بعض عناصر عرقلة نمو المجتمعات


حسين محمود التلاوي
2022 / 4 / 14 - 03:06     

في هذا القسم نتناول العناصر السلبية التي قد تتواجد في مجتمع؛ فتمنع — أو على الأقل — تعرقل تقدمه، وتطوره، على سلم تقدم المجتمعات الإنسانية. وهذه الصفات — كما سنلاحظ — قريبة من ضد الصفات الإيجابية في المجتمع؛ فإذا كانت الإيجابية في المرونة، فإن السلبية في الجمود، وإن كانت الإيجابية في وجود المؤسسات، فإن السلبية في غيابها وهكذا. ومن أبرز العناصر السلبية في المجتمعات:
1- الجمود: المجتمع السلبى جامد لا يتقبل كل جديد، أو هو يتقبله، وإن كان التقبل على مضض، أو انتقائيًا؛ وهو ما يعنى أن المجتمع السلبى النمو يتقبل التغيير بصعوبة بالغة؛ نتيجة لما قد يكونه هذا التغيير من عامل مضاد لسيادة سلطة، أو قوة فئة في المجتمع؛ تؤثر بالسلب على مصالح الفئة المسيطرة. فإن كان كذلك، فإن التجديد يلقى الرفض، وإن كان يؤثر ولكن بصورة غير كبيرة، فيمكن تمريره كنوع من إرضاء المجتمع؛ بما يؤدى — أيضًا — إلى مصلحة الفئة المسيطرة.
وفى حالة حصول انكسار كامل للمجتمع أمام هذا التحدى أو التغيير — وبخاصة لو كان من الخارج — فإن المجتمع لا يقاوم، بل يسقط مباشرة، ولا يسعى إلى مواجهة هذه الهزيمة؛ ومن ثم يطلق عليه "مجتمع الهزيمة". هنا يبدأ هذا المجتمع في فقدان صفاته الأساسية، ويبدأ في اكتساب صفات جديدة جراء هذا الانهيار؛ حيث يتاح للفئات الساخطة غير القادرة أن تعبر عن رفضها، وفى بعض الحالات تكون القوة التي فرضت التغيير — في حالة الاحتلال مثلاً — أقوى من الفئة المسيطرة؛ مما يزيد من صعوبة الموقف في المجتمع؛ فيحدث استسلام كامل يحتاج المجتمع معه إلى فترة طويلة إلى أن يتخلص منه، ويبدأ في التحول إلى مجتمع المقاومة. إذن قد يدفع هذا الانكسار الكامل بالمجتمع إلى التحول للاتجاه الآخر وهو الاتجاه الإيجابى.
أيضًا يبرز جمود المجتمع في كون أي تغيير يحصل من الخارج يصحبه آثار سلبية لا يكون المجتمع قادرًا على تلاقيها أو الاستفادة منها إلا بصور محدودة مما يجعل أي قيمة دخيلة عليه ذات أثر تدميرى في أغلب الأحوال كذلك يرفض أي محاولة للتغيير تنبع من الداخل لكون أية دعوة تهدف لتحقيق مصالح فئة ما غير الفئة الكبرى المسيطرة ومسألة التمرير أو عدمه تنبع من قاعدة الدفاع أو حماية مصالح الفئة التي تسيطر وتتحكم في مقادير الأفراد والقوى المختلفة.
2- تقييد الحريات: الفرد غير حر إلا بما يسمح النظام، وبما يساعد على تحقيق مصالحه؛ فالإنسان غير مخير في أسلوب حياتهـ وغير قادر على تغيير مصيره، إلا بما يتفق مع رؤية المتحكمين في المقادير الاجتماعية؛ ومن ثم تنعدم فرص الحراك الاجتماعى في هذا المجتمع ويصبح ساكنًا؛ كما أنه يقتل الإبداع الفردى الذى يساهم في تطور المجتمع، ونموه؛ مما يزيد من الهوة التي تفصل هذا المجتمع عن غيره من المجتمعات الإنسانية المتقدمة.
ولنا في النموذج الذى قدمه الكاتب البريطانى جورج أورويل في روايته "1984" للمجتمع الشمولى إيضاح واسع لما عليه هذه المجتمعات السلبية من قتل لطموح الأفراد ورغباتهم. كذلك رواية "الرجل الراكض" للكاتب ستيفن كينج نموذج على المجتمع الذى يسحق الأفراد من الطبقات الدنيا لمصلحة الطبقة العليا "المسيطرة والفاعلة والقادرة".
3- تغييب المجتمع: في مثل هذا النمط الاجتماعى السلبى يغيب دور المجتمع في صناعة القرار السياسى، أو الاقتصادى، وكل شىء يتم بمعرفة الكبار من قيادات المجتمع. وهنا يبرز توجه فكرى في فئة المسيطرة يمكننا أن نطلق عليه "التبنى الاجتماعى" فهم — أفراد هذه الطبقة — يشعرون أنهم أرقى وأقدر من أبناء الفئات الأخرى؛ من ثم فهم مَن يجب أن يتولوا قيادة البلاد لمعرفتهم بحاجات الأفراد والمجتمع أكثر من هؤلاء الأفراد؛ ومن ثم — أيضًا — يمارسون معهم "التبنى الاجتماعى"؛ فما الأفراد إلا أبناء ورعية غير رشيدة لهذه الفئة الكبرى ويجب أن تحظى برعاية "الراشدين"، إلا أنه قد تحصل صور من المشاركة الاجتماعية، لكنها لا تزيد عن كونها مجرد وسائل لكسب رضا الأفراد والحيلولة دون حدوث سخط شعبى واسع النطاق؛ يطيح بالنظام العام بأكمله؛ فنرى مثلاً في بعض دول العالم الثالث — حاليًا — وبخاصة في القارة الأفريقية إجراء انتخابات معينة؛ يجري تزويرها لصالح الرئيس العالى، أو أحد ممثلى النظام.
إجراء الانتخابات هنا يهدف إعطاء صورة معينة لدى الشعب عن ديمقراطية السلطة الحاكمة؛ بيد أن البعض يكشف هذا التزوير، وهنا تمارس ضده الفئة الحاكمة ضغوطًا قد تصل إلى التصفية الجسدية وقد تترك هذا البعض في حال عدم ضرره بها من باب إكمال المظهر الديمقراطى لها.
4- تجاهل دور المؤسسات: يمكن للنظام الحاكم للمجتمع سلبي النمو أن يتعامل مع فكرة المؤسسات بطريقتين؛ إما بالتجاهل التام بعدم إيجاد؛ مثل هذه المسميات في المجتمع أساسًا.
وهنا يكون متطرفًا في ديكتاتوريته وإما بإيجاد هذه المؤسسات والعمل على وضعها تحت سيطرة هذا النظام؛ بما يؤدى إلى تكريس قوته وسيطرته وعدم الإيحاء بالديكتاتورية وتسلطية الحكم.
5- الانتهازية تسود صفة الانتهازية في الأوساط الاجتماعية فكل فرد يسعى إلى تحقيق مصالحة الخاصة بمعزل عن الآخرين ويمكن أن نطلق على هذه الخصيصة السلوكية تعبير "عدم الرشادة" فلا مراعاة للمصالح العامة والخاصة إلا أنه قد يحدث تصادم بين رغبة بعض الأفراد أو فئة معينة وبين رغبة الكبار وعندها تكون الغلبة لصالح الفئة الكبرى وفى الغالب يطلق على هذا الصدام اسم "التمرد" أو "إحداث الشغب"؛ وهو في هذا يتفق في المسمى مهما اختلفت المسببات؛ فإذا كان الصدام لأجل مكاسب سياسية؛ فهو "تمرد" على السلطة وإن كان الاقتصادية فهو "تمرد" على السلطة إلى آخر هذه الاحتمالات المتاحة وهذه الخصيصة تساعد على رفع درجة السخط العام فمثلاً في مجتمع خائف نجد من يبيع مبادئ الحق والعدل لكى يلتحق بركب الكبار فيحظى بمميزات أكبر من جاره المتمسك بهذه المبادئ فتحدث حالة من عدم الرضا فالنفاق هنا صار وسيلة للتكسب مما يشير إلى انعكاس أو ارتباك المنظومة الأخلاقية كذلك تؤدى عدم الرشادة وشيوع الانتهازية إلى التعجيل بالصدام بين الطبقات ومن ثم تحلل المجتمع أو انتقاله إلى وضعية أفضل في حالة نجاح الفئة الراقصة ما لم تتحول بدورها إلى طبقة سلبية التوجهات ترث ما كان قبلها من فئة كبرى وهو ما يحدث غالبًا في الدول الإفريقية الحالية من سيطرة ديكتاتور فانقلاب عليه فسيطرة ديكتاتورية من قادة الانقلاب.
6- التقدم العلمى والتكنولوجى: ليس كل مجتمع سلبي متخلف حضاريًا وعلميًا وتكنولوجيًا فهناك الكثير من الأنظمة الاستبدادية التي تعمل على تطوير المجتمع تكنولوجيًا بغرض تحقيق سيطرتها على جميع مقدرات هذا المجتمع إلى جانب الارتقاء بمستوى المجتمع في سبيل إدامة وجوده؛ ومن ثم إدامة وجودها على رأسه، وإشعار المجتمع، وأفراده بأنهم يحظون بسلطة تطويرية لا باعثة على التخلف. لكن هذا النمط من السلطة الدافعة إلى التقدم لا يكون إلا في مجتمع؛ تسيطر عليه أيدلوجية قمعية؛ حيث يطمع الكبار فيه إلى إبراز نجاح أيديولوجيتهم في خلق مجتمع متقدم متطور؛ مما يساعد على نقل تجربته إلى مجتمعات أخرى تدين بالولاء إلى هذا المجتمع الأول. لذلك تنتقد سلطته الحاكمة في هذه المجتمعات الأخرى، ولنا في الفكر الشيوعى نموذجًا على ذلك.
بيد أن في بعض المجتمعات نجد سلطة غاشمة لا تريد تطورًا من أجل ترك الأفراد غير قادرين على معرفة ما ينبغى أن يكونوه أو بتعبيرًا في عدم إثارة وعى الأفراد بحقوقهم في التمتع بكل ما أنجزه مجتمعهم، وفى الدولة العثمانية نموذجًا على ذلك، عندما فرّغت مصر من كل عقولها ومفكريها، وبعثت بهم إلى الأستانة رافضة بعد ذلك إدخال أنماط التعليم المتطورة بالمجتمع منعًا لنمو الوعى لدى الشعب المصرى؛ ما قد يؤدي إلى التمرد بعد ذلك على الحكم العثمانى.
7- الإنجاز الثقافى والحضارى: يكون هذا الإنجاز إما ضعيفًا أو موجهًا؛ فهو ضعيف في المجتمعات التي تحكمها سلطة خانقة قاهرة؛ لا تريد أي نوع من الإبداع، وتلجأ إلى القوة العسكرية من أجل قهر كل تمرد يحصل جراء التضييق على الأفراد.
ولكننا نجد أن بعض السلطات تمرر الإبداع الأدبى والثقافى في حدود من أجل إشعار الأفراد بتعبيرهم عن ذاتهم، بالإضافة إلى استغلال هذا الأدب أو الإنجاز الثقافى في الترويج للنظام الحاكم؛ وهو ما يحدث في الأنظمة التي تحكم شعوبًا ذات نسبة معينة من الوعى؛ تؤهلها للاستجابة لأى إنجاز أدبى أو ثقافى أو فكرى.
8- غياب المنظومة الأخلاقية: لا تعنى بذلك عدم وجود فكرة الأخلاقيات في المجتمع، ولكن نعنى عدم وجود منظومة قيمية أخلاقية مميزة وواضحة للمجتمع. وحتى في حالة وجودها فإننا لا نرى وجود رعاية من المؤسسات الاجتماعية والأخلاقية لهذه المنظومة فهو مجتمع — كما قلنا سابقًا — لا يراعى عمل المؤسسات ولا يهتم بها إلا كوسيلة من أجل فرض السيطرة على الشعب والأفراد.

هذه أبرز الصفات التي يمكن أن تتواجد في المجتمعات السلبية والتى تتفاوت بطبيعة الحال، والملاحَظ أنها تمس مختلف أوجه العمل والإنجاز في المجتمعات.