- كلمة ونص - وتفاهة المسلسلات الخليجية


رضي السماك
2022 / 4 / 2 - 11:51     

يروي الكاتب المصري اليساري الراحل صلاح عيسى حكايته مع مجلة"كلمة ونص" التي كان يصدرها في 1947 الكاتب الغنائي مأمون الشناوي وصلاح عبد المجيد، فما أن وقعت نسخة منها في يده بأحد أكشاك الأزبكية المتخصصة في بيع الكتب القديمة في القاهرة حتى هام بغرامها، وأخذ يفتش بين ركام كتب الأكشاك المبعثرة عما يمكن حصوله على المزيد من أعدادها كلما زار الأزبكية.
ومع أنها كانت بحجم الكف، فإنها - حسب وصفه- من أطرف المجلات جدة في شكلها وموضوعها، وتقدم للقارئ وجبة صحفية متكاملة،من الخبر إلى التحليل،ومن التحقيق إلى المقال. ومن الصورة إلى الكاريكاتير، وتستكتب على صفحاتها كبار الكتّاب من مشاهير الثقافة والفن والفكر والسياسة، وتمتاز بالإيجاز والسخرية اللاذعة في النقد السياسي والفني ، فحجم المقال لا يزيد عن 20 سطرا والخبر في سطر ونصف.
على أن هذه المجلة التي تنتهج أسلوب "ما قل ودل" ذكرتني ببرنامج رائع آخر كانت تبثه "إذاعة القاهرة" في شهر رمضان قبل سنوات غير بعيدة وتقدمه المذيعة القديرة بثينة كامل بعنوان" غيرت رأيك ليه؟"ومع أن مدته لا تتجاوز الخمس دقائق إلا أنها تطرح خلاله خمسة أسئلة كبيرة تبدو مُحرجة لمن تستضيفهم من كبار الثقافة والفكر والفن والأدب، حول تغيير بعض مواقفهم وآرائهم في مسيرة حياتهم الثقافية أو السياسية، سواء أكان التغيير بدافع" أنتهازي" منفعي يحاولون تبريره أم لدوافع موضوعية أستجدت، إلا أنهم يرحبون بتلك الأسئلة ويجيبون عنها أيضاً بما "قل ودل" في حدود دقيقة عن السؤال الواحد .
وإذا كان هذا النوع المكثف من المواد الإعلامية المقروءة والمسموعة الخفيفة ثرية المضمون قد عُرف في وقت لم تظهر فيه بعد وسائط التواصل الاجتماعي التي باتت تستأثر اليوم بجُل مصادرنا الإعلامية من خبر ومقالة نجده في فيديو وتغريدة وفيسبوك إلخ، فمن المستغرب أن يصر منتجو المسلسلات الرمضانية العربية، وعلى الأخص الخليجية منها، على انتاج المسلسلات المطوُلة ذات الخمس عشرة حلقة أو الثلاثين حلقة التي تتسابق على شرائها القنوات الفضائية الخليجية بأسعار فلكية باهظة تصل إلى الملايين، في الوقت الذي تواجه الطبقات الفقيرة والوسطى أزمات معيشية متعددة، ناهيك عن اطراد تردي الخدمات العامة الأساسية بفعل الفساد المستشري في الدول الخليجية.
الأكثر مدعاة للدهشة والاستنكار أن موضوعات تلك المسلسلات العربية والخليجية المطولة بغرض التربح والتي تُسلق على عجل قبيل رمضان ببضعة أشهر أو أقل، ما برحت منذ عقود ذات مضامين وأفكار هابطة مسفة، بل أن الخليجية منها بوجه خاص فإنها علاوة على أسفافها غالباً ما تدور أحداثها في بيوت فخمة قصورية، وتقدم شخصياتها،وبخاصة النسائية، يرتدون أنفس الأزياء وآخر صرعات الموضة أوالمودرن، فكأنما الطبقات الوسطى والفقيرة لا وجود لها ولا لبيوتها المتواضعة أو المتهالكة في مجتمعاتنا الخليحية، وكأنما كل حيوات العائلات الخليجية رغيدة مرفهة، وهذا لعمري تزييف مقيت ما بعده تزييف للواقع الاجتماعي التي تعيشه تلك الشعوب. وإذا كان ذلك التزييف لا ينطلي على المشاهدين من الشعوب الخليجية، فلربما أنطلى على الكثير من المشاهدين العرب الذين قد يجهل الكثير منهم واقع المجتمعات الخليجية حالما تقع أعينهم صدفةً على مقطع أومقاطع عابرة من حلقة من حلقاته أثناء تنقلهم سريعاً بالريموت كونترول بين القنوات العربية الفضائية !