وداعاً عبقري نظرية -الهروب من الإستحقاق الإشتراكي - بل خلوداً الرفيق فؤاد النمري - فلن تنتهي حياة وُهبت للنضال في سبيل تحرير الإنسانية


نجاة طلحة
2022 / 3 / 21 - 03:05     

وداعاً عبقري نظرية "الهروب من الإستحقاق الإشتراكي"
بل خلوداً الرفيق فؤاد النمري
فلن تنتهي حياة وُهبت للنضال في سبيل تحرير الإنسانية

وكما قال إنجلز اليوم "توقف أعظم مفكر عن التفكير" فاليوم قد توقف أعظم مفكري عصرنا هذا عن التفكير. قدم تلميذي ماركس، لينين وستالين، إضافات نظرية ومنهجية نقلت الماركسية إلى واقع التطبيق. لكنه كان عهدا قريبا من المرحلة التي ناقشها ماركس وإنجلز. أما مرحلتنا هذه وبحكم بعدها الزمني وما صاحبه من تطورات خرجت عن سياق تاريخ تطور المجتمع، فقد إحتاجت لعقل عبقري يسبر أغوارها ويقدم القراءة الماركسية لهذا الواقع الملتبس. وداعا أيها العبقري فقد أثبتت نظريتك "الهروب من الإستحقاق الإشتراكي" راهنية الماركسية وصدقها.

وعهداً للرفيق النمري أن تصل "نظرية الهروب من الإستحقاق الإشتراكي" لكل من يفكر ماركسياً وليس لكل من يدعي أنه ماركسي.

إن من المستحيل وفي هول هذه الصدمة أن أستطيع الكتابة، لذلك سأنقل فقط بعض ما كتبته في السابق عن أستاذنا نحن معشر البلاشفة الرفيق فؤاد النمري.

طور لينين الماركسية في زمن إحتضار رأس المال. لتستوعب مستجدات لم يشملها تحليل ماركس في منتصف القرن التاسع عشر حين تنبأ ببداية إشتعال الثورة في البلدان الصناعية الكبرى وسقوط الرأسمالية وهي في أوج سيطرتها، حين يستصحب تقدم قوى العمل تقدم الوعي لدى الطبقة العاملة. فقاد لينين، وإنطلاقاً من ماركسية متطورة، أطلق عليها ستالين وسم -ماركسية عصر الإستعمار- فاستوعبت مستجداته، ثورة الطبقة العاملة في بلد لم يصل فيه تقدم قوى العمل للمرحلة التي أشار إليها ماركس، فنجحت وحققت الإنتقال الأممي للبشرية إلى مشارف الإشتراكية العلمية. وهنا تبرز أهمية مساهمة الرفيق النمري، والذي أكد في مقال سابق أن مرحلتنا هذه تحتاج لعبقري كآباء الماركسية كي يستنبط المناهج الملائمة، وذلك نسبة لإستثنائيتها. في تقديري، ومؤكد أن هنالك كثير من الرفاق قد وصلوا لحقيقة أن الرفيق النمري هو ذلك العبقري الذي إستطاع تحليل وتقييم هذه المرحلة. وهي مرحلة إستثنائية وليست طور طبيعي من أطوار المجتمع البشري.

إن نظرية الهروب من الإستحقاق الإشتراكي و بإستثنائها لمرحلتنا الحالية، بمنهج ومنطق ديالكتيك التاريخ نفسه (هذا مهم)، قد أنقذت المادية التاريخية من محاكمة ليست في مواجهة التحريف، أو من أعداء الماركسية الطبقيين فقط، بل من ملتزمي المنهج الماركسي في التحليل. وهذه هي العبقرية التي دعا الرفيق النمري للإستعانة بها لمواجهة هذا الواقع النشاز.

ففي تحليل الرفيق النمري للتطورات التي حدثت في المجتمع البشري وأدت إلى الفوضى الطبقية التي تُفسر لنمط الإنتاج الذي يعيشه العالم اليوم إجابة على سؤال أساسي تواجهه الماركسية الآن. فهذه القراءة هي في حقيقتها دفاعا عن الماركسية التي تتعرض اليوم لمحاكمة إستثنائية بسبب الواقع الذي يعيشه المجتمع الإنساني حالياً. هنالك خروج واضح عن المجري العام لتطور المجتمع البشري كما شرحه ماركس، وليست هنالك إجابة لهذا السؤال تؤكد راهنية الماركسية وصدق قراءتها للواقع غير تحليل الرفيق النمري. فمن يعتقدون أن الردة قد حدثت في نهاية التسعينات يرون أن روسيا قد إرتدت إلى الرأسمالية ولا يعوا أن ذلك يعتبر رفضاً كاملاً لقراءة ماركس الديالكتيكية المادية لتاريخ تطور المجتمع البشري. فالماركسية/الإشتراكية العلمية قد أسسها ماركس بناءً على هذه القراءة. فعلينا أن نقدم الإجابة عن سؤال خروج تطور المجتمع البشري عن مجراه الذي إكتشفه ماركس، ولم يخترعه.

ونظرية -الهروب من الإستحقاق الإشتراكي- هي تطور آخر" للماركسية إلى الأمام." (ستالين عن اللينينية) لكن وللأسف فأن -المانيفستو الشيوعي اليوم- لم يحظ بالمناقشة التي يستحق.
إن مساهمات الرفيق النمري في تحليل مرحلة -الهروب من الإستحقاق الإشتراكي- تستحق أن تُجمع في عمل واحد، ترتب أجزاؤه على أساس المواضيع المكونة له، وحسب ما يراه الرفيق النمري. مجموعة مساهمات الرفيق النمري تحتوي على الخلفية التاريخية لهذه المرحلة وكيف نشأت وفي تقديري -كيف ظهرت- هي الأصح. وكذلك تحتوي على الإحصائيات حول المرحلة وحقيقة حركة الإقتصاد داخلها. لذلك فهي تحاج للتجميع في عمل واحد.

هزمت البلشفية الثورة الرأسمالية في أعلى درجاتها. بدحرها لغزو قوى الإمبريالية مجتمعة. ثم إنقاذها العالم من الخطر النازي. هذه الإنتصارات التي أعقبت نجاح الثورة البلشفية المزلزل كانت إلهاما قاد الشعوب المقهورة للإنتصار على الإستعمار.ذلك بجانب المساعدات والدعم اللوجستي والعيني .فقضت البلشفية على الإمبريالية بإغلاقها منافذ فائض الإنتاج. وبما أن احتكار أسواق العالم هو القاعدة الأساسية لمرحلة الإمبريالية فقد خنقتها البلشفية بسد تلك المنافذ. كل هذه النقاط من مساهمات الرفيق النمري. وفي كل مساهمة يأتي بالجديد الذي يحسبه من لا يجتهد في الدخول إلى العمق تكرار.

صعود البرجوازية الوضيعة إلى دور قيادي، لا تؤهلها له طبيعتها الهامشية، في تغيير مجرى تطور المجتمع البشري لم يحدث وفق هذا التطور الطبيعي بل أقحم قسراً وكان نتيجة لتطورات مفتعلة بتوجيه الضربة النازية المركزة على الإتحاد السوفيتي لتصعد البرجوازية الوضيعة وتحتل موقع دفة القيادة في مركز المشروع الشيوعي. هذه هي الإجابة الماركسية للسؤال المفصلي الذي يطرح الآن وهو -هل أخطأ ماركس-. والشكر للرفيق النمري الذي قدم الإجابة من خلال القراءة الماركسية العميقة. ولعمري هل يمكن أن تكون هنالك قراءة ماركسية غير عميقة؟ في تقديري من يقولون بوجود الرأسمالية الآن وقد إنتفت كل شروط وجودها ماركسياً فهذه إجابة بنعم على هذا السؤال، إذا كانوا يعتقدون بأنهم ماركسيون.

فبعد أن بين الرفيق النمري في السابق كيف أن البرجوازية الوضيعة قد وضعتها الأحداث في موقع القيادة على غير ما يتفق مع طبيعتها الهامشية. الآن يقدم الرفيق النمري إضافة هامة وهي أن الأحداث لم تساعد البرجوازية الوضيعة بنقلها إلى موقع المقدمة فقط، بل أن الأحداث قد خلقت كذلك فراغاً مهد لدور البرجوازية الوضيعة: إنهيار الرأسمالية والردة عن الإشتراكية. وهذه إضافة تعضد موسوعته -الهروب من الإستحقاق الإشتراكي.هذه هي عبقرية هذه المرحلة.

تحليل الرفيق النمري عن دور البرجوازية الوضيعة يماثل النظرية التي توصل لها علماء الأحياء مؤخراً وفسرت الأمراض المعدية والتي لا تتسبب فيها المايكروبات المتعارف عليها وإنما تسببها بعض البروتينات التي تحدث لها طفرة جينية تغير وظائفها وتسمى البريونات. هذه الطفرة تكسبها وظائف لم تكن في طبيعتها أصلاً. gain-of----function--- mutation. هذا هو ما حدث من إكتساب البرجوازية الوضيعة لوظيفة خارجة عن طبيعتها. فتفسير الرفيق النمري لا يخرج عن علوم الطبيعة والقراءة المادية السليمة للواقع.
ويجب الإنتباه لهذا الفرق فالإختراع يمكن أن يسقط بالتقادم لكن الإكتشاف هو لأمر قائم أصلاً فإذا سقط فهو يسقط كاملاً، لذلك فالماركسية إما أن نقبلها كاملة أو نرفضها كاملة، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بأساسها الذي بنيت عليه.

لك الخلود إيها الماركسي العبقري فقد إحتاجتك الماركسية وهي تتعرض للهجوم من مدعييها، جهلوا أم قصدوا فالأمر سيان. كما إحتاجتك الماركسية والمجتمع البشري يمر بظروف إستثنائية خارجة عن مسار تطوره الطبيعي، مما كاد أن يشكك في صدق قراءتها وكاد الجميع أن يوجه سؤال -هل أخطأ ماركس؟ وقد طرحت أنا هذا السؤال فأتتني إجابتك من داخل المنهج الماركسي وليس غيره، فقط بقراءة أعمق، وليس للماركسية إلا أن تقرأ بهذا العمق. وفي تقديري أن مساهمة الرفيق النمري الموسومة "مازال العالم يعيش عصر الثورة الإشتراكية" قد أجابت على سؤال هو في تقديري مصيري بالنسبة للماركسية وهو مرتبط كاملا بالسؤال الأول فهو ينهي حيرة لا يسلم منها إلا من يأخد الأمور على سطحها ، ويستوي فيه من يعتقد أن الردة قد حدثت في الخمسينات أو التسعينات ففي كل الأحوال تكون الماركسية أمام محكمة الديالكتيك المادي.

لك الخلود أيها العبقري فقد رددت للماركسية الجميل الذي قدمته للإنسانية، وهو إنارة الطريق إلى تحررها