اغتيال المستقبل الفلسطيني


غسان ابو نجم
2022 / 3 / 12 - 05:10     

الاغتيال الصهيوني
للمستقبل الفلسطيني

في البداية، لقد شدني مقال مروان عبد العال حول اغتيال الزمن المقبل في الميادين نت المؤرخ في 17) شباط)، والذي من ضمن ملف : كيف تخاربنا إسرائيل؟ وشدني دقة التحليل في تناول آلية الاحتلال في تدمير البنية الثقافية للشعب الفلسطيني وتحت مصطلح " الزمن" بما يعنيه من صراع للسيطرة العقل والحق والحلم والمستقبل. وأنه قد أضاء على زاوية جديدة قلما جرى الحديث عنها وهي احتلال الانسان وليس الأرض فقط.
لأن الحلم الصهيوني المضاد للحلم الفلسطيني، والذي لا يقف عند حدود الاحتلال الصهيوني للارض الفلسطينية والعربية فحسب، لتجسيد مشروعه المرتكز الى كيانه المصطنع، بل كان هذا الحلقة الأولى في المشروع الصهيوني، وهذا هو جوهر الاستراتيجية الصهيونية، في إيجاد مرتكز في فلسطين لينطلق نحو السيطرة على المنطقة، ولقد شهدنا عبر مئات السنين مشاريع استعمارية مختلفة، فبريطانيا تقاسمت مع فرنسا استعمار البلاد العربية، من مشرقها حتى مغربها الى شمال أفريقيا، واحتلت أمريكا فيتنام وجنوب شرق اسيا .. الخ والعبرة من هذه الاحتلالات انها كانت تخرج من الاستعمار المباشر الى الاستعمار الغير مباشر، انها تترك الأرض لسكانها الأصليين تحت مسمى الاستقلال والسيادة الوطنية والحرية، لكن ما يتركه الاستعمار من سيطرة غير مباشرة تأخذ اشكال عدة سياسية واقتصادية وثقافية تبقيها ملحقة بالاستعمار الام! مع ذلك سيظل الاحتلال الصهيوني استثنائياً ويعاكس برجعيته حركة التاريخ، حين يتأسس على قاعدة الإبادة الشاملة الثقافية والفكرية والوطنية والسياسية وحتى البيولوجية للشعب الواقع تحت الاحتلال.
فالحركة الصهيونية التي دفعت بعصابات المستوطنين إلى فلسطين للإقامة بها بموجب وعد بلفور دخلت الأرض الفلسطينية ليس للإقامة المؤقتة بها بل لتشكيل نواة لدولة تقوم على حساب شعب آخر هم السكان الأصليين لهذه الأرض أي أنه تم إحلال شعب بدل شعب وتم استلاب الحق من أصحاب الأرض لصالح من لا حق له ولقد مارست الحركة الصهيونية ابشع الوسائل الاجرامية لطرد وتهجير الفلسطينين بما فيها التنظيف العرقي والترنسفير واتخاذ خطوات لدفع الفلسطينين للهجرة الطوعية وحرمانهم من العودة بمعنى ان تحل هذه العصابات بدل السكان الأصليين ولقد حمل التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لعام ٢٠٠٧ العديد من الاحصاءات التي تدلل على آلية الاحلال الصهيوني لفلسطين على حساب شعب فلسطين ان هذه المقدمة ضرورية لفهم آلية الزمن الصهيوني في احتلال فلسطين والسيطرة على الزمن لتكون دولة صهيونية شوفينية خالصة بعد أن رسمت طريقها من دولة يهودية إلى كيان صهيوني عنصري شوفيني، وهنا لا بد من اطلاق تفكير استباقي لمعرفة أليات تطور العدو وكيف تعمل منظومته العقلية.
من خلال هذا الاستعراض لفهم آلية احتلال فلسطين نصل إلى نتيجة مفادها:
ان هذا الاحتلال احلالي قائم على إحلال شعب بدل اخر اي نفي شعب بكل مكوناته التاريخية والثقافية التي اسسها على حدوده الجغرافية.
ان شرط استمرار هذه الحالة الاحلالية قائم على اساس تدمير الشعب المحتل ثقافيا وتاريخيا وتفسيخ بنيته الاجتماعية والاقتصادية وتدمير آلية مقاومته السياسية والسؤال الهام هو هل يمكن لاحتلال ان يدمر بنية شعب ونفيه بالقوة العسكرية؟؟
إن الاجابة على سؤال كهذا ربما لم يطرقه باحثون فلسطينيون بطريقة بحثية علمية تتسم بالدراسة الفكرية وطرقها على شكل مقالة المناضل والروائي مروان عبد العال حول اغتيال الزمن المقبل، الذي يطرح استخدام منظومة العقل العربي في الصراع.
لقد واجه الاحتلال الصهيوني للارض الفلسطينية العديد من المعيقات لنفي الوجود الفلسطيني لان الصراع الفلسطيني الصهيوني لا يمكن حله حسب المعطيات التاريخية الا بنفي الآخر فإما حرب تنتهي بالنصر الفلسطيني ورحيل شذاذ الآفاق إلى مواطنهم الاصلية واما الديمومة لحالة الحرب بشكلها الحالي وهذا يصعب استمراره بالمنطق التاريخي وهذا المنطق التاريخي لرؤية الصراع تحدده معطيات هامة
أولاً: عدم إمكانية إنهاء الوجود الفلسطيني عبر القوة العسكرية فقط.
ثانياً: عدم القدرة على الوقف القسري للحقيقة الفلسطينية والتي تتمثل بقوة السردية و الانتماء والتمسك بالحق والاستعداد للتضحية في سبيل الوطن. إضافة للنمو الديموغرافي للشعب الفلسطيني بحكم تواجده المتعدد في الأرض الفلسطينية والشتات الذي يقع خارج حدود سيطرته مما يشكل تحديا كبيرا للحلم الصهيوني بإنهاء الوجود الفلسطيني بل العكس حيث يشكل النمو السكاني الفلسطيني أضعاف النمو في الطرف الآخر .
ثالثاً: تنامي مشاعر الخطر الوجودي لدى الكيان الصهيوني وخاصة ان ميل المقاومة يرتفع ويتصاعد، وانكشاف عنصرية الكيان الصهيوني واخلاقية القضية الفلسطينية تتضح امام أجيال جديدة في العالم ، يدفع الاحتلال الى البحث الدائم عن وسائل وأساليب لتصفية القضية الفلسطينية عبر تصفية الصراع وليس أسبابه، ليتسنى له إيجاد المخرج المناسب للقضاء على مستقبل الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.
لقد أدركت الحركة الصهيونية أن مستقبل الصراع لا يمكن حسمه الا بتدمير البنية الثقافية التاريخية للشعب الفلسطيني وهذا التدمير يبدأ من خلال اغتيال الحلم الفلسطيني واحتلاا الإرادة السياسية وتدمير المستقبل الفلسطيني بكل مكوناته ومحدداته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية مما يدمر البنية الاساسية لمكونات هذا الشعب وهنا يمكن حسم الصراع لصالح المحتل الصهيوني وهذا المخطط يسير ضمن آلية مبرمجة عمل الاحتلال سنوات طوال لتحقيقها ولنستعرض اهم ملامح هذا التدمير الممنهج للمجتمع الفلسطيني الذي يقوم به الاحتلال بالشراكة والتعاون مع قوى الشر العالمي والداعمين الأساسيين للحركة الصهيونية.
الفلسفة الصهيونية واغتيال ما سيكون.
عمدت العقلية الصهيونية إلى رسم سياسات بعيدة المدى لتحقيق الأهداف الصهيونية في السيطرة على مجريات الصراع في المنطقة واعتمدت هذه السياسات على قاعدة اغتيال الحلم الفلسطيني وقتل الزمن المقبل عبر سياسة التفريغ والالحاق والسيطرة المسبقة على مجريات الزمن القادم وتجلت هذه السياسة في العديد من نواحي الحياة الفلسطينية بل رأينا تجلياتها في فلسفة الربيع العربي التي استندت إلى قاعدة ثورة بلا رأس لتنتج لاحقاً رأس بلا ثورة وهي فلسفة حفيد الصهيونية برنار ليفي والتي سافرد لاحقاً مقالة موسعة حولها اننا نواجه عدوا يقاتل ضمن رؤيا ومنهجية عميقة وهذا ليس تضخيما للعدو بل يكشف عجزنا الفكري في المواجهة والذي تجلى في عاملين:
العامل الاول: كيف تم هندسة القرار تمهيداً لاحتلاله، عبر اغتيال معظم القادة الذين كانوا ضمانة حقيقية للقرار الوطني، والذين لو استعرضنا أسمائهم لادركنا ان غيابهم عن المشهد هو الذي جعل الصورة بهذا الشكل.
العامل الثاني: خيار التسوية الذي كان اختراقاً للعقل العربي وشكل انتصاراً للصهيونية تمثل تثبيت واقع الكيان من قطعان المستعمرين الصهاينة في الارض الفلسطينية وعلى حساب الحق الفلسطيني، وضمان بقائهم فيها واستجلاب المزيد حتى يمكنهم من بناء كيانهم والحفاظ عليه ووضع الخطط والبرامج لاجل استمرار وجوده وتمدده، فقد وجدت الحركة الصهيونية أكثر من وسيلة لتهجير الفلسطينين عبر القوة العسكرية وارتكاب المجازر واشاعة الخوف بين الفلسطينين عبر الحرب النفسية مترافقا مع التواطؤ الدولي والعربي لتسهيل السيطرة على الارض الفلسطينية.
كيف انطلت خديعة اتفاقات ومعاهدات التسوية مع كيان يواصل تنفيذ مشروع الاحتلال أي مشروع الحرب! والعدوان وبناء كيان على أساس التوسع لاحقا وليس التراجع وهذا ما صرح به قادة الحركة الصهيونية صراحة فقد أعلن ابا إيبان وزير الخارجية الصهيوني أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في ١٩/٦/١٩٦٧ بأن (إسرائيل ترفض بعنف العودة إلى خطوط ٤ حزيران وان الوصول إلى القمر أسهل من إعادة بيضة مكسورة إلى وضعها السابق) وفي ٢٧/٦/١٩٦٧ قرر الكنيست الصهيوني بالإجماع ضم شرق مدينة القدس إلى السيادة الصهيونية مؤيدا بذلك قرارا عسكريا اتخذه موشي ديان عشية احتلال القدس حيث امر بضم القدس الشرقيه فورا دون استشارة حكومته معلنا بأن (جيش الدفاع لن يترك القدس لقد عدنا إلى اقدس مقدساتنا ولن نبرحها ثانية)
من خلال هذه الاستراتيجية الصهيونية يتضح بأن أحد اهم نقاط السيطرة على الخطر الثاني هو التوسع للأمام عبر احتلال مزيداً من الأرض الفلسطينية حتى يضمن الكيان بعدا استراتيجيا جغرافيا وتلا ضم القدس بخمسة اسابيع إنشاء أول مغتصبة صهيونية في.هضبة الجولان هي ميروم هغولان على اراضي قرية العليقة السورية تبعها إنشاء أول مغتصبة في الضفة الغربية هي كفار عتصيون بعد مصادرة ١٠٠٠ دونم من اراضي قرية الخضر الفلسطينية بهدف خلق تغيرات ديموغرافية على الأرض.
وربما كان أخطر تصريح يعكس السياسة الصهيونية في السيطرة على مجريات الصراع واختطاف الزمن القادم ما اعلنه موشي ديان أمام مجموعة من طلبة الجامعات الصهيونية قائلا (إن التوسع الاسرائيلي امانة يحملها جيل إسرائيلي بعد جيل وعلى الأجيال القادمة الإستمرار في هذا التوسع)
من هنا يتضح ان الفكر الصهيوني قائم على احتلال الارض والانسان، لقتل حلم اقامة دولة فلسطينية لاحقا من جهة وقتل الزمن المقبل عبر تدمير بنية الشعب الفلسطيني بكل نواحي حياته وسنتناول الخطط الصهيونية الهادفة الى التدمير الممنهج لبنية المجتمع عبر اغتيال الزمن والحلم وصولا الى قتل امكانية تحقيقه مستقبلا.