معرض بيروت للكتاب


كريم محمد الجمال
2022 / 3 / 18 - 14:11     

معرض بيروت للكتاب والمقاومة الثقافية
منذ عدة أيام انتهى معرض بيروت العربي الدولي للكتاب في الفترة من الثالث إلى الثالث عشر من مارس /آذار المقام تحت رعاية رئيس الوزراء، وأقيم المعرض في منطقة بديعة الجمال السي سايد آرينا أو البيال كما يعرفها أهل بيروت .أقيم المعرض في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية مضطربة ومتداخلة يعيش فيها لبنان والمنطقة بأسرها.

معرض بيروت وتداخلات السياسة والثقافة
حالة الاستقطاب الواسع التي يشهدها لبنان مع الحصار الخانق المفروض عليه لجعله منبوذاً أو معزولاً وتصويره في كثير من وسائل الإعلام أنه بلد خرب تحكمه المافيا والمليشيات من جانب ، ويكثر فيه الفساد ويعيش على تجارة المخدرات من جانب أو أنشطة غير قانونية وغير شريفة كالدعارة والمخدرات من جانب آخر جعل الصورة النمطية للبنان قاتمة عند كثير من الناس وهي صورة مشوهة عن عمد تصدرها وسائل الإعلام وليست حقيقية، فلبنان يعاني مثل أغلب الدول العربية مشكلات عدة اقتصادية واجتماعية وسياسية ولكن يبقي لبنان بقيمته الحضارية والثقافية شامخاً صامداً مقاوماً ، ولهذا كان اختيار عنوان المعرض موفقاً للغاية
بيروت لا تنكسر

لازالت المدينة تعاني من نقص في المازوت وانقطاع متكرر للكهرباء وارتفاع الأسعار وبالأخص بعد انفجار المرفأ الذي لازال ركامه قريباً من موقع إقامة المعرض.

الثقافة رئة ومتنَفَس المجتمع المأزوم
الثقافة بشكل عام والمنتديات والفعاليات الثقافية والفنية والأدبية تقرب الشعوب وتفتح مساحات مشتركة للحوار بعيداً عن حدة السياسة والطائفية والمذهبية ،ربما يجتمع الناس لمناقشة قصة أو رواية أو يستمعون لإحدى القصائد ولكنهم بالتأكيد لن يجتمعوا ولن يتفقوا على أفكار سياسية أو قومية أو دينية تخالف أفكارهم ومعتقداتهم. فالشعب اللبناني اختلف سياسياً وطائفياولكنه اجتمع على صوت الست فيروز مثلا وكذلك الحال بالنسبة لباقي شعوبنا العربية
ولهذا فإنه من الضروري في تلك الظروف إيجاد رئة ومتنفس للشعب والمجتمع فيجتمع الناس بعيداً عن التجاذبات والاستقطاب العنيف

بدعوة من النادي الثقافي العربي في بيروت أقيم المعرض ولكن معرض هذا العام ليس كأي معرض وتلك الدورة ليست ككل الدورات فبعد انقطاع عالمي للأحداث، بسبب جائحة كورونا تبدأ الحياة تعود لطبيعتها رويداً رويداً تحت الإجراءات الاحترازية وما صنعه التباعد الاجتماعي من تأثير يدفع عشاق الثقافة والأدب لحضور أي فعاليات حُرموا منها لفترة وكانوا اعتادوا عليها سابقاً، مشكلة المعرض الأساسية كانت ضعف البنية التحتية والتنظيم بسبب أزمة الكهرباء، وإن كان تأقلم عليها اللبنانيون إلا أن الضيوف واجهوا مشكلات في التواصل خصوصاً في خدمة الإنترنت.
وبالرغم من ضعف التغطية الإعلامية من كثير من وسائل الإعلام ذات التاثير والانتشار وأغلبها خليجية بسبب ميولها الغربية وعدم رضاء تلك الحكومات عن المسلك السياسي والاجتماعي للبنان فإن المعرض حقق نجاحاً نوعياً في ظل حالة اقتصادية خانقة بسبب الحصار والعقوبات الاقتصادية، أرادوا للبنان أن يكون ويبقي معزولاً عن محيطه العربي والإقليمي وعن تاثيره الثقافي وتلاقيه الفكري بحيث تكتمل منظومة الحصار لا على لبنان وحده بل أيضاً على ما يحتويه المجتمع اللبناني من مكونات وجاليات فلسطينية وسورية ، فالوجود الفلسطيني كان وسيظل على الدوام مستهدفاً من العدو وأدواته ومحاولة جر لبنان للحرب الأهلية كما حدث في السابق وحدث مؤخراً بافتعال عمليات مدبرة وأحداث طائفية كل هذا لأجل تفيير هوية لبنان وكسر إرادة اللبنانيين

المقاومة الثقافية والمحافظة على الهوية
في عصر العولمة والعلمنة تحاول المجتمعات الغربية والشرقية والشركات العالمية فرض ثقافتها وأسلوب ونمط حياتها على المجتمعات الأضعف التابعة في علاقة بين المستعمِر والمستعمَر قديما ودول العالم الأول والعالم الثالث حديثاً، وفرض الثقافة ونمط العيش يؤدي إلى التحكم في الانتاج ويحول تلك المجتمعات إلى مجرد مستهلك لكل ما ينتجه العالم الأول بداية من الفكر والثقافة وحتى الطعام والشراب وباقي مناحي الحياة، ولذلك

فإن المجتمع صاحب الهوية والشخصية يكون منتجاً لا مستهلكاً أو على الأقل مشاركاً ومساهماً في الإنتاج العالمي للحضارة ،وكون القضية الفلسطينية هي قضيتنا المركزية الأولى ولرمزية بيروت كعاصمة للمقاومة والعروبة احتضنت الوجود الفلسطيني قبل الحرب وبعدها ولازال لبنان يرفض الاعتراف بالمحتل او توقيع اتفاقية سلام معه، لازال لبنان يرفع شعار حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وفي حق العودة وغيرها، لازالت قصائد محمود درويش مثل مديح الظل العالي تؤكد هذا الترابط وتلك العلاقة الخاصة والمتلاحمة .فكما طور الشعب الفلسطيني ومعه كثير من القوى الحية والأحرار وأصحاب الضمير ليس من العرب فقط بل العالم أجمع طور وسائل المقاومة بكل أشكالها ، فكما قال الرئيس الراحل ياسر عرفات “ أن الثورة ليست بندقية ثائر فحسب بل هي معول فلاح ومشرط طبيب وقلم كاتب وريشة شاعر”
وقال حكيم الثورة الدكتور جورج حبش “استعيدوا الوحدة وتمسكوا بالمقاومة”
وغيرهم ومن بعدهم القادة والشهداء والشعراء الفلسطينيين والعرب الذين جسدوا آمال وآلام الشعب الصامد المناضل حتى ظهر مفهوم المقاومة الشاملة بكل أبعادها مثل الاقتصادية كحركات المقاطعة وغيرها.والمقاومة الإعلامية كوسائل الإعلام الحر المستقل التي يقابلها إدارة فيسبوك بحجب المحتوى الفلسطيني وشركة جوجل بحجب اسم فلسطين من خرائطها ونسبها للمحتل الإسرائيلي ظلماً وعدوانا ، ثم يأتي دور المقاومة الثقافية التي نحن بصددها الآن ومن ضمن هذا الإطار كان معرض بيروت العربي الدولي للكتاب وضرورة التفاف المثقفين العرب حول القضية الفلسطينية والتصدي لمحاولات التطبيع الثقافي وتغريب المجتمع لصالح الاحتلال على حساب الحقوق العادلة والمشروعة للشعب الفلسطيني.فلابد المثقفين العرب من الاضطلاع بدورهم في توعية الجماهير وإيضاح الحقائق وكسر الحصار الثقافي والإعلامي عن الشعب الفلسطيني وعن لبنان كمدافع أصيل عن القضية الفلسطينية وحاملاً وحامياً للتراث الفلسطيني الاصيل.

أدوار فاعلة للمثقف العربي وتحديات مستقبلية
حالة التضامن الواسعة مع العدوان الأخير للاحتلال على حي الشيخ جراح في القدس الشريف أعادت القضية الفلسطينية للواجهة من جديد و،وأكدت أن الأدوار الفاعلة المثقفين والكتاب العرب في السنوات الماضية قد أثمرت وآتت أُكلها في تصحيح البوصلة وإعادة توجيهها بعد أن حاولت قوى الاستكبار والمؤامرات العالمية إشغال شعوبنا في مشاكل داخلية وحروب طاحنة وتزييف وتغييب الوعي من خلال إعلام دعائي كاذب لترسيخ فكر الأمر الواقع.مما يدحض وبجلاء الافكار السلبية الهدامة التي كانت تسخر من أن الكتاب والندوة والرواية والفيلم والأغنية لن يحرر فلسطين. إن الثقافة والفن والأدب قادرة أن تصنع المعادلة الصعبة وتهييء الظروف لدعم الشعب الصامد المقاوم،بل إن التدوين الاليكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي تقدم التوعية وتلعب دوراً حيوياً في ترابط المثقفين العرب وأحرار الأمة.وتجسدت هذه النجاحات في معرض بيروت للمتاب حيث زار المعرض كتاب وقراء من كل أنحاء الوطن العربي رغم الظروف الصعبة المشار إليها سلفاً،وهذا يضع أعباء على أصحاب الرسالة والكلمة في بلادنا العربية لنستكمل المسيرة ولا تكون بيروت وخدها فتكون معها القاهرة ودمشق وتونس والجزائر وعمان والشارقة وبغداد وصنعاء.
كل التحية والتقدير للنادي الثقافي العربي في بيروت والناشرين والكتاب والمثقفين الذين أسهموا في دعم وإنجاح معرض بيروت العربي الدولي للكتاب حتى تستمر الثقافة العربية مزدهرة وفي قيمتها الأصيلة.