لينين والصهيونية


أمير الحلو
2006 / 9 / 10 - 10:27     

لقد كانت دراسة ماركس للمسالة اليهودية اول دراسة علمية سلطت الاضواء على حقيقة هذه الظاهرة وفق منطق جدلي يرتبط بطبيعة العلاقات الانتاجية السائدة وموقع الطبقات اليهودية المستغلة فيها وقد حدد ماركس طبيعة المسالة اليهودية بقوله وانما ينسل المجتمع البرجوازي اليهودي من اعماق احشائه هو نفسه دون انقطاع ولا تبلغ اليهودية ذروتها الا مع اكتمال المجتمع البرجوازي واذا كانت الصهيونية كحركة رجعية عنصرية لم تكن قد برزت بشكلها الواسع الفعال في زمن ماركس فانه وبتحليله العلمي للمسالة اليهودية قد حدد ما اسماه بالذروة اليهودية التي ستكتمل باكتمال المجتمع البرجوازي وهي حركة الصهيونية ذاتها التي ولدها النظام الراسمالي وارتبطت به ارتباطا مصيريا.
لقد بحث ماركس عن العنصر الاجتماعي الخاص اللازم لالغاء اليهودية بقوله (يجب ان لا نبحث عن سر اليهودي في دينه بل فلنبحث عن سر الدين في اليهودي الواقعي) واستخلص من ذلك (ان العهد الحاضر بتحرره من المتاجرة والمال وبالتالي من اليهودية الواقعية والعلمية انما يحرر نفسه ايضاً) وهكذا حدد ماركس طبيعة الصهيونية وفق تحليل جدلي بعيد عن الغيبيات وعوامل الشذوذ والانغلاق والتيه والتشرد.
ان الصهيونية ظاهرة طبقية وجدت ونضجت مع النظام الراسمالي وحين ينجح المجتمع في الغاء الجوهر العملي لليهودية،المتاجرة وشروطها عندئذ يصبح وجود اليهودي مستحيلا ذلك لان ضميره لم تبق ثمة من حاجة إليه ذلك لان الاساس الذاتي لليهودية الحاجة العملية قد اتخذت شكلا انسانيا وذلك لان المنازعة بين الوجود الفردي والمحسوس للانسان ووجوده الاجتماعي قد الغيت.
ان المسالة اليهودية ظاهرة عكستها علاقات انتاجية معينة في المجتمع البرجوازي وستزول حتما بتغيير هذه العلاقات وفق قوانين التطور.
وجد لينين الرجل الماركسي الثورى امامه دراسة علمية للمسالة اليهودية اثبتت تطورات الاحداث صحتها وعاش لينين مولد الحركة الصهيونية التي افرزها الجتمع البرجوازي المتطور وبنظرته الثورية الثاقبة عكف على تحليل الذروة اليهودية أي الصهيونية التي عقدت سنة 1897 مؤتمرها الاول في بال. لقد واجه لينين النشاطات السياسية اليهودية واصطدم بها بادئ الامر حين طالب الاتحاد العام للعمال اليهود في ليتوانيا وبولونيا وروسيا او حزب البوند والذي انضم سنة 1898 الى الحزب العمالي الاشتراكي الديمقراطي في روسيا باعتباره الممثل الوحيد للعمال اليهود في روسيا وبقبول مبدا تقسيم التنظيم الحزبي حسب القوميات وقد عارض لينين ذلك بشدة وكشف التناقص الكبير بين هذا الطلب والاهداف الاشتراكية الثورية. ويمكن القول ان سبب معارضة لينين لمطالب البوند وشعاره بتحقيق الاستقلال الثقافي الذاتي يعود الى:
1- ان الطبقة العاملة لا يمكن تقسيمها الى احزاب متعددة وفق المعتقدات الدينية كما يريد البونديون حين اسسوا اتحادهم على اساس تجميع العمال اليهود. ان الطبقة العاملة تجمعها مصلحتها الطبقية واهدافها الثورية فقط ولن تفرق بينها اعتبارات طوبائية لا تمت لها باية صلة
2- ان دعوة البوند اليهودي الى تقسيم التنظيم الحزبي حسب القوميات مطلب برجوازي يتعارض والمبادئ الاممية للبروليتاريا ولن يقود الا الى سيادة البرجوازية فكريا وسياسيا وقد قال لينين: ان الفكرة القومية اليهودية ضد مصالح البروليتاريا اليهودية لانها تروج في صفوفها مباشرة او بشكل غير مباشر روحا معادية للتمثل (الاندماج في المجتمعات).
3- ان لينين قد رفع شعار حق الامم في تقرير المصير كحل للمسالة القومية في حين رفع البونديون شعار الاستقلال الثقافي القومي الذاتي. والفرق بينهما ان لينين قد دعا الى تحرير كل الامم المظلومة واقامة علاقات اخوية بين الامم مبنية على ضرورة وحدة الكادحين من ابناء هذه الامم من اجل تحررهم. كان لينين يدعو لحرية تقرير المصير ويؤكد حق الانفصال ليحقق اتحادا طوعيا حرا تبنيه الشغيلة اما اليهود فقد دعوا الى قيام وحدات ثقافية مستقلة ضمن اطار الدولة الواحدة فحيث وجد اليهود اصبح من الواجب تامين الدراسة لهم بلغتهم وهكذا.
ان لينين الذي دافع عن حق الامم في تقرير مصيرها حتى في الانفصال قد حارب بلا هوادة كافة النوازع البرجوازية الضيقة وعارض الاهداف الصهيونية معارضة شديدة وكشف زيف ما سمي بالقومية اليهودية ودعا الى تمثل اليهود أي اندماجهم في مجتمعاتهم وذوبانهم بها وقد انتقد الذين يقيمون الدنيا ويقعدونها ضد التمثلية واصفاً اياهم بانهم انما هم اولئك اليهود الرجعيون التافهون الضيقو الافق الذين يريدون ان يعيدوا عجلة التاريخ الى وراء. ان لينين الماركسي الذين امن بان المسالة اليهودية انما هي نتاج المجتمع البرجوازي لم يطالب باندماج اليهود في مجتمعاتهم عبثا وانما عن دراسة علمية تاريخية لواقعهم وتطلعاتهم، يقول لينين: ان اليهود المقيمين في العالم المتمدن لا يشكلون امة فقد تمثلوا اكثر من غيرهم كذلك لا يشكل اليهود القاطنون في روسيا وغاليسيا امة وهذا هو الرأي الثابت الذي يقول به أولئك الذين يعرفون التاريخ اليهودي يقين المعرفة. الأمة بنظر لينين يجب ان تكون لها ارض تتطور عليها فهل يمثل اليهود شعبا خاصا؟ يجيب لينين على ذلك لا قطعا ان مفهوم الشعب يتطلب شروطا معينة لا تتوافر في هذه الحالة فاليهود لا يمتلكون لا ارضا ولا لغة مشتركة ولا جامع يجمع اليهود الالمان والفرنسيين باليهود البولونيين والروس والخصائص المميزة لليهود لا تحمل معها أي شئ من خصائص القومية كما وقال ان الدراسات العلمية المعاصرة تنفي الخصائص القومية لليهودية تماما وتنفي حتى الخصائص العرقية ذاتها.
ان موقف لينين من القوميات في الجمهوريات السوفيتية كان موقفا تاريخيا ثوريا اكد على جانبين مهمين في ان واحد الاول الاعتراف بوجود القوميات كتعبير عن وجود ارض ولغة مشتركة واعطائها الحق في تقرير مصيرها والثاني العمل على تحقيق اتحاد طوعي بين القوميات يعبر عن الاهداف الثورية للبروليتاريا وتخطي كافة النوازع البرجوازية الضيقة . وقد ظهر اتحاد الجمهوريات السوفيتية كتجسيد ثورى حي للمبادئ اللينينية الاممية . وقد وقفت الاممية الشيوعية بقيادة لينين سنة 1922 ضد قبول (البولي سيون) الاتحاد العالمي للعمال اليهود وهو حزب يهودي عالمي صهيوني بعنصره الغالب مشترطه عليه القطيعة الكاملة مع الصهيونية وذلك بالتخلي عن فكرة انشاء دولة يهودية في فلسطين فقد اعتبرت الاممية هذه الفكرة وهما برجوازيا صغيرا مضادا للثورة واصرت الاممية على موقف واضح وهو ان يحل الاتحاد العالمي للعمال اليهود نفسه وتنضم البروليتاريا اليهودية الشيوعية الى الاحزاب الشيوعية في اقطارها وان تتخلى عن مطامعها في فلسطين.
وجدنا ان لينين يؤكد ان الدراسات العلمية تجرد اليهودية من أي صفة قومية وتفنذ الادعاءات القائلة بوجود امة يهودية تجمع كافة يهود العالم وتميزهم عن مجتمعاتهم وما الصهيونية الا محاوله مادية للبرجوازية اليهودية الموالية للإمبريالية في المنظمة الصهيونية العالمية والاتحاد اليهودي الكولونيالي من اجل إعادة السيطرة المفقودة للفئات العليا (المراتب البرجوازية) من الجماعة اليهودية من اجل عرقلة التقدم الاكيد لذوبان اليهود في السكان المحيطين .
ان اللينينية والصهيونية حركتان متعارضتان كليا في نشأتهما وطبقاتهما واهد افهما. اللينينية فكر ثورى متطور عمل على تنظيم البروليتاريا في حزب ثورى يمثل مصالحها الطبقية متخطيا بذلك كافة النوازع البرجوازية الضيقة والتعصب الشوفيني والأفكار الطوبائية التي تحاول جميعها ابعاد الكادحين عن قضيتهم الحقيقية وتضع الحواجز امام وحدتهم التي هي الشرط الضروري لاستمرار كفاحهم ونحقيقهم لاهدافهم .
ان افكار ماركس وانجلز ولينين قد وضعت بأدي الكادحين سلاحا فعالا في معركتهم الحياتية ضد مستغليهم يقوم اساسا على الادراك الواعي لمصالحهم الطبقية ووحدتهم ودورهم الرئيسي في الانتاج وهي بذلك تعارض الحركات الرجعية الداعية الى تمزيق وحدة الشغيلة ومنها الحركة الصهيونية التي هي الواقع حركة رجعية شوفينية وجدت لخدمة المصالح الامبريالية وظاهرة طبقية معادية لكل الكادحين.
ان دعوتها لفرز اليهود وإضفاء صفات الاختيار الالهي عليهم لتمييزهم واعلاء مكانتهم بين البشر ما هي الا دعوة فاشية لاتختلف في افكارها واساليبها واهدافها عن الدعوات النازية والفاشية العرقية التي اغرقت العالم في الحروب خدمة لاطماعها وتعصبها واهدافها الامبريالية وقد ادرك الصهاينة ما تمثله اللينينية من خطر حقيقي على اهدافهم الرجعية خصوصا وان حركتهم قد ارتبطت كليا بالنظام الرأسمالي الذي انبثقت عنه فراحت تشن حملة واسعة عليها مستهدفة تمزيق صفوفها العمالية الملتحمة واثارة النزعات الضيقة بينها ولكن الصراع اللينيني مع الاهداف الصهيونية قد اكد ان الطبقة العاملة لا يمكن ان تخضع لاعتبارات غريبة عنها تتخذ من الافكار البرجوازية والطوبائية ستارا لتحقيق المصالح الامبريالية العدوانية فقد كشفت اللينينية الجوهر الطبقي للصهيونية ومحاولتها طمس معالم الصراع الطبقي بين الكادحين ومستغليهم وما كانت الافكار الصهيونية لتعكس الا مجرد رغبة البرجوازية اليهودية لاعادة السيطرة على الجماعات اليهودية المنحلة ولم تنطلق هذه الافكار من القوانين الموضوعية لتطور المجتمع الطبقي الذي كانت الجماعات اليهودية جزء منه بل من النوايا الذاتية للقوى الرجعية . ان الحركة الصهيونية بانكارها لوجود الصراع الطبقي ومحاولتها جمع الكادحين ومستغليهم في صفوفها ووفق منطلقاتها الطوبائية تمثل ردة رجعية لن تخدم الا مصالح الراسماليين الطبقية على حساب الشغيلة واذا كانت رجعيتها واضحة ومؤكدة فانه لمن السخرية بمكان ان يحاول بعض الصهاينة اضفاء طابع الديمقراطية او حتى الاشتراكية عليها (كما يعمل حزب المابام). وقد كتب لينين عن هذه الظاهرة الصهيونية في (الاسكرا) سنة 1903 يقول (هي رجعية كليا لا عندما يدعو لها دعاتها الصرحاء (الصهيونيون) ولكنها كذلك عندما تنطلق من شفاه هؤلاء الذين يحاولون ان يمزجوها بافكار البروليتاريا اليهودية لانها تروج في صفوفها روحا معادية للتمثل).
كما وربط لينين بمنطق ديالكتيكي علمي بين الصهيونية والامبريالية العالمية بقوله (هل من المعقول حقا ان يكون محض صدفة واقع ان القوى الرجعية في كل أوروبا وخصوصاً في روسيا هي التي تحمل السلاح ضد ذوبان اليهودية وتعمل على تعزيز عزلتها)!
ان هذا الموقف اللينيني الثوري الصريح من الاهداف الصهيونية الرامية الى منع اندماج اليهود في مجتمعاتهم قد اثار حنق الصهيونية على الاتحاد السوفيتي ووجهت جميع الجهود للقضاء على الدولة السوفيتية.
يقول (يورى ايفانوف): لقد شارك الصهاينة في كيان ما يدعى بـ (حكومات) دينيكين وغيتمان سكوروبادسكى وبيتلورا ، وقاموا بعمل فعال لانشاء الوحدات الصهيونية العسكرية التي حملت السلاح ضد بلاد السوفيت ، وينبغي ان نلاحظ انه منذ سنة 1918 وحتى سنة 1921 قامت جماعة دينيكين وبيتلورا وبولاك بولاخوفيتش وماخنوف بتنظيم مجزرة عذب وقتل فيها عشرات الالوف من اليهود ولكن هذه النشاطات لم تعرقل ولو بصورة ضئيلة التحالف الفكري الاقتصادي والعسكري الوطيد لقادة المركز الصهيوني مع اعداء الثورة . وكان الصهاينة يعملون في الخطوط الخلفية للسلطة السوفيتية بصورة ليست اقل فعالية فبجانب المقاطعة والتجسس وجهوا اهتماماً جدياً نحو ما يسمى بأشكال النضال (العلني) ضد الدولة السوفيتية فنظموا بذلك بمختلف الذرائع العديد من الجمعيات والاتحادات التي أصبحت مراكز للنشاطات المعادية للسوفيت.