوانين الطبيعة ، والمجتمع ، والفكر الإنسانى ( 1 ، ص 26،3 ص ص . 16 – 18 ) تدعو هذه القوانين العامة التى إشتقت من العلم وقوانينه النوعية إلى بحث قوانين التغير ، الكمى والكيفى معا ، وكشف العلاقات والإعتماد المتبادل للظواهر . أضف إلى ذلك فإن الوحدة والتناقض فى الظواهر لابد أن يحرى التيقن منها . دعا إنجلز ( 4 ، ص .15 ) إلى السعى وراء الحقيقة من جانب العلوم الوضعية و" إستخلاص نتائجها بالتفكير الجدلى " .
تعتقد الماركسية أن العلوم قد تقدمت بالنضال ضد النظرات المثالية الدينية والمقاربات الميكانيكية الميتافيزيقية . يؤكد الماركسيون أن العلم سوف يستفيد إذا تبنى المادية الجدلية بشكل واع كفلسفة للعلم وكمنهج للبحث .
هناك رابطة خاصة بين الفلسفة وعلم النفس . توجد هذه الرابطة فى ذلك المجال فى الفلسفة المعروف بإسم الإبستمولوجيا ، أو نظرية المعرفة . تعالح الإبستمولوجيا ، وذلك ضمن أشياء أخرى ، أصل الوعى والعقل ، وعلاقة العقل بالجسد، طبيعة الفكر، اللغة والمنطق ، الفكر المجرد والعيانى ، وتأثير المجتمع والعمل الإجتماعى على التفكير الفردى والإجتماعى . من الواضح أن هذه المجالات الفلسفية العامة هى أيضا مجالات كبرى للدراسة السيكولوجية العلمية . بالفعل يمكن لنا أن نصرح أن علم النفس يقدم الأساس العلمى لملامح كبرى مؤكدة للإبستمولوجيا ، بينما تعمم الإبيستمولوجيا المكتشفات العلمية النوعية لعلم النفس .
وعلم النفس ، مثله مثل كل العلوم كان أرض صراع بين وجهتى النظر المادية والمثالية عبر التاريخ . قبل إنفصاله عن الفلسفة ، كان لعلم النفس تقليد مادى طويل متجذر فى نظرات الفلاسفة الماديين الإغريق القدامى ، وفى الفلسفة المادية لبيكون ، وهوبز ولوك فى إنجلترا القرن السابع عشر وديدرو ، وهلفيتيوس ، ودولباخ فى فرنسا القرن الثامن عشر ، إشتقت الماركسية وبنت نظريتها المادية للمعرفة على هذا الأساس المادى .
إن الفرضيات الأساسية التى تطرحها هذه الإبستمولوجيا المعرفية هى : أن المادة أولية والعقل والوعى ثانويان ومشتقان ، وأن العمليات الذهنية والوعى نفسه هما نتاج مادة منظمة نوعيا تتخذ شكل المخ والجهاز العصبى . وهكذا فإن المادية الماركسية ترتأى أن النظريات السيكولوجية التى تفصل العقل عن المخ ، أو التى تنكر أولية المخ والجهاز العصبى ، هى غير علمية . إن عمل بافلوف وآخرين فى علم النفس ينظر إليه كتأكيد للإبستمولوجيا المادية ، مادامت تؤكد إعتماد العمليات العقلية على العمليات الفسيولوجية .
كما كان على علم النفس أن يخوض المعركة بين المقاربتين الميكانيكية والجدلية . لقد تجاوز ماركس وإنجلز المادية الميكانيكية الساكنة بربط المادية مع الدياليكتيك . لقد إرتأيا أن العالم لابد أن يدرك كمركب من العمليات التى تمر بتغير غير منقطع من الوجود إلى الإضمحلال . أضف إلى ذلك لابد للعلم أن يدرس الظواهر فى وحدتها وتناقضها وفى علاقاتها الداخلية وإعتمادها المتبادل . لقد إحتجا بأنه يتعين أن ينظر إلى كل الظواهر فى تغيراتها الكمية التى تؤدى لتغيرات كيفية ( 4 ، ص ص 44 – 46 ) .
من وجهة النظر الجدلية ، فإن المدرسة السلوكية فى علم النفس ، مثل نظريات ج . ب . واطسون و ب. ف سكيننر لابد من إنتقادها بوصفها ميكانيكية . بإعتبارها تختزل العمليا السيكولوجية للإشتغال الإ نسانى للعمليات الفسيولوجية للسلوك وحده . لقد أدت السلوكية حين دفعت لحدها الأقصى إلى نظريات غير علمية ورجعية مثل تعديل السلوك ، الذى يستخدم وسائل غير أخلاقية بل وحتى وحشية لتغيير السلوك .
من ناحية أخرى ، لدينا النظرية الميتافيزيقية للفرويدية ، التى تركز على عقل لاواع ، منفصل عن الواقع الإجتماعى والفردى والوعى ، الذى ينظر إليه بوصفه المصدر الرئيسى الذى يحدد الإنفعال الإنسانى والموقف ، والسلوك . يتعين على السيكولوجيا العلمية أن ترفض النظريات العامة لكل من المدرسة السلوكية والفرويدية . لابد لها أن تظهر العلاقة الجدلية بين الواقع الإجتماعى والفردى وبين عمليات الفكر ، والوعى ، واللاوعى , والعاطفة ، والموقف ، والسلوك .
مع إسهام المادية الجدلية الماركسية فى حقل الإبستمولوجيا ، قدم ماركس أيضا إسهاما ذو مغزى لعلم النفس فى تطويره لمفهوم الإغتراب الإنسانى . وجد ماركس جذر الإغتراب فى عين عملية الإنتاج الرأسمالى نفسها ( 5 ) . فقد رأى ماركس العامل بوصفه مغتربا عن نتاج عمله وعن العمل ذاته . ومادام النتاج يخص الرأسمالى ، فإن عمل العامل هو "بمثابة سخرة ... ليس ملكه ، وإنما ملك آخر " ( 5. ص ص 110 – 111 ) أضف إلى ذلك فإن العمال مغتربون عن طبيعتهم الحقة ككائنات إنسانية لأن عملهم ونتاجه غريب عليهم . وهم لايستطيعون أن يتوحدوا مع الطبيعة والمجتمع . الإغتراب ، من ثم ، محايث للرأسمالية والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج . وعلى ذلك ، فإن أساس القضاء عليه يكمن ، على المدى الطويل ، فى إحلال الإشتراكية محل الرأسمالية .
حتى فى ظل الرأسمالية ، على أى حال ، رأى ماركس أنه يمكن للعمال أن يقاتلوا الإغتراب من خلال الإرتباط معا فى النضال من أجل مصالحهم الطبقية . وقد كتب ( 5 , ص ص . 154 – 155 .
تلاحظ أكثر النتائج روعة حينما نرى العمال الإشتراكيين الفرنسيين معا ، لم تعد وسائل التواصل التى تقربهم أشياء مثل التدخين ، الشرب ، الأكل . وإنما الرفقة ، الإشتراك والمحادثة التى غايتها المجتمع فى النهاية ، باتت كافية بالنسبة لهم .، أخوة الإنسان ليست لفظة بالنسبة لهم ، وإنما حقيقة حياة ، وتشع نبالة الإنسنن علينا من عمل أجسامهم الصلبة .
الماركسية مؤسسة على العلم . وفلسفتها مشتقة من العلم وتقدم الأساس لتقويم وتفسير النظريات العلمية ومجالات البحث ، ومنهجية . والمادية الجدلية لها أهمية خاصة لعلم النفس مادامت الإبستمولوجيا وعلم النفس متشابكان . يمكن للإبستمولوجيا أن تكون مقاربة ومرشدا قيما لعلم النفس .
المادية التاريخية وعلم النفس
المادية التاريخية هى تطبيق المادية الجدلية على أصل، وتطور ، وإشتغال المجتمع الإنسانى . تبنى ماركس وإنجلز مقاربة تاريخية لتقصى أصل الحياة ، والكائنات الإنسانية ، والمجتمع الإنسانى ( على سبيل المثال 6 ، 7 ) . لقد تبنيا وجهة النظر المتجذرة فى الفلسفة المادية ، القائلة بأن الحياة نشأت من المادة غير الحية كنمط جديد مختلف كيفيا لوجود المادة . أدى التطور التعاقبى ، كما أثبته داروين ، إلى ظهور أنواع متعددة من النباتات والحيوانات . منطلقة من المراحل الدنيا للعليا من العضوية الحية .
مع ظهور الرئيسيات التى كانت لها القدرة على صنع وإستخدام الأدوات لإنتاج ضروريات الحياة . تحققت مرحلة جديدة من التطور حين أدى العمل الجماعى المشترك مع الأدوات إلى تطور الكلام الواضح كوسيلة للإتصال والفكر . وهكذا فإن العمل الإجتماعى القائم على صنع الأدوات وإستخدام الأدوات أنتج الكلام واللغة . تأسس الوعى الإنسانى والعقل على الكلام واللغة . ومن ثم ينظر إليهما بوصفهما نتجا من خلال تطور العمل الإجتماعى والإنتاج المادى . وقد صاغ ماركس وإنجلز ذلك ( 6 ، ص ص 6-7 ) :
إن الفرضيات التى ننطلق منها هى ... الأفراد الحقيقيون ، ونشاطهم والشروط المادية التى يعيشون فى ظلها ... ويمكن تمييز البشر عن الحيوانات بالوعى ، أو الدين أو أى شئ تحب . إنهم أنفسهم يبدأون فى تمييز أنفسهم عن الحيوانات عندما يبدأون فى إنتاج وسائل معيشتهم .
حللت المادية التاريخية الماركسية تطور المجتمع الإنسانى بوصفه قد إنطلق من الشيوعية البدائية للمرحلة الأولى للتطور الإنسانى عبر المجتمعات العبودية ، الإقطاعية ، والرأسمالية والإشتراكية ( 8 ) . لذا ليس المجتمع ثابتا ولا متكررا ولكنه يتغير جدليا عبر تاريخه .
وهذه التغيرات فى المجتمع الإنسانى هى نتاج التغيرات التى تجرى فى وجوده الإجتماعى . يتكون نمط الإنتاج من القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج أى كيف يرتبط الناس ببعضهم البعض فى الإنتاج – كطبقات أو فى علاقات مشاعية . تعود التغيرات فى المجتمع إلى التغيرات فى قوى الإنتاج التى تؤدى لتغيرات فى علاقات الإنتاج . وعلى ذلك فإن نمط الإنتاج الإقطاعى يتميز بقوى إنتاجية معينة وعلاقات إنتاج طبقية تتشكل من سادة ملاك الأرض الإقطاعيين . والقن المنتج المستغل . مع تطور القوى المنتجة ، خاصة تطور أدوات وألآت الإنتاج ، نهضت طبقات جديدة - الرأسماليون والعمال المستغلين –وغيروا علاقات الإنتاج الإقطاعية إلى علاقات إنتاج رأسمالية بواسطة الثورة ( على سبيل المثال الثورة الفرنسية لعام 1789) .
ويتضمن المفهوم المادى للتاريخ إضافة لما سبق أنه ينهض بناء فوقى أيديولوجى على الأساس الإقتصادى للمجتمع . وهكذا تنتج علاقات الإنتاج الرأسمالية بنية أيديولوجية رأسمالية ، التى تخدم مصالح الأساس الإقتصادى الرأسمالى . وبالمثل ينتج الأساس الإشتراكى بنية فوقية إشتراكية . وهكذا فإن الوعى الإجتماعى لاينتج ولايفسر الوجود الإجتماعى وإنما العكس . وكما كتب إنجلز ( 9، ص 26 ) : " من وجهة النظر هذه ، يجب البحث عن الأسباب النهائية للتغيرات الإجتماعية والثورات السياسية ، ليس فى أدمغة البشر ، ولا فى استبصار الإنسان بشكل أفضل فى الحقيقة الأبدية والعدالة ، بل فى التغير فى أنماط الإنتاج والتبادل . "
فى المجتمع الطبقى فإن النظرات السائدة ، والأيديو لوجية ، والفلسفة هى تلك التى تتبناها الطبقة السائدة . مادامت العلوم الإجتماعية والسلوكية لها أثر كبير فى تكوين الأيديولوجية والمعتقدات فى المجتمع الرأسمالى ، فلا يمكن النظر إلى هذه العلوم بوصفها علوما محضة منفصلة عن المصالح الإجتماعية والطبقية . يجب أن تحلل بوصفها قد تشكلت وتأثرت ، وتشوهت من قبل الطبقة التى تسيطر على الحكم وعلى النظام التعليمى والجامعى ، والإعلام التجارى والثروة التى تدعم نظرات وأيديولوجيا معينة . وعلى ذلك لا يمكن أن ينظر للأيديولوجيا كعلم محايد لايتأثر بالمصالح الطبقية . إن نظرية عرقية مثل تلك التى يتبناها آرثر جنسن ، التى تخلص إلى أن السود هم أدنى جينيا فى الذكاء من البيض . يمكن أن تفهم بوصفها أداة الطبقة الرأسمالية للإستغلال الزائد المتواصل للكادحين السود . وكوسيلة كبرى لتفريق البيض والسود .
يتعين أن ينظر إلي علم النفس من وجهة نظر المادية التاريخية بوصفه يلعب دورا أيديولوجيا فى البنية الفوقية الرأسمالية . يستمر دوره العلمى بالتوازى مع دوره الأيديولوجى ، ولكن هذا الدور العلمى محدود ومتخلف بسبب الطبيعة الطبقية للرأسمالية .
وتنتج الإشتراكية بنيتها الفوقية أيضا . وعلى أى حال ، مادامت علاقات الإنتاج الإشتراكية غير طبقية ، فليست هناك طبقة سائدة لتحكم وتشوه علم النفس . يلعب علم النفس فى ظل الإشتراكية دورا فى تقدم المجتمع الإشتراكى من خلال تطوره العلمى الخاص . و ليست العقبات فى وجه مثل هذا التطور من ثم ذات طبيعة طبقية وإنما تعود لحداثة وتعقد علم النفس بوصفه علما .
تقدم المادية التاريخية لعلم النفس مقاربة مادية للتطور الإنسانى والإجتماعى . كما تقدم تحليلا علميا لدور الطبقة الذى يلعبه علم النفس فى ظل الرأسمالية . إنها تؤكد الطبيعة الطبقية للرأسمالية وإهمية الوضع الطبقى لعلم نفس الأفراد . إنها تحلل الأثر السيكولوجى للأيديولوجية الطبقية على الفكر الإنسانى . إنها تعطى أهمية أساسية للوعى الإنسانى بوصفه مناقضا لدور العمليات اللاواعية فى توجيه الفرد . وهى تفسر الإغتراب ، ليس على أساس وجودى للوحدة والعزلة الإجتماعية ، ولكن بوصفه متجذرا تحديدا فى عملية الإنتاج الرأسمالى . يمكن بالفعل لعلم النفس أن يستفيد من المقاربة المادية التاريخية .
النقد الماركسى لعلم النفس
لقد حقق علم النفس تقدما كبيرا فى مجالات مختلفة . على أى حال ، وكما نوقش سابقا فقد أعيق علم النفس أو شوه فى تطوره بالنظرات والنظريات الفلسفية الميتافيزيقية أو المثالية . كما هيمنت عليه نظرة غير تاريخية وغير جدلية لتطور المجتمع الإنسانى وعلاقته بالتطور الفردى . أضف إلى ذلك فقد طور البناء الفوقى الأيديولوجى للرأسمالية ملامح كبرى تغلغلت فى العلوم الإجتماعية والسلوكية . لقد إخترقت هذه الملامح وشكلت الكثير من تطور علم النفس وهى تشمل مايلى .
أيديولوجية معادية للطبقة العاملة
لقد صورت الأيديولوجية الرأسمالية العمال دوما بوصفهم غير أذكياء ، لايغتسلون ، أفظاظ ، سذج ، منحطون . لقد تجاهلت العلوم الإجتماعية والسلوكية بصفة أساسية الواقع الحقيقى للعاملين ، سماتهم الإيجابية ، نضالاتهم الإجتماعية والطبقية ، دعمهم المتبادل لبعضهم البعض . ومقاصدهم الإجتماعية . وبإستثناءات معينة ، حينما أجريت دراسات على العاملين ، إنتهوا إلى نتائج تدعم النمط الرأسمالى للفرد الجلف، الغبى ، السلبى ، والأنانى . وليس من باب المصادفة أن الملامح الأساسية للغش الجسيم الذى يرتكبه عالم النفس سيريل بيرت فى العالم السيكولوجى هو أنه قد " برهن " على أن العمال كانوا أدنى فى ذكائهم من أناس الطبقة الوسطى والعليا .
يعتبر العمال فى منظور الطب النفسى مرضى صعبين لأنهم يفتقرون لإدراك وبصيرة الطبقات " العليا " . ويوجد نظام معقد للتتبع فى التعليم العام فى الولايات المتحدة ، غرضه وهدفه الأساسى هو منع العاملين ، والسود ، والأقليات القومية من الحصول على تعليم متقدم . يقيم التتبع التعليمى مسارات مختلفة ( فصول ) للأطفال ، الأذكياء ، المتوسطون ، البطيئون ، المضطربون ، ذوى النشاط الزائد . كانت نتيجة مثل هذا التتبع هو دفع جمع غير متعلم من العاملين ، والسود ، واللاتينيون وأقليات أخرى لأعمال قذرة ، وضيعة ، وكثيفة الإستغلال أو لجيش العاملين الإحتياطى . لقد طورت نظريات سيكولوجية زائفة لتبرير نظام التتبع التعليمى هذا ، أى فصول متجانسة ، فرص مهنية ( لغسيل الأطباق ، لعمل مكتبى ، للخدمة بتزويد النظريات العرقية عن المنزلية ) حرمان بيئى ، ثقافة مؤذية ، الأمومة السوداء .
النزعة العرقية
إن التطور الباكر للرأسمالية فى بلادنا قد وصمته وشابته العبودية وأيديولوجية ملاك العبيد . أصبحت النزعة العرقية بعد الحرب الأهلية وتحرير العبيد ، أداة أيديولوجية كبرى أساسية لأرباح رأسمالية عالية وللتفريق بين العاملين . لقد خدم علم النفس بزعم دونية السود هذه المصالح الطبقية المراوغة . وهكذا فإن نظرية جنسن عن الدونية الذهنية الجينية للسود هى وصمة فى جبين علم النفس . وبالمثل فإن نظرية دانيال موينيهان عن الإضطرابات العقلية عند الأطفال السود بسبب " الأمومة السوداء " قد مارست تأثيرها العرقى القذر فى حقل الطب النفسي . إن أدوات الإختبار النفسى مثل إختبارات معدلات الذكاء النموذجية ( ستانفورد – بينت & سلم ويشسلرلقياس ذكاء الأطفال ) تستخدم للتخصيص العرقى للأطفال السود لفصول المعاقين ، والمصابين فى المخ ، والمضطربين عاطفيا بأعداد كبرى غير متناسبة . لقد تخللت النزعة العرقية نسيج علم النفس والطب النفسي .
الشوفينية القومية
مادام العاملون فى الولايات المتحدة يضمون أقليات قومية كثيرة وخاصة أعدادا كبيرة من الشيكانو – المكسيكيون الأمريكيون - ، واللاتينيون ، والهنود الغربيون ، فإن النظريات والممارسات الشوفينية القومية تزدهر فى بلادنا . وبدلا من أن تكون بالأحرى " بوتقة إنصهار" فإن بنيتنا الفوقية الأيديولوجية قد تبنت تحيزات وتمييزات ضد العاملين المولودين فى أرض أجنبية ومعظم الأقليات القومية .
لقد لعب علم النفس دورا خلافيا فى حالات كثيرة بتقديم عقلنة لمثل هذه التحيزات ومايصاحبها من ممارسات تمييزية . وهكذا فإن سلم ويشسلرلقياس ذكاء الأطفال يستخدم عادة لإختبار الأطفال من ذوى الأصول الاسبانية بالرغم من أنه ثقافيا ولغويا غير ملائم ويعاقب بشدة الأطفال مزدوجى اللغة . إنها لحقيقة تعليمية أن الأطفال ذوى الأصول الاسبانية يوضعون بشكل غير ملائم فى صفوف خاصة ، مما يسبب لهم ضررا تربويا خطيرا . ووظفت نفس النظريات السيكولوجية ضد الأطفال السود -- المحرومين ، المعوزين ، غير الناضجين حسيا ، من بيوت بلاآباء – تطبق أيضا على الأقليات االقومية وخاصة على الفقراء والعاملين .
التحيز الجنسى وسطوة الذكور
إن تقسيم العاملين وفق الخطوط الجنسية هو ملمح أساسى للأيديولوجية الرأسمالية فى الولايات المتحدة . هذه الأيديولوجية عن دونية المرأة تتوافق مع وتبرر وضع النساء غير المتكافئ إقتصاديا وإجتماعيا وسياسيا فى بلادنا .
إن التحيز الجنسى فى النظرية النفسية والممارسة هو ظاهرة شائعة . نظرية فرويد الأساسية هى السيطرة الذكورية مدفوعة لحدودها القصوى . النساء هيستيريات ، سلبيات ، غريبات ، مليئات بحسد القضيب ، مغاليات فى عواطفهن ، أكثر عصابية ، ولهن شخصيات أضعف ، وفقا لفرويد .
والنساء السود ضحايا التحيز العرقى والجنسى فى السيكولوجيا والطب النفسى . تلام الأم على مشاكل الأطفال بإنتظام . و إعتاد العلاج الموجه فرويديا أن يؤدى بالنساء إلى قبول المصير الذى أملاه عليها تشريحها . وبالرغم من أن مد حركة التحرر النسائى قد شنت هجوما مضادا ضد التحيز الجنسى فى علم النفس والطب النفسى فما زالت النظرية النفسية يحكمها التحيز الجنسي ، وعلم النفس قد بدأ لتوه فى القيام ببداية فى الفهم العلمى للنساء فى مجتمعنا .
النظريات الزائفة عن الطبيعة الإنسانية
البنية الفوقية الأيديولوجية فى الولايات المتحدة حافلة بنظريات أن الطبيعة الإنسانية ثابتة وغير متغيرة ، وأنها جشعة ، أنانية ، عدوانية غير جديرة بالثقة ، محاربة ، متحيزة ، شهوانية ، وكسولة . يقدم علم النفس والطب النفسي نظريات طنانة لتبرير مثل هذا الحكم على الطبيعة الإنسانية . لاحظ نظرية فرويد بأن لدينا ميلا حربيا مدمرا ( ثاناتوس ) فى ميراثنا البيولوجى . إن نظرية ستانلى ميلجريم بأننا سوف نلحق الألم عارفين قاصدين على الآخرين هو رأى يدخل ضمن نفس المقولة . ينحط ب . ف . سكيننر بالكائنات الإنسانية معتبرا إياهم على نفس مستوى الحيوانات . يستجيبون فقط لمخطط إستهداف المكافأة فى كامل حياتهم . حقق كونراد لورنز ( 10 ) شهرته من خلال نظريته عن العدوانية الإنسانية المحايثة . بينما يعزو إدوارد . أو ويلسون ( 11 ، 12 ) سلوكا وغرائز حيوانية للكائنات الإنسانية فى نظريته عن البيولوجيا الإجتماعية .
إذا كانت الطبيعة الإنسانية شريرة وثابتة فإن النزعة العرقية ، والعدوان ، والفقر ، والحرب هى حتمية بصفة أساسية ولايمكن أن نعزوها للنظام الإجتماعى . وهكذا فإن هذه النظرية عن الطبيعة الإنسانية الثابتة والشريرة لها أساس طبقى هيمن على علم النفس بشكل سلبى .
الفردية والذاتية
تحفل الأيديولوجية الرأسمالية بالنزعتين الفردية والذاتية . وقد غمرت هذه الأيديولوجية العلوم الإجتماعية ، بما فيها علم النفس . والفرويدية هى مثل أولى لمقاربة ذاتية وغير إجتماعية للعقل والسلوك الإنسانيين . تشتغل الغرائز البيولوجية من خلال الدوافع ، والعقد ، والدفاعات ، والتحفيز اللاواعى وهى تعزل الفرد عن وجوده /ها الإجتماعى وتفسر السلوك الطبيعى والشاذ بطريقة ذاتية .
وقد دفعت الحركة الإنسانية الكامنة النزعتين الفردية والذاتية لحدودهما القصوى . وجرى الإرتداد بالفرد إلى الشعور والمواقف منفصلة عن سياقها الإجتماعى . " الهو " هو نظرية مثالية ذاتية بشكل واضح تنتهى بأن كل فرد يختبر هذا العلم الذاتى فى اللحظة الحاضرة . إن هذا الإغتيال الأخير للعقل الإنسانى ، والعمل الجماعى والوعى والمعرفة ماهو إلا إنعكاس للرأسمالية حال إنحطاطها . إن " الهو " هو أشد الطبعات مبالغة للحفز الرأسمالى لإجبار الناس على قبول العالم كما هو ، وإعتباره كاملا ، وأن تسعد بكونك تفعل مايفعلون .
وتستخدم الرأسمالية أيضا النزعة الفردية ل " لوم الضحية " وهكذا نجد نظريات فى علم النفس تقول بأن الففقراء هم سبب بيئتهم الفقيرة الخاصة ، لذا هم من ينبغى أن يلاموا .
النظريات الزائفة وأحادية الجانب
تاريخ العلم ملئ بالنظريات الزائفة ، مثل نظرية أن الشمس تتحرك حول الأرض ، أو أن الحجامة لمريض بدنيا سوف تكون مفيدة . يمكن أن تعتبر بعض النظريات الزائفة ملمحا طبيعيا لعلوم شابة فى مسيرة التطور . إن البرهنة على صحة نظرية علمية يتطلب ملاحظة دقيقة ، وإختبار صحيح ، وتفسير ، وإستنتاجات صائبة . التأمل ووضع الفرضيات ضرورى لإنشاء ولإثبات ( أو إبطال نظرية ) . فى هذه العملية المعقدة للوصول لنظريات مثبتة فيما يتعلق بالواقع المعقد ، تظهر نظريات زائفة أو أحادية الجانب .
على أى حال تروج فى المجتمع الطبقى نظريات عدة ، ليس من أجل إثبات نظرية علمية ، وإنما لخدمة مصالح الطبقة السائدة . وهكذا فإن النظريات الزائفة حول العاملين ، والسود ، والنساء ، والأقليات القومية ، والطبيعة الإنسانية هى بمثابة دعاية زائفة ، وغير علمية . إن المثل المشهور عن جاليليو وإضطراره أمام محكمة التفتيش لأن يتبرأ من نظريته العلمية الصائبة حول حركة الأرض حول الشمس دالة على سوء الإستخدام العمدى للعلم .
والنظريات أحادية الجانب فى علم النفس والطب النفسي هى القاعدة وليس الإستثناء فى المجتمع الرأسمالى . حتى التعريف العام لعلم النفس بوصفه علم السلوك هو أحادى الجانب ، مادام يسقط الفكر ، والعاطفة ، والعلاقات والنشاط ، والتاريخ الفردى . المصطلح الشائع للإضطراب العقلى هو المرض العاطفى ، بينما يؤثر المرض العقلى بالطبع ايضا على الإ دراك ، والسلوك ، والموقف ، والقدرة على العمل والعلاقات . تتمحور سلوكية سكيننر على ملمح واحد للإشتغال : السلوك . ويركز تدريب الحساسية على هنا – والآن . يجسد سكيننر تعزيزأ وضعيا حينما يتجاهل الفكر ، والحكم ، والمشاعر .
إن النظريات الأحادية والنظريات الزائفة ترجع لكل من النفوذ الطبقى وإلى المقاربا الضيقة غير الجدلية فى الولايات المتحدة .
إسهام الماركسية
إن إسهام ماركسية المادية الجدلية والتاريخية لعلم النفس والطب النفسى والنقد الماركسى لهذه العلوم فى مجتمع طبقى قد قمنا بعرضه سلفا . للماركسية عدد من الملامح والتأكيدات التى تعتقد أنها سوف تساهم فى تقدم علم النفس .
1 – ترفض الماركسية كل النظريات التى ترتكز الدونية العقلية ، أو العاطفية ، أو السلوكية المؤسسة على العرق ، والطبقة ، والجنس ، أو الأقلية القومية بوصفها غير صالحة وغير علمية . إنها تؤكد على الأهمية الحدية لدراسة التطور الإنسانى فى الواقع العيانى لوجوده ، الإجتماعى والفردى .
2 – تقارب الماركسية العقل الإنسانى والوعى بوصفهما نتاجا للمخ والنظام العصبى المركزى . وهى تلقى الضوء على الدور ذى المغزى الكبير للغة كوسيلة للإتصال ، والفكر ، وتنظيم السلوك . إن عمل علماء النفس السوفييت ومثالهما ليف فيجوتسكى ( 13 ) وألكسندر لوريا ( 14 ) حول دور اللغة قد ساعد على تقدم المعرفة السيكولوجية فى هذه المجالات .
3 – تؤكد الماركسية على أهمية العلاقة بين الفرد والمجتمع . لابد أن تفحص سيكولوجية الأفراد فى المجتمع فى سياق مجتمع طبقى ذى بنية فوقية نوعية – أى بنية رأسمالية . إن تأثيرات البنية الفوقية على سيكولوجية الفرد لها أهمية حيوية فى الدراسة السيكولوجية . وبالمثل فإن التغيرات فى سيكولوجية الأفراد فى مجتمع إشتراكى لابد أن ترى ضمن سياق تغيرات كثيرة تجرى أثناء التحول من مجتمع رأسمالى إلى مجتمع إشتراكى .
4 – إن الماركسية تنظر لعلم النفس بوصفه يلعب دورا فى تقدم المجتمع الإنسانى . كما أن كشف قوانين التطور النفسى الإنسانى يمكن أن تكون لها قيمة كبرى فى التعليم ، والشخصية الإنسانية ، وتكوين الشخصية ، وتوسع القدرات الإنسانية .
5 – تؤكد الماركسية أن علم النفس والطب النفسى هما علمان يحتاجان للتطوير من خلال عمل علمى شديد التدقيق وشامل . العمل العلمى الذى تم القيام به فى ظل الإشتراكية تجسد فى المجلدات الأربعة التى صدرت تحت عنوان دليل علم النفس السوفييتى المعاصر ( 15 ) الذى يحتوى على عرض للتقدم الذى أحرز فى مجالات علم النفس التطورى ، الشاذ ، والإجتماعى . وعلم النفس التجريبى العام ، والنشاط العصبى الأعلى .
6 – إن العلم عالمى فى إطاره ويتطلب أفضل جهود العلماء فى كل البلدان من أجل تقدمه التام . إن التعاون الدولى فى حقل علم النفس والطب النفسى لذو أهمية حيوية لهذين العلمين . وهذا التعاون مهم بصفة خاصة للعلماء فى البلدان الإشتراكية والرأسمالية ، مادام لدى كل منهم الكثير ليتعلم من الآخر .
7 – تعتقد الماركسية أن العلم يتقدم من خلال الصراع ، العلمى والإجتماعى معا . إن السجال والجدال داخل المجال ضرورى ومرحب به ويمكن أن يسهم فى رفض النظريات الزائفة وتصويب النظريات أحادية الجانب . كما أن الصراع الإجتماعى ضد النظريات العرقية والأيديولوجية الرجعية التى تتقنع بمظهر النظريات السيكولوجية يمكن أن يؤدى لتعريتها .
8 – تعتقد الماركسية أن المجتممع الإشتراكى يمكن أن يؤدى لتغيرات عظمى فى سيكولوجية البشر ورفاهيتهم . إن تقديم عناية صحية عقلية تمامة وشاملة ومتاحة ومجانية هو أمر مضمون فى ظل الإشتراكية . وبالمثل ، التوظيف ، والضمان الإجتماعى ، والتعليم ، تكافؤ الفرص ، تسهيلات للأمهات العاملات ، الأجر المتساوى ، ونظام إقتصادى وإجتماعى دائم التوسع يقدم ضمانا سيكولوجيا للشعب الذى يعيش فى الإشتراكية .
المصدر : المجلة الدولية للخدمات الصحية ، المجلد 12 ، 1 نوفمبر 1982.



3 - الرأسمالية والصحة العقلية – دافيد ماتيو *

إن أزمة الصحة العقلية تجتاح العالم. وتشير التقديرات الأخيرة لمنظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من ثلاثمائة مليون شخص يعانون من الاكتئاب في جميع أنحاء العالم. علاوة على ذلك ، يُقال إن 23 مليونًا يعانون من أعراض الفصام ، بينما ينتحر ما يقرب من ثمانمائة ألف فرد كل عام. ( 1 ) إن إضطرابات الصحة العقلية داخل الأمم الرأسمالية الإحتكارية ، هى السبب الرئيسى لتدهور متوسط العمر بعد أمراض القلب والسرطان .( 2 ) يُقال أن في الاتحاد الأوروبي ، 27.0 في المائة من السكان البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين ثمانية عشر وخمسة وستين عامًا قد عانوا من مضاعفات تتعلق بالصحة العقلية( 3 ) .أضف إلى ذلك ، تزايدت فى إنجلترا وحدها حدة إعتلال الصحة العقلية على مدى العقدين الأخيرين. ويوضح أحدث استطلاع للرأي عن الأمراض النفسية للبالغين في الخدمة الصحية القومية أنه في عام 2014 ، عانى 17.5 في المائة من السكان فوق سن السادسة عشرة من أشكال مختلفة من الاكتئاب أو القلق ، مقارنة بـ 14.1 في المائة في عام 1993. بالإضافة إلى ذلك ، فإن عدد الأفراد الذين كانت معاناتهم شديدة بما يكفي لتستدعى التدخل العلاجى ارتفعت من 6.9 في المائة إلى 9.3 في المائة. ( 4 )

تهيمن فى المجتمع الرأسمالى التفسيرات البيولوجية على مفاهيم الصحة العقلية ، وتتخلل الممارسة المهنية والوعي العام. وترمز إلى هذا نظرية الاختلالات الكيميائية في المخ - التي تركز على إشتغال الناقلات العصبية مثل السيروتونين والدوبامين - والتي استحوذت على الوعي الشعبي والأكاديمي على الرغم من عدم وجود مايعززها إلى حد كبير . (5 )علاوة على ذلك ، عند تأمل شعبية الاختزال الجيني في العلوم البيولوجية ، نرى هناك جهدا لتعيين التشوهات الجينية كسبب آخر لاضطرابات الصحة العقلية .( 6 ) ومع ذلك ، فشلت التفسيرات المستندة إلى علم الجينوم أيضًا في تقديم دليل قاطع .( 7 )بينما تقدم التفسيرات البيولوجية ضمنيا إستبصارات لامعة بشأن بعض حالات نوعية من ضعف الصحة العقلية إلا أنها بعيدة كل البعد عن أن تكون كافية في حد ذاتها. ما هو واضح تمامًا واقع وجود أنماط اجتماعية دالة توضح استحالة اختزال الصحة العقلية السيئة إلى الحتمية البيولوجية.( 8 )

لقد تم التعتيم إلى حد كبير على العلاقة الوثيقة بين الصحة العقلية والظروف الاجتماعية ، مع تفسير الأسباب المجتمعية في إطار الطب البيولوجي وتغطيتها بالمصطلحات العلمية. وغالبًا ما تبدأ التشخيصات وتنتهي عند الفرد ، ونتعرف فيها على نزعة جوهرانية حيوية على حساب دراسة العوامل الاجتماعية. ومع ذلك ، يجب الاعتراف بأن التنظيم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمجتمع يعد عاملا مساهما دالا في الصحة العقلية للناس ، لذا يكون وجود بعض البنى الاجتماعية أكثر فائدة للناس فى توفير الصحة العقلية من غيرها. باعتبارها الأساس الذي يقوم عليه التكوين البنيوي الفوقي للمجتمع ، فالرأسمالية هي محدد رئيسي لسوء الصحة العقلية. وكما جادل الأستاذ الماركسي للعمل الاجتماعي والسياسة الاجتماعية لاين فيرجسون ، فإن "النظام الاقتصادي والسياسي الذي نعيش في ظله - الرأسمالية - هو المسؤول عن المستويات العالية الهائلة لمشاكل الصحة العقلية التي نراها في العالم اليوم. . " إن التخفيف من الإجهاد العقلى ممكن فقط " في مجتمع خالٍ من الاستغلال والاضطهاد". ( 9)

أرسم فيما يلي ، بإيجاز حالة الصحة العقلية في الرأسمالية المتقدمة ، مستخدماً بريطانيا كمثال موظفاإطار التحليل النفسي للماركسي إريك فروم ، الذي يؤكد أن جميع البشر لديهم احتياجات معينة يجب الوفاء بها من أجل ضمان الصحة العقلية المثلى. . ودعمًا لتأكيد فيرجسون ، أبرهن علي أن الرأسمالية حاسمة فى تحديد معاينة وشيوع الصحةالعقلية ، حيث أن عملياتها لا تتوافق مع الحاجة الإنسانية الحقيقية. سيتضمن هذا الرسم التخطيطي تصويراً للحركة الواعية سياسياً لمستخدمي خدمات الصحة العقلية التي ظهرت في بريطانيا في السنوات الأخيرة لتتحدي التفسيرات البيولوجية لإعتلال الصحة العقلية وتدعو إلى إعتبار عدم المساواة والرأسمالية في قلب المشكلة.

الصحة العقلية والرأسمالية الاحتكارية

في الفصول الأخيرة من كتاب الرأسمالية الإحتكارية Monopoly Capital ، أوضح بول باران وبول سويزي عواقب احتكار الرأسمالية على الصحة النفسية ، مبرهنين على أن النظام أخفق في "توفير أسس مجتمع قادر على إشاعة التنمية الصحية والسعيدة لأعضائه. (10 )ولتجسيد اللاعقلانية واسعة النطاق للرأسمالية الاحتكارية ، فقد أوضحا طبيعتها المهينة. يمكن اعتبار العمل ممتعًا للأقلية المحظوظة فقط ، بينما يعتبر بالنسبة للأغلبية تجربة غير مرضية تمامًا. عند محاولة تجنب العمل بأي ثمن ، غالبًا ما يفشل الترفيه في تقديم أي عزاء ، لأنه يصبح أيضًا بلا معنى. جادل باران وسويزي بأن وقت الفراغ بدلاً من أن يكون فرصة لإشباع الشغف ، أصبح مرادفًا إلى حد كبير للكسل. وتنعكس الرغبة في عدم فعل أي شيء في الثقافة الشعبية ، حيث تثير الكتب والتلفزيون والأفلام حالة من المتعة السلبية بدلاً من حفزها الطاقات الذهنية (11).إن هدف كلا من العمل ووقت الفراغ كما زعما تدور إلى حد كبير حول زيادة الإستهلاك . ولم تعد السلع الاستهلاكية تُستهلك لاستخدامها ، فقد أصبحت علامات راسخة للمكانة الاجتماعية ، وإعتبار الاستهلاك وسيلة للتعبير عن الوضع الاجتماعي للفرد. ومع ذلك فإن النزعةالاستهلاكية ، في نهاية المطاف تولد عدم الرضا لأن الرغبة في استبدال المنتجات القديمة بأخرى جديدة تجعل الحفاظ على مكانة المرء في المجتمع بمثابة سعي متواصل حثيث لمستوى لا يمكن الحصول عليه. جادل باران وسويزي أنه "أثناء تلبية الاحتياجات الأساسية للبقاء" ، فإن كلا من العمل والاستهلاك "يفقدان بشكل متزايد محتواهما الداخلي ومعناهما" ( 12 ). والنتيجة هي مجتمع يتسم بالفراغ والتدهور. مع وجود احتمال ضئيل لتحريض الطبقة العاملة على العمل الثوري ، فإن الواقع المحتمل هو استمرار لـ "سيرورة الانحلال الحالية ، حيث تصبح التناقضات بين ضغوط النظام والاحتياجات الأولية للطبيعة البشرية أكثر صعوبة من أي وقت مضى" ، مما يؤدي إلى " انتشار الاضطرابات النفسية المتزايدة الخطورة. "( 13 ) يظل هذا التناقض بارزا على الدوام فى النطاق الحالى للرأسمالية الإحتكارية . لا يزال المجتمع الرأسمالي الاحتكاري الحديث يتسم بعدم التوافق بين سعي الرأسمالية الدؤوب للربح ، من ناحية ، والاحتياجات الأساسية للناس من ناحية أخرى. ونتيجة لذلك ، يتم تقويض الشروط المطلوبة للصحة العقلية المثلى بشكل عنيف ، حيث يعاني المجتمع الرأسمالي الاحتكاري من الاضطرابات العصابية ومشاكل الصحة العقلية الأكثر خطورة.

إريك فروم: الصحة العقلية والطبيعة البشرية

تأثر فهم باران وسويزي للعلاقة بين الرأسمالية الاحتكارية والفرد بشكل كبير بالتحليل النفسي. فقد أشارا على سبيل المثال ، إلى مركزية الطاقات الكامنة مثل القوة الحيوية الدافعة ( الليبيدو )والحاجة إلى إشباعها. علاوة على ذلك ، قبلا الفكرة الفرويدية القائلة بأن النظام الاجتماعي يتطلب قمع القوة الحيوية الدافعة وتساميها وتكييفها لأغراض مقبولة اجتماعيًا. (14) لقد كتب باران نفسه عن التحليل النفسي. حيث كان قد ارتبط بمعهد البحث الاجتماعي في فرانكفورت في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين وتأثر بشكل مباشر بعمل إريك فروم وهربرت ماركوز. (15 ) يمكن التعرف فى هذا الإطار العريض على نظرية الصحة العقلية فى تحليل باران وسويزى . مع التناقضات بين الرأسمالية والحاجة البشرية التي تعبر عن نفسها بشكل رئيسي من خلال قمع الطاقات البشرية. كان فروم ، على وجه الخصوص ، هو من تعين عليه أن يطور موقفًا تحليليًا نفسيًا ماركسيًا فريدًا يبقى ذا صلة بفهم الصحة العقلية فى النطاق الراهن للرأسمالية الإحتكارية . ومن هذا المصدر إستلهم باران أفكاره . ( 16 )

بينما عبر عن أهمية فرويد بشكل واضح ،فقد أقر فروم بدينه الأعظم لكارل ماركس ، معتبرا إياه المثقف الأبرز . ( 17 )بعد أن قبل الفرضية الفرويدية عن اللاوعى والكبت وتعديل الدوافع غير الواعية ، مع ذلك إعترف فروم بإخفاق الفرويدية الأورثوذكسية فى أن تدمج فهما سوسيولوجيا أعمق للفرد في تحليلها. وبعد تحوله إلى الماركسية ، قام ببناء نظرية للفرد الذي يتشكل وعيه من خلال تنظيم الرأسمالية ، مع وجود دوافع غير واعية مكبوتة أو موجهة نحو سلوك اجتماعي مقبول. بينما لم ينتج ماركس أبدًا علم نفس رسمي ، اعتبر فروم أن أسسمثل هذا العلم تكمن في مفهوم الاغتراب ( 18 ). بالنسبة لماركس ، كان الاغتراب مثالًا على التأثير الجسدي والعقلي المميت للرأسمالية على البشر .( 19 ) في جوهره ، يُظهر الاغتراب الذي يشعر به الناس عن أنفسهم وعن العالم من حولهم ، بما في ذلك إخوانهم البشر. تكمن القيمة المحددة للاغتراب في فهم الصحة العقلية في توضيح التمييز الذي ينشأ في ظل الرأسمالية بين الوجود البشري والجوهر. بالنسبة لماركس ، تفصل الرأسمالية الأفراد عن جوهرهم كنتيجة لوجودهم. تغلغل هذا المبدأ في إطار التحليل النفسي لفروم ، الذي أكد أنه في ظل الرأسمالية ، أصبح البشر منفصلين عن طبيعتهم.

جادل ماركس بأن الطبيعة البشرية تتكون من صفات مزدوجة وعلينا "أولاً أن نتعامل مع الطبيعة البشرية بشكل عام ، ثم الطبيعة البشرية كما تم تعديلها في كل حقبة تاريخية".( 20 ) هناك احتياجات ثابتة ، مثل الجوع والرغبات الجنسية ، ومن ثم هناك رغبات نسبية تنشأ من التنظيم التاريخي والثقافي للمجتمع .( 21 ) جادل فروم مستلهما ماركس ، بأن الطبيعة البشرية متأصلة في جميع الأفراد ، لكن مظهرها المرئي يعتمد إلى حد كبير على السياق الاجتماعي . ومن غير المقبول افتراض أن "التكوين العقلي للإنسان هو قصاصة بيضاء من الورق ، يكتب عليها المجتمع والثقافة نصهما ، وليس له صفة جوهرية خاصة به. ... تكمن المشكلة الحقيقية في استنتاج الجوهر المشترك للجنس البشري بأكمله من مظاهر الطبيعة البشرية التي لا حصر لها. " ( 22 ) أدرك فروم أهمية الاحتياجات البيولوجية الأساسية ، مثل الجوع والنوم والرغبات الجنسية ، باعتبارها تشكل جوانب من الطبيعة البشرية يجب إشباعها قبل أي شيء آخر.( 23 ) مع ذلك ، ومع تطور البشر ، فقد وصلوا فى النهاية إلى نقطة التحول من الحيوان إلى الإنسان المتفرد . ( 24 ) عندما وجد البشر أنه من الأسهل بشكل متزايد تلبية احتياجاتهم البيولوجية الأساسية ، نتيجة لسيطرتهم على الطبيعة ، أصبحت الحاجة الملحة لإشباعها تدريجياً أقل أهمية ، مع عملية التطور التي أتاحت تطوير المزيد من القدرات الذهنية والعاطفية المعقدة .( 25 ) على هذا النحو ، لم تعد الدوافع الأكثر أهمية للفرد متجذرة في البيولوجيا ، ولكن في الوضع البشري. ( 26 )

بالنظر إلى أنه من الضروري تأسيس فهم للطبيعة البشرية يمكن على أساسه تقييم الصحة العقلية ، حدد فروم خمس خصائص مركزية للوضع البشري. الأول هو القرابة. فإدراكًا منهم لكونهم وحيدًين في العالم ، يسعى البشر جاهدًين إلى إقامة روابط إتحاد.( 27 ) بدون هذه ، لا يمكن تحمل الوجود كفرد. ثانيًا ، أتاحت هيمنة البشر على الطبيعة إشباعا أسهل للاحتياجات البيولوجية وظهور كفاءات بشرية ، مما ساهم في تنمية الإبداع . طور البشر القدرة على التعبير عن الذكاء الخلاق، وتحويل ذلك إلى خاصية بشرية أساسية تتطلب التحقق .( 28 ) ثالثًا ، يتطلب البشر ، من الناحية النفسية ، أن تكون لهم جذور وأن يشعروا بالانتماء. مع قطع روابط الانتماء الطبيعي عند الولادة ، يسعى الأفراد باستمرار إلى التجذر ليشعروا بالتوحد مع العالم. بالنسبة لفروم ، لا يمكن تحقيق الشعور الحقيقي بالانتماء إلا في مجتمع مبني على التضامن. (29) رابعاً ، يرغب البشر بشكل حاسم في ان يشعروا ويطوروا هويتهم . حيث يجب على جميع الأفراد أن يؤسسوا إحساسًا بالذات ووعيًا بأنهم شخصًا محددًا. (30 ) خامسًا ، من الضروري نفسيًا أن يطور البشر إطارًا يمكن من خلاله فهم العالم وتجاربهم الخاصة (31).

بعرض ما جادل به فروم على أنه طبيعة بشرية شاملة ، فإن إرضاء هذه الدوافع أمر ضروري لتحقيق الصحة العقلية المثلى. وكما أكد ، "تتحقق الصحة العقلية إذا تطور الإنسان نحو النضج الكامل وفقًا لخصائص وقوانين الطبيعة البشرية. وينشأ المرض العقلي بسبب الإخفاق فى تحقيق هذا التطور. " ( 32 ) إذ يرفض فهم التحليل النفسي الذي يؤكد على إشباع الرغبة الجنسية والدوافع البيولوجية الأخرى ، فقد ادعى أن الصحة العقلية ، ترتبط بطبيعتها بإشباع الاحتياجات التي تعتبر إنسانية متميزة. لكن في ظل الرأسمالية ، يجرى إحباط الإشباع الكامل للنفسية البشرية. بالنسبة لفروم ، تكمن جذور إعتلال الصحة العقلية فى نمط الإنتاج والهياكل السياسية والاجتماعية المقابلة ، التي يعيق تنظيمها الإشباع الكامل للرغبات البشرية الفطرية. ( 33 ) وكما يجادل فروم فإن آثار هذا على الصحة العقلية هى "إذا لم تجد إحدى الضروريات الأساسية إشباعًا ، يكون الجنون هو النتيجة ؛ إذا أشبعت ولكن بطريقة غير مرضية ... العصاب ... هو النتيجة. " ( 34 )

العمل وقمع الإبداع

أكد فروم ، مثله فى ذلك مثل ماركس ، أن الرغبة الغريزية في الإبداع تلقى أكبر فرصة للإشباع من خلال العمل. في المخطوطات الاقتصادية والفلسفية لعام 1844 ، جادل ماركس بشدة في أن العمل يجب أن يكون تجربة تحقق ، مما يسمح للأفراد بالتعبير عن ذواتهم بحرية ، جسديًا وفكريًا. كما يجب أن يكون العمال قادرين على الارتباط بمنتجات عملهم كتعبيرات ذات مغزى عن جوهرهم وإبداعهم الداخلي. ومع ذلك ، فإن العمل في ظل الرأسمالية هو تجربة إستلاب تغرب الأفراد عن عمليته. إدعى ماركس أن العمل المغترب يتحقق عندما "يكون العمل خارجًيا بالنسبة للعامل ، أي لا ينتمي إلى كيانه الجوهرى ... لذلك فهو لا يثبت نفسه وإنما ينفى نفسه ، ولا يشعر بالرضا بل بالتعاسة ، ولا يطور بحرية طاقتة الجسدية والعقلية لكنه يميت جسده ويدمر عقله. ( 35 ) تُبذل جهود كبيرة في ظل الرأسمالية ، لضمان توجيه الطاقة البشرية إلى العمل ، رغم أنها غالبًا ما تكون بائسة ومملة.( 36 ) بدلاً من تلبية الحاجة إلى التعبير عن الإبداع ، فإنه كثيرًا ما يقمعها من خلال الالتزام الرتيب والمرهق بالعمل المأجور (37).

هناك استياء واسع النطاق من العمل في بريطانيا. قدّر استطلاع حديث عن الموظفين أجري في أوائل عام 2018 أن 47 بالمائة سوف يفكرون في البحث عن وظيفة جديدة خلال العام المقبل. من بين الأسباب المطروحة ، كانت ندرة فرص التقدم الوظيفي بارزة ، إلى جانب عدم الاستمتاع بالعمل وشعور الموظفين بأنهم لا يحدثون فرقًا . ( 38 ) تبدأ هذه الأسباب في توضيح الاغتراب الراسخ من عملية العمل. والحال أن كثير من الناس يعاينون العمل بوصفه بلا معنى يذكر ويتيح فرصة ضئيلة لتحقيق الذات والتعبيرعنها.
إستنادا إلى هذا الدليل ، يمكن طرح ادعاء أنه في بريطانيا - كما هو الحال في العديد من الأمم الرأسمالية الاحتكارية - يشعر جزء كبير من القوى العاملة بالانفصال عن عملهم ولا يعتبرونه تجربة إبداعية. بالنسبة لفروم ، فإن تحقق الاحتياجات الإبداعية أمر ضروري للحفاظ على الصحة العقلية. بعد أن وهب البشر العقل والخيال ، لا يمكن للبشر أن يتواجدوا ككائنات سلبية ، وإنما يجب أن يتصرفوا كمبدعين .( 39 ) ومع ذلك ، من الواضح أن العمل في ظل الرأسمالية لا يحقق ذلك. تشير أدلة كثيرة إلى أن العمل بعيدًا عن كونه مفيدًا للصحة العقلية ، فهو في هذا الواقع ضار بها. على الرغم من أنه من المرجح أن تظل الأرقام الدقيقة غير معروفة بسبب عدم تعين مثل هذه الخبرات ، يمكن الاستدلال على أنه بالنسبة للعديد من أفراد القوى العاملة ، من الشائع أن يثير العمل التعاسة العامة وعدم الرضا واليأس . علاوة على ذلك ، فإن حالات الصحة العقلية الأكثر شدة ، مثل الإجهاد والاكتئاب والقلق ، تظهر بشكل متزايد نتيجة للاستياء من العمل. في الفترة من 2017 إلى 2018 ، مثلت هذه الظروف 44 في المائة من جميع حالات اعتلال الصحة المرتبطة بالعمل في بريطانيا ، و 57 في المائة من جميع أيام العمل المفقودة بسبب اعتلال الصحة.( 40 ) قدرت دراسة إضافية في عام 2017 أن 60 في المائة من الموظفين البريطانيين عانوا من ضعف الصحة العقلية التى سببها العمل في العام الماضي ، وكان الاكتئاب والقلق من أكثر المظاهر شيوعًا.( 41 )

فبدلاً من كونه مصدرًا للمتعة ، من الواضح أن طبيعة وتنظيم العمل في ظل الرأسمالية لا يوفر وسيلة مرضية لتحقيق إبداع الفرد. وكما جادل باران وسويزي ، " لا يمكن للعامل أن يشعر بالرضا فيما تنجزه جهوده." ( 42 ) بدلاً من ذلك ، يُسلب العمل الأفراد من جانب أساسي من طبيعتهم ، وبذلك ، يحفز ظهور حالات سلبية متباينة للصحة العقلية. من واقع أن ما يقرب من نصف القوى العاملة في بريطانيا قد عانت من مشاكل الصحة العقلية المتعلقة بالعمل ، ومن المرجح أن شعر الكثيرون بإحساس عام باليأس ، يوجد هناك ما أسماه فروم عيبً نمط اجتماعى (43 ). ليس من المبالغة الجدال بأن تدهور الصحة العقلية هو استجابة نموذجية للعمل المأجور في المجتمعات الرأسمالية الاحتكارية. أصبحت المشاعر السلبية شائعة ، وبدرجات متفاوتة ، يتم الاعتراف بها على أنها ردود فعل طبيعية على العمل. باستثناء اضطرابات الصحة العقلية الحادة ، فإن العديد من أشكال الإجهاد النفسي التي تتطور استجابة لذلك تعتبر أمرًا مفروغًا منه ولا تعتبر مشكلات مشروعة. على هذا النحو ، جعلوا تدهور الصحة العقلية أمرا طبيعيا.

الارتباط الهادف والوحدة

بالنسبة لفروم ، هناك صلة كامنة بين الصحة العقلية الإيجابية ، والعلاقات الشخصية الهادفة في شكل الحب والصداقة ، والتعبير عن التضامن. يدرك الأفراد "وحدتهم" في العالم تمامًا ، ويحاولون الهروب من سجن العزلة النفسي .( 44 ) ومع ذلك ، فإن إشتغال الرأسمالية يمنع في كثير من الأحيان االتحقق المشبع لهذه الحاجة. تعرف باران وسويزي على عدم ملائمة العلاقات الاجتماعية داخل المجتمعات الاحتكارية الرأسمالية. لقد جادلا بأن الرعونة قد خيمت على الكثير من التفاعلات الاجتماعية ، حيث أصبحت تتجسد في محادثات سطحية وتزييف السرور. أصبحت الالتزامات العاطفية المطلوبة للصداقة والجهود الفكرية اللازمة للمحادثة غائبة إلى حد كبير حيث يدور التفاعل الاجتماعي بشكل متزايد حول المعارف والأحاديث الصغيرة. (45) والرأسمالية الاحتكارية المعاصرة ليست استثناءً. في حين تكثر الصعوبات في قياس وجودها وطبيعتها ، يمكن القول إن أكثر أنواع العصاب انتشارًا التي ابتليت بها الرأسمالية الحالية هي الشعور بالوحدة. يُنظر إليها بشكل متزايد على أنها مصدر قلق رئيسي للصحة العامة ، وربما يتجلى ذلك رمزيا أكثر بعد تعيين الحكومة البريطانية لوزير مختص بالوحدة في عام 2018.

مثلها مثل العصاب ، فإن للوحدة عواقب منهكة. قد يلجأ الأفراد إلى تعاطي الكحول والمخدرات لتخدير بؤسهم ، في حين أن المعاناة المستمرة تزيد من ضغط الدم والإجهاد ، فضلاً عن التأثير السلبي على عمل القلب والأوعية الدموية والجهاز المناعي. ( 46 )إن حالة الصحة العقلية في حد ذاتها ، وتفاقم الوحدة تضيف لمشكلات الصحة العقلية وغالبًا ما تكون السبب الجذري للاكتئاب .( 47 ) في عام 2017 ، قدر أن 13٪ من الأفراد في بريطانيا ليس لديهم أصدقاء مقربين ، و 17٪ لديهم صداقات متوسطة إلى سيئة الجودة. علاوة على ذلك ، قال 45 في المائة إنهم شعروا بالوحدة مرة واحدة على الأقل في الأسبوعين الماضيين ، بينما شعر 18 في المائة بالوحدة في كثير من الأحيان. وعلى الرغم من أن علاقة وثيقة محبة تعمل كحاجز أمام الشعور بالوحدة ، إلا أن 47 في المائة من الأشخاص الذين يعيشون مع شريك لهم أفادوا بأنهم يشعرون بالوحدة على الأقل لبعض الوقت و 16 في المائة في كثير من الأحيان. عند تأمل الفرضيات العلمية السائدة للصحة العقلية ، نرى أنه قد بذلت جهود مؤخرًا لتحديد الأسباب الجينية للوحدة ، حيث يُقال إن الظروف البيئية تؤدي إلى تفاقم استعداد الفرد لها.( 49 ) على أى حال ، حتى أكثر التحليلات حتمية من الناحية البيولوجية تقر بأن الظروف الاجتماعية مهمة لتطورها. ومع ذلك ، فإن القليل من الدراسات تحاول أن توضح بجدية إلى أي مدى تعتبر الرأسمالية عاملاً مساهماً فى ذلك .

لطالما سادت الفردية كمبدأ أعلى يُبنى عليه المجتمع الرأسمالي المثالي. حيث تجرى المصادقة على الجهد الفردي والاعتماد على الذات والاستقلالية باعتبارها السمات المميزة للرأسمالية. كما هو مفهوم اليوم ، فإن فكرة الفرد ترجع أصولها إلى نمط الإنتاج الإقطاعي ، وتأكيدها الأكبر على أساليب العمل الجماعية - داخل الأسرة أو القرية مثلا - التي تخضع لإكراه الأفراد ، الذين يتعين أن يكونوا أحرارًا لبيع قوة عملهم في السوق. كانت الحياة تُدار قبل الرأسمالية ، بشكل أكبر كجزء من مجموعة اجتماعية أوسع ، بينما طور الانتقال إلى الرأسمالية وسمح بظهور الفرد المنعزل والخاص والأسرة النووية الخاصة بشكل متزايد .( 50 ) أكد فروم أن الترويج والاحتفال بـفضائل الفرد تعني أن أفراد المجتمع يشعرون بالوحدة في ظل الرأسمالية أكثر مما كانوا عليه في ظل أنماط الإنتاج السابقة. (51) ويتجلى تمجيد الرأسمالية للفرد بشكل أكبر من خلال معارضتها القوية للمُثُل الجماعية والتضامن ، وتفضيلها وحافزها للمنافسة. يقال إن الأفراد يجب أن يتنافسوا مع بعضهم البعض بصفة عامة لتعزيز تطورهم الشخصي. وبشكل أكثر تحديدًا ، تعد المنافسة ، اقتصاديًا ، أحد الأسس التي يعمل السوق على أساسها ، وتتوافق أيديولوجيًا مع الاعتقاد السائد بأنه ، لكي يكون المرء ناجحًا ، يجب أن يتنافس مع الآخرين على الموارد الشحيحة. ونتيجة المنافسة تؤدى إلى أنها تقسم الأفراد وتعزلهم. والحال أنه لا يُنظر إلى أعضاء المجتمع الآخرين على أنهم مصادر دعم ، بل يعتبرون عقبات أمام التقدم الشخصي. لذلك تضعف روابط الوحدة الاجتماعية إلى حد كبير. وبالتالي ، فإن الوحدة جزء لا يتجزأ من بنية أي مجتمع رأسمالي كنتيجة حتمية لنظامها القيمى .

لا تعتبر الوحدة جزءًا لا يتجزأ من الأيديولوجية الرأسمالية فحسب ، بل إنها تتفاقم أيضًا بسبب عمل الرأسمالية كنظام. كنتيجة للدافع الحتمي للرأسمالية للتوسع الذاتي ، فإن نمو الإنتاج هو أحد خصائصها الأساسية. بعد أن أصبحت فكرة بديهية ، نادرًا ما يتم تحدي فكرة التوسع في الإنتاج. بينماالتكلفة البشرية لهذا معيقة لأن العمل له الأسبقية على الاستثمار في العلاقات الاجتماعية. علاوة على ذلك ، تركت الإصلاحات النيوليبرالية للعديد من العمال وظائف غير مستقرة وقللت بشكل متلاحق الحماية والمزايا المضمونة وزادت ساعات العمل - وكلها لم تؤد إلا إلى تفاقم الشعور بالوحدة. زيادة إضفاء طابع بروليتارى على القوى العاملة ، مع وجود عدد متزايد من العمال في حالة من انعدام الأمن ومعاناة زيادة الاستغلال ، أصبحت مركزية العمل أكبر حيث يلوح التهديد بعدم الحصول على وظيفة ، أو عدم القدرة على تأمين مستوى معيشي لائق ، قدأصبح حقيقة واقعة بالنسبة للكثيرين في سوق عمل "مرن".(52 ) لم يعد أمام الأفراد خيار سوى تكريس مزيد من الوقت للعمل على حساب إقامة علاقات ذات مغزى.

يمكن توضيح الاهتمام المتزايد بالعمل فى علاقته بممارسات العمل. على الرغم من حقيقة أن متوسط طول أسبوع العمل قد ازداد في بريطانيا في أعقاب الأزمة المالية في 2007-2009 ، إلا أن الصورة الأوسع خلال العقدين الماضيين كانت رسمياً صورة تدهور. ومع ذلك ، شهد العمال بدوام جزئي زيادة في عدد ساعات عملهم ، إلى جانب زيادةعدد الوظائف بدوام جزئي. بالإضافة إلى ذلك ، كان هناك بين عامي 2010 و 2015 ، ارتفاع بنسبة 15 في المائة في عدد الأفراد بدوام كامل من القوى العاملة الذين يعملون أكثر من ثمان وأربعين ساعة في الأسبوع (الحد القانوني ؛ يجب الاتفاق على الساعات الإضافية من قبل صاحب العمل والموظف) .(53 ) علاوة على ذلك ، في عام 2016 ، أوضح استطلاع للموظفين أن 27 بالمائة عملوا لفترة أطول مما يرغبون ، مما أثر سلبًا على صحتهم الجسدية والعقلية ، وشعر 31 بالمائة أن عملهم يتداخل مع حياتهم الشخصية.( 54 )ومماله مغزى أن الوحدة ليست سمة من سمات الحياة خارج العمل فحسب ، لكنها خبرة شائعة أثناء العمل. في عام 2014 ، قدر أن 42 في المائة من الموظفين البريطانيين لا يعتبرون أي زميل في العمل صديقًا مقربًا ، وشعر الكثير منهم بالعزلة في مكان العمل.

تم وصف الانخراط الأكبر في الأنشطة الإنتاجية على حساب العلاقات الشخصية بـ "عبادة الانشغال" من قبل الأطباء النفسيين جاكلين أولدز وريتشارد شوارتز .)(55 ) وبينما يحددان هذا الاتجاه بدقة ، إلا أنهما مع ذلك يقيمانه كما لو أن اختيار العمال قد جرى بحرية لمثل هذه الحياة. هذا يتجاهل أي انتقادات جادة للرأسمالية وحقيقة أن عبادة الانشغال كانت إلى حد كبير نتيجة للحاجة المتأصلة للنظام الاقتصادي إلى التوسع الذاتي . علاوة على ذلك ، "يخفق أولدز وشوارتز في تناول الاتجاه باعتباره انعكاسًا للتنظيم الهيكلي لسوق العمل ، مما يجعل المزيد من العمل ضرورة أكثر منه اختيار. إن تجنب الشعور بالوحدة والبحث عن علاقات ذات مغزى هي رغبات إنسانية أساسية ، لكن الرأسمالية تقمع إشباعها المرضي ، وأيضا فرص تكوين روابط مشتركة من الحب والصداقة ، والعمل والعيش في تضامن. رداً على ذلك ، كما جادل باران وسويزي ، فإن الخوف من أن يكونوا وحدهم يدفع الناس إلى البحث عن بعض العلاقات الاجتماعية الأقل إرضاءً ، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى شعور أكبر بعدم الرضا.(56 )

المادية والبحث عن الهوية والإبداع

بالنسبة للرأسمالية الاحتكارية ، يعتبر الاستهلاك وسيلة حيوية لامتصاص الفائض . في عصر الرأسمالية التنافسية ، لم يستطع ماركس أن يتنبأ بكيفية تطور جهود المبيعات من الناحيتين الكمية والنوعية فى صيرورتها المهمة للنمو الاقتصادي كما تحقق بالفعل . ( 57 )وكذلك الإعلان ، وتمايز المنتجات ، وإنتهاء الصلاحية المخطط له ، وائتمان المستهلك ، كلها وسائل أساسية لتحفيز طلب المستهلك. في الوقت نفسه ، لا يوجد نقص في الأفراد الراغبين في الاستهلاك. إلى جانب قبول العمل ، حدد فروم الرغبة في الاستهلاك كخاصية متكاملة للحياة في ظل الرأسمالية ، بحجة أنها كانت مثالًا مهمًا للتوظيفات التي توجه إليها الطاقات البشرية لدعم الاقتصاد.( 58 )

مع تقدير قيمة السلع الاستهلاكية لمظهرها بدلاً من وظيفتها المقصودة ، انتقل الناس من استهلاك القيم الاستعمالية إلى القيم الرمزية. غالبًا ما يعتمد قرار الانخراط في الثقافة الشعبية وشراء نوع من السيارات أو علامة تجارية للملابس أو المعدات التكنولوجية ، من بين سلع أخرى ، على ما يفترض أن يشى به المنتج عن المستهلك. تشكل النزعة الاستهلاكية في كثير من الأحيان ، الطريقة الرئيسية التي يمكن للأفراد من خلالها بناء هوية شخصية. يستثمر الناس عاطفيًا في المعاني المرتبطة بالسلع الاستهلاكية ، على أمل أن تنتقل إليهم أيًا من الصفات غير الملموسة التي يُقال إنها تمتلكها. في ظل الرأسمالية الاحتكارية ، تدور النزعة الاستهلاكية حول استهلاك الأفكار وليس تلبية الاحتياجات البيولوجية والنفسية الأصيلة. أكد فروم أن "الاستهلاك يجب أن يكون فعلًا إنسانيًا ملموسًا تشارك فيه حواسنا واحتياجاتنا الجسدية وذوقنا الجمالي ...: فعل الاستهلاك يجب أن يكون… تجربة ذات مغزى. في ثقافتنا ، هناك القليل من ذلك. الاستهلاك هو في الأساس إرضاء الخيالات المستثارة صناعياً ". ( 59 )

الحاجة إلى الهوية والتحقق الإبداعي تشجع الشهية النهمة على الاستهلاك. ومع ذلك ، فإن كل عملية شراء تفشل بانتظام في الوفاء بوعدها. نادرًا ما يتحقق الإشباع حقًا من خلال الاستهلاك ، لأن ما يتم استهلاكه هو فكرة مصطنعة وليس منتجًا يضفي معنى على وجودنا. تصبح النزعة الاستهلاكية في هذه العملية ، شكلا واضحا من أشكال الاغتراب . بدلاً من استهلاك منتج مصمم لتلبية الاحتياجات الأصيلة ، تجسد السلع الاستهلاكية طبيعتها التركيبية من خلال معانيها ورموزها المصنعة ، التي صممت لتحفيز وإشباع الاستجابة والحاجة المخططة مسبقًا.( 60 )إن أى هوية قد يرغبها شخص أو يشعروا أنهم حازوها، من استهلاك منتج ، وكذلك أي شكل من أشكال الإبداع الذي تستثيره سلعة استهلاكية أو عنصر من عناصر الثقافة الشعبية ، هو شئ زائف.

بدلاً من بث الفرح ، ولّد ثراء الأمم الرأسماليةالاحتكارية استياءً عامًا واسع النطاق حيث يتم إيلاء قيمة عالية لتكديس الممتلكات . في حين أن النزعة الاستهلاكية كقيمة موجودة في جميع المجتمعات الرأسمالية ، في تلك المجتمعات التي بها قدر أكبر من عدم المساواة - تظهر بريطانيا تفاوتات فى الثروة أوسع من معظم المجتمعات - تساهم الرغبة في الاستهلاك والتملك بشكل كبير في ظهور العصاب ، لأن الجهود المبذولة للحفاظ على الوضع الاجتماعي ومحاكاة هؤلاء الذين على رأس المجتمع يصبح ضغطا هائلا. وقد ظهر تأثير ذلك داخل العائلات البريطانية في السنوات الأخيرة. في عام 2007 ، حددت اليونيسف بريطانيا بأنها تتمتع بأدنى مستوى من رفاهية الطفل من بين واحد وعشرين دولة من الدول الأكثر ثراءً بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. رداً على ذلك ، تم إجراء تحليل للعائلات البريطانية في عام 2011 ومقارنتها مع تلك الموجودة في إسبانيا والسويد ، الدول التي احتلت المرتبة الخمس الأولى من حيث رفاه الطفل .( 61 )

من بين الدول الثلاث ، كانت ثقافة الاستهلاك هي الأكبر في بريطانيا ، حيث كانت سائدة بين جميع العائلات بغض النظر عن الثراء. كان الآباء البريطانيون يعتبرون أكثر مادية من نظرائهم الأسبان والسويديون ويتصرفون وفقًا لذلك تجاه أطفالهم. لقد قاموا بشراء أحدث السلع الاستهلاكية ذات العلامات التجارية ، لأنهم اعتقدوا أنها ستعزز وضع أطفالهم إلى حد كبير بين أقرانهم. كانت هذه قيمة مشتركة بين الأطفال أنفسهم ، حيث قبل الكثيرون أن المكانة الاجتماعية كانت قائمة على ملكية السلع الاستهلاكية ذات العلامات التجارية ، والتي تشير الأدلة إلى أنها ساهمت في إثارة الجزع والقلق ، خاصة بالنسبة للأطفال من الأسر الفقيرة الذين أدركوا حرمانهم. بينما تم التعرف على الإكراه على شراء سلع جديدة باستمرار لأنفسهم وأطفالهم بين الآباء البريطانيين ، ومع ذلك فقد شعر الكثيرون أيضًا بالضغط النفسي الذى تسببه محاولة الحفاظ على نمط حياة مادي وخضعوا لمثل هذه الضغوط. حدد الأطفال احتياجات رفاهيتهم في جميع البلدان الثلاثة ، على أنها تتمثل فى قضاء وقت ممتع مع الوالدين والأصدقاء ، وإتاحة فرص لينغمسوا في إبداعهم ، لا سيما من خلال الأنشطة الخارجية. على الرغم من ذلك ، أظهر البحث أن الكثيرين في بريطانيا لم يكن لديهم إشباع لمثل هذه الاحتياجات. كافح الآباء لقضاء وقت كافٍ مع أطفالهم بسبب التزامات العمل وغالباً ما منعوهم من المشاركة في الأنشطة الخارجية بسبب مخاوف تتعلق بسلامتهم. بعد ذلك ، عوض الآباء عن ذلك بالسلع الاستهلاكية ، التي عجزت إلى حد كبير عن تلبية احتياجات أطفالهم. على هذا النحو ، تم قمع احتياجات الأطفال البريطانيين لتكوين علاقات هادفة والمشاركة فيها والتصرف بشكل خلاق ، وفشلت الجهود المبذولة لتلبية هذه الاحتياجات من خلال النزعة الاستهلاكية في تحقيق السعادة لهم.

المقاومة كصراع طبقي

مع أننا لاننكر وجود أسباب بيولوجية ، إلا أنه يجب الاعتراف بأن التنظيم الهيكلي للمجتمع له تداعيات خطيرة على صحة الناس العقلية. تشتغل الرأسمالية الاحتكارية بحيث تمنع الكثيرين من التنعم بالصحة العقلية. لذا، على الرغم من ذلك ، يستمر النموذج الطبي في الهيمنة ، معززا مفهوما فرديا للصحة العقلية ويخفي الآثار الضارة لنمط الإنتاج الحالي. هذا يضطهد مستخدمي خدمات الصحة العقلية بإخضاعهم لتقدير المهنيين الطبيين. يشجع النموذج الطبي أيضًا على تعليق وتقليص الحقوق المدنية للأفراد في حالة تعرضهم للإجهاد العقلى ، بما في ذلك إضفاء الشرعية على انتهاك عملهم التطوعي واستبعادهم من عملية صنع القرار. بالنسبة لأولئك الذين يعانون من الإجهاد العقلي ، غالبًا ما تتميز الحياة عندهم في ظل الرأسمالية بالقمع والتمييز.

وإدراكًا منهم لوضعهم كمضطهدين ، فإن مستخدمي خدمات الصحة العقلية والناجين منها يتحدون الآن الهيمنة الأيديولوجية للنموذج الطبي والتعتيم على التأثير النفسي للرأسمالية. علاوة على ذلك ، فهم يتكتلون بشكل متزايد ويطرحون كبديل الحاجة إلى قبول النموذج الاجتماعي المستوحى من الماركسية للصحة العقلية. يعرّف النموذج الاجتماعي للإعاقة الرأسمالية بوصفها مسببا أساسيا في وجود فئة المعاقين ، حيث تعرف الإعاقة بأنها عاهات تستبعد الأشخاص من سوق العمل . من خلال تبني منظور مادي واسع النطاق ، فإن النموذج الاجتماعي للصحة العقلية يعالج الحرمان المادي والقمع والإقصاء السياسي كأسباب مهمة للمرض النفسي.

في عام 2017 في بريطانيا ، رفض مستخدموا شبكةالناجين الوطنيين التي تعمل في مجال الصحة العقلية بشكل قاطع النموذج الطبي وغرسوا العدالة الاجتماعية في قلب حملتها، كجزء من دعوتها لمقاربة اجتماعية للصحة العقلية ، وتندد المجموعة صراحةً بالنيوليبرالية ، بحجة أن التقشف وتقليل الضمان الاجتماعي قد ساهما في زيادة شيوع الأفراد الذين يعانون من إعتلال الصحة العقلية فضلا عن تفاقم مشاكل الصحة العقلية القائمة بين السكان. وإذ يدركون أن عدم المساواة الاجتماعية يساهم في ظهور إعتلال الصحة العقلية ، يقترح مستخدموا شبكةالناجين الوطنية بأن التحدي الذي يمثله مستخدمو خدمات الصحة العقلية يجب أن يكون جزءًا من لائحة اتهام أوسع تشمل عدم المساواة العامة في المجتمع ، بحجة أن "تدابير التقشف ، ضارة" حيث تتسبب السياسات الاقتصادية والتمييز الاجتماعي والتفاوتات الهيكلية في إلحاق الضرر بالناس. نحن بحاجة إلى تحدي هذا كجزء من أجندة العدالة الاجتماعية الأوسع.( 62 ) علاوة على ذلك ، تضع مجموعة العمل من أجل الشفاء نفسهاكإمتداد ومعها حركة الصحة العقلية الأوسع داخل الصراع الطبقي ، عاملة من أجل نموذج اجتماعي يعترف بالرأسمالية كمحدد مهم لإعتلال الصحة العقلية . علاوة على ذلك ، تمثل الأقليات العرقية ، وحملة Kindred Minds بقوة الإدراك بأن الاضطراب العقلي ليس نتيجة للخصائص البيولوجية وإنما نتيجة للمشاكل الاجتماعية مثل العنصرية والتمييز على أساس الجنس وعدم المساواة الاقتصادية "التي تعتبر مرضًا عقليًا". ( 63 )بالنسبة ل Kindred Minds إن العامل المحفز لتدهور الصحة العقية هو الاضطهاد والتمييز ، حيث يتعين على الأقليات العرقية أن تعاني من مستويات أعلى من عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية والتحيز.

لا يمكن للرأسمالية أبدًا أن توفر الظروف الأكثر ملاءمة لتحقيق الصحة العقلية. يقمع الإضطهاد والاستغلال وعدم المساواة إلى حد كبير التحقق الفعلى لما يعنيه أن تكون إنسانًا. يجب أن تكون معارضة وحشية تأثير الرأسمالية على الصحة العقلية مركزية في الصراع الطبقي لأن النضال من أجل الاشتراكية ليس مجرد كفاح من أجل زيادة المساواة المادية ، ولكن أيضًا من أجل الإنسانية والمجتمع الذي تكون فيه جميع الاحتياجات الإنسانية ، بما في ذلك الاحتياجات النفسية مشبعة . يتأثر جميع أفراد المجتمع بالطبيعة اللاإنسانية للرأسمالية ، ولكن ، ببطء وحزم ، يقود المعركة بشكل واضح أكثر من يتعرض للقمع والاستغلال. يجب النظر إلى التحدي المطروح على أنه جزء من الصراع الطبقي الأوسع ، باعتباره جبهة من عدة جبهات في الكفاح من أجل العدالة الاجتماعية ، والمساواة الاقتصادية ، والكرامة ، والاحترام.

ديفيد ماتيو محاضر في علم الاجتماع والسياسة الاجتماعية في Coleg Llandrillo ، ويلز ، ومسؤول برنامج الحصول على درجتها في الرعاية الصحية والاجتماعية.

مصدر المقال :

• Capitalism and mental health,by David mattews, montyhly review .org. 1january, 2019 .