حول الموقف الاسباني الجديد من نزاع الصحراء


حسام تيمور
2022 / 3 / 19 - 00:34     

هل يحتفلون ببدايات السقوط ؟
ربما يكون من مصلحة المغرب بقاء ذلك التوتر مع اسبانيا، و لسبب لا احد يريد الحديث عنه!
نعلم أن اسبانيا هي التي تحتضن "جبهة البوليزاريو"، و لديها مفاتيح اغلب صناديق الجبهة و مشروعها، و بهذا المعنى، يمكن اعتبار احتضان اسبانيا لجبهة البوليزاريو "اقل الضررين"، او احتضانا متحكما فيه.
و رغم لا أخلاقية هذا الدعم و التلاقي، و اتخاذه طابع الابتزاز المقيت حتى، بلغة الديبلوماسية في المغرب، فهو خاضع لاخلاق اوروبا، و الناتو، و الولايات المتحدة و مواثيقها، اي مجموع مواثيق منظومة الغرب، و هي دول الاستعمار و الاستغلال و الفوضى صحيح، لكنها لا تستطيع اطلاق اي مشروع تحرري حقيقي، او حتى المجازفة بتنزيله على الارض، كاداة مساومة و ضغط.

إن حالة الغموض و الفوضى و الضعف التي تلاحظ خلال الشهور الأخيرة، عند البوليزاريو، و الجزائر كذلك، مردها هذا الغموض الذي شاب الثنائية القطبية، المحددة لشكل الاستقطابات هنا و هناك ! و هو ما نجزم انه خلاف حاد بين الروس و الجزائريين، بخصوص "جبهة البوليساريو"، و ارتباطاتها بالغرب، أو بصيغة أخرى، الضغط الروسي في اتجاه التخلص من الجبهة، بشكل نهائي، كورقة محروقة، و تقديم الدولة الجزائرية، الى المواجهة المباشرة !

بالعودة قليلا الى الوراء، نجد أنه و منذ تاريخ 2012، أي بعد سقوط نظام القذافي، و اشتداد الخناق على نظام البعث السوري، بدأت "روسيا" تشترط على الجزائر التخلص من تركة "الغرب" بشكل كامل، و هو مقابل دخول روسيا الى الجزائر عبر البوابة الكبرى متمثلة في صفقات السلاح و التعاون العسكري، اي اعادة تأهيل الجيش المتهالك بعتاد نوعي يمتد الى مواصفات الجيل ما بعد الرابع أي 4++، و الخامس كذلك، كما تم الاتفاق عليه مؤخرا ! و هذا الاشتراط او التلاقي هو محصلة التطورات في الشرق الاوسط، من الاطاحة بنظام البعث العراقي، وصولا الى تفتيت ليبيا القذافي و خنق البعث السوري. و هي محطات فارقة كان لها اثر مزدوج، يعنى فيما يعنيه بالنسبة للروس خسارة فرص و منطلقات محتملة للوجود و التمدد، و يعني كذلك بالنسبة للجمهوريات المترقبة سهولة التخلي عنها من قبل الحليف الغربي، الضعيف و المأزوم، و الرخيص المعايير كذلك، سواء تجاه الشعوب او الانظمة !

نلاحظ هنا أن جزءا مهما من قيادات "بوليساريو"، مرتبط بالغرب، و هو ارتباط يعادل اختراقا للمنظومة ككل، و بالمعنى الشامل الذي يستحيل معه الرجوع او العودة، باعتبار اننا نتحدث عن قيادات "لاجئة"، و في اغلب الحالات "مقيمة" او حاملة لجنسية ثانية !

إن بداية تخلص الجزائر من تركة الغرب، كانت عبر فصل جراحي معقد، اعجز كبريات مراكز البحث و الانتيليجينسيا !
نلاحظ هنا، كيف تم اقالة الجنرال المجهول، "توفيق مدين"، سنة 2013، و هو الذي ظل مجهولا الى حدود سنة 2019، بعد توقيفه في فندق وسط العاصمة الجزائر، و هو الذي ظل على رأس جهاز المخابرات لاكثر من 18 سنة، و هو بذلك ليس جزءا من نظام "بوتفليقة"، بل إن نظام "بوتفليقة" نفسه جزء من نظامه، كما يتنذر البعض.
يعتمد عمل الاستخبار داخل الجيش الجزائري على نظام مغلق، و هو ارث عسكري سوفياتي جاء مع "القايد صالح"، خريج المدرسة العسكرية السوفياتية و حرب الاستنزاف حيث كان مشاركا كمتدرب سوفياتي عربي ملحق على الجبهة، و هذا النظام المغلق بالضبط هو ما انتج فصلا تاما لمنظومة الجيش عن الاختراق الغربي بشقيه، الثقافي السطحي و البنيوي العميق، و الذي ظل حكرا على نخب الاقتصاد و السياسة، و الامن الداخلي و اجهزته التي يعد "الجنرال توفيق" مهندسها الفعلي، و كذلك مهندس العشرية السوداء، و هو العلبة السوداء التي تحوي ارشيفا يمتد الى عقود !
بعد ما سمي ب"الحراك"، سيجد توفيق و طرطاق؛ و عشرات الجنرالات / الدمى، اضافة الى نخب المال و السياسة، سيجدون انفسهم رهن الاعتقال و المحاكمة، او الحصار المطبق، الذي يعني العزل عن العمل و الممارسة السياسية او الاقتصادية، و هنا فقط حيث سيبدأ بشكل متصاعد الاعلان عن بواكير "الصفقة" العملاقة التي ابرمتها الجزائر مع "موسكو"، قبل حوالي عشر سنوات، حيث صارت الجزائر تمتلك فعليا، عتاد ما بعد الجيل الرابع، و منظومات باليستية، تتجاوز في مداها 400 كلم، و هي التي تصنفها تقارير البنتاغون، في خانة الممنوع من الصواريخ المتوسطة المدى.
و دون الحديث عن باقي وسائط الدفاع و الهجوم، فإن الانتحار الاقتصادي بهدف تحقيق توازن عسكري بعيد المنال حاليا، و الذي يقبل عليه المغرب الان بشكل غريب، هو الدليل على خطورة ما يملك الطرف الاخر، و بتقديرات "البانتاغون" نفسه الذي يملك القرار الاول و الاخير، في السماح او الموافقة على بيع المغرب، منظومات "باتريوت"، او طائرات "اف35"، من الجيل الخامس ؟! و التي الى حد الان، يمنع توريدها الى دولة حليفة و مطبعة مثل "الامارات" تحتضن مصالح غربية حساسة ؟
او كذلك هرولة "اسرائيل" بدروناتها و تقنياتها في المراقبة و السيطرة الجوية، باتفاقيات غير مسبوقة !

إن كل هذه الاعباء اقتصادية، غير معلومة التداعيات و الانعكاسات، و حيث ان دول الخليج او "الرز" نفسها تشتكي من تكاليف تشغيل و صيانة العتاد الامريكي، و على راسه منظومة "باتريوت" العديمة الجدوى بهذا المعنى امام صواريخ الحوثي "البدائية" !
هذه المقارنة البسيطة فقط تفضي الى افلاس و كارثة، بمعايير الاستراتيجيا الدفاعية، و التوازن العام، الذي يضم الاقتصادي و السياسي و العسكري، و الاجتماعي !

إن المغرب هو آخر ما يتم اعتباره هنا، في اطار معادلات الدرع الصاروخي ل"الناتو"، و الهادفة الى محاصرة روسيا و الصين، و عمل كل من روسيا و الصين على تفكيك هذه المنظومة، أو اضعافها قبل أي مواجهة مباشرة. و "اسبانيا" الآن تجد نفسها مجبرة على تأجيل "لعب الاطفال" مع "الجيران"، و التفرغ بشكل تام، للصراع الوجودي داخل نطاق الجد و مجال الوجود الاستراتيجي الحيوي !
هكذا فإن الموقف الاسباني كان منتظرا و فقط بناءا على هذا الطرح، و هذا ما لا يعجب انصار "الديبلوماسية" الخارقة، و المتفائلين بتدفق فضلات دولة اليهود و صفقات البانتاغون السخية جدا و البراقة، من مخرجات التطبيع و الاعتراف بالسيادة، "سيادة الوهم على الوهم".

و لا احد يريد التفكير في سيناريوهات الجيوستراتيجيا الان، أو تلك "المعادلات الكبرى"، و النظمات التي بدات تتشكل و تخلخل انماط الوجود و الاصطفاف التقليديين، و امتدادها الى اعمق حفر الرجعية و التبعية، و على رأسها دولة مثل "السعودية".

يمكن الآن ان نتخيل كيف قد تتحول الجزائر و جيشها الى "شيشان قديروف"، و المغرب و ديبلوماسيته الرديئة الركيكة المتهودة، الى "اوكرانيا زيلينسكي" .. او اسوء، باعتبار فارق العرق و الدين و الحضارة !