السودان: فولكر بيرتس يلقى احاطة -قحت- أمام مجلس الامن


محمود محمد ياسين
2022 / 4 / 1 - 23:28     

عنما تقرا الإحاطة التي قدمها السيد فولكر بيرتس الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة المنظمة الدولية المتكاملة لدعم الفترة الانتقالية في السودان (يونتامس). الى مجلس الامن في مارس 2022
احاطة فولكر بيرتس نتائج استطلاعاته السخيفة التي تستخف بوعي السودانيين باقتراضه ان الدولة تتحدد تشعر انها تطرح نفس الأفكار التي تطرحها هذه الايام قوى الحرية والتغيير (قحت).

تضمنت طبيعتها ويتحقق نظامها الأساس بالاستبيانات (questionnaires) وبأن هدف بعثته في هذا المضمار حقيقي وليس لفرض مسار الدولة السودانية بما يخدم مصالح الدول الكبرى. وننبه الى ان الدولة التي يتحدث عنها بيرتس هنا هي المتصورة للفترة الانتقالية وتشمل بجانب الترتيبات الدستورية هيكلة الأجهزة التنفيذية والتشريعية، والقضائية.

يُهزم الفكر عند اعتبار الدولة مجرد اختراع ذكي قام به البشر يُفرض على المجتمع من خارجه كإنجاز حصيف (rational) أو استحداث يعبر عن موقف أخلاقي يقوم على وعى حضاري (كما يعتقد بيرتس). فقيام الدولة واتجاهات تبدل مكوناتها عبر الزمن يحدث كنتاج موضوعي وضرورة تمليها لحظة معينة من تطور المجتمع. وهكذا، فان افادة بيرتس لمجلس الامن فيها كثيرا من السذاجة عندما ذكر فيها بانه توصل للمكونات الأساسية للدولة التي تناسب السودان (في الفترة الانتقالية) عبر استطلاع أراء "800 مشارك، وتلقى أكثر من 80 تقريرا مكتوبا" من مواطنين. لكن، هل يعقل تخيل إعادة تركيب الدولة السودانية، في واقع شديد التعقيد يعاني من انقسام وصراع مجتمعي حاد بين فئاته، بمثل هذا النهج البسيط.

فيما يخص ما أطلق عليه “تصحيح المسار الحالي" للسودان، يقول بيرتس في افادته، ان الاحساس الذي يتحدث به أمام المجلس هو إحساس من اسماهم " أصحاب المصلحة السودانيين القلقين على استقرار وبقاء بلدهم “؛ ويمضي ويذكر أن الحل يتحقق ب “العودة إلى النظام الدستوري والمسار الانتقالي، بحكومة مدنية ذات صلاحيات لقيادة البلاد خلال الفترة الانتقالية ومعالجة الأولويات الحاسمة." ولم يوضح ما هو النظام الدستوري الذي يود استعادته. وكل ما ذكره من مبررات لهذه العودة أرجعه أساسا للتردي الذي الحقه الانقلاب العسكري بالبلاد. وبينما أن ما نسبه بيرتس للحكم العسكري صحيح وان كان جزءاً يسيرا من مخاز الانقلاب، نجده يتجاهل تجاهلا تاما الإشارة للدمار الذي الحقه الحكم الانتقالي بالبلاد قبل الانقلاب. وهو نفس الأسلوب الذي تسير عليه "قحت" في نقدها للانقلاب. فبيرتس اثار نفس النقد الذي يوجهه قادة "قحت" للانقلاب.

ان نقاط نقد بيرتس انحصرت في صورة رسمها للأحوال بعد الانقلاب أدت الى انخفاض سعر صرف الجنيه السوداني ورفع الدعم وممارسة العنف وقتل للمتظاهرين وسوء الأحوال المعيشية؛ وهي نفس النقاط التي تثيرها حرفيا (verbatim) جماعة "قحت" الذين يلاحظ ظهورهم (المكثف المفاجئ) هذه الأيام في مؤتمرات صحفية. وكمثال لتطابق بعض ما جاء في افادة بيرتس مع "قحت"، فان بيرتس أشار الى أنه بعد الانقلاب انخفض سعر صرف الجنيه بنسبة 35% ونسى ان التعويم الذي قام به الحكم الانتقالي في نهاية شهر فبراير 2021 أدى الى انهيار قيمة الجنيه بنسبة 700% وان التعويم الثاني الذي أشار اليه بيرتس أصله القانوني وضعته حكومة "قحت". وان رفع الدعم احدثته نفس الحكومة التي أطاح بها الانقلاب مما أدى لقفزة كبيرة في اسعار السلع الضرورية للحياة جعلت المواطنين ينخرطون في احتجاجات شعبية واسعة وعنيفة شملت كل المدن والأرياف السودانية في فبراير/مارس 2021. كما لم يتطرق بيرتس لقتل مليشيات الجنجويد وقوات الامن الأخرى للشباب تحت نظر حكومة رئيس الوزراء السابق حمدوك.

من السابق، فأن تماهى بيرتس مع "قحت"، التي تقع تحت سيطرة حزب الأمة الطائفي المعادي بحكم تكوينه لثورة الشعب ولا يريد لها ان تبلغ مراميها، يعطى فكرة عن المخطط الذي تجرى هندسته، من قبل الانقلابيين، بالصورة التي تضمن ان أي هيكلة قادمة للحكم يجب ان تلتزم بالسير على خطى سياسة حكومة حمدوك التي أخضعت البلاد للهيمنة الأجنبية؛ وجدير بالذكر أن هذه السياسة المذعنة لمشيئة الخارج تمثلت في استقدام بعثة "يونتماس" والرضوخ الكامل لشروط صندوق النقد الدولي وقانون الانتقال الديمقراطي في السودان الصادر من الكونجرس الأمريكي في ديسمبر 2020 والتطبيع مع إسرائيل والاتفاقيات العسكرية المتعلقة بالبحر الأحمر وبتشغيل ميناء بورتسودان.

وكلمة أخيرة حول موقف الأطراف السياسية المختلفة من بعثة "يونتماس". فهناك أطراف متعددة تعارض البعثة من مواقع مختلفة واجندة حزبية محددة. فمثلا: ينتقد الانقلابيون بيرتس على أساس تجاوزه لصلاحياته بهجومه على أداء سلطتهم في افادته لمجلس الامن، وإذا أردنا أن نكون دقيقين فان هذا الموقف للسلطة الانقلابية وراءه الإسلاميين الذين تتم حثيثا اعادتهم للمشاركة في السلطة. فالإسلاميون غاضبون على بيرتس لأنه استبعدهم من القائمة التي يستبينها. لكن الموقف الثوري الصحيح هو الرفض المبدئي القاطع للبعثة بمنطق لا تغيب عنه الصورة الكلية لما يجرى في السودان منذ 2019 لوضع البلاد تحت الهيمنة الخارجية التي فرضتها الدول الكبرى على البلاد. إن الهدف من "يونتماس"، في التحليل النهائي، اخضاع السودان سياسيا لمشيئة الدول الكبرى المتزايد صراعها حاليا حول التوسع في السيطرة على دول العالم الثالث، واقتصاديا تمتين ربط السودان برأس المال العالمي في تابعية تحقق الأهداف الربحية للشركات الدولية الكبرى.