ماسينيسا ( إفريقيا للأفارقة)


كوسلا ابشن
2022 / 4 / 7 - 21:09     

ماسينيسا إبن غايا ملك مملكة ماسيلي, في عهد هذا الآخير بدأت مملكته عصر التطور و الإزدهار الحضاري, لكنها كانت دائما في صراع مع مملكة ماساسيلي المجاورة بقيادة الملك سيفاكس حليف الرومان. كان غايا حليف قرطاج, و مزودها بالجيش الماسيلي في الحرب البونية الأولى ( 264 -241 ق.م). و في الحرب الرومانية -القرطاجية في هيسبانيا بدءأ من سنة 212 ق.م الى سنة 206 ق.م. قاد ماسينيسا فرسان مملكة ماسيلي بجانب قرطاج, وكان فارسا شجاع و مهاب, قال عنه المؤرخ اللاتيني تيفي ليفي:"في هيسبانيا كان دائما يقدم لحلفائه و لاصدقائه نموذج القيمة النادرة".
موت غايا (206 ق.م), و إجتياح جيش سيفاكس لبعض مدن مملكة ماسيلي, و تغيير موقف القرطاجيون في سياسة التحالفات, فقد رأت قرطاج في إزدهار مملكة ماسيلي و نفوذها سيشكلان خطرا عليها, بهذا إلتجأت قرطاج الى منافس ماسيلي وعدوها, سيفاكس ملك ماساسيلي و تحالفت معه, التحالف الذي متنه الزواج السياسي بعقد قران الملك سيفاكس من سوفونيسبي بنت هصدروبال القائد القرطاجي. التحالف القرطاجي- الماساسيلي ضد ماسينيسا, دفع هذا الأخير لقبول عرض الجنرال كورنليوس سيبيون للتحالف مع روما و المشاركة في الحرب البونية الثانية, بعد معارك متتالية إنتهت الحرب بإنهزام التحالف القرطاجي-الماساسيلي في المعركة القاضية بالسهل الكبير سنة (203ق.م ), و أسر سيفاكس ملك مملكة ماساسيلي و إستسلام جيشه, و فرض على قرطاج توقيع إتفاقية سلام تجردها من جزء الأراضي التي إحتلتها و إرجاعها الى مملكة ماسيلي و التنازل عن جزء من أصطولها البحري. إستدعاء مجلس الشيوخ القرطاجي, هانيبال من قطع حملته على روما, و برجوعه قرر بخوض الحرب ضد مملكة ماسيلي بالتحالف من فيرمينا أبن سيفاكس. كان لقاء جيش التحالف القرطاجي-الماساسيلي مع جيش التحالف الماسيلي-الروماني في منطقة زاما جنوب قرطاج سنة (202 ق.م), دارت بينهما معركة كبيرة, وصفها المؤرخ اللاتيني تيفي ليفي في رواية حية, جاء فيها: "بدأت معركة بنزال فردي بين ماسينيسا و هانيبال. هانيبال يتفادى رمي الرمح بدرعه ويضرب حصان خصمه. ينهض ماسينيسا, مشيا على الأقدام, يندفع نحو هانيبال , من خلال وابل من السهام, يستقبلها على درع جلد الفيل قام بتمزيق إحدى رمي الرمح وصوب إلى هانيبال لكن لم تصيبه مرة أخرى, وبينما كان ينزع آخر, أصيب في ذراعه وتراجع قليلا, جرحه معصوبا بالضمادات, عاد إلى المعركة على حصان آخر. استؤنف القتال بضراوة جديدة, لأن الجنود كانوا متحمسين لوجود قادتهم , ورأى هانيبال جنوده تتراجع شيئا فشيئا, ابتعد البعض عن ساحة المعركة للإعتناء بجروحهم, وانسحب آخرون نهائيا. ذهب إلى كل مكان, وهو يشجع الرجال, إهزموا الخصوم هنا وهناك ، لكن جهوده باءت بالفشل. يائسا, لم يفكر إلا في إنقاذ بقايا جيشه. اندفع إلى الأمام, محاطا بعدد قليل من الفرسان, واخترق الجموع, و غادر ساحة المعركة. ماسينيسا الذي يراه ينطلق مع مجموعته خلفه. يطارده رغم الألم الذي سببته إصابته, لأنه كان يتوق على إعادته أسيرا. يهرب هانيبال تحت جنح الليل الذي يبدأ ظلامه في تغطية الطبيعة".
قرطاج المنهزمة أجبرت على التفاوض, لكن هذه المرة تم تنقيح المعاهدة السابقة بالإنسحاب التام من كل الأراضي التي إنتزعتها قرطاج من مملكة ماسيلي, (لم يبقى لقرطاج إلا المدينة المحاصرة) و التنازل عن أسطولها الحربي و مصادرة الفيلة و دفع ثمن خسائر الحرب مع تقديم رهائن لروما. عارض هانيبال المعاهدة إلا أنه هدد بالتسليم للرمان, وهرب الى غرب آسيا و هناك أنهى حياته بالإنتحار.
كان لجيش ماسيلي بقيادة ماسينيسا الدور الكبير في إنهزام قرطاج. و بعد معركة زاما, وحد ماسينيسا شرق و وسط تامازغا في مملكة واحدة و شعب واحد, كانت مملكته تمتد من ليبيا حتى حدود مملكة موريطانيا, كانت المملكة تتوفر على أكثر من سبعين مدينة و حصن. مملكة ماسينيسا كانت دولة مستقلة حرة غير تابعة لأية قوة أجنبية, فقد عبر ماسينيسا عن إستقلالية تامازغا وطرد الغزاة, بعبارته الشهيرة " افريقيا للأفارقة ", طرد الغزاة و التعايش السلمي بين الشعوب و بناء أواصر الصداقة من جميع الشعوب المسالمة. و قد أورد المؤرخ اللاتيني تيفي ليفي, قول ماسينيسا:" إن القرطاجيين أجانب في بلادنا, فقد استولوا غصبا على أملاك أجدادنا, ولذلك يجب أن نسترد منهم بجميع الوسائل ما انتزعوه منا بالقوة", افريقيا لأصحابها الشرعيين و ليست للغزاة المحتلين.
حكم ماسينيسا بين سنة 203 الى سنة 148 ق.م. تحت حكمه كانت مملكته دولة قوية عرفت تطورا و إزدهارا, و قوة إقتصادية إعتمادا على القدرة الفلاحية و النفوذ التجاري و التمويل المالي القرطاجي (ضريبة الأرض الأمازيغية), و سك العملة بإسمه ظهرت صورته على واجهة من العملة و إسمه على الواجهة الثانية, كما شكل ماسينيسا جيش قوي يعتمد على قوة الفرسان و المشاة و الوحدات التي تلقت التداريب العسكرية الرومانية. ربط ماسينيسا علاقات تجارية من جميع مدن حوض المتوسط, كما ربط علاقات سياسية و ثقافية مع الكثير من الدول, و كانت مملكته يقصدها الشعراء و الموسيقيون من اليونان و روما و غيرهما من الدول.
فكر ماسينيسا في السيطرة على قرطاج التي كان يراها عاصمته. هذا الطموح الشرعي أرعب روما التي كانت ترى في سيطرة ماسينيسا على مدينة قرطاج يعني ظهور قوة جنوب البحر الأبيض المتوسط أعظم من قوة القرطاجيين, و تكون منافسا قويا لروما, لما كانت لشخصية ماسينيسا من قوة و مهابة و كان معروفا في منطقة البحر الأبيض المتوسط و خارجها. إلا أن ماسينيسا رحل عن الحياة (148 ق.م), قبل أن يحقق طموحه في السيطرة على قرطاج و جعلها عاصمته. أما قرطاج فقد غزاها الرومان (146 ق.م), بعد موت الملك ماسينيسا و دمروها و إستعبدوا أهلها و باعهم في أسواق النخاسة, و أحرقوا المدينة بكاملها, بهدف أن لا تستفيد المملكة الأمازيغية من مرافقها الإقتصادية والإجتماعية و الثقافية.
بعد موت ماسينيسا (148 ق.م) عن عمر 90 عام. بني له ضريح غير بعيد عن عاصمته سيرتا و بني له كذلك معبد في مدينة توغا.
إمتد تأثير ماسينيسا في جغرافية البحر الأبيض المتوسط. كان المؤرخين الرومان دائما مجاملين له, وقد تم بناء عدة تماثيل تكريما له, حتى اليونان.
يبقى تاريخ و شخصية ماسينيسا, وحدة الرمز الجامع للعزة القومية للشعب إمازيغن و المقاومة الباسلة لتحرير الأرض من الغزاة, و تكون نتيجتهما الحتمية تقرير المصير و بناء الدولة الحرة و المستقلة عن الدوائر الإستعمارية (تامازغا لإمازيغن), طبعا ليس بالمفهوم الشوفيني. يبقى ماسينيسا مشعل درب الأحرار في بلاد إمازيغن.