المبادئ على خط النار


جاسم ألصفار
2022 / 4 / 10 - 03:09     

د. جاسم الصفار
07-04-2022
الموضوع الذي حاز على اهتمام خاص في وسائل الاعلام بكافة انواعها في الأيام الأخيرة هو "مذبحة بوتشا"، التي تحاول الدعاية الأوكرانية والغربية بنشاط تحميل الجيش الروسي جريمة ارتكابها. ليس هناك أدنى شك في أن هذه الحادثة مفبركة بصورة غبية وفجة، مثل تلك التي تم فبركتها في سوريا من قبل "الخوذ البيضاء" لاتهام النظام السوري وقتها باستخدام السلاح الكيمياوي ضد مواطنيه.
في بوتشا حدث ما يلي. أعلن الوفد الروسي في اسطنبول، في 29 مارس، عقب مفاوضات مع الجانب الأوكراني، تعليق النشاط العسكري في اتجاهي كييف وتشرنيغوف. وأفادت وزارة الدفاع الروسية أن آخر الوحدات الروسية غادرت بوتشا في 30 مارس. بعد يومين، في الأول من أبريل، نشر عمدة مدينة بوتشا، أناتولي فيدوروك مقطع فيديو على شبكة التواصل الاجتماعي، قال فيه، بسرور واضح، إنه لم يعد هناك جنود روسيون آخرون في المدينة، ولم ينسى أن يهتف بعبارة "المجد لأوكرانيا" لتأكيد ولائه لحكومة كييف النازية، ولم يعد غريبا لماذا لم يذكر عمدة المدينة أي شيء عن وجود قتلى!
بعد انسحاب القوات الروسية من منطقتي كييف وتشرنيغوف، دخلت القوات المسلحة الأوكرانية والكتائب النازية إلى هناك، جالبين معهم الموت لكل من لم يحالفه الحظ ليقع تحت يد "المحررين" الدموية.
قبل دخول بوتشا، قامت القوات المسلحة الأوكرانية بأطلاق نيران مدافعها على المدينة، على الرغم من حقيقة أن القوات المسلحة للاتحاد الروسي لم تعد موجودة فيها، مما أدى إلى وقوع إصابات بين السكان المدنيين. بعد ذلك، بناءً على البيانات المتاحة في الوقت الحالي، بدأ " الفاتحون" الأوكرانيون في إطلاق النار على الرجال الذين كانوا يرتدون ضمادة بيضاء على أذرعهم، والتي تعني بالنسبة للجيش الروسي، مواطنون مسالمون أو متعاطفون مع روسيا. وبعد تصفية كل من يشتبه في تعاونهم مع "المحتلين الروس" قامت كتائب النازيين بجر اخرين ممن يشك بولائهم لكييف إلى أقبية التحقيق حيث تعرضوا للتعذيب حتى الموت.
بعد انتهائهم من "الحفل الدموي"، بدأ "المحررون" في تنفيذ الجزء الثاني من المسرحية المعدة سلفا، بخلق ذرائع لاتهام الروس بارتكاب فظائعهم الوحشية التي سوف لن يتمكنوا، أي الروس، مهما حاولوا من تبرئة أنفسهم منها أمام الرأي العام العالمي المصدق بمعظمه للرواية الأوكرانية-الغربية. في شوارع مدينة بوتشا، تم ترتيب جثث المدنيين الذين قتلوا على يد الأوكرانيين بسرعة في أوضاع خاصة، مستعينين كذلك بخدمات ممثلين، لزيادة المنظر فظاعة. إثرها تم السماح لما يسمى "بالصحفيين" المزودين بكاميرات الفيديو بالدخول الى المدينة، وهم يتأوهون عن عمد ويتأففون من بشاعة ما رأوه.
هذه، في الواقع، هي القصة الكاملة الدنيئة لـ "مذبحة بوتشا" التي نفذها النظام النازي في كييف. وليس غريبا بعد ذلك أن يتهم الرئيس الاوكراني زيلينسكي روسيا على الفور بارتكاب إبادة جماعية بحق الأوكرانيين. وليس غريبا أيضا أن يقوم شركاؤه في لندن، دون تفسير، بمنع الانعقاد الطارئ لجلسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مرتين، وهو ما أصرت موسكو عليه. لكي يتم الترويج بنشاط في جميع وسائل الإعلام الأجنبية الرائدة لموضوع "جرائم الحرب التي يرتكبها الجيش الروسي" قبل أن يتمكن مندوب روسيا من عرض أدلته.
السؤال الذي يطرح نفسه بعد توجيه اتهامات بشعة للغاية ضد روسيا وجيشها من قبل "الغرب الجماعي" بناءً على رواية كييف هو سؤال لا لبس فيه: "هل كان من الممكن تجنب ذلك؟"، نعم. لكن فقط إذا لم يغادر الجيش الروسي الأراضي التي كان قد سيطر عليها سابقا. ما حدث في بوتشا سيتكرر أينما تتراجع القوات الروسية، بأي ذريعة كانت، مما يعني أنه لم يعد من الممكن التراجع في أي مكان وتحت أي ظرف من الظروف، لا ينبغي ترك قطعة واحدة من الأرض الأوكرانية للنظام النازي. لا ينبغي للمرء أن يؤمن بالأوهام - فشيء مشابه سيحدث بالتأكيد في أي مدينة أخرى تخلو من الحماية الروسية. تمت كتابة السيناريو، وتمت الموافقة على الأدوار، والشيء الوحيد المتبقي هو المشهد.
وما من شك في أنه ليس هناك سيناريو واحد أو اثنين أو ثلاثة، ولكن هناك سيناريوهات عديدة أكثر شناعة ودموية واثارة للاشمئزاز. الحديث المستمر عن "استخدام الأسلحة الكيماوية" من قبل البيت الأبيض دليل مائة بالمائة على وجود سيناريو معد لاستخدامها. إضافة الى ذلك، يجب الأخذ في الاعتبار حقيقة أن الولايات المتحدة (وليس هم فقط، ولكن أيضًا، على سبيل المثال، ألمانيا) تقدم الآن ادعاءات محددة للغاية فيما يتعلق بأنشطة المختبرات البيولوجية على الأراضي الأوكرانية. أو قد تكون أسلحة الدمار والموت التي يخطط لاستخدامها من نوع مختلف. الشيء الرئيسي هو أن كل شيء يجب أن يكون مذهلاً ودمويًا ويضرب أعصاب هؤلاء السكان الغربيين البسطاء جدًا الذين يهتم قادة الغرب بانحيازهم غير المشروط.
هنا وهناك نوع من الكوارث يصنعها الساسة لتحقيق مآرب جيوسياسية. لا عجب في أن المحاولة الأولى التي قامت بها كييف لترتيب كارثة حقيقية، كانت حكايات "إطلاق النار على الدبابات الروسية في محطة الطاقة النووية في زابوروجتس والتي كان يمكن أن يكون لها تبعات مدمرة لو تحققت. الا ان الخطة لم تكن محكمة ففشل السيناريو الكارثي، وكان لابد من سيناريو دموي اخر لا يقل وحشية واستفزازا للرأي ألعام الغربي، وللأسف نجح النازيون هذه المرة في بوتشا.
هناك خياران فقط أمام روسيا اليوم. إما أن تتراجع موسكو، وتتبع سياسة المصالحة مع كييف، وتوقع معها أوراق لا معنى لها، أو أن تسيطر القوات المسلحة للاتحاد الروسي على كامل الأراضي الأوكرانية لتنتقل لمرحلة أخرى أكثر أهمية، وهي اجتثاث النازية وتقديم كل رموز النظام النازي في كييف للمحاكمة. التأخير هنا، كما كان يقول زعيم البروليتاريا العالمية، "مثل الموت". للأسف، ليس من الممكن هزيمة العدو، مسترشدين بأعراف وقوانين الفرسان النبيلة، كما يفعل الجيش الروسي الان. قد تقلل أساليب القتال النبيلة من الضرر المتبادل ولكنها لن تتجنب المرارة.