البلاشفة والإسلام - جيرى بيرن ( المقال كاملا )


سعيد العليمى
2022 / 4 / 23 - 18:08     

البلاشفة والاسلام بقلم جيرى بيرن - القسم الاول
ترجمة سعيد العليمى
( يبدأ هنا جيري بيرن فى تقصى العلاقة بين الحزب الروسي البلشفى الذى انجز الثورة الروسية عام 1917 والولايات الاسلامية الخاضعة التى ورثوها عن الامبراطورية القيصرية . وماالذى يمكن ان نتعلمه منها ، ان كان هناك شئ نتعلمه ، حول علاقة الاشتراكيين بالاسلام اليوم ؟ )

ينظر الى " اعادة كتابة التاريخ " بصفة عامة كاختصاص للستالينية ، تزييف الوثائق والسجلات التاريخية ، لتبرر بشكل استعادى انعطافة سياسية ، او ليبتعد المرء عن الاعداء السياسيين الحاليين . ولكن هناك طريقة اخرى اخبث يمكن بها اعادة كتابة التاريخ بالاقتباس الانتقائى والعجز عن تقديم سياق للوقائع المنتقاة .
اعلنت مجلة سوشياليست ريفيو فى ديسمبر – كانون الاول مايلى :
" البلاشفة والاسلام : الحقوق الدينية . مقالة خاصة كتبها داف كروش . يمكن للاشتراكيين ان يتعلموا من كيف تعامل البلاشفة مع مسلمى الامبراطورية الروسية . "
لايحتاج المرء لعبقرية مكيافيللى ليستنبط لم ظهرت المقالة فى هذا الوقت . عند بدء حزب ريسبكت واستهلاله فى نهاية يناير – كانون الثانى جلد حزب العمال الاشتراكى مناصريه حتى يهزموا بالتصويت سياسات قضوا حياتهم السياسية فى دعمها ، فى محاولة للاحتفاظ بتجمع يؤطر الجمعية الاسلامية فى بريطانيا ذات النهج المعتدل وجورج جالواى ، صديق مستبدى " العالم الثالث . كم يكون ملائما ان تكون قادرا على ان تجادل بالقول " كان يمكن للينين ان يفعل نفس الشئ " .
هناك امران بهذا الصدد . هل من الحقيقى ان لينين قد فعل نفس الشئ فى ظروف مشابهة ؟ وهل لأن لينين فعل ذلك يجعل منه امرا صائبا ؟ تتضمن المسألة الثانية مفهوما لعصمة بابوية فعلية لقادة الثورة الروسية ، لاتكاد تمثل موقفا ماديا ماركسيا .
لكن ماهى الحقائق ؟ فى اى شئ تجادل مجلة سوشياليست ريفيو ؟ وهل هذا صحيح ؟
تغطى المقالة : *موقف الماركسيين من الدين ( والمواقف المختلفة من الاسلام والمسيحية )*" الكولونيالية " البلشفية وتحركات لينين ضد " الكولونياليين السوفييت " *تمرد الباسمشى *الشريعة الاسلامية والمدارس الاسلامية *الاشتراكية الاسلامية *التحالف مع فرق الجامعة الاسلامية *مؤتمر باكو لشعوب الشرق ودعوته ل " الجهاد " ضد الامبريالية .*مؤتمر الكومنترن عام 1922 ، الذى صادق على التحالف مع حركات الجامعة الاسلامية ضد الامبريالية *" العصف " الستالينى ( القصف او العصف ) بالاسلام . التنوير بالقوة .
حقيقة : الماركسية والدين
الماركسية فلسفة مادية وعلى ذلك فهى ملحدة وتعادى الدين بوصفه لاعقلانية . ولكن ، كماديين، نحن ندرك ان الدين ينشأ من ظروف تاريخية عينية . وللدين طبيعة مزدوجة ، كمؤسسة طغيانية قوية ، واداة تنطق باسم المضطهدين ، وكرد على ذلك الاضطهاد والاغتراب ." زفرة المضطهد وروح عالم لاروح له " . بسبب هذا نحبذ الفصل التام بين الكنيسة والدولة .ولابد ان يكون الدين شأنا فرديا خالصا . يؤيد الماركسيون حرية المعتقد الدينى ، غيرانهم ضد ان تكون للمؤسسة الدينية اى سلطة ، قانونية او اقتصادية ، لفرض العقيدة . ولنفس السبب نحن مع التعليم العلمانى وضد التعليم الدينى .
يكتب داف كروش :
" الماركسية نظرة مادية للعالم ومن ثم فهى ملحدة للنهاية . لكنها تفهم الدين بوصفه ممتد الجذور فى الاضطهاد والاغتراب ، لاتطلب الاحزاب السياسية الماركسية من اعضاءها او مناصريها ان يكونوا ملحدين ايضا . "
صحيح ماقيل حتى الآن ، وتصويب معقول للموقف الستالينى الموصوف بأنه " التنوير بالقوة " ولكنه احادى الجانب . اين الاقرار بأن الدين هو اضطهاد مؤسسي ؟ فى تصوير الاسلام بأنه " زفرة المضطهد " بشكل خالص فإنه يخطئ فى تناسي دوره كمضطهد هو ذاته . ويصبح هذا امرا هاما فيما بعد عندما يتحدث كروش عن موقف البلاشفة من المدارس الدينية . ومن المستحيل الا نقرأ كلماته ، من منظور القرن الواحد والعشرين ، الا بوصفها دفاعا " بلشفيا " عن التعليم الدينى .
"الكولونيالية " البلشفية
جرت الثورة البلشفية فى سياق الحرب العظمى ، حيث جهدت الامبراطوريات الاوروبية الكبرى للسيطرة على اقتصاد العالم . لقد كانت تلك هى اعلى ذرى الامبريالية ، وكانت روسيا هى الدولة الاقل تطورا وسط الدول الكبرى ، والاشد هشاشة من الناحية السياسية . وقد امتدت امبراطوريتها لمناطق شاسعة ، نصف المعمورة ، وسكنتها ملايين من الشعوب الخاضعة ، لكن مركزها كان متهافتا ، بدائى من الناحية الاقتصادية والسياسية ، ولطالما كانت سيطرتها هشة . عكس الحزب البلشفى الذى قام بالثورة اصوله فى اقلية طبقية فى اكثر المراكز تطورا فى روسيا الراسمالية ( وفى الجيش ) . "ورثت" الدولة العمالية الجديدة امبراطورية . كان واحد من اولى مراسمها ، بعد ايام من استلام السلطة ، هو " اعلان حقوق الاقليات القومية " كفلت فيه حق تقرير المصير والحق فى الانفصال . كان هذا فى تضاد مشهود مع رغبة الحكومة المؤقتة فى أن تحتفظ بامبراطورية القيصر .
مثل كثير من مراسم السلطة السوفيتية الاولى ، فقد عكس النزوع الديموقراطى والتحريرى للثورة : الدولة البروليتارية ، فى تضاده مع كل اشكال الحكم الطبقى السابق ، وأبان عدم رغبتها بابقاء الشعوب اسرى دائمين للاضطهاد القومى والدينى .
وكان هناك الأثر النموذجي لهذا الموقف على الجماهير خارج روسيا . لقد اظهرت الطبقة العاملة الروسية السبيل ليس فقط للطبقات العاملة فى العالم الراسمالى ، ولكن ايضا للجماهير المضطهدة غير البروليتارية فى المستعمرات ، التى كانت فى حالة غليان ضد الامبرياليين . اذن ، كانت الاحوال اكثر اضطرابا فى اطراف الامبراطورية الروسية . حلت " الكولونيالية السوفيتية " فى مناطق عديدة محل الجهاز القيصرى . كانت لجنة السوفييت فى طشقند على سبيل المثال ، ذات ال97 % من السكان المسلمين ، تتكون من 100 % من الروس . اوضح كوليسوف ، رئيس مؤتمر طشقند للسوفييتات : " من المستحيل ادخال المسلمين الى الاجهزة العليا للحزب الشيوعى ، لانهم لايملكون اى تنظيم بروليتارى " وقد كان ذلك حقيقيا : كان عمال النسيج والنقل فى اغلبيتهم مستوردون من روسيا . وكان هناك تاريخا معاصرا ، فى عام 1916 ، للمذابح الدموية التى جرت على يد الجيش القيصرى فاتحا الطريق للمستعمرات الروسية فى آسيا الوسطى ، ضد السكان المسلمين الاصليين . كان ينظر الى علمنة التعليم ، اغلاق المحاكم الشرعية ، مصادرة اراضى الوقف ، بالقوة وفصل المسجد عن الدولة ، بوصفها امتدادا للكولونيالية الروسية . ووجدت لجان اسلامية بجوار السوفيتات ، وعقب شهور باتا فى حالة حرب مكشوفة . فى عام 1918 ، قصفت قوات تنتمى لسوفييت طشقند ودمرت مدينة توكاند عندما اعلن مجلس الشعب الاسلامى استقلال تركستان الذاتى . وفى قازان ، عاصمة تاتار الفولجا اعلن السوفييت الاحكام العرفية واعتقلوا قادة المجلس العسكرى الاسلامى ( شورى الحرب ) و انحازت كثير من القوى الاسلامية الى البيض ( القوى المناهضة للبلاشفة ). ولكن كان الوضع مضطربا ، وكثير من المحاربين غيروا انحيازاتهم خلال الحرب الاهلية . فى الشيشان على سبيل المثال ، تحالف المسلمون مع البلاشفة ( الامر الذى يعتبره القوميون الشيشان الحاليين " الخطأ الكبير ". )
تدخل لينين عند هذه النقطة . لقد عارض بعنف تسرب الشوفينية الروسية العظمى داخل الحزب الشيوعى . ورأى انه لايجب على الدولة السوفيتية ان تتطابق مع الامبريالية القيصرية . وجرى الاعتراف بحزب شيوعى اسلامى ، مستقل عن الحزب الشيوعى الروسي ، وكلية عسكرية اسلامية ، تحت قيادة التاتار ، والمير سيد سلطان جالييف ، ( سنذكره حالا ) وبقى كل ذلك لوقت قصير .كان نصف الفرق الحمراء التى تواجه البيض من انصار كولتشاك على الجبهة الشرقية من المسلمين .اعيدت اراضى الوقف للمساجد وسمح للمحاكم الشرعية بالعمل ، ضمن اطار القانون السوفيتى .
تمرد الباسمشى
لكن الضرر كان قد وقع . اعلنت ميليشيا ( عصابات ) " الباسمشى " الجهاد او الحرب المقدسة ضد البلشفية . وحيث انهم قد ارتكزوا اساسا على الطاجيك والاوزبيكيين ، فقد جذبو كلا من العناصر الاقطاعية – القبلية الاسلامية . والمدافعون البيض عن القيصرية . اصبحت آسيا الوسطى ، المقطوعة عن روسيا الاوروبية بوجود جيوش البيض ، مجالا لحرب اهلية دموية بين الدولة الاشتراكية و" جيش الاسلام " المتشكل ذاتيا . تلاحمت المجموعات القبلية اليائسة فى قوة موحدة مقاتلة بسبب قصور انور باشا ، احد قادة حركة تركيا الفتاة ، الذى ارسل اصلا لآسيا الوسطى كمبعوث من السلطة السوفيتية .
تناول مجلة سوشياليست ريفيو لهذه الموضوعات هو ايضا احادى الجانب .
" حاولت السياسة البلشفية ان تقدم تعويضات عن جرائم القيصرية فى المستعمرات السابقة . فهم قادة بلاشفة مثل لينين وتروتسكى ان هذا لم يكن فقط عدالة اساسية ، لكنه كان ضروريا لتنظيف الارض ولتمكين الانقسام الطبقى فى المجتمع الاسلامى من ان يتصدر المقدمة .
" لقد تحدث لينين عن الاهمية " التاريخية العظمى " لوضع الامور فى نصابها . وفى عام 1920 امر " بأن يرسل الى معسكرات الاعتقال فى روسيا كل العاملين السابقين فى الشرطة ، والجيش، وقوى الامن ، والادارة ، الخ الذين كانوا نتاجا للعهد القيصرى والذين تحلقوا حول السلطة السوفيتية ( فى آسيا الوسطى ) لأنهم رأوا فيها استدامة السيطرة الروسية " .
عكست السياسة السوفيتية الاحتياجات المتغيرة للدولة السوفيتية ، معزولة ، مفقرة ، مغزوة من قبل اكثر من اثنى عشر جيشا امبرياليا .احتاج ضحايا الامبريالية القيصرية المسلمين ان يروا مصيرهم مرتبطا بهؤلاء الذين مثلوا الدولة السوفيتية الجديدة . والى الحد الذى رأوا فيه اجراءات العلمنة كامتداد للامبريالية الروسية ، فقد كانوا سيدفعون الى مطابقتها مع مضطهديهم المحليين .، وسوف يحملون السلاح ضد " محرريهم " .
بمجرد ان ودع الامبرياليون ، الذين قادتهم بريطانيا ، القيصر ، وجهوا كل انتباههم لتدمير الدولة السوفيتية ، كمثل يضربونه لطبقاتهم العاملة فى بلدانهم ، اذا ماراودتهم اية افكار عن التمرد . وقد كانوا سعداء باستغلال الانتفاضة الاقطاعية ، القبلية الاسلامية لزعزعة استقرار عدوهم . لقد كانت طبعة اخرى من اللعبة العظمى ، حيث قاتلت القوى الامبريالية من اجل الصعود من خلال مخالبها الاستعمارية . كان على لينين فى هذا الوضع ان يجذب الجماهير المسلمة " الى جانبه " ، وحتى اذا عنى هذا تنازلات للمساجد ، فقد كان ثمنا لابد من دفعه ، مثله مثل الاتفاقية المذلة لصلح بريست – ليتوفسك ، حتى يصون الوجود الهش للدولة السوفيتية .
لست متأكدا مما اذا كان القول " ماذا لو " يفيد بعد ادراك متأخر . لقد اتخذ قادة الثورة الروسية قرارات عديدة كانت ضد توجه السياسات الاشتراكية بحرية – حظر الاحزاب السياسية ، قمع انتفاضة كرونشتادت ، لقد قاموا بذلك بوصفه تنازلات فرضها الواقع . لقد احتاجت الدولة السوفيتية ان تصمد حتى يهب عمال الغرب لمساعدتهم بثوراتهم . وهذا لم يحدث ، فقد كانت الثورة معزولة فى بلد واحد . هذا مانعرفه الآن .
اننى اعتبر دفاع لينين عن حقوق الاقليات القومية المسلمة ، الضحايا المضطهدين من الامبراطورية القيصرية ، ومعارضته للنزعة الشوفينية الروسية العظمى المقنعة ب " دكتاتورية بروليتارية " ، متسقة كلها تماما مع الرؤية الماركسية لحكم الطبقة العاملة بوصفه تحريرا لكل المضطهدين . ولكن تنازله للشريعة الاسلامية ، تحالفه مع القوى الاسلامية المعادية للامبريالية وتلفيق موضوع امكان " اشتراكية اسلامية " ، اراه بوصفه خضوعا لضرورات الواقع السياسي . لااريد ان اجعل من نفسي قاضيا ولكننى لن ارفع من ناحية اخرى الضرورات التاكتيكية للحرب الاهلية لمستوى اعتبرها فيه " افضل ممارسة " . على هذا الاساس ، فلابد لحزب العمال الاشتراكى ان يطالب بحظر النقابات .
ساتناول فى القسم التالى *الشريعة الاسلامية والمدارس الاسلامية *الاشتراكية الاسلامية *التحالف مع فرق الجامعة الاسلامية * مؤتمر باكو لشعوب الشرق والدعوة ل " الجهاد " ضد الامبريالية ، والحالة الغريبة لأنور باشا * 1922 المؤتمر الرابع للكومنترن والتحالف مع حركات الجامعة الاسلامية ضد الامبريالية * العصف " الستالينى ( القصف او العصف ) بالاسلام . التنوير بالقوة .


( يواصل هنا جيري بيرن تقصى العلاقة بين الحزب الروسي البلشفى الذى انجز الثورة الروسية عام 1917 والولايات الاسلامية الخاضعة التى ورثوها عن الامبراطورية القيصرية . وماالذى يمكن ان نتعلمه منها ، ان كان هناك شئ نتعلمه ، حول علاقة الاشتراكيين بالاسلام اليوم ؟ )
ان موضوعات مثل الشريعة الاسلامية ، والتعليم الدينى والحجاب هى موضوعات ذات صدى شديد حاليا ، لذا ان يتمكن الاشتراكيون من ان ينوهوا الى اجراءات الدولة العمالية الاولى حول هذه المسألة يمكن ان يكون حجة قوية فى تدعيم اى موقف كان . ولكن هنا وكما جادلت آنفا ، فإن السياق هو الاساس وكل شئ .
سوف اقتبس بشكل مطول من مقال مجلة سوشياليست ريفيو ، فتلك هى الطريقة الوحيدة لاظهار كيف يمكن لشئ حقيقى ان يكون مضللا :
" لقد انشئ نظاما قضائيا موازيا فى 1921 ، ومحاكم اسلامية تدير شؤون العدالة وفقا للشريعة الاسلامية . وكان الغرض من ذلك هو ان يتوفر للشعب الخيار بين العدالة الدينية والعدالة الثورية . اسست لجنة شريعة خاصة فى المفوضية السوفييتية للعدالة . وقد هزأت بعض المحاكم الشرعية بالقانون السوفييتى ، رافضة ان تمنح الطلاق بناء على طلب الزوجة ، او اعتبار شهادة امرأتين مساوية لشهادة رججل واحد . وعلى ذلك فقد صدر مرسوم فى ديسمبر – كانون الاول يتيح اعادة المحاكمة فى المحاكم السوفيتية اذا ماطلب ذلك احد المتقاضين . مع ذلك ، حوالى 30 الى 50 فى المائة من اجمالى القضايا قد نظرته المحاكم الشرعية ، وبلغ الرقم فى الشيشان 80 فى المائة .
كما تأسس نظام تعليم موازى ايضا . استعيدت فى عام 1922 ، حقوق بعض ملكيات الوقف ( الاسلامى ) وخولت للادارة الاسلامية ، مع اشتراط ان تستخدم فى التعليم . وعلى ذلك فقد كان نظام المدارس – المدارس الدينية – متوسعا . كانت هناك فى عام 1925 1500 مدرسة بها 45000 طالب فى القوقاز بدولة داغستان . بالمقارنة ب 183 مدرسة تابعة للدولة . وعلى الضد من ذلك ، حوالى نوفمبر 1921 ضمت مايزيد على 1000 مدرسة سوفيتية حوالى 85000 تلميذا فى آسيا الوسطى – وهو عدد متواضع بالقياس لطاقتها على استيعاب الملتحقين ."
وفى مواجهة ذلك اقول ، تبدو هذه بالنسبة لى مزاعم مثيرة للدهشة . دعم البلاشفة المدارس الدينية اوتسامحوا مع نظام قضائى موازى مؤسس على الشريعة الاسلامية . اسسوا نظاما موازيا للتعليم الدينى ، وتعليم دينى بوصفه مناقضا لتعليم الدولة ، ازدهر فى ظل الحكم البلشفى ... ماذا يجرى بحق السماء ؟
قبل ذلك ، مما يستحق التفسير تبيان لم اميل الى طرح افتراض عكسي ، وهو ان البلاشفة عارضوا الشريعة الاسلامية والمدارس الدينية .
ماهى الشريعة الاسلامية ؟
توصف بمفهوم واسع بانها القانون الاسلامى ، كما لو ان هذه القواعد والمؤسسات قد وصفت فى القرآن . وفى الواقع ، فإن الشريعة هى التفسير المحلى التاريخى للقرآن مترجمة الى نظام قانونى . او القانون العرفى الاسلامى ان شئت . لذا يعارض كثير من المسلمين الاتقياء الشريعة وهم مع فصل الدين عن الدولة . ومن الصحيح ان بعض الباحثين الاسلاميين يشيرون الى ان القرآن يمنح قدرا اكبر من المساواة للنساء لاتمنحه الشريعة . لقد كانت هناك حركات اصلاحية داخل الاسلام عارضت الحجاب والشريعة ( المقصود اصلاحية دينية – المترجم ) . وقد كانت هذه بالفعل هى الاتجاهات التى كان يمكن لها ان تتحالف مع الشيوعيين وان تفرز الاتجاه المسمى الشيوعية الاسلامية .
تمثل الشريعة ، وهناك تفسيرات مختلفة لها حتى داخل البلدان الاسلامية ، درجة معينة من مستوى التطور الاجتماعى التاريخى . يميل الناس الآن تحت تأثير نفوذ النسبية الثقافية ، الى القلق بشأن تسمية مجتمعات معينة ومؤسساتها " متخلفة " ، كما لو كان القول بأن الشريعة تمثل مستوى اكثر بدائية من التطور هو نفس الشئ مثل القول بأن المسلمون متخلفون ، بدائيون او متأخرون . فى الحقيقة فإن كل ماقيل هو ان المجتمع والقوى المنتجة ، تتحرك الى الامام ، خالقة ، تعقيدا متزايدا ، وان هذه المؤسسات تعكس مرحلة سابقة من السيرورة . الشريعة إقطاعية بصفة جوهرية وتعكس علاقات الانتاج الاقطاعية .
الفكرة الاقطاعية عن المرأة
ان اشد الاختلافات وضوحا بين علاقات الشريعة الاقطاعية والعلاقات الراسمالية ، اذا تغاضينا عن الاشتراكية كمستوى اعلى ، يتجلى فى معاملة النساء . وفى كل من امبراطورية الشرق الاسلامية وفى روسيا المسيحية ، حدد الاقطاع المرأة كشئ اقل من الرجل ، وبوصفها ملكيته ، كما يشهد على ذلك المثل الروسي : " لقد ظننت اننى رأيت اثنين يأتيان . لكنه كان رجلا فقط تصحبه زوجته " .
ليست الراسمالية فى حاجة لمثل هذه التمييزات . قانون الربح شخصى : وسوف يستغل اى احد بشكل متساو . وبهذا المعنى فإن الراسمالية تقدمية : فهى تزيد المساواة بين البشر وتخلق الاساس لتحقيق المساواة التامة . لقد جذبت الراسمالية فى روسيا النساء ايضا مثل الرجال الى المدن للعمل فى المصانع . وخلقت اوضاع الحياة الاساس لمطلب مساواة النساء ، وقد كان البلاشفة فى المقدمة بصدد تنظيم النساء العاملات . كانت النساء العاملات هن من اشعلن فى يوم المرأة العالمى 1917 شرارة ثورة فبراير ( وفقا لتقويمهم ) التى انتهت بسقوط القيصر .
وعلى ذلك سيكون امرا غريبا بالفعل ان يتغاضى البلاشفة عن نظام قانونى مؤسس على علاقات اكثر رجعية حتى من النظام الذى اطاحوا به .
وقد شن البلاشفة حملة بالفعل بصفة خاصة بصدد عدم مساواة النساء " المساواة التامة فى الحقوق بين الرجال والنساء " كانت جزءا من برنامجهم منذ 1899 ، بناء على اصرار لينين . وكان واحدا من الموضوعات التى قاموا بحملة ضدها بحمية شديدة هو مهر العروس ( كاليم ) الذى مثل بوضوح وضع النساء كسلعة ، وكذلك زواج الاطفال ، والزواج بالخطف والاغتصاب ، بسبب فقر عائلة الرجل المدقع وعجزها عن دفع ثمن العروس .
" شنت الحكومة السوفيتية حملة لتبنى سلطة النظام القانونى السوفييتى والمحاكم المدنية كبديل لمحاكم القاضى المسلم التقليدى والتقنينات الشرعية . رغم انه سمح لمحاكم القضاة ان تعمل ، قيدت سلطاتها وبهذه الطريقة منعوا من نظر القضايا السياسية او اية قضايا لم يتفق فيها طرفى النزاع على التحاكم الى القاضى بدلا من نظام القضاء السوفييتى الموازى . وبقدر ماجرى قبول المحاكم السوفيتية اكثر ، استبعدت القضايا الجنائية من اختصاص القاضى . ولاحقا ، دعت الحكومة الاطراف التى لم ترض عن الحكم لإستئناف حكم القاضى امام المحاكم السوفيتية . كسب السوفييت بهذه الطريقة سمعة انهم انصار المضطهدين ، بينما بان القضاة بوصفهم من المدافعين عن الوضع القائم . واخيرا منع القضاة من انفاذ اى حكم شرعى يناقض القانون السوفييتى . مندوبان سوفييتيان ، منهم عضو فى ال ( جينوتديل ) وهى ادارة النساء العاملات والفلاحات ، عينا لمتابعة اجراءات القضاة والمصادقة على قراراتهم . واخيرا حين صودرت املاك الوقف التى كانت تعول القضاة واعيد توزيعها على الفلاحين ، اختفى القضاة تماما "
وهكذا بينما كانت الواقعة المجردة بشأن وجود نظام قانونى موازى حقيقية كما تصف الامر مجلة سوشياليست ريفيو ، فإن المعنى هو الضد المطلق للمعنى المرسل الينا . كان النظامان المتوازيان وسيلة تقويض واستبدال الشريعة ، وقد كان للقانون السوفييتى دوما القول الفصل .
لم يكن مجرد رد فعل مضاد على " الكولونيالية السوفيتية " وانما عكس ايضا الوقائع المادية للدولة السوفيتية .
لقد تركت الحرب الاهلية الاقتصاد السوفيتى مدمرا . تدنى الانتاج الى اقل من نصف مما كان عليه قبل الحرب فى ظل النظام القيصرى . وحتى لوكان هناك توزيع متساو للسلع ، بينما هناك انتاج اقل من الناحية الجوهرية ، فسوف تكون غالبية الشعب فى وضع اسوأ . اضف الى ذلك ، كان هناك انهيارا اجتماعيا ضخما . كان اشد العمال وعيا الذين صنعوا الثورة هم من يتطوعوا لذا ابيدوا بالتناسب مع ذلك . هام اليتامى واطفال الشوارع المتروكين على وجوههم . لم تكن المجاعة بعيدة ابدا .
كان هذا هو سياق النيب ( السياسة الاقتصادية الجديدة ) التى ارخت عسكرة الاقتصاد وخلقت الحوافز ، وترتب على ذلك اعادة ادخال عناصر رأسمالية مسيطر عليها فى الاقتصاد . سحقت الثورات المتوقعة فى الغرب ، فى المانيا ، والمجر الخ . وكانت روسيا معزولة وتموت جوعا . جادل لينين بأن هذه سياسة لسد الفجوة ، لوضع الخبز فى فم الجوعى والبدء فى بناء الاساس المادى للاشتراكية .
عنت هذه الملائمة فى الشرق الاسلامى ، الاقرار بأنه مهما كان الامر الذى ترغب الدولة السوفيتية فى ان تفعله بشكل نموذجى ، فانها لايمكن ان تتخلص كليا من المؤسسات التى قامت بوظائف اجتماعية ضرورية بدون ان يتوفر لها المال الكافى والضرورى للحلول محلها .
" على اى حال ، كانت الجهود التى تبذل لضمان الحرية الدينية والحقوق القومية تقوض دوما بسبب ضعف الاقتصاد . عنت عزلة الثورة الروسية ان الفقر اليائس سحب النظام الى اسفل . وبالفعل ففى موسكو عام 1922 تحتم ايقاف الاعانة المالية الحكومية لآسيا الوسطى واغلق الكثير من مدارس الدولة . وهجر المدرسون وظائفهم بسبب الاخفاق فى دفع الاجور . وعنى هذا ان المدارس الاسلامية هى البديل الوحيد المتاح . قال لوناتشارسكى مفوض الشعب للتعليم " حين لاتستطيع ان تقدم الخبز ، فانك لاتجرؤ على ان تنتزع البديل " .
اوقف كل تمويل للمحاكم الشرعية فى اواخر 1923 حتى بدايات 1924 . ولكن العوامل الاقتصادية اعاقت المسلمين عن الذهاب بشكاواهم الى المحكمة . اذا رفضت شابة زواجا معدا او زواجا متعددا ، على سبيل المثال ، فقد كانت امامها فرصة ضئيلة فى ان تطعم نفسها لانه لم تكن هناك وظائف ومامن مكان آخر يمكن العيش فيه " .
لقد مثلت الشريعة العلاقات الاقطاعية ولكن هذه العلاقات عبرت عن واقع اقتصادى حقيقى . لم يكن المهر ( كاليم ) احدى المؤامرات الشريرة ضد النساء ، ولكن كانت مؤسسة مركزية بالنسبة لتنظيم الانتاج . مرتبطة تكامليا بحقوق الارض والمياه . دفع المهر ( كاليم ) غالبا مايكون من كل القبيلة وعلى فترة طويلة من الزمن ، وهو يربط هؤلاء الذين انخرطوا فى نظام متطور للديون .، بالواجبات والولاءات التى ادت فى النهاية الى الاشتراك فى جيش خاص للبكوات المحليين ( ملاك الارض وتجار الجملة ) . وكانت كل الارتباطات تظاهرها العداوات والثأر للدم . اخفى الفلاحون الفقراء الذين كان يتوقع ان يجنوا مساواة فى الثروة ، ملكية اقاربهم الاغنياء الذين هددتهم المصادرة . وفرض الثأر للدم قسم الصمت .
حاولت السلطات السوفييتية من اجل تحييد المزايا الاجتماعية التى وفرتها العلاقات الاقطاعية ، ان تكسب دعما لسياسة المساواة بربطها بمزايا مادية حقيقية للمرأة .
فى المؤتمر الثالث عشر للحزب فى عام 1924 ، شن هجوم فى آسيا الوسطى كان مخططا ان يدخل النساء دائرة الانتاج والحياة السياسية . خصصت الاموال من الميزانية المركزية والمحلية لمندوبى الجمعيات النسائية وللاتحادات التى تكافح المهور وتعدد الزوجات . ووضعت الخطط ايضا من تعاونيات المنتجين والمستهلكين لانشاء حلقات ادبية وصحية ومستوصفات طبية .
دمرت الستالينية ماهو متضمن تقدميا فى هذه الحركات ، كما سأبين لاحقا ، ولكن كان هناك التزام واضح من جانب الحكومة السوفييتية بالقضاء على هذه العلاقات الاقطاعية التى ناخت بكلكلها على النساء بفظاعة .
وهكذا فمن الصحيح ان البلاشفة تسامحوا مع وجود المحاكم الشرعية لفترة وان التعليم الدينى توسع على حساب تعليم الدولة العلمانى . ولكن ان نستخلص من ذلك درسا اليوم بأن على الاشتراكيين ان يتساهلوا مع المظاهر الرجعية للاسلام ( او اى دين آخر ) او ان يدعموا التعليم الدينى حتى يحصلوا على مساندة المسلمين يناقض كليا روح الحرية والمساواة التى ناضل من اجلها لينين . هناك فارق بين ادراك عقبات الواقع المادى الحقيقى فى منع الدولة الاشتراكية من التصرف كما ترغب على نحو نموذجى ، وتبنى او التكيف مع السياسات الرجعية التى عارضتها هذه الدولة كليا .

البلاشفة والاسلام - الشيوعية الاسلامية بقلم جيرى بيرن - القسم الثالث
( يواصل هنا جيري بيرن تقصى العلاقة بين الحزب الروسي البلشفى الذى انجز الثورة الروسية عام 1917 والولايات الاسلامية الخاضعة التى ورثوها عن الامبراطورية القيصرية . وماالذى يمكن ان نتعلمه منها ، ان كان هناك شئ نتعلمه ، حول علاقة الاشتراكيين بالاسلام اليوم ؟ )
" كل شعوب الشرق المستعمرة هى شعوب بروليتارية مثلها فى ذلك مثل كل طبقات المجتمع الاسلامى فهى غالبا مضطهدة من قبل الكولونياليين ، ولكل الطبقات الحق فى ان تسمى " بروليتارية " ... وعلى ذلك فمن الشرعى ان نقول ان حركة التحرر القومى فى البلدان الاسلامية لها طابع الثورة الاشتراكية . "
يمكن ان يصفح عنك لظنك ان هذا تعين جلى لسياسة "ماركسيى " الوقت الراهن فى التحالف مع حركات الاسلامويين " المناهضة للامبريالية " . وبالفعل اذا كانت " حركة التحرر القومى فى البلدان الاسلامية لها طابع الثورة الاشتراكية . " فسوف يكون موقفا حلقيا ان ننعزل عنها ونصر على سياسات اشتراكية منفصلة للطبقة العاملة .
صدر هذا المقتطف فى الواقع عام 1918 ، عن المير سيد ( ميرزا ) سلطان جالييف ، الذى وضعه ستالين تحت رعايته فى مفوضية القوميات ( ناركومنتس ) ، وقد كتبه فى مجلة " حياة القوميات " . اصبح سلطان جالييف ، وفقا لكامينييف ، " اول ضحية للتطهير الستالينى " عام 1923 ، حينما قبض عليه بسبب تشكيله منظمة قومية غير شرعية . ولكن فى هذا الوقت ، كان مقبولا ، حتى عين رئيسا للكلية العسكرية الاسلامية ، ولم تكن نظرته وهو امر يقبل الجدل اكثر من امتداد للسياسة البلشفية فى علاقتها بالقومية الاسلامية .
فى المؤتمر الثانى للمنظمات الشيوعية الاسلامية فى عموم روسيا ( فى عام 1919 ) صرح لينين بأن : " لن تكون الثورة الاشتراكية نضالا للبروليتاريا الثورية فى كل قطر ضد بورجوازيتها فقط او بصفة اساسية – لا ، سوف يكون نضالا لكل المستعمرات والبلدان التى تضطهدها الامبريالية ، وكل البلدان التابعة ، ضد الامبريالية العالمية . "
شارك سلطان جالييف فى تراث الاشتراكية الاسلامية . فقد ظهرت منذ السنوات الاولى للقرن العشرين حركة اصلاحية علمانية عرفت تحت اسم " جديد " . وكانت هناك داخل الانتلجنسيا الاسلامية مجموعة اصغر من الاشتراكيين المسلمين الذين رأوا كما اوضح هذا حنفى مظفر من تاتار الفولجا ، " سوف يتحد الشعب المسلم مع الشيوعية : فالاسلام يرفض النزعة القومية الضيقة مثل الشيوعية . "
لكن لصالح اى شئ يرفض النزعة القومية الضيقة ؟
" الاسلام عالمى ويعترف فقط بأخوة ووحدة كل الامم تحت راية الاسلام . "
هنا يكمن صلب المسألة . يمكن ان نعقل الشيوعية الاسلامية كاختزال لتحالف تكتيكى او كوصف اثنى – دينى ، ويكون لديك شيوعيون مسلمون تماما كما يمكن ان يكون لديك شيوعيون اسكتلنديون ، ولكن كايديولوجيا ، نظرة للعالم ، فهم منهجى للعالم ، تبدو كشئ متناقض ذاتيا ( متناقض مثل الصهيونية الاشتراكية – ولايعنى ذلك ان مثل هؤلاء لايمكن ان يوجدوا ، وانما انهم مشوشون بشأن مصطلح او آخر . )
تعرض " الشيوعية الاسلامية " مشاكل على كل من المستويين التحليلى والعملى . واظن ان طبعة محرفة من هذا التحليل هى التى تظاهر الممارسة الجارية لكثير من فرق اليسار " المناهض للامبريالية " ( ولا يقتصرهذا فقط على حزب العمال الاشتراكى – وانما هناك الفوضويون ، الماويون الستالينيون الجدد ، الكاسترويون والريديكاليون المناهضون للرأسمالية يشاطرونهم تحليلا مشابها . )
صرح ماركس فى البيان الشيوعى ان تاريخ المجتمعات الموجودة حتى الآن هو تاريخ الصراع الطبقى ، وان الانقسام الاساسي فى المجتمع هو الانقسام الطبقى ، تحدده علاقاتهم بوسائل الانتاج . وهذا ، اذا مااردت ، هو الاساس العميق للتحليل الماركسي . يمكنك ان تنازع مع طريقة معينة صاغ بها ماركس الاشياء ، او ان تجد بالفعل انه كان مخطئا فى بعض الوقائع الامبيريقية . ولكن لايمكن ان تسمى نفسك ماركسيا وتنكر التحليل الطبقى للمجتمع .
والآن الاسلام هو ايديولوجية ، اكثر منه ممارسة شخصية فردية ، تعين الانقسام الجوهرى حسب خطوط مختلفة كلية ، بين المؤمنين والكفار ( ليس هذا امرا مميزا للاسلام ) . فكما اوضح حنفى مظفر بجلاء فإن اممية الاسلام مؤسسة على الامة ، اى اخوة كل المسلمين . وهى ليست نفس الشئ مثل الشيوعية الاممية البروليتارية ، التى تربط بين الوضع العام للجماهير المضطهدة بهدف مشترك : الاشتراكية ، والقضاء على الطبقات .
والآن يمكن ان يكون من الصحيح تاريخيا ان " كل شعوب الشرق المستعمرة هى شعوب بروليتارية مثلها فى ذلك مثل كل طبقات المجتمع الاسلامى فهى غالبا مضطهدة من قبل الكولونياليين" ( يمكن ان اجادل فى ذلك ، ولكن حتى اذا كان هذا حقيقيا ، فما زال لجدالى اساس ) . ولكن هذه واقعة تاريخية عارضة ، اكثر منها شيئا جوهريا فى طبيعة المجتمع الاسلامى . فيمكن ان يكون الامر بخلاف ذلك . وبالفعل فقد كانت هناك مجتمعات اسلامية ( قبل زمن لينين ) استعبدت واضطهدت شعوبا اخرى . ومن المؤكد ، فى الوقت الحاضر ، انه سيكون من الصعب ان نجادل بأن الطبقة الحاكمة السعودية او ان رجال الدين الفاشيست الايرانيين " لهم الحق فى ان يسموا بروليتاريين . "
تأسيس تحليل على وقائع عارضة ، يمكن ان تتغير ، وبحكم طبيعتها سيكون من المتوقع ان تتغير ، نتاجه سياسات غير مستقرة . وهذا هو ماحدث تحديدا .
تعرف الشيوعية الاسلامية كل المسلمين بوصفهم بروليتاريين ، لكن ماذا يحدث حين يتبين بوضوح انهم ليسوا كذلك ، حينما يبدأون فى التعبير عن مصالحهم الطبقية غير البروليتارية ،اى حين يريدون ان يضطهدوا مسلمين وعمال آخرين ؟ فى اى جانب ستكون ؟ هل ستناصر الاخوة الاسلامية ام ستعزز التضامن الطبقى ؟ هذا تحديدا هو الموضوع الذى طرحته الحرب الاهلية . كانت كل طبقات المجتمع الاسلامى مضطهدة فى امبراطورية روسيا الشرقية ، ولكن بالنسبة للبعض ، الذى قبل البرنامج الشيوعى ، ادى هذا الى النضال من اجل القضاء على الحكم الطبقى وبالنسبة للبعض الآخر ، ادى به للرغبة فى ان يكون الطبقة الحاكمة الجديدة ، الآن بعد ان اطيح بمضطهديهم الكولونياليون .
لقد قلت آنفا انه من المغرى ، بعد ان توفرت لنا ميزة الادراك المتأخر - ولكنه من غير المفيد - ان ننوه لاخطاء القادة البلاشفة . لقد ارسوا سياسة هشة فى ظروف غير مواتية بالمرة . ولكن حول هذا الموضوع ، اى علاقة الثورة الاشتراكية بالتحرر القومى ، اشعر بانهم قد تركوا تراثا ملتبسا .
يقبل الماركسيون الثوريون الآن الموضوعات حول المسألة القومية والاستعمارية ، التى صاغها لينين وتبناها المؤتمر الثانى للاممية الشيوعية بوصفها المعالجة المقررة لهذه المسألة . ولكن كانت هذه موضوعا لمساومات كثيرة ، وتمثل توازنا معينا لمصالح الدولة السوفيتية فى تمفصلها مع البرنامج الشيوعى .
يورد إدوارد هالت كار فى كتابه " الثورة البلشفية " كيف جرى تبنى هذه الموضوعات . لقد كانت هناك مجموعتان من الموضوعات طرحتا ، واحدة من قبل لينين ، والاخرى من الشيوعى الهندى م . ن . روى . وقد نوقشتا فى لجنة الصياغة ، وكما هو حال اللجان ، عتم ماتمخض عنها خطوط التمييز الدقيقة . لم تطرح مناقشات اللجنة كاملة ، وعانت اجراءات الكومنترن من بعض اخطاء الترجمة ، وفيما بعد من تزييفات ستالينية متعمدة ، لذا من الصعب التوصل لصورة واضحة – ولكننا نقتبس الان موضوعات الكومنترن كما لو كانت كتابة مقدسة . ويبدو ان هناك ثلاث مجالات للاختلاف بين المجموعتين بموضوعاتهما .
لقد تحدثت صياغة لينين الاصلية عن دعم الشيوعيين فى البلدان المستعمرة ل " حركات التحرر القومى البورجوازية الديموقراطية " ولكن مع الاستدراك الواضح " يجب ان تسير الاممية الشيوعية فى تحالف مرحلى مع الديموقراطية البورجوازية فى المستعمرات والبلدان المتخلفة ، ولكن لاينبغى الاندماج فيها ويتعين الحفاظ بشكل مطلق على استقلالية الحركة الشيوعية حتى فى اشد اشكالها جنينية " . اقام روى على الضد من ذلك تمييزا بين الحركات الديموقراطية البورجوازية الساعية للتحرر القومى و " نضال الفلاحين المعدمين ضد كل شكل من اشكال الاستغلال " الذى استلزم "خلق منظمات شيوعية للعمال والفلاحين " .
لقد عدلت موضوعات لينين بحيث تستبدل " الديموقراطية البورجوازية " ب " حركات التحرر القومى " الثورية " . والان يبدو على العبارة مظهر التشدد ، لكنها فى الواقع تجعلها اشد التباسا .
تعين صياغة لينين الاصلية تحالفا تاكتيكيا مع قوى طبقية غريبة تتشارك فى هدف عام مؤقت . تستورد الطبعة المعدلة التناقض الطبقى داخل الحزب الشيوعى ، وتثلم من ثم حدة اصرار لينين على الاستقلال الطبقى للشيوعيين . وروى واضح فى تقرير ان " الثورة فى البلدان المستعمرة لن تكون فى البداية ثورة شيوعية " . سوف يطور ستالين هذه النظرة فيما بعد ، ثم ماو ، بوصفها نظرية الثورة الكولونيالية على مرحلتين .
لقد اقر لينين بالامكان الذى طوره تروتسكى فى نظرية " الثورة الدائمة " ، ومفاده انه لم يكن ضروريا للبلدان المتخلفة ان تمر بشكل حتمى ب " المرحلة الراسمالية للتطور الاقتصادى " ويمكن ان تتجاوزها اذا ماساعدتها البروليتاريا الثورية المنتصرة " ان تنتقل للنظام السوفييتى ، ومن ثم عبر مراحل محددة من التطور نحو الشيوعية ، وتفادى مرحلة التطور الراسمالى " .
هذا الالتباس بصدد مصطلح " الثورية "كان له اثر كارثى على السياسات المعاصرة . يدعم الماركسيون حركات التحرر القومى "الثورية " ( اى ، الديموقراطية البورجوازية ) لأنها ديموقراطية ،فهى ضد اضطهاد الشعب ، والظلم الصارخ ، ولكن هذه الحركات ليست " ثورية "بمعنى شيوعى ، فهم لايشاركوننا فى هدفنا النهائى ، وعلى ذلك فلاينبغى ان نخضع سياساتنا لسياساتهم . كثير من الماركسيين المعاصرين يعكسون العلاقة ويساوون التحرر القومى بالاشتراكية ثم يخضعون بعدئذ السياسات الاشتراكية للقومية البورجوازية ، وان تكن قومية بورجوازية " مضطهدة " .
من المفيد ان نضيف ان الاختلاف الآخر بين المجموعتين من الموضوعات ، التى اسفرت عن التعديلات التى ادخلت على مسودة لينين ، هوزيادة تأثير الزخم الراديكالى ، مضيفة اصرارا على " النضال ضد الاثر الرجعى والقروسطى لرجال الدين ، والارساليات المسيحية وماشابهها من عناصر " و " النضال ضد الجامعةالاسلامية وحركة الجامعة الآسيوية وماماثلهما من اتجاهات " . كل هذا لم تذكره مقالة مجلة سوشياليست ريفيو ، التى تسرد بحمية التحالفات التاكتيكية مع قوى الجامعة الاسلامية فى الحرب الاهلية .
يبدو ان هذه التعديلات قد تمت تحت الحاح المندوب التركى " الذى لم يرغب فى ان تنحل الثورة القومية التركية ضد الامبريالية الغربية الى تعاطف عام مع حركات الجامعة الاسلامية ، بالشكل الذى رعاها به انور باشا " .
هدد التناقض الذى اورق باضافة التعديلات ان يبلغ حد التأزم فى المؤتمر الاول ( والوحيد ) لشعوب الشرق ، الذى عقد فى باكو فى سبتمبر 1920 ، حول موضوع مخاطبة انور للمؤتمر . كان انور احد قادة حركة تركيا الفتاة التى قادت ثورة ضد الامبراطورية العثمانية . وبكلمات كار ، " يمكن تسميتها بمط الكلمات بورجوازية . لكنها لم تكن بأى معنى واضح ديموقراطية ، كما انها لم تكن ثورة للعمال ، سواء كانوا بروليتاريين او فلاحين . لاشئ فى سجل انور الحافل يوحى بأنه كان بطلا للبروليتاريا او للاقليات المضطهدة . بل كان مصصم مذبحة الارمن ، وقد كان هناك وفدا ارمنيا كبيرا فى المؤتمر "واقرب شبه حديث له هو صدام حسين وهو يخاطب مؤتمرا مناهضا للامبريالية يضم وفدا كرديا كبيرا ! ( لسوء الحظ لايمكن ان اقول ان هذا لن يحدث ) .
لقد تم التوصل الى تسوية دبلوماسية ، حيث لم يظهر انور تماما فى المؤتمر وانما قرأ بيانا له ( لم يمر هذا دون احتجاج من القاعة ) تأسف فيه لأنه كان " مضطرا للقتال جانب الامبريالية الالمانية " وبالاحرى مثل اعلان القاهرة الذى اعترف بأن نظام صدام حسين كان الى حد ما غير ديموقراطى !
لقد حدد خطاب زينوفييف الافتتاحى الوجهة :
" ايها الرفاق ! والاخوة ! لقد حان الوقت الان حيث يمكنكم ان تبدأوا فى تنظيم حرب مقدسة حقيقية ضد سارقيكم ومضطهديكم . تتجه الاممية الشيوعية اليوم الى شعوب الشرق وتقول لهم : " ايها الاخوة ، نحن ندعوكم الى حرب مقدسة ، ضد الامبريالية الانجليزية فى المحل الاول ! ( تصفيق عاصف . هتافات متواصلة . ينهض اعضاء المؤتمر من مقاعدهم ملوحين باسلحتهم ) لن يمر وقت طويل حتى يندم قادة البلاشفة على هذه المراوغة الديبلوماسية حول السياسات المبدئية . انور الذى ذهب الى آسيا الوسطى كمندوب عن موسكو التحق بالباسمشى . وعهد اليه بتنظيم القوى القبلية المناهضة للبلاشفة التى كانت قد بلغت سابقا حد اليأس ، وتحويلها الى جيش عصابات فعال ، وبذلك طال امد الحرب فى الشرق . وهكذا حتى من منظور براجماتى ، يتعين على الشيوعيين ان يكونوا غاية فى الحرص بصدد اية تحالفات مع القوميين " الثوريين " ودائما وفى كل مكان عليهم ان يحافظوا على تنظيمهم الخاص المستقل وكذلك على برنامجهم . وتؤكد الاحداث التى جرت بالدماء بقية القرن العشرين ، من الصين الى ايران على هذا .
وسوف اختتم مقالى بالنظر فى المنعطف الستالينى المفاجئ فى سياسته نحو الاسلام ، رغم انه يناقضه ظاهريا ، الا انه مرتبط بالتسويات التاكتيكية السابقة .
المصدر : the bolshviks and islam – by gerry byrne workers liberty- http://www.workersliberty.org/story/2004/02/24/bolsheviks-and-islam