مواجهة بين ماكرون النيوليبرالي ولوبان الفاشية

سيد صديق
2022 / 4 / 13 - 09:33     

ترجمة سيد صديق

سيتواجه نيوليبرالي مع فاشية في السباق على الرئاسة الفرنسية بعد الجولة الأولى من التصويت التي انتهت مساء الأحد الماضي. ومع احتساب جميع الأصوات تقريبًا، تقدَّم الرئيس إيمانويل ماكرون الأصوات بـ27.6%، بينما حصلت لوبان على 23.4%.

حصد المرشَّح اليساري جان لوك ميلونشون 22% من الأصوات، وهي نتيجةٌ أفضل بالنسبة له من انتخابات العام 2017. وفي حديثه بعد أن أُغلِقَ باب التصويت مباشرةً، قال ميلونشون إن النتيجة مثَّلت “إحباطًا كبيرًا، بسبب الأمور التي كان يمكن فعلها لكنها لم تُفعَل”. وأضاف: “أصبحت لدينا الآن حالة طوارئ اجتماعية وبيئية وسياسية”.

وقال موضحًا: “هذه الحالة لم نخلقها نحن، بل ذلك النظام الذي يجعلك تختار أحسن الشرَّين. عليكم جميعًا مواجهة هذا الخيار الكريه. لابد ألَّا تحصل لوبان على صوتٍ واحد. النضال مستمر. علينا ألَّا ندع تلك الصخرة التي دفعناها إلى الأعلى تتدحرج إلى الأسفل مرةً أخرى”.

أحرزت لوبان عددًا أعلى من الأصوات بنسبة 2% عن انتخابات 2017، رغم أن إريك زمور، المُروِّج لخطاب كراهية المسلمين، جنى 7% من الأصوات.

ولقد توسَّع الفاشيون على مدار العشرين سنة الماضية في فرنسا، لكن تقدُّم لوبان الأخير لهو نتيجةٌ مباشرة لحكم ماكرون لصالح الأثرياء. كان من الواضح قبيل انتخابات 2017 أن لدى ماكرون المشكلات نفسها التي كانت لدى سابقيه، وما مِن سببٍ يدفع إلى الاعتقاد بأنه سينفصل عن إستراتيجيتهم. استمرَّت السياسات النيوليبرالية في زرع مشاعر الخوف واليأس والاستياء، التي في الحقيقة منحت جمهورًا للوبان.

كان هجوم ماكرون على نظام المعاشات وحقوق الاحتجاج، وقمعه لحركة السترات الصفراء، ودعمه للضباط القتلة، وفشله على صعيد مواجهة جائحة كوفيد، كلُّ ذلك ساعد لوبان في إحراز التقدُّم في الانتخابات. صارت لوبان قادرةً على إبراز نفسها زيفًا باعتبارها صديقةً للناس العاديين، لأن ماكرون بعيدٌ عنهم تمامًا، إذ كان صديقًا موثوقًا لرجال الأعمال. وفي الأسبوع الأخير من الدعاية الانتخابية، صارت تستخدم أزمة تكاليف المعيشة بفاعليةٍ لضرب فرص ماكرون.

لكن الدفعة الرئيسية بالنسبة لها كمنت في العنصرية الوحشية. تريد لوبان منع النساء المسلمات من ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، وإلغاء دعم الرعاية الصحية والإسكان للمهاجرين، وتنوي إعادة كتابة الدستور من أجل تضييق الخناق على التحرُّك عبر حدود فرنسا.

تريد لوبان كذلك إنهاء منح حقوق المواطنة لأطفال المهاجرين الذين يُولَدون في فرنسا. أما زمور، الذي يروِّج لنظرية “الاستبدال العظيم” المقيتة، التي تفيد بأن المهاجرين المسلمين سوف يطغون على السكان البيض في أوروبا، فقد منحت لوبان مزيدًا من الدعم.

وإذا انتُخِبَت لوبان رئيسةً لفرنسا، فسوف تعزَّز العنصرية وحصانة الشرطة، وسوف تحاول تحطيم النقابات. سيتجرَّأ على إثر ذلك البلطجية في الشوارع، الذين ينشطون خارج الهياكل الرسمية للدولة، لتنفيذ برنامجها الفاشي “من أسفل”.

أفاد أحد استطلاعات الرأي حول الجولة الثانية من الانتخابات، التي ستجري في 24 أبريل الجاري، بدعمٍ بنسبة 54% لماكرون، و46% للوبان، فيما أشار استطلاعٌ آخر إلى دعمٍ بنسبة 52% لماكرون، و48% للوبان. وبذلك أصبحت لوبان تشكِّل خطرًا حقيقيًا، لكن بالإمكان إيقافها، وأفضل طريقة لفعل ذلك هي بالتعبئة في قاعدة المجتمع، من خلال مواجهة الظروف التي أدت إلى التصويت لها.

والآن صار ماكرون يناشد “الديمقراطيين” بالاتحاد ضد لوبان. لكن ذلك لا يعدو سوى نداءٍ فارغ يصدر من الرئيس نفسه الذي يريد رفع سن المعاش بموجب ثلاث سنوات ويضرب بحقوق العمال عرض الحائط.

على الفور، دعا الحزب الشيوعي (2.3% من الأصوات)، وحزب الخضر (4.6%) إلى التصويت لماكرون بعدما نشرت وسائل الإعلان نتائج الجولة الأولى من الانتخابات، لكن ملايين الناس لن يوافقوهم هذه الدعوة.

أما اليمين المحافظ والحزب الاشتراكي، فقد مُنِيا بهزائم فادحة. منذ العام 1958 وحتى 2017، كانت إحدى هاتين القوتين تكسب الانتخابات الرئاسية دائمًا، وبشكلٍ عام كانا يواجهان بعضهما في جولات الإعادة. لكن في 2017، لم يصعد أيٌّ منهما إلى الجولة الثانية، وحصدا سويًا 27% فقط من الأصوات.

وهذه المرة، حصلت المرشحة المحافظة فاليري بيكريس على 4.8% من الأصوات، فيما جنت مرشحة الحزب الاشتراكي، آن هيدالجو، نسبةً بائسةً تبلغ 1.7% من الأصوات. وهذه أزمةٌ عميقة لكلا القوتين السياسيَّتين.

أما مقاطعة الانتخابات (أكثر من 25% مِمَّن يحق لهم التصويت)، فقد زادت بنسبة 3% عما كانت عليه في 2017. وإذا تناولنا ذلك بصورةٍ مجردة، سنجد أن هذه أعلى نسبة عزوف عن التصويت على الإطلاق. ملايين عديدة من الناس لم يجذبهم أيٌّ من المرشحين الـ12 إلى صناديق الاقتراع. ولم يحصد المرشحان الثوريان من حزب مناهضة الرأسمالية الجديد وحزب نضال العمال أكثر من 1% من الأصوات (ما يقرب من نصف مليون صوت).

وقال فيليب بوتو، من حزب مناهضة الرأسمالية الجديد: “نحن بحاجةٍ إلى نقاشٍ واسع من أجل أن نبني معًا التحركات ضد الهجمات التي ستُطلَق، لكننا أيضًا بحاجةٍ إلى أداةٍ سياسية -حزب لكلِّ المستغَلين والمضطهَدين”.

نظَّم العمال الفرنسيون إضراباتٍ قوية خلال السنوات الخمس الماضية، وشهدت حركة حياة السود مهمة مسيراتٍ كبرى، وكانت هناك تحركاتٌ متواترة ضد وحشية الشرطة. هذه الحركات، وهذا النضال من أسفل، هم الأمل الحقيقي للمستقبل.

* المقال بقلم: تشارلي كيمبر – صحيفة “العامل الاشتراكي” البريطانية