عالم جديد وفرص جديدة مؤاتية


ابراهيم حجازين
2022 / 4 / 21 - 21:05     

اذا كان "الربيع" كتعبير مموه عن التدخل السافر بطرق ناعمة وغير ناعمة استخدمه الغرب في مرحلة الحرب الباردة للحرب على الاتحاد السوفياتي، للدلالة أحداث مخطط لها، ونفذت في دول حلف وارسو مثل هنغاريا وبراغ التشيكية وبولندا فاليسا باشتراك بابا الفاتيكان حينها، فإن الربيع العربي الدموي كانت نسخة ربيعية مقصودا به تلك الفوضى الخلاقة، التي وضعت تفاصيلها في الغرف المغلقة للمؤسسات الأمريكية الأمنية والعسكرية بإشراف البيت الأبيض ووزارة الخارجية ومسؤولي ادارة الإعلام في الدولة الأمريكية واعلنتها كوندوليزا رايس، ونفذت بالتعاون مع دول "شرق أوسطية" عربية وغير عربية منها، وإذا كانت نتائج هذا الربيع امام أعيننا؛ دمار وتفتيت وانهيارات أصابت عدد من الدول العربية مقصودة بعنوان الفوضى، فإنه بالمقابل لم تتحقق الأهداف الرئيسة لهذه الفوضى المفترض ان تعزز قوة ودور القطب المننصر في الحرب الباردة بطموحه ليصبغ القرن الجديد بصبغته، ويحول اداته في المنطقة إلى مركز إقليمي يصول ويجول فيها بكلمته النافذة.
لكن فوضى "الربيع العربي"، رافقها فرص وتحديات مؤاتية للقوى الدولية والإقليمية غير تلك التي خططت له، فنشأت تشابكات سياسية ومصالح اقتصادية خرجت عن السياق المرسوم لها، واعادت رسم خريطة اخرى للمصالح المستقبلية في المنطقة، تحت تأثير عوامل دولية؛ عودة روسيا بقوة التصنيع العسكري وإدارة سليمة بعيدة النظر للطاقة واسواقها وشبكة منتجيها، واحتلال الصين مواقع اقتصادية متقدمة ومنافسة عالميا، والأزمة المالية والاقتصادية عام 2008 التى ضربت أسس الاقتصاد الأمريكي والغربي.
ففي هذه المنطقة، تطورت أدوار قوتين إقليميتين أساسيتين هما وإيران وتركيا، وزاد تأثيرهما في محيطهما، بينما تراجعت قوى أخرى، وغرقت قوى ثالثة في أزماتها الداخلية ومحاولات الخروج من مأزق الحقائق الجديدة التي تولدت بفعل هذا الزلزال الكبير. وفي الصورة الاستراتيجية، أفضت هذه التطورات إلى دخول روسيا والصين كلاعبين عالميين من جديد، على طاولات الحلول لأزمات الشرق الأوسط.
تجري اليوم الأحداث التي ستفضي قريبا إلى نظام عالمي جديد امام أعيننا في أوكرانيا وأوروبا وأمريكا وشرق اسيا ومنطقتنا، مع فرص متاحة لتغيير مصائر بلدان وشعوب خاصة في بلادنا العربية، بعد ان تم رسم واقعها في القرن العشرين بكوابح تتمثل بكيان غريب اداة للاستعمار وبنى داخلية تمنعها من تحقيق مصيرها كباقي الأمم وخوضها في مستقبل مغلق أمامها. الانزياح في محور القوة نحو الشرق واورواسيا عالميا يقدم فرصة للنخب الوطنية والشعوب لرسم طريق جديد لها، للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الأولى تحين فرصة ان نقرر ما هو في مصلحتنا بعد قرن من الخضوع للقوى العالمية المهيمنة.