قراءة في ((موضوعات نقدية في الماركسية والثقافة )) لرضا الظاهر


عادل عبد الزهرة شبيب
2022 / 3 / 19 - 19:52     

مؤلف الكتاب : الاستاذ رضا الظاهر
يقع الكتاب في 80 صفحة من الحجم الصغير . طباعة دار الرواد .
تناول الكاتب في كتابه عدة محاور مبتدأ بمحور ( الماركسية والثقافة .. لماذا ؟ ) ثم محور ( ماهي الثقافة ؟ من هو المثقف ؟ ) , ومحور ( المثقف والسلطة ), اضافة الى محور ( قضايا الصراع بين الثقافي والسياسي ) ومحور ( الثقافة والديمقراطية ) واخيرا محور ( السياسة الثقافية ).
يرى الكاتب في محوره الأول ( الماركسية والثقافة.. لماذا ؟ ) ان هذا الموضوع اشكالي ونحن بحاجة الى اضاءة موقع وموقف المثقفين واسهامهم ودورهم في التطورات بالغة التعقيد في بلادنا حيث انهارت الدكتاتورية وتركت لنا ارث استبدادها المقيت في مختلف ميادين الحياة وخصوصا الميدان الثقافي , مشيرا الى ان غياب البديل الثقافي والقيمي هو الذي يفسر من بين اسباب اخرى الانهيار المروع للأحزاب التي كانت حاكمة في الاتحاد السوفياتي واوروبا الشرقية , وهو الذي يفسر اندفاع الجماهير نحو قيم الثقافة الاستهلاكية وابتعادها عن شيء قدم لها ممارسة استبدادية وعجز عن تقديم بديل ثقافي – اخلاقي لأن تصوره للإنسان والثقافة والفكر والأخلاق كان بعيدا عن الواقع المعاش . ويؤكد المؤلف على ان تكون الماركسية مدرسة تاريخية للفكر الحديث وليس اختزالا مشوها لمجموعة من النتائج والخلاصات المعطلة للتفكير والتحليل . ويتساءل الكاتب اذا كنا نعترف بأن فكرا سبق الماركسية قد اسهم في صياغتها , فلماذا لا نعترف بأن فكرا لاحقا يمكن ان يساهم في اغناء وتجديد النصوص التي صاغت المشروع الماركسي حتى تبقى الماركسية مرتبطة بالأفق والأمل . مشيرا الى تغير المناخ الثقافي بأسره نتيجة تغير المناخ السياسي , وبدا ان الماركسية في ظل التحولات التي شهدها عالمنا واخطرها انهيار " الاشتراكية " شهدت تراجعا هي الاخرى .
وحول موضوع ( ما هي الثقافة ؟ من هو المثقف ؟ ) تطرق الاستاذ رضا الظاهر الى المفهوم الماركسي للثقافة الذي يقوم على نظرة ترى فيها مجموع النشاط التغييري الذي يقوم به المجتمع والنتائج المتحققة عنه . والثقافة بهذا المعنى تضم مجموع القيم المادية والقيم الروحية ووسائل انتاجها . ويؤدي هذا التمييز بين القيم المادية والروحية القول بوجود ثقافة مادية وثقافة روحية , ويرى المفهوم الماركسي للثقافة على خلاف النظريات التي تفصل الثقافة الروحية عن الأساس المادي وتعتبرها نتاجا روحيا لـ " النخبة " . ان انتاج السلع المادية هو اساس ومصدر الثقافة الروحية ومن هنا فإن الثقافة انتاج مباشر او غير مباشر لنشاط الناس . وتطرق الكاتب الى تعريف ( رايموند ويليامز) للثقافة باعتبارها " اسلوب حياة كامل " يشمل التنظيم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بقد ما يشمل الفنون الابداعية , ويشير المؤلف الى ان هذا النموذج يتعارض مع النموذج الماركسي الكلاسيكي حول " القاعدة والبنية الفوقية " الذي يميز بين القاعدة الاجتماعية الاقتصادية والبنية الفوقية الثقافية والايدلوجية . متطرقا الى مفاهيم اخرى لـ " الثقافة " بينها المفهوم الانثروبولوجي البنيوي الذي يرى فيها منظومات وبنى مغلقة على ذاتها تتميز بأصالتها . وتتمثل الثقافة بالمعنى الانثروبولوجي في رؤية الانسان العامة للكون والمجتمع متجسدة في مواقفه الفكرية المعنوية والسلوكية عامة . وفيما يتعلق بالعرب فقد كانوا يشعلون النار في طرف الرمح ليزداد حدة ويسمون ذلك ( تثقيفا ), ومنها جاءت الثقافة باعتبارها حدة المعرفة من اجل التغيير . اما المفهوم السوسيولوجي للثقافة فيرى فيها ثقافة لمجموعة بشرية معينة او مركبا كليا يشتمل على المعرفة والمعتقدات والفنون والقانون والتقاليد واية قدرات وعادات يحصل عليها الانسان باعتباره عضوا في المجتمع . وعن مفهوم المثقف تطرق الى ما يشير اليه بعض الباحثين عن صعوبة تعريف المثقف وتحديد دوره محاولين اثبات ان طبيعة المثقف غامضة الى حد انه لا يمكن تعريفها وان احد العوامل الكامنة وراء هذه المحاولة يتمثل في سعي بعض المثقفين الى تبرير ممارساتهم المهادنة للسلطة السياسية وربما استعدادهم لأن يكونوا ادوات ملحقة ببرنامجها . وقد بلغت تعريفات المثقف حدا من السعة والتنوع يعب معه الاتفاق على تعريف . كما استعرض الكاتب تعريفات اخرى لعدد من المفكرين الماركسيين وغيرهم والتمييز بين المثقف والسياسي مع الاعتراف بوجود تباين هائل في الآراء بشأن اشكالية السياسي – الثقافي .
وفي موضوع ( المثقف والسلطة ) بين الكاتب ان المعني بالسلطة هنا اساسا السلطة السياسية المؤسسية وعلى وجه التحديد سلطة الدولة الاستبدادية وجهازها الحاكم وسلطة الاحزاب والقوى السياسية التي تسعى الى تولي سلطة الدولة . موضحا ان السلطة كانت عبر التاريخ وحتى الان جهازا قمعيا يسعى نظريا الى ان يعلو فوق الطبقات والمصالح والاهواء المتصارعة من اجل التوفيق فيما بينها في اطار ما يقول انه الخير او الصالح العام, ولكن من الناحية العملية لا يفعل هذا الجهاز سوى ان يقمع طبقة او جماعة لمصلحة طبقة او جماعة اخرى , وسوى ان يكون ممثلا لجزء من المجتمع على حساب بقية المجتمع . كما تطرق الى كاتب السلطة الذي يستبدل آلية العمل الابداعي بآلية عمل السلطة .
وضمن محور قضايا الصراع بين الثقافي والسياسي حدد الكاتب الرئيسي من هذه القضايا والمتمثلة بالتوصيف الاجتماعي للمثقفين مبينا تباين التحليلات والآراء بشأن التوصيف الاجتماعي للمثقفين مشيرا الى ان الادبيات الماركسية السياسية كانت تعتبر المثقفين متحدرين من مناشيء برجوازية صغيرة او وسطى في الغالب وتتميز البرجوازية بضيق الافق وافراط في الذاتية وتردد وتذبذب وغيرها من السمات السلبية . والقضية الثانية ضمن هذا المحور هي ( الفن والايدلوجيا ) مبينا بأن التعريفات المختصرة جدا للفن تعتبر غير وافية كما لا يمكن لتعريف واحد للفن ان يدعي الشمولية . ويعتبر مفهوم الايدلوجيا واحدا من اكثر المفاهيم اثارة للجدل في الفكر الحديث , وفيما يتعلق بموضوع العلاقة بين الفن والايدلوجيا فإنها تعتبر الفن انعكاسا للايدلوجيا. غير ان فلاسفة ماركسيين نظروا الى العلاقة من منظار آخر بعيدا عن التبسيط فالفن ليس مجرد تعبير عن الايدلوجيا. وقد اقر ماركس وانجلز بأن لا يمكن ان يغير المجتمع او القاعدة بذاته واشارا الى ان الفن يمكن يكون عنصرا فعالا في مثل هذا التغيير . اما القضية الثالثة ضمن هذا المحور فهي ( الاستقلالية النسبية للإبداع ) موضحا ان الفن يعكس الواقع السياسي نسبيا وان معنى النسبية هنا هو الحفاظ على الاستقلالية وان الفن تجسيد لأفكار وآراء وطموحات الناس وبالتالي نظراتهم العامة نحو الحياة والواقع وهذا هو المقصود بانعكاس السياسة في الفن وليس المعنى اليومي المباشر للسياسة . اما القضية الرابعة ضمن هذا المحور فهي ( الموقف التبسيطي من حرية الابداع ) حيث تمت الاشارة الى موقف ( غرامشي ) الذي حدد اطارا سليما لفهم الابداع بقوله " ان ممارسة الانسان السياسي للضغط باتجاه ان يعبر الفن في زمنه عن عالم ثقافي معين يعتبر نشاطا سياسيا وليس نقدا فنيا ." اما القضية الخامسة في هذا المحور فكانت عن ( الخلل في فهم وظيفة الفن ) حيث ان تأثير الفن في المجتمع يتحقق في اثناء عملية ادائه لوظائفه وهنا تظهر سمات الفن كوظائف له يتجلى فيها هدفه الاجتماعي ودوره في حياة المجتمع . ولعل من بين وظائف الفن العلاقة بين الفنان والمتلقين وهي وظيفة التواصل وتوسيع معارف البشر عن العالم والانسان وهي وظيفة معرفية وتعليمية وتكوين مشاعر البشر وارادتهم ومصالحهم وآرائهم وهي وظيفة فكرية وتربوية وتكوين المثل العليا السياسية والحقوقية والاخلاقية وهي وظيفة جمالية وفنية .
وبخصوص محور ( الثقافة والديمقراطية ) فيرى الكاتب ان الديمقراطية لا تقتصر على حدود الحريات السياسية والحريات المدنية , وانما تشمل ايضا شروطا مادية بينها قابليات البشر المتطورة والحصول على المعلومات وهذا هو السبب الذي يجعل اقامة الديمقراطية في اشكالها الواسعة والجذرية مشروعا بعيد المدى ومتفاوت التقدم , وان الديمقراطية هي شرط ازدهار الثقافة , كما يرتبط مفهوم الديمقراطية بمفهوم الحرية من ناحية ومفهوم المسؤولية من ناحية اخرى . وسبق وان اكد ماركس على ان الدولة ينبغي ان تكون تعبيرا عن المجتمع المدني , كما ترتبط الديمقراطية بضرورة الاعتراف بحقيقة التعدد والاختلاف والتنوع والاجتهاد وهو بالنسبة لمجتمعنا المتعدد الثقافات ( عربية , كردية , تركمانية , آشورية.... الخ ) مسألة جوهرية في اطار التفاعل بين هذه الثقافات ومقدمة ضرورية للحوار الذي يشكل جوهر الممارسة الديمقراطية , ذلك ان الحوار لا يمكن ان يكون الا بين طرفين مختلفين وهو جزء من ثقافة المجتمع البمدني التي تتناقض مع ثقافة مجتمع الاستبداد .
اما المحور الآخر الي تناوله الكاتب فهو ( السياسة الثقافية ) مبينا ان من ازمة السياسة تنبع ازمة الثقافة بمعنى ان ازمة الثقافة امتداد لأزمة السياسة , مشيرا الى الظروف الراهنة التي اعقبت انهيار الدكتاتورية الفاشية وغياب دور المثقفين في تقرير مصائر ومستقبل البلاد وهو امر يرتقي من ناحية الى مصاف المأساة ويعكس من ناحية اخرى الخلل في العلاقة بين السياسيين والمثقفين , موضحا العوامل المرتبطة بغياب المثقفين حيث المؤسسات السياسية الحاكمة او ( المقررة ) على سبيل المثال لم تكشف عن اهتمام حقيقي بموضوع المشاكل التي تواجهها الثقافة ومبدعوها , في حين ان مبدأ المحاصصات في توزيع المناصب بات منهجية شبه دائمة في تقاسم السلطات , وهو ما يفضح مسلك تجاهل الثقافة على نحو لا بد ان يثير الاحباط لدى المثقفين كاشفا ان الثقافة تأتي في نهاية المطاف وهذا لا يعني طبعا وجوب تقديم الثقافة على الخبز ذلك ان الجائع لا يمكن ان يفكر ناهيك عن قدرته على الاستمتاع بقيم الجمال . اضافة الى عدم وجود اجواء عدم ثقة بين السياسيين والمثقفين ولعل هذا مرتبط بالموقف من الثقافة الابداعية وتحويلها الى ثقافة اعلام وملحق بالسياسة ووسيلة لتحقيق اغراضها اليومية وفرض موقف الثنائية التبسيطية على المثقف باعتباره اما مع السلطة او ضدها وهو ما يؤدي الى تغييب حقيقة العلاقة بين المثقفين والسلطة بل ويفضي الى طمس هذه الحقيقة . وفي الظروف الراهنة تزداد الحاجة الى مشاركة المثقف في صياغة القرار السياسي من خلال حوار مفتوح باتجاهين بحيث يرتفع اهتمام السياسي بالثقافة كقيمة لذاتها لتطوير الوعي الفردي والجماعي .