إنجازات المنظمة العرقية -جامعة الدول العربية-


كوسلا ابشن
2022 / 3 / 27 - 22:43     

قال المفكر المصري بيومي قنديل إن "إنشاء الجامعة العربية كان برعاية بريطانيا العظمى التي كانت متحكمة في المنطقة. والحقائق تقول إن مكتب المخابرات البريطاني في القاهرة كان يدفع رشاوي لشخصيات لكي يروجوا لفكرة القومية العربية".
مخططات الإنجليز تخدم مصالحهم و أجندة دعاة إستعادة أمجاد الإمبراطوية "العربية" الوهمية, حاولت بشكل أو آخر الى تحويل الوهم الى واقع مادي. إن فكرة تجميع ما أصطلح عليه باطلا بالشعوب "العربية" في كيان تنظيمي واحد, كان من تفكير و تخطيط التحالف الإنجلو-فرنسي, لإقناع "العرب" بأحقيتهم في الخلافة بدل العثمانيين.
أول ما بدأه التحالف الإستعماري هو خلق فكرة القومية العربية, لإنتاج النزعة العرقية المؤهلة لقيادة مشاريع النزعة العرقية. و من أجلها توفير الأرضية النظرية و السياسة للتحرك العرقي, نظم الإستعمار الفرنسي, أول مؤتمر بباريس سنة 1913, حضره شخصيات من النخبة العرقية الشرق الأوسطية, و كان بيان المؤتمر خالي من الحديث عن إستقلال مستعمرات الدول الأوروبية التي كانت تشجع فكرة القومية العربية و خصوصا فرنسا, المنظم و الداعم و الممول الرئيسي لإنجاح مشروع الفكرة العرقية القاهرة لشعوب المنطقة. البيان يؤكد أن بروز التيار القومي من بدايته لم يكن معني بالنضال ضد الإستعمار بل العكس ظهر لإنتهاك حقوق شعوب المنطقة و محاربتها من أجل مصالح الإستعمار.
نتيجة نجاح الإستعمار الأنجلو-فرنسي في غرس فكرة القومية العربية في أرض أوطان الشعوب المحتلة, وتأسيس تنظيمات سياسية نازية عروبية, قادرة عن إمساك زمام الأمور بيد من حديد في قهر حركات المقاومة لشعوب المستعمرات, وقادرة على حماية مصالح الإمبريالية في المنطقة. برزت فكرة المشروع العرقي الوحدوي, و كان بداية لخطة توحيد المنطقة تحت سلطة سياسية واحدة عرقية, دكتاتورية, تكون في خدمة الإستعمار بعد الجلاء العسكري. هكذا طرحت فكرة تأسيس "جامعة الدول العربية", الكيان العرقي المدمر لهويات شعوب المنطقة, الفكرة التي أعلنها وزير خارجية بريطانيا أنتوني إيدن في 29 ماي 1941, بقوله:" يرجو كثير من مفكري العرب للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة أكبر مما تتمتع به الآن. وإن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا في مساعيهم نحو هذا الهدف ولا ينبغي أن نغفل الرد على هذا الطلب من جانب أصدقائنا ... وحكومة جلالته سوف تبذل تأييدها التام لأي خطة تلقى موافقة عامة". و في 24 فبراير 1943, أعلن أنتوني إيدن في مجلس العموم البريطاني بأن الحكومة البريطانية تأيد كل خطوة للعرب ترمي الى و حدتهم.
هكذا سيولد التنظيم العرقي المسمى "جامعة الدول العربية" في 22 مارس 1945, تتحكم فيه القوى الإمبريالية و توجه سياسته في شرعنة دكتاتورية السلطة العروبية في قمع شعوب الأوطان المحتلة, و إستكمال عملية محو آثار ثقافات و لغات هذه شعوب. الإنجليز عندما بادروا الى خلق الهيكل العرقي " جامعة الدول العربية", كانوا مدركين لحساسية العنصر الآثنو- ثقافي في المنطقة, و النتائج الكارثية للسياسة العرقية العروبية في إنتهاك حقوق الشعوب غير العربية بسياسة التعريب و التدمير هويات شعوب المنطقة بإقصاء لغاتها و ثقافاتها و إضطهادها في المجال الإقتصادي و الإجتماعي و الثقافي و السياسي و الديني. كان الإستعمار الأوروبي يدرك أن الوحدة العرقية الفوقية لا تؤدي الى و حدة فعلية, بفعل التناقضات الهوياتية و الممارسات الإستبدادية, وهذا كان هدف الإستعمار الأوروبي لجعل الهيكل الفارغ آداة طيعة في يد الإمبرالية في تمرير توجهاته الجيو-سياسية في المنطقة.
دخل التنظيم العرقي في شهر مارس الحالي عامه مولده 77, بإنجازاته العرقية و إنكساراته و دسائسه. من إنجازاته في بلاد إمازيغن مثلا, في مقدمتها سياسة التعريب بصياغته للمنهاج الدراسية و تصديره للمؤطرين التربويين و معلمي اللغة العربية و إهتمامه بإرساليات البعثات الثقافية لضمان الإستلاب الثقافي و إستكمال مهمة الإستعمار الأوروبي في التحول الهوياتي لشعب إمازيغن بالتعريب المؤسساتي.و عن الموقع الإلكتروني "أمازيغ وولد", حول تعريب التعليم, إستنادا الى رسالة شارل أندريه جوليان ب 1 نوفمبر 1960 باريس, جاء فيها مايلي:" لقد توقفت منذ 31 أكتوبر الماضي عن أن أكون بشكل رسمي عميد كلية الآداب بالرباط. ومن ثم فإنه يمكنني الآن التحدث بحرية. لقد تم إستدعائي من قبل جلالة الملك محمد الخامس للمساهمة في تعزيز العلاقات الثقافية بين الغرب والشرق، وقد بذلت قصارى جهدي في هذا الباب, فقد خلقت من الصفر كلية حازت سمعة قوية, وكانت قادرة على أن تصبح المركز الثقافي الأكثر أهمية في أفريقيا المسلمة، وكذا مركز جذب بالنسبة للأفارقة الفرنكوفونيين. لقد كنت دائما من المؤيدين للتعريب, ولكن للتعريب من فوق, إذ إنني أخشى أن يجعل التعريب الذي يمارس في الوضع الحالي من المغرب خلال بضع سنوات بلدا متخلفا فكريا وثقافيا". بالفعل لم تنتج سياسة التعريب إلا مجتمعا متخلفا في كل المجالات, من جهة مستهلكا لخرافات الشرق للقرون الوسطى, و من جهة آخرى مستهلكا للمخلفات السلبية و الهامشية للحداثة الأوروبية.
و من إنجازات التنظيم العرقي كذلك ضمه لعدد من الدول الإفريقية الغير العربية و أهلها لا تتواصل باللغة العربية, في مقدمتها بلاد الأمازيغ, و بلدان غير عربية و اللغة العربية تختصر فيها على حفظ بعض الآيات القرآنية للصلاة فقط, أما لغاتها الرسمية فهي غير عربية, و أسباب الأنضمام معروفة, مثل صومال التي ضمتها الجامعة (1974) و جيبوتي (1977) و جزر القمر في جنوب القارة الإفريقية (1993), رغم أن مادة من ميثاق الجامعة, تنص أن تكون اللغة العربية لغة رسمية لدول أعضاء " جامعة الدول العربية", إلا أن ضرورة الكم (العددي) و التعريب الهوياتي التخيلي والفوقي لهذه الدول في القارة السوداء كان من أولويات "الجامعة" العرقية.
مبادرة الإنجليز في تأسيس الكيان العرقي "جامعة الدول العربية", كانت لمصلحتهم, إدراكا من الإنجليز, أن الكيان العرقي يحمل في طياته الخلل و الفشل, و الذي سيؤدي بدوره الى ضعف "الجامعة" و بالتالي تسهيل التحكم في قراراتها. و بهذا كانت"الجامعة " منذ نشأتها في خدمة الإمبريالية و لم تخدم مصالح الشعوب "العربية" و لم تدافع عن تحررها السياسي و الإقتصادي, بل كانت آداة الخيانات و الدسائس حسب "العرب" أنفسهم, منها خيانة القضية الفلسطينية و تصفيتها, بتأييد الحلول الإنفرادية على حساب القضية المركزية ل "القومية العربية". "الجامعة" العرقية لم تستطيع قيادة عجلة الإقتصاد العربي الى التكامل الإقتصادي بين دول الأعضاء و لا الإسهام في برامج التنمية المستدامة في هذه الدول و تحسين الوضعية المعاشية لشعوب هذه الدول, بل كانت عائق للتحرر السياسي و الإقتصادي, و إستمراريتها هو إستنزاف للمال العام عوض إستثماره لصالح الفئات الفقيرة. "الجامعة" لم تفكر قط في إيجاد حلول معضلة اللاجئين العرب, الناتج عن السياسات العرقية للأنظمة القومية العروبية. "الجامعة" لم تستطيع طيلة وجودها في حل النزعات بين دولها ما أدى الى حروب دموية معروفة, أو التدخل لحل المشاكل بين أحد أعضائها و بلد ثالث. إنحصر الدور الجوهري ل"الجامعة" في تلبية مطالب الإمبريالية في العداء لدول مثل إيران أو الإمتثال لقرارات المؤسسات المالية العالمية. و صبت جهودها في الهدف الإستراتيجي ل"العرب" في تعريب الشعوب و إزدياد عدد دول العروبية, بتفريخ جمهوريات عروبية جديدة لتنضاف الى الفراخ المستنسخة, مثل الإعتراف بجمهورية عربستان, و محاولتها في تأييد موقف القوى العرقية بالإعتراف ب "الجمهورية العربية الصحراوية", إلا أن حلمها باء بالفشل. الوظيفة الوحيدة التي حققتها "الجامعة" العرقية, هي خلق و صناعة وحدة عرقية متخيلة (العالم العربي) في جغرافية لا وجود فيها لشعب عرق عربي واحد, خصوصا في القارة الإفريقية, و مصادرة ثقافات و حضارات هذه شعوب, مع إنتهاك حقوقها الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية و اللغوية والسياسية و الدينية.