من حق روسيا الدفاع عن أمنها القومي: سياسات الناتو العدوانية التوسعية هي المسؤولة


خليل اندراوس
2022 / 4 / 2 - 00:45     


من حق روسيا الدفاع عن أمنها القومي:

سياسات الناتو العدوانية التوسعية هي المسؤولة عن المواجهة في أوكرانيا


المواجهة بين روسيا وحلف الناتو والولايات المتحدة في أوكرانيا تحظى باهتمام كبير من كل دول وشعوب العالم، وهذا بعد فترة طويلة من الانشغال "بالربيع العربي" لا بل الخريف العربي، وإرهاب الثالوث الدنس في المشرق العربي، من العراق إلى ليبيا، ومن سوريا إلى اليمن، والانشغال مؤخرًا بوباء كوفيد 19، وأيضًا استمرار تهميش القضية الفلسطينية، ليس من قبل الولايات المتحدة ودولة الاحتلال والحصار إسرائيل فقط، بل أيضًا من قبل الرجعية العربية المطبعة مع إسرائيل، والتي تسعى إلى إقامة تحالف استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط ضد محور المقاومة، خاصة في أعقاب تغير الإدارة الأمريكية -أي الولايات المتحدة- وتراجعها عن الاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط، فالولايات المتحدة وخاصة في فترة بايدن باتت منشغلة أكثر فأكثر بالصين وروسيا وكوريا الشمالية. ولكن الإعلام الذي يركز على المواجهة بين حلف الناتو والولايات المتحدة -حلف الشياطين- وروسيا في أوكرانيا ويمارس الأكاذيب ضد روسيا، يتناسى دور الإرهاب الأمريكي ضد عشرات الدول وعشرات الشعوب على مدى عقود.

بعد هجمات الحادي عشر من أيلول عام 2001 على الولايات المتحدة، كان هناك اعتقاد عند بعض المثاليين وغير الموضوعيين بأن الولايات المتحدة قد تقوم بمراجعة الذات قبل الرد على ذلك الحدث، ولكن ما قامت به الولايات المتحدة في ذلك الوقت كان ممارسة إرهاب الدولة، حيث قامت باحتلال أفغانستان، وبعد ذلك قامت باحتلال العراق، وبعد ذلك وبالتعاون والتنسيق مع إسرائيل والسعودية -مركبات الثالوث الدنس- حاولت تحقيق مؤامرة تمزيق سوريا إلى دويلات، علوية في غرب سوريا، وكردية في شمال سوريا، وسنية في وسط سوريا، ودرزية على الحدود مع إسرائيل، استجابة لمصالح إسرائيل الاستراتيجية، وهذه الخطة وضعت كهدف استراتيجي لإسرائيل في قرارات المؤتمر الصهيوني العالمي في القدس في العقد الثامن من القرن الماضي. وهنا أذكر أيضًا هدف الإمبريالية العالمية، وخاصةً الولايات المتحدة والماسونية الصهيونية، تفريغ الشرق الأوسط من المسيحيين، ففي عام 1860، عام ثورة الفلاحين ضد عائلات الإقطاع في لبنان، قام السفير الأمريكي في تركيا في إسطنبول بزيارة بيروت، واقترح على المسيحيين الهجرة من لبنان والاستيطان في الجزائر، التي كانت في ذلك الوقت مستعمرة فرنسية ترتكب فيها فرنسا أبشع سياسات الاضطهاد والاستغلال والإرهاب الرسمي.

وما جرى في العراق من احتلال إرهابي أمريكي هو جريمة حرب قتل خلالها مئات آلاف العراقيين، وهجر أكثر من مليون مسيحي من العراق، والآن لم يبق في العراق سوى ما يقارب 250 ألف مسيحي. ومن أهداف مؤامرة تقسيم سوريا أيضًا، خلق أوضاع اجتماعية سياسية اقتصادية تدفع نحو هجرة المسيحيين من سوريا، وجرائم الحرب التي يرتكبها التحالف السعودي العربي ضد الشعب اليمني بدعم الغرب الإمبريالي، وكذلك الحرب الأهلية في ليبيا، كل هذه الجرائم التي ترتكب من قبل الثالوث الدنس -الولايات المتحدة وإسرائيل والرجعية العربية- لهي أكبر دليل على أن الولايات المتحدة وإسرائيل خاصة مارست خلال عقود من الزمن سياسات تستند على استخدام الحروب الاستباقية بحجة الدفاع عن النفس، وهذا ما مارسته إسرائيل خلال حربها العدوانية الاستباقية ضد الدول العربية، مصر والأردن وسوريا، في عام 1967، وهذا ما قامت به الولايات المتحدة في عدة حروب حول العالم، نذكر منها احتلال أفغانستان والعراق.

كل جرائم الحرب هذه يتناساها ويهمشها الغرب الإمبريالي الصهيوني، ويصف الأزمة في أوكرانيا بأنها جريمة حرب ترتكبها روسيا، وحتى بابا الفاتيكان قام بوصف هذه المواجهة في أوكرانيا بين الشيطان الأكبر الولايات المتحدة وحلف الناتو -حلف العدوان- وروسيا بأنها جريمة حرب ترتكبها روسيا. في حين على مدى عشرات السنين لم يتطرق كبار رجال الدين في الغرب، بمن فيهم بابا الفاتيكان الحالي، واصفًا ما يرتكب ضد شعوب الشرق العربي، وخاصة الشعب الفلسطيني، بأنها جرائم حرب. ونفسه هذا بابا الفاتيكان الذي زار العراق قبل فترة وجيزة من الزمن رفع "رسالة الأخوة والمحبة والتسامح"، دون أن يذكر جرائم الحرب التي ارتكبها الشيطان الأكبر -أي الولايات المتحدة- في العراق، والتي أدت إلى هجرة أكثر من مليون مسيحي، ودون أن يذكر جرائم الحرب التي ارتكبها الغرب الإمبريالي الصهيوني في سوريا. وهنا أذكر أني قد شاركت في أحد مؤتمرات حوار الأديان في كوريا الجنوبية، ووجدت بأن قرارات المؤتمر لم تتطرق إلى ما يجري على الأراضي المقدسة فلسطين. وعندما طرحت قضية معاناة الشعب الفلسطيني من الاحتلال والاستيطان الكولونيالي والحصار، كان هناك تجاوب إيجابي من الحضور تم التعبير عنه بالتصفيق والوقوف تضامنًا مع ما تم طرحه، وهذا الأمر قبل ذلك حدث في رودوس في مؤتمر لحوار الأديان عام 2008، وكذلك في ذلك المؤتمر كانت محاولة لتغييب القضية الفلسطينية كقضية إنسانية كونية عادلة، حيث تم تجاهل كلمتي من بين كلمات اختتام المؤتمر. عندها توجهت إلى نائب وزير الخارجية في الروسي آنذاك وطلبت منه أن يراجع الأمر، فأعاد برنامج المؤتمر الختامي وسجل اسمي ضمن كلمات اختتام المؤتمر. وكانت كلمتي بعد كلمة رئيس المنظمات الصهيونية في أوروبا، حيث تحدث هذا الصهيوني عن موضوع تقبل وتحمل الآخر (Tolerance)، وكانت كلمتي بعد هذا الصهيوني المنافق العنصري الشوفيني، والذي تكلم بروح وطرح ديماغوجي استعلائي، ولذلك بدأت كلمتي بدعوة الحضور لرؤية الجدار العازل الذي يمزق جسد فلسطين (الأرض المقدسة – الفردوس المفقود)، ولرؤية الحواجز التي تحد من تنقل الإنسان الفلسطيني، ولرؤية الحامل الفلسطينية التي لا تستطيع الوصول إلى المستشفى كي تلد. كان هناك تجاوب مع كلماتي من قبل الحضور، وخاصة عندما قلت القدس تذرف دمعًا، لا بل تنزف دمًا، كذلك الذي كان ينزف من جسد المسيح حينما صلب. وفي نهاية الكلمة وقف الحضور وقام بالتصفيق، وكان لي تحية وسلام من نائب وزير الخارجية الروسي سلطانف. أما ممثل الحركة الصهيونية الذي ألقى كلمته قبلي ترك القاعة مسرعًا وهاربًا.

أسرد هذين الحدثين لأقول بأن هناك محاولات مدروسة ومدعومة من قبل الإعلام الغربي والصهيوني، والتي تهدف إلى تهميش القضية الفلسطينية، وعدم التطرق إلى جرائم الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني على مدى عقود، بل إن الإعلام الغربي، وخاصة الأمريكي، يصف ما تقوم به إسرائيل بأنه دفاع عن أمنها، في حين سياسات إسرائيل كقاعدة أمامية للإمبريالية العالمية في الشرق الأوسط هي التي تهدد أمن شعوب ودول المنطقة. ولذلك أتألم وأتمزق من الداخل عندما أشاهد زعماء بعض الدول العربية، وخاصة في اللقاء الأخير بين السيسي وبن زايد والصهيوني اليميني المتطرف بينيت، يتحدثون عن تنسيق أمني استراتيجي مع إسرائيل، دولة الاحتلال والاضطهاد العنصري والأبرتهايد، ضد محور المقاومة، وخاصة إيران. هذه الممارسات من قبل بعض الدول العربية هي قمة الغباء والخيانة تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وهذه السياسة هي قمة الازدواجية السياسية والإعلامية تجاه القضية الفلسطينية، وهذه الازدواجية ذاتها يمارسها الغرب الإمبريالي الآن ضد روسيا، التي حاولت حل الخلاف مع أوكرانيا بطرق سلمية رفضتها أوكرانيا وحكومتها اليمينية النازية المدعومة من الولايات المتحدة وحلف الناتو، مما أجبر روسيا دفاعًا عن بوابتها الغربية، الحدود مع أوكرانيا، بالقيام بحربها ضد أوكرانيا، دفاعًا عن الدونباس ولمنع أوكرانيا من أن تكون قاعدة أمامية لحلف الناتو ضد روسيا. الحرب على أوكرانيا فرضت على روسيا بعد أن تجاهلت أوكرانيا وتجاهل الغرب توجهات روسيا لحل الخلافات مع أوكرانيا بطرق سلمية، والآن يعمل الغرب الإمبريالي الإرهابي، وخاصةً الشيطان الأكبر الولايات المتحدة، على إطالة واستمرار المواجهة العسكرية في أوكرانيا قدر المستطاع، بهدف إضعاف روسيا سياسيًا واقتصاديًا، وتشجيع ودعم المعارضة داخل روسيا. ولكن في رأيي لا بد وأن تنتصر روسيا في هذه المواجهة، وانتصار روسيا في هذه المواجهة سيكون لصالح كل دول وشعوب العالم الذي يعاني من الازدواجية السياسية والأخلاقية والإعلامية للولايات المتحدة وحلف الناتو، لأن الثابت في العقود الأخيرة أن الولايات المتحدة اتبعت وتتبع سياسة خطيرة ممكن تسميتها "سياسة نفي العالم على الطريقة الأمريكية"، ليصبح النظام الدولي نظامًا أمريكيًا تحكمه القوة الباطشة طبقة رأس المال وشركات صناعة السلاح في الولايات المتحدة، وكذلك الحركة الصهيونية العالمية – الأخطبوط الإرهابي العالمي. ولكن انتصار روسيا في المواجهة مع حلف الناتو والولايات المتحدة ستخلص الإنسانية من الكابوس الأمريكي.

الرأسمالية المعاصرة أدت إلى نظام عالمي لاضطهاد الأكثرية الكبرى من سكان الأرض استعماريًا، وخنقها ماليًا من قبل حفنة من البلدان "المتقدمة". ويجري اقتسام هذه "الغنائم" بين ضوار أقوياء في النطاق العالمي مسلحين من الرأس حتى أخمص القدمين. الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا يجرون العالم وكل الأرض إلى حروبهم من أجل اقتسام غنيمتهم، وهذا النظام العالمي الرأسمالي مارس كل أساليب الاقتصار والسياسة والإعلام من أجل تحويل أوكرانيا إلى غنيمة يجري اقتسامها، حتى لو كان ذلك على حساب دماء الشعب الأوكراني.

انتصار روسيا في المواجهة مع الغرب في أوكرانيا سيكون حدثًا تاريخيًا، لأنه سيكون بداية نهاية عالم القطب الواحد للهيمنة الأمريكية التي مارستها الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وهنا أريد أن أذكر بأن العدو الذي يواجهه الشعب السوري والروسي واحد، في سوريا داعش وحركات التطرف الديني المدعومة من قبل الثالوث الدنس الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية ودول الخليج العربي لا بل الأمريكي، وفي أوكرانيا النظام المتطرف القومي النازي. وكما كانت سوريا محقة في حربها ضد مؤامرة تقسيمها إلى دويلات، كذلك روسيا محقة في مواجهتها لحلف الناتو في أوكرانيا، الذي أراد التوسع نحو الحدود الغربية الروسية، بهدف تحقيق الهدف الاستراتيجي بإقامة حلف أوروآسيا وإحاطة روسيا من الغرب والجنوب والعمل على تفكيك روسيا إلى دويلات على أساس إثني وقومي. ولذلك، دفاع روسيا عن بوابتها الغربية في أوكرانيا هو دفاع عن الوجود الروسي، ودفاع عن وحدة روسيا وشعبها، ودفاع عن الدور الإيجابي لروسيا حول العالم، ودفاع عن الشعوب المضطهدة حول العالم، فالولايات المتحدة عملت وتعمل من أجل تكريس نظام دولي يصب في صالحها وصالح الصهيونية العالمية وقاعدتها الأمامية في الشرق الأوسط إسرائيل. ويقتلها الطموح في أن تصبح القوة الكونية الوحيدة في العالم لأطول مدة ممكنة، وتريد السيطرة على العالم الذي ترسمه بالصورة التي تريد. باختصار، تريد "أمركة وصهينة" العالم، لذا فإن فشلها في أوكرانيا سيكون لمصلحة الإنسان والإنسانية.