أزمة مصر في نظر السيسي.


احمد عبد الستار
2022 / 4 / 26 - 11:39     

في لقاء جمعَ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مع جمهرة من الاعلاميين والصحفيين في منطقة توشكى في مدينة أسوان عند تفقده موسم الحصاد لأهم مشاريعها الزراعية على مستوى الشرق الأوسط، قائلا" ..أسمعوا احب أن اقل لكم حاجة.." ويمضي متحدثاً عن صراحته وصدقه مع الشعب المصري، ومن ثم يدخل مباشرةً في حديثه عن أهم المشاكل والتحديات التي تواجه مصر قائلا" إنها الأزمة الاقتصادية الدامية" التي بدأت حسب ما يعتقد مع بدايات الثورة عام 2011، ويضيف إن" التحديات في مصر أكبر من أي حكومة، ونعمل على خطة نساهم فيها جميعا"، من أجل تذليل الصعوبات أمام تقدم مصر، ويُرجع أسباب الأزمة التي تضرب بمصر إلى إن" حجم النمو الاقتصادي في مصر لم يكافئ معدلات النمو السكاني، لذلك سعينا إلى تقليص الفجوة بين نمو الدولة والنمو السكاني. إذا لم نعمل على ضبط النمو السكاني فلن نشعر بأي تحسن اقتصادي"، ولكنه نطق بالحق دون قصد منه عندما قال" لكن (الأزمات) مش أكبر من الشعب المصري".

ومن البداية تحدث بحق أيضاً، عندما ذكر حقيقة بأن الأزمة الاقتصادية التي تخنق مصر، هي أكبر من أي حكومة أدارت مصر على مدى تاريخها المعاصر. لأن هذه الحكومات التي توالت على حكم مصر حكومات برجوازية تعمل لمصلحتها الطبقية، تعتمد منهج مخطط ومستورد من الخارج، بالتعاون المباشر مع قوى إمبريالية عظمى مثل أمريكا ودوائر المال العالمية مثل صندوق النقد الدولي ووصفته الجهنمية؛ في إلقاء تبعة الديون والبرامج الاقتصادية، على كاهل قوى جماهير الشعب المصري الكادح و(الغلبان). منذ عقود ومع كل دورة اقتصادية تبدأ في مصر، نجد نفس الدوامة والدائرة المفرغة تتكرر بانتظام، حيث تتقدم الحكومة المصرية بطلب إلى صندوق النقد الدولي بقرض مالي لتنفيذ مشاريع ما، يوافق الأخير على منحها القرض بعد موافقة الحكومة على تطبيق وصفته بترشيد أو الأصح تقليل الانفاق الحكومي العام على الخدمات الاجتماعية، والكف عن التوظيف الحكومي، ورفع الدعم عن السلع الأساسية وفي مقدمتها الخبز عند المصريين، ورفع اسعار الوقود...الخ، وهذه الإجراءات التي تجريها الحكومات المصرية عن طيب خاطر، وفي الوجه الآخر من هذه العملة سيتقلص انفاق الجماهير المصرية على ضرورات معيشتهم وتتسع مديات الفقر والعوز، وتزداد البطالة وخناق الدائرة الاقتصادية المفرغة ضيقاً على رقاب عمال ومزارعي مصر ومحروميها.

لأن البرجوازي ولاسيما إن كان دكتاتوراً تحكمه عقلية عسكرية مثل السيسي، لا يستطيع أن يبتعد تفكيره خطوة واحدة خارج حدود مصالح وأشباح رؤيا طبقته. المحدودية، أو الزعم بمحدودية العالم كما تراه الطبقة البرجوازية بأن الحلول لتجاوز الأزمات الاجتماعية وتخطيها، لا يتقرر إلا انطلاقاً من مشورتها، وبطبيعة الحال تعزيزاً لمصلحتها ووجودها، سائدة وحاكمة في المجتمع. فهذه الطبقة قد اعتادت وأدمنت على رؤيا الأشباح واقعاً وتسعى بكل جهودها لإقناع الآخرين بقبول بدائلها المتعسفة بكل وسائل الإقناع المتاحة لديها بما فيها الكذب والنفاق والإقصاء المميت...

هل تخيل السيسيس أو أي عقلية برجوازية أخرى، شكل نظام حكومي آخر غير ما يتراءى له؟؟ النظام الذي تكون قاعدته، تلبية متطلبات الجماهير العاملة وسائر بؤساء المجتمع المسحوق، وفق تخطيط تمليه الحاجة الجماهيرية لتطمين معيشتها وضمان كرامتها. وليست تلبية لحاجة طبقة حكمت على مدى عقود، بطريقة لا تسمح إلا للفساد أن يتناسل من داخل رحمها، وكما يقول الكاتب المصري الساخر (جلال عامر) " في مصر تاخذ من دم الشعب ثمن نفاق حكامه، وتستورد من امواله ادوات تعذيبه، ويدفع هو رواتب جلاديه". لقد اختصر هذا الناقد عذاب جماهير مصر وصراعها مع السلطة، بأسلوب بليغ ومؤثر.

مصر التي يخترقها أطول نهر بالعالم، جعل منها واديا أخضر على طول ضفافه وأهميته الاقتصادية هو والدلتا وكذلك البحر المتوسط، يزودانها بحاجتها الغذائية، ومن مختلف انواع الغلة الزراعية، وقاعدة صناعية متطورة وخبرات حرفية أصيلة، فضلاً عن سياحتها المعروفة، فهي غنية بكل هذا، وغير هذا. لولا الحكومات الفاسدة التي مهمتها الوحيدة وضع اليد على ثروات هذا البلد وتوزيعها بينهم وبين دفع تكاليف "ادوات التعذيب" لصندوق النقد الدولي وسواه. ومهما كان عدد السكان أو تكاثر، فإن فرية مالثوس القائلة" أن عدد السكان سيتجاوز قريباً قدرة الأرض على إمداد البشر بحاجياتهم الغذائية" والتي استعارها جاهزة السيسي، يبطلها واقع، كون نمو البشر وتطور أساليبهم الخلاقة بالسيطرة وتطوير موارد الارض تنمي وتزيد هذه الموارد أضعاف مضاعفة، وفقا لحاجاتهم العاقلة وعدم تبديد واستغلال الطاقات البشرية ومواردهم. إنها بديل نظام الاستغلال والفساد والقمع، حكومة الطبقة التي أوجعها النظام الذي جاء بالسيسي وغيره، منذ أول نقابة عمالية في مصر (لفافي السجائر) التي تأسست عام 1899، وإلى اليوم تبقى الطبقة العاملة المصرية سيدة المشهد كما في إضرابات غزل المحلة وكفر الدوار وغزل شبين والمنصورة والمطاحن والإسمنت وصناعة السيارات، والسكك الحديدية...، استطاعت بخبرتها النضالية الطويلة اسقاط وزارات وحكومات ولابد يوماً أن تقول كلمتها الختامية.