أي تضامن مع شعب أوكرانيا؟ بصدد بيان نسوي ضد الحرب

كاترين ساماري
2022 / 4 / 1 - 15:09     


تناقشُ هنا كاترين ساماري، الباحثة الاقتصادية النسوية والمناضلة الاشتراكية البيئية، البيانَ النسويَ ضد الحرب في أوكرانيا. وإذ تعتبرُ الأمر ليس صراعا بين امبرياليات، بل حربا عدوانية من الإمبريالية الروسية، فإنها ترومُ دحضَ الشعارات الداعية إلى السلم، مبرزةً أنها إن كانت بجلاء صالحة لروسا ذاتها، فلا يمكن تطبيقها في إطار المقاومة العسكرية التي يتصدى بها شعب أوكرانيا للاجتياح.

كاترين ساماري أخصائية في شؤون البلقان وفي التسيير الذاتي. ولها كتب عديدة ، منها السوق و التسيير الذاتي، التجربة اليوغوسلافية [Éditions la Brèche] و يوغوسلافيا من التفكك إلى الرهانات الأوربية [Éditions du cygne, 2008] والعديد من المقالات. وهي عضو بالأممية الرابعة.

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

لم أوقع البيانَ النسوي ضد الحرب في أوكرانيا، مع أني أشاطر أوجه عديدة من هذا البيان الذي وقعته نساء أُكِنُّ لهن الكثير من التقدير (قلت ذلك للرفيقة التي أرسلته إليّ). أتمنى أن يُنظر إلى نصي هذا كمساهمة في حوارات ضرورية.

يتعلق اعتراضي الرئيس بـ”التحليل الملموس للواقع الملموس”- أو طبيعة هذه الحرب. والحال أن صياغة المواقف الأممية تتوقف دوما على هذا الطراز من التحليل – وأرى أيضا أن صوغ إجابات نسوية يتطلب هذا النوع من التحليل لأوضاع خاصة. والحال أن صيغ البيان تجنحُ، بالعكس، إلى التعبير عن موقف عام داع للسلم – مرتبط بلا ريب بتحليل سياسي لا يميز حربا عدوانيا عن مقاومة مشروعة.

ومهما يكن من أمر، أنا لا أتبنى نسوية مدافعة عن فكرة أن على النساء “بحكم الطبيعة” ألا يحملن أبدا السلاح.

يتعلق إذن المرتكز الأساسي للنقاش بتفسير أسباب هذه الحرب المعتبرة حربا بين امبرياليات. ولو كان الأمر على ذلك النحو، لساندتُ موقفا داعيا إلى السلم بصورة جذرية. وسيكون على غرار موقف جان جوريس قُبيل الحرب العالمية الأولى بين الامبرياليات التي كانت تبرر تماما الانهزامية الثورية ليسار الأممية الثانية [ تيار زيمروالد].

وأضيف أنه من البديهي أن موقفا داعيا للسلم مبررٌ تماما في روسيا، لاسيما الموقف السلمي النسوي، كالذي ينادي به البيان لكن دون أن يميز مستند وجهة النظر هذه في البلد المعتدي عن مستند النساء في البلد ضحية العدوان.

لهذا، لا يمكن للبيان، بسبب نمط تحليله للصراع، أن يُقيمَ أي صلة بنسويات أوكرانيا المنخرطات في نضال مقاومة. آمُل جيدا، وأظن، أن يكون دور أمهات وزوجات و أخوات الجنود الروس المرسلين إلى ما يسمى “العمليات العسكرية”، و الذين سيموتون في حرب قذرة ضد إخوانهم الأوكرانيين، آمل أن يكون أساسيا في هزيمة بوتين. وبالعكس قلت في جوابي السلبي إلى مُصْدِرات البيان إنني أحترم بنفس القدر النساء اللائي يهربن من البلد ومن الحرب لأجل حماية أطفالهن واللائي يبقين في البلد للانضمام إلى الدفاع (المسلح وغير المسلح) عن بلدهن.

لكن هذا يستلزم الاعتراف بأن المقاومة المسلحة هي في البلد “حرب عادلة”، دفاعية، يخوضها شعب يسعى بوتين بصراحة إلى الغاء وجوده المستقل. وقد ذكر بوضوح ، قبيل “عمليته، بعيدا عن مماحكات الحلف الأطلسي، ما اعتبره كيانا مصطنعا من طرف لينينٍ أدرج في دستور الاتحاد السوفياتي اعترافا تاما بأوكرانيا وبيلاروسيا ككيانين مغايرين لروسيا ولهما حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها. وتبنى بوتين الماضي القيصري وستالين ضد لينين وضد هكذا حقوق مطلقا “عمليته” معتقدا أنها سهلة. وإن ما ووجه به من مقاومة هي مقامة شعب أوكراني برمته – رجالا ونساء من كل المناطق- لا سيما الناطقة بالروسية ( كما هو الرئيس زيلينسكي). وإن أول مفعول لهذه الحرب هو – وسيكون- توطيد الأمة الأوكرانية الناشئة، والمكافحة من أجل كرامتها وحقها في تقرير المصير.

بجميع الأحوال، بوجه الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا، تعني عمليا نداءات “إلى السلم” وإلى مفاوضات دبلوماسية- مع رفض المقاومة المسلحة ( ووسائل القيام بها)- نداءات للخضوع في الآن ذاته لبوتين وللقوى العظمى. ويمكن نقاش مختلف سبل الطعن في نظام ظالم والرد على أشكال العنف مع التنديد بالعدوانات ورفضها.

لكن التأكيد على الخيارات التي عبر عنها السكان ضحايا العدوان – وفي هذه الحالة حق شعب أوكرانيا في تقرير مصيره بوجه هذه الحرب وفي العلاقات الداخلية والدولية التي يندرج فيها- يبدو لي أساسيا. إن هكذا تأكيدا على المجتمع الملموس مناقض للقراءات “الجيوستراتيجية” للصراعات التي تختزل الشعوب في بيادق مستعملة من قبل هذه الأطراف وتلك.

ومع الأسف، لا يستنفد تحليل طبيعة العدوان الملموس النقاش حول التحاليل و المهام من أجل المعارك التحررية. أكيد أن كل صراع يجري استغلاله من قبل القوى العظمى في هذا العالم. فبايدن يأمل تسويق غازه الصخري ضد غاز روسيا. وصناعات السلاح، المضطرة لتسجيل مضاعفات هزيمة الولايات المتحدة الأمريكية في افغانستان، مبتهجة بالمفعول الآخر المباشر لحرب بوتين (والذي لم يكن تتوقعه)، أي تعزيز الحلف الأطلسي والاتحاد الاوربي للميزانيات العسكرية، فوريا بالأقل.

لكن شعبَ أوكرانيا المقاوم يستعملُ – فضلا عمَّا ينتجُ هو ذاته- أسلحةً مصنوعة في مصانع الحلف الأطلسي. هذا لا يكفي لإلغاء استقلال التزامه بالكفاح، ومن ثمة دوافعه. كما لا يغير هذا طبيعة الحرب- التي لا تريد قوى الحلف الأطلسي تحويلها إلى حرب مع روسيا. هذا ما يجعل انتقاد الحلف الأطلسي – الذي يمثل رهانا عالميا وراهنا، لاسيما منذ العام 1991- مستعصيا على الفهم في أوكرانيا وفي وجه أهوال حرب بوتين و تهديداته إن جرى التعبير عنه بشعارات ترفض إرسال أسلحة دفاعية إلى شعب أوكرانيا – او تضع روسيا والحلف الأطلسي في نفس المكانة في هذه الحرب.

كما أن الشعار الأممي- شعارَ محاربة المرء إمبريالية بلده- يفقد كل معنى وأهميته إذا أبدى مناهضو الامبريالية عدم اكتراث بالمصير الذي تُكبده …امبريالية أخرى . وثمة أمر آخر لا يبرر، ولو دقيقة، هذه الحرب، ألا وهو الطعن النقدي بصورة جذرية في المؤسسات والعلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي تهيكل القارة و الاوربية- شرقها وغربها- وسائر العالم منذ 1989-1991. لكن هذا يقع في زمنية أخرى من التحليل و الشعارات.

ستؤدي الحرب في أوكرانيا وفي العالم إلى تقاطبات، لاسيما نمو مكون ذي نزعة عسكرية مفرطة، يميني متطرف وفاشي، داخل المقاومة الأكرانية: وقد هدد هذا المكونُ زيلينسكي بالقتل في أثناء محاولاته الأولى للتفاوض في الدونباس ومع بوتين. فالرئيس المحارب الأوكراني مطوق بقوتين يمينيتين متطرفتين(غير متساوقتين، بنحو حاد): قوة بوتينية روسية كبرى (مع قوة الدولة لديها ومرتزقيها) و الأخرى المدافعة عن هوية أوكرانية “مناهضة لروسيا”. وهو نفسه ليس فاشيا، ولا البيدق المحتقر من بوتين- ولا هوشي منه. وإن موقفه الذي يمدح النظام الليبرالي، التابع للأوليغارشيين – والعاجز عن مقارنة مصير شعبه بذاك المفروض على الفلسطينيين كما برز للأسف من خطابه في إسرائيل- يستوجب أن تجري المساندة الأممية للمقاومة الأوكرانية بكل استقلالية نقدية.

يجب أن نقوم بكل ما يمكن كي يكون وازنا في هزيمة المعتدي بوتين توطيدٌ من أسفل لهوية أوكرانية أوسع، دامجةٍ ومنغرسة في المجتمع، أكثرَ من الهوية الأوكرانية الخاصة بقوى أقصى اليمين العنصرية، وبداخلها يسار يناضل ضد كل الفاشيات الجديدة في أوكرانيا وفي روسيا ؛ يسار يخاطب أيضا في زمن الحرب زيلينسكي كي لا يتحمل العمال، مكان الأوليغارشيين، كلفة الديون الأوكرانية ونفقات الحرب. انه بدعم هذا اليسار –الهش لكن الأساسي- في أوكرانيا، وفي ارتباط مع الحركة المناهضة للحرب في روسيا، يتوجب علينا بناء سياسة أممية من أسفل.

إن هكذا سياسة تصطدم بسياق مطبوع بموروث تاريخي متعدد – من الامبراطوريات القديمة إلى الستالينية مرورا بالنضال ضد النازية و كوارث العولمة الرأسمالية لما بعد 1989- تستدعي فحصا مفصلا بمنظار تحرري بصورة جذرية، ضد كل علاقات الاضطهاد. وإن للنسوية الأممية دور كبير تقوم به في هذا المسعى.

المصدر: https://www.contretemps.eu/solidarite-ukraine-manifeste-feministe-guerre/

تعريب جريدة المناضل-ة