الليبراليون في بلادنا شركاء اصيلون في السياسة المعادية للجماهير


ابراهيم حجازين
2022 / 4 / 6 - 18:13     

الليبرالية الكلاسيكية هي نتاج تطور تاريخي وظهرت كأيديولوجية تعبر عن مصالح ورؤى البرجوازية الأوروبية الصاعدة في صراعها ضد الإقطاع السائد والكنيسة في العصور الوسطى، وسعت حينها إلى إلغاء الحواجز والعراقيل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية التي كانت من خصائص النظام الإقطاعي وتشكل عراقيل أمام نموها وتطورها، وعملت على تحرير عقل الإنسان الأوروبي وربطت بين الإنتاج والعلم وفتحت الآفاق امام الإبداع والاختراعات التي سهلت عملية الإنتاج. وقضت على الإقطاع وحلت محله، وأعادت بناء المجتمع على صورتها وذلك عبر قرون طويلة إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه من تطور. وفي مرحلة لاحقة حينما وصلت الى مرحلة الاحتكار حافظت على الشكل وابقت على الليبرالية بصورها المعتادة لكنها حولت الدولة ومؤسساتها اداة بيدها لخدمة مصالحها لتراكم الثروات.
في صعودها لعبت البرجوازية الصاعدة دورا مقررا في التطور التاريخي في الدول الأوروبية عندما جعلت من العلم قوة منتجة وخاضت المعركة ضد كل ما يعيق التقدم على جبهة العقل والحداثة، واستحقت بذلك أن تكون هذه الطبقة القوة الاجتماعية القائدة للديمقراطية حينها والتقدم والحضارة على الصعيد الغربي مع الحرص على سلطتها ومنع الفئات الشعبية من ان تأخذ حقوقها والددفاع عن مصالحها بما في المشاركة الحقيقية بالحكمة واستعملت البرجوازية كل الوسائل القمعية وغير القمعية لتدجين الشعب.
في مرحلة صعودها أقدمت على حل مهمة بناء الدولة القومية كحيز وطني يوحد الشعب في جغرافيته الوطنية، عندما وحدت الأمة في حدود دولتها القومية، وبالتالي خلقت دولة الجماعة والفرد المتساوي مع باقي المواطنين تحت سيادة القانون دون امتيازات أو فروق على اساس هوياتي وأقرت لائحة حقوق الانسان والمواطن.
فهل تتمتع الفئات الاقتصادية من "رجال أعمال" في بلادنا بنفس الصفات والسمات التقدمية التي تمتعت بها البرجوازية الصاعدة في أوروبا أثناء مرحلة النهضة والثورة الصناعية؟ وهل تستطيع هذه الجماعات أن تلعب نفس الدور لا بل قل هل لها مصلحة في ذلك؟ نحن نجيب بلا، فالقطاع الخاص وبالتحديد أصحاب رؤوس الأموال في نشاطهم لا يعدون من المنتجين الصناعيين المعنيين بتطوير قوى الإنتاج بما فيه دعم الأبحاث العلمية والتكنولوجيا لاستخدامها في زيادة وتحسين جودة المنتج لغاية التصدير والمنافسة ولا يهتمون بالتنوير والنهضة الفكرية والعلمية، فضلا أنهم غير معنيين بتوحيد السوق العربية من اجل تنمية استثماراتهم وتوسيع اسواق منتحاتهم، وبالتالي توحيد الأمة كما فعلت البرجوازية الأصيلة، فمعظم نشاطهم كمبرادوري أو طفيلي وفي أحسن الأحوال تجميع منتج مستورد شبه جاهز يقوم به في كثير من الأحيان عمال وافدون، وهم بذلك يحققون الربح السريع. فكيف يمكن لمثل هذه القوى الاجتماعية أن تلعب نفس الدور التاريخي الذي لعبته القوى الاجتماعية الأوروبية كقوى رائدة وقائدة للتطور الديمقراطي والاجتماعي، وكيف يمكن لها ان تكون ليبرالية بصيغتها الكلاسيكية، كما يعتقد الواهمون؟
إن العمل والسياسة التي يتبناها ممثلو الاتجاه "الليبرالي" في بلداننا تستهدف تفكيك أهم القطاعات الخدمية الحكومية مثل الصحة والتعليم تماما كما فعلوا عندما خصخصوا القطاعات المنتجة والتي كانت تدر دخلا لخزينة الدولة، واصبح الآن من حق شركات اجنبية او وهمية سميت شريكا اقتصاديا استراتيجيا مهما، بينما بالنسبة للأوضاع الخارجية وفي المقدمة الاقليمية التي تشكل إطار للنهضة اذا كانوا عازمين على حدوثها، هم حريصون على السكوت وتبرير العدوان الأمريكي على المنطقة وفتح الأراضي امام تنفيذ مخططاته، لا بل يقومون بتمهيد الطريق بكل ما استطاعوا لمزيد من التدخل والهيمنة.
إن ليبراليي بلادنا ليسوا على استعداد أن يتبنوا المطالب القومية والاجتماعية والديمقراطية التي هي تعبير عن مطالب كل الأردنيين الذين كانوا ينعتون بالأغلبية الصامتة وأصبحت حاليا مشاغبة تستحق العقاب ودعاة الليبرالية يبررونه ولا يرفعون صوتا ولو خافتا على سبيل التعمية نقدا لاساليب الاحكام العرفية،. وهم غير مستعدين إن يدينوا التدخل الأمريكي العدواني في المنطقة وأن يطالبوا بوقف الحروب فيها. وغير معنيين أن يشاركوا في دحر الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وأن يحافظوا على وحدة لبنان ويتصدوا للعدوان الإسرائيلي عليه. نسوق هذه المواقف على خلفية قرارات وسياسات تعد تراجعا عما كان قد وعد به الأردنيين من إصلاحات ديمقراطية ونحن ننتظر مع معرفتنا التامة نتيجة التجربة وخاصة في المرحلة الأخيرة وإقرار تشريعات طالت مفاصل الدستور والحياة السياسية صاغها الليبراليون وما ينتظر من نهج اقتصادي بين دفتي وثيقة عابرة للحكومات لن يتبقى للشعب وحتى الحكومات حتى أي امل بلعب دور في مستقبل البلاد، ضمن هذا العبث بمصائر الفئات الاكثر فقرا، الليبرالية يا سادة الاوهام لن تتكرر فالظروف التي اوجدتها في اوروبا لن توجدها في مكان اخر ومن يسوق دورا لها هو واهم بالفعل او مضلل او شريك في العداء لمصالح الجماهير.