مساهمة في منهجية دراسة الثقافة ونقد مفاهيمها المثالية


مالك ابوعليا
2022 / 3 / 1 - 21:59     

كاتب المقالة: الماركسي السوفييتي ليف ايفيموفيتش كيرتمان*

ترجمة: مالك أبوعليا

على الرغم من حقيقة أن دراسة تاريخ ثقافة الغرب الأوروبي والمُجتمعات الأمريكية في القرن السابع عشر حتى القرن العشرين قد أحرزت تقدماً الى حدٍ ما في السنوات الأخيرة، فانه لا حاجة الى القول الى أن هذا الفرع من المعرفة التاريخية لا يزال مُتأخراً بشكلٍ كبير عن دراسة التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

كان ماركس وانجلز، لدن تحديدهم خصائص الظواهر والوضعيات التاريخية المُعقدة، يأخذون العلاقة الدياليكتيكية بين الوجود المادي والحياة الروحية بعين الاعتبار. يتحدد موقع الطبقة أو المجموعة الاجتماعية أو فردٍ مُعين بدرجةٍ كبيرةٍ، في مَجرى الصراع الطبقي، بمبادئ النظرة الى العالم، ونمط التوجهات القِيَمية ومُثُلها الأخلاقية والاجتماعية والجمالية والتي تمتد جذورها في البناء التحتي ولكنها تتحلى بالاستقلالية النسبية. لم يكن من المُمكن لأي حركة سياسية أن توجد على الإطلاق بدون النضال من أجل تملّك عقول وقلوب الناس، وهذا النضال لا يدور بأي حالٍ من الأحوال في مجال المفاهيم السياسية أو الاجتماعية فقط. انه يتخلل جميع جوانب الحياة الروحية للمجتمع. يكتسب الشكل الايديولوجي للصراع الطبقي أهميةً مُتزايدةً باستمرار في التاريخ الحديث، ويتعين على الدراسات التاريخية الماركسية اللينينية أن تدرسه بنفس عمق وشمول دراستها للأشكال السياسية والاقتصادية. لقد صار تاريخ الثقافة بحد ذاته من أكثر الصراعات الايديولوجية حِدّةً. ان القضية، في الحالة المعروضة أمامنا، ليست الدراسات الثقافية النظرية بقدر ما تتعلق بالضبط بتاريخ الثقافة، ولا سيما في بلدان الغرب المُعاصر. في الواقع، لا يوجد فرق كبير بين هذين الأمرين لأن المؤرخين البرجوازيين يسندون أنفسهم على تنويعاتٍ نظرية مثالية حول الثقافة، بينما يتعامل مُنظرو الدراسات الثقافية مع المواد التاريخية والتعميمات الموجودة في أعمال المؤرخين. لقد قام الفلاسفة والسوسيولوجيين والاثنوغرافيين السوفييت بالكثير، للكشف عن عدم قُدرة مفاهيم نظرية الثقافة البرجوازية على الصمود في وجه النقد(1).

يُنكر الغالبية العُظمى من مُنظري ومؤرخي الثقافة البرجوازيين الطابع الطبقي للمسائل الروحية، وتستند دراستهم لثقافة القرون من السابع عشر الى العشرين على هذا الموقف. بغض النظر عن المهام الملموسة التي قد يضعها هذا الباحث أو ذاك نُصب أعينه، فإنهم دائماً ما يخوضون في جدالٍ مُباشرٍ أو ضمني مع الماركسية ويناضلون ضد تعاليم لينين حول وجود ثقافتين برجوازية وديمقراطية في ثقافة المُجتمع الرأسمالي. ينطبق هذا أكثر ما ينطبق على الأعمال التي تهتم بالثقافة الغربية المُعاصرة والتي تسود فيها حول حاضرها ومُستقبلها نظرةً تشاؤمية.

يُقارب البروفسور فريدريك لودفيك بولاك Frederik Lodewijk Polak من مدرسة العلوم الاقتصادية الهولندية، تشخيص الحياة الفكرية الغربية من مواقع "صورة المُستقبل"، وهي فكرة أساسية في مفاهيمه. كان هذا هو العنوان الذي أطلقه على كتابه، والذي إدعّى انه اكتشف فيه "قانوناً تاريخياً جديدياً لديناميكيات الثقافة". قام بصياغة القانون بإيجازٍ شديد: "ان كل ثقافة تمتلك صورة عن المُستقبل تمر بفترة ازدهار، وكل ثقافة لديها صورة ضعيفة وغير مُتكاملة عن المُستقبل محكومٌ عليها بشكلٍ قاطعٍ بالانحلال". إن الافتقار الى صورة ايجابية عن المُستقبل يقضي على "كل العناصر الثقافية الأُخرى مثل الحمض الحاد"، و"عصرنا... لم يُطوّر صوراً للمُستقبل، أو أنه قام بتطوير صوراً سلبيةً فقط"(2). يُحلل بولاك، من وجهة النظر هذه، التيارات الفلسفية البرجوازية والعلوم الاجتماعية وحالة الجامعات والفن والأدب، ويَخلُص الى أنها آخذة في الانحلال نتيجةً لغياب "صورة المُستقبل الايجابية". ان تشخيص أزمة الثقافة البرجوازية في بعض النقاط لهو وصف شامل ومُقنع للغاية. لكن بالنسبة الى هذا المؤلف، فإن هذه أزمة للثقافة الغربية بشكلٍ عام، وليست أزمة الثقافة البرجوازية. يتجاهل بولاك عناصر الثقافة الاشتراكية والتقدمية التي تتطور بسرعة وبعمق في الدول الغربية مثل الفلسفة الماركسية والتاريخ والأدب وفن الواقعية الاشتراكية، ناهيك عن الاتجاهات التقدمية العامة في العلوم الانسانية وفي فن الواقعية النقدية. صحيح أنه يعترف، في لحظةٍ مُعنية، وبالتناقض مع تصوره العام بأن "الشيوعية تطرح تصوراً صحياً ورائعاً للمُستقبل، وهي تجتذب ملايين الناس"(3)، لكن هذا الاعتراف، ليس له أي تأثير على تحليله للثقافة الروحية.

ان الافتقار الى التجانس ووجود ظواهر فكرية متنوعة في المُجتمع الرأسمالي المُعاصر واضحان للغاية لدرجة أن الاتجاهات المُختلفة لدارسي الثقافة البرجوازية يفضلون عدم انكار وجود ثقافتين في ثقافة الغرب، ورسم خطٍ فاصلٍ بينهما حسب أي معيارٍ يُمكن تصوره، ما عدا المعيار الطبقي.

أعرَبَ العالم والكاتب والشخصية العامة الانجليزي تشارلز سنو Charles Snow عن آرائه عام 1959 بمحاضرة بعنوان (الثقافتان والثورة العلمية). لقد عارَضَ الثقافة الانسانية الكلاسيكية مع تلك الموجودة في العلوم الطبيعية، والتي تُعتَبَر في رأيه، عن المبدأ الرئيسي الذي يُمكن تحت بنده وضع ظاهرة الثقافة المُعاصرة. بالإضافةِ الى ذلك، أكد أن هذا التقسيم بناءاً على هذا المبدأ هو أكثر أهميةً من التقسيم وفقاً للمبدأ الطبقي(4). أدت مُحاضرة سنو الى بروز جدالاتٍ حادة بين دارسي الثقافة البرجوازية في انجلترا وخارج حدودها. جادَلَ كُلٌ من علماء الطبيعة والأدباء حول أيٍ من الثقافتين أهم(5)، لكن جميع المُشاركين في المُجادلات افترضوا أن هذا هو بالضبط مبدأ تصنيف الظواهر الثقافية الذي ينبغي أن يقوم تحليلها عليه. في حين أنه يقول بأن "المُجتمع الفكري في العالم الغربي ينقسم الى مُعسكرين مُتناحرين"، يربط الباحث الأمريكي ديريك ريجين Deric Regin هذا بمُشكلة الثقافتين(6)، بنفس المعنى الذي طرحه سنو. يخدم انكار المُقاربة الطبقية الهدف نفسه عند مبدأ آخر واسع الانتشار في الثقافة البرجوازية المُعاصرة: تعريف الثقافتين على أنهما ثقافة "النُخبة" وثقافة "الجماهير". وكما في التنويعة المذكورة أعلاه، يستخدم مؤيدو هذه الفكرة الاختلافات الحقيقية الموجودة بالفعل بينهما، لكنهم، من خلال اضفاء صفة الاطلاق عليهما ونزعهما من السياق التاريخي، يتجاهلون أو يشوهون التناقضات الحقيقية في مجال الثقافة. يؤكد ريجين أن "القضية الوحيدة الحاسمة الكامنة وراء الصراع في ثقافة عصرنا، هو الصراع الذي لا يُمكن التوفيق فيه بين مبدأ الفردية والجماعية، الأصالة والامتثال، الأصالة والرأي العام"(7). في رأيه، لقد عانت الثقافة "الراقية"، ثقافة النُخبة، ثقافة الفرد والتفرّد الابداعي، من الهزيمة في الصراع مع ثقافة "الجماهير" الامتثالية ذات المستوى المتوسط. لذلك، يُمكن لعصرنا أن يوفر فقط التقدم المادي، أي التكنولوجي، لكن يجب أن لا تكون هناك أوهام مفادها أننا "سنكون قادرين على خلق ثقافة عظيمة" عند تطبيق مثل هذه المواهب على الفن، "سوف لن ننجح في هذه المجالات"(8). نحن نجد في كتاب (الفن والثقافة) Art and culture لكليمينت جرينبيرغ Clement Greenberg طروحات مُماثلة ومُتشائمة من حيث تصنيف الظواهر الثقافية. الثقافة "الراقية" بالنسبة له، هي ثقافة الطليعة، وما سواها هي ثقافة تجارية "جماهيرية". لكن الثقافة الطليعية، والتي تُصبح أكثر تعقيداً بشكلٍ مُتزايد، تفقد الدعم، حتى من جانب النُخبة، وبما أن الثقافة الطليعية هي الثقافة الوحيدة الحية اليوم، فإن الحفاظ على الثقافة بشكلٍ عام سيكون مُهدداً في المُستقبل القريب(9).

تبنّى باحث الثقافة الكندي دوايت ماكدونالد Dwight Macdonald نفس مبدأ التصنيف هذا، مع اختلاف وحيد عن سابقه وهو أنه يؤكد على التأثيرات المُتبادلة للثقافتين على بعضهما البعض. "تنطبع ثقافة الجمهور بطابع كلا تنويعتي الثقافة سواءاً الأكاديمية والطليعية، في حين أن هذه الأخيرة تسترشد بشكلٍ مُتزايد بعناصر ثقافة الجمهور". لكنه يرى أيضاً أن "الثقافة الراقية في عصرنا متطابقة الى حد كبير مع الثقافة الطليعية"(10).

وهكذا، يرى علماء الثقافة البرجوازيون أن التناقض الأساسي في ثقافة العالم الرأسمالي يتمثّل في الصراع بين الثقافة "الانسانية و"العلمية"، و"الراقية والمنحطّة"، و"النخبوية" و"الجماهيرية"، و"الطليعية" و"التقليدية"، وحتى في أي شيءٍ يُمكن للمرء أن يُفكر فيه ما عدا صراع الثقافة البرجوازية بكل تنويعاتها ومظاهرها ضد الثقافة الاشتراكية والديمقراطية. ولكن، يؤكد جميع المؤلفين المذكورين، وكثيرون غيرهم، أن بداية المرحلة الحالية في الثقافة الغربية انطلقت في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، وأنه لم تطرأ أي تغيرات نوعية منذ ذلك الحين. هذه الفكرة أوضح ما تكون عند ريجين. في تلك الفترة بدأ المفكرين والفنانين "يتمردون ضد أشكال وصِيَغ العالم الكلاسيكي" ولهذا السبب قسّمَ عام 1800 "تاريخ الثقافة الى فترتين"(11) وبالتالي يُمكن القضاء على مسألة أزمة الثقافة البرجوازية كعُنصر لا ينفصل عن الأزمة العامة للرأسمالية.

لقد أدرجنا أعلاه عدداً قليلاً فقط من من مفاهيم التاريخ الثقافي السائد في الغرب، لكنها توضّح مدى الحاجة الى الدراسات الماركسية اللينينية حول تاريخ الثقافة في الأزمنة الحديثة والمُعاصرة من أجل النضال الايديولوجي ضد التأريخ البرجوازي.

يبدو لنا، أنه من بين الأسباب العديدة للتأخر في هذا الفرع من البحث التاريخي حقيقة أن بعض الأسئلة المُتعلقة بالنظرية والمنهجية لم يتم حلها بعد. يرى المؤلف، في هذا الصدد، أن مهمته هي طرح تلك المسائل التي سيتعيّن علينا التعامل معها حتماً في سياق دراسات تاريخ الثقافة الملموسة من أجل المُناقشة، والتعبير عن الأفكار حول المسارات التي يجب اتباعها من أجل حلها.

***

ان التاريخ الماركسي اللينيني حول الثقافة في طريقه لأن يُصبح فرعاً مُستقلاً نسبياً من تخصص التاريخ، مثل التاريخ الاقتصادي وتاريخ الحركة العمالية وتاريخ العلاقات الدولية، الخ. وان له، مثله مثل تلك الفروع، قاعدة منهجية مادية دياليكتيكية وتاريخية. وان لديه، مثل تلك الفروع، خصائصه، التي تُحددها قبل كل شيء تفرد موضوعه وكذلك تاريخ ظهوره وتطوره كفرع من المعرفة التاريخية. لذلك من الطبيعي أن نبدأ بدراسة المسائل النظرية لتاريخ الثقافة بتحليل موضوع البحث الرئيسي.

تطرح هذه المسألة صعوباتٍ كبيرة، لأن مفهوم "الثقافة" ذاته، في المقام الأول، أكثر تعقيداً بشكلٍ لا يُضاهى من مفهوم "العلاقات الدولية" على سبيل المثال. منذ الوقت الذي قام فيه عالمي الانثروبولوجيا الثقافية كروبر Kroeber وكلوكوهن Kluckhohn بتجميع 164 تعريفاً شكلياً للثقافة وأكثر من 100 مُحاولة أُخرى لتوضيح هذا المفهوم وصفياً عام 1952(12)، ظَهَرَ عدد من المحاولات لصياغة تعريفات أُخرى، أعادت انتاج نفس الصِيَغ المعروفة مُسبقاً بأشكالٍ أُخرى. لا يُمكن للمرء أن يتوقع تحولاً جذرياً في الدراسات البرجوازية حول الثقافة، لأن هذا التخصص يقوم على أفكار مثالية حول أصل الظواهر الروحية. قامت الينا ميخايلوفنا شاتيرمان(13) بوضع مسحٍ للتعريفاتٍ الرئيسية حسبما وضعاه كروبر وكلوكوهن. ولكن يبدو لنا أنه من الأفضل تصنيفها ليس من خلال التركيز على مجموعات متنوعة من الكُتّاب (الاستمرارية، القيمة، السلوك، النشأة)، بل من خِلال مبدأٍ آخر.

ان وَضَعَ المرء جانباً الاستخدام الضيق لمُصطلح الثقافة (ثقافة الكلام، ثقافة العمل، ثقافة السلوك وما الى ذلك)، فسيبقى هنالك ثلاثة مُقاربات علمية أساسية لهذه الفكرة، والتي يُمكن أن يُطلَق عليها بشكلٍ مشروط أنثروبولوجية وسوسيولوجية وفلسفية. لا يُمكن للمرء أن يرى جوهر المسألة الكامن وراء التعاريف التي لا حصر لها بدون أخذ الاختلاف الأساسي في المُقاربات ذاتها بعين الاعتبار. ولا تكمن المشكلة في اضافة تعريف آخر الى التعاريف الموجودة مُسبقاً. من الضروري مُحاولة تحديد ما هو التاريخ الثقافي الذي نتعامل معه، وكيف يختلف موضوعه عن الانثروبولوجيا الثقافية وسوسيولوجيا الثقافة وتاريخ الأفكار والفن والتعليم والعلم.

كما كتب كروبر وكلوكوهن فإن "المقاربة الانثروبولوجية، نسبوية، بمعنى أنها لا تنبع من تسلسل هرمي متأصل من القِيَم بل تفترض أن كل مُجتمع، يسعى الى القِيَم ويجدها من خلال ثقافته، وأن مُهمة الانثروبولوجيا هو تحديد نطاق وتنويعات ومقياس استقرار وتفاعل هذه القِيَم التي لا حصر لها"(14). حدد الباحث السوفييتي ادوار ساركيسوفيتش ماركاريان Eduard Sarkisovich Markarian وجهة النظر هذه بنجاح على أنها "مفهوم الثقافات المُتكافئة" ولاحَظَ عن حق أنها نشأت في النضال ضد المفاهيم المركزية الأوروبية(15). هذا المفهوم يفترض أن لكل مُجتمع بشري ثقافة، وهو (أي هذا المفهوم) يتجنّب بوضوح تقسيم الشعوب الى تاريخية ولاتاريخية، الى ثقافية ولاثقافية. في الوقت نفسه، فإن المقاربة الأنثروبولوجية (الانثروبولوجيا البرجوازية) بطبيعتها نسبوية وموضوعانية حقاً، لأنها تستثني من الاعتبار مسألة تطور الثقافة ومعيار تقييمها، وأخيراً تقدم الثقافة الانسانية. من الواضح تماماً أنه بالنسبة للبحث التاريخي في مجال الثقافة فإن وجهة النظر هذه غير مقبولة. يتضمن الفهم الانثروبولوجي للثقافة أيضاً نظرةً شاملة للثقافة (أي الثقافة، على النقيض من ثقافةٍ ما)، تتميز بتفسيرٍ واسعٍ للغاية لهذا المفهوم. يؤكد عالم الانثروبولوجيا كروبر والسوسيولوجي تالكوت بارسونز، لدن وصفهما المُقاربة الانثروبولوجية، بأنه حتى النظام الاجتماعي يُعتَبَر فقط جُزءاً من الثقافة. هذا التصريح جدير بالمُلاحظة من حيث أنه وَرَدَ في مقال مكتوب لأجل مُصالحة المُقاربتين الانثروبولوجية والسوسيولوجية معاً(16).

يُمكننا أن نستعرض عدداً من تعريفات الثقافة مُستمدةً من المُقاربة الانثروبولوجية (انها في الواقع، تعود، الى مُمثلي مجالات أُخرى كذلك). يطرح مُؤلفون مُختلفون تعريفاتٍ مُتنوعة: انها نمط وجود الانسانية، تماماً كما أن الحياة هي نمط وجود البروتوبلازم"(القاموس الفلسفي الألماني 1922). "انها النشاط الكُلي للانسان الاجتماعي" (كروبر). "أُسلوب الحياة الذي يتّبِعُه المُجتمع أو القبيلة"(K. Whistler). "نمط حياة عام ووسيلة مُحددة لتكيّف الانسان مع بيئته الطبيعية واحتياجاته الاقتصادية (كريستوفر داوسونChristopher Dawson). "ثمرة التلاحم الانساني" (E. Prouse). "كل ما صنعه أو عدّله النشاط الواعي أو اللاواعي لشخصين أو أكثر والسلوك التفاعلي المُتبادل(بيتريم سوروكين Pitirim Sorokin). "الجزء الذي صنعه الانسان من البيئة (ميلفيل هيرسكوفيتس Melville J. Herskovits). "كل شيء مادي وغير مادي صنعه الانسان" (E. Reiter). "انها ما يُميّز الانسان عن الحيوان"(فيلهلم اوستفالد Wilhelm Ostwald)(17). "طريقة الحياة الجماعية"(18). ليس من الصعب الموافقة على أن هذه التعريفات تشمل أساساً الحياة الكُلية للمُجتمع.

تمتلك تعريفات من هذا النوع اتجاهاً واضحاً لا شك فيه يَبرُز ضد جوانب مُختلفة من التفسيرات البيولوجية (بما في ذلك العنصرية) لمصادر الثقافة. ولكن الموافقة التامة على هذه التعريفات للثقافة، وحصر المرء لنفسه في صياغة من نوع "نمط مُعيّن من النشاط المُميّز للكائنات الحيّة" أو "نظام طوره الانسان لابيولوجياً"(19) يعني إحلال علامة أولية واحدة فقط محل المفهوم بأكمله. الحقيقة، هي أن كل حياة الجنس البشري، على الرغم من ارتباطها ببيولوجيا الانسان العاقل homosapiens تتحدد بشكلٍ أساسي من خلال عمليات اجتماعية غير بيولوجية.

هذا هو السبب في أن مُجرّد التأكيد على الطبيعة غير البيولوجية للثقافة غير مُلائم بشكلٍ واضح من أجل توضيح السمات المُحددة للظاهرة. بالاضافة الى ذلك، في رأينا، ليست هناك حاجة، في المرحلة الحالية من تطور السوسيولوجيا الماركسية اللينينية، لتضمين هذا المعيار الواضح في تعريف المفهوم، لأنه غير مُدرَج في تعريفات الظواهر الاجتماعية الأُخرى، ولكنه يبقى فيها ضمنياً.

قد يَطرَح المرء الفرضية القائلة بأن النمط الانثروبولوجي لتعريف الثقافة مُرتبط نشوئياً بالموضوع التقليدي للانثروبولوجيا التجريبية والبحث الاثنوغرافي: لقد كانتا حتى وقتٍ قريب مُكرّستين لدراسة الشعوب المُتخلفة في المقام الأول في مرحلة المُجتمع العشائري.

ومع ذلك، فإنه لا يجب سحب حقيقة أن الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي لم يكونا مُنفصلين في وقتٍ مُبكر، وان كانت مرحلةً طويلةً جداً من التاريخ الانساني، لا يجب سحبها على التاريخ كله. للأسف، يوجد تفسير واسع جداً لهذه الفكرة في أدبياتنا حول تاريخ ونظرية الثقافة في كثيرٍ من الأحيان. وهذا ينطبق قبل كل شيء على صيغة مُنتشرة على نطاقٍ واسع "مُجمل الانجازات في تطورات الحياة المادية والفكرية للمُجتمع"(20). تم انتقاد تعريفات من هذا النوع مراراً وتكراراً، على أساس أنها لا توفر الفرصة "لما يوحدها بطبيعتها الكامنة فيها" حسب تعبير ماركاريان(21). تمت الاشارة أيضاً الى أن "مجموع الانجازات" أو "النتاجات" تستبعد عملية التطور ذاتها. وقد عبّر فاديم ميجويف Vadim Mezhuev عن هذه الفكرة بوضوحٍ تام: "الثقافة لا توجد في شكل الأشياء الجامدة الميتة، ولكن في الشكل العاصف للقدرات الانسانية التي تُظهر نفسها بشكلٍ فعّال"(22).

ومع ذلك، فإن العيب الرئيسي في تعريفات من هذا النوع يكمن في حقيقة أنها تتضمن تاريخ البشرية بأكمله. حسب ارزاكانيان Arzakan ian هل كل التاريخ هو ثقافة؟ بالرغم من أنه لم يتجاهل حقيقة أن التاريخ يتضمن " القدرات الانسانية التي تُظهر نفسها بشكلٍ فعّال". انه يفهم الثقافة بأنها "النتاجات الرئيسية للنشاط المادي والفكري والفني للانسان والمُجتمع ووسائل تنفيذ ذلك النشاط عملياً، وهذا النشاط نفسه كعملية ابداعية مُتواصلة يُحددها الانتاج المادي"(23). هل يختلف هذا التعريف كثيراً عن صياغة قسطنطين بيتروفيتش ابروسينكو Konstantin Petrovich Abrosenko والتي تُعبّر بوضوح شديد عن مفهوم الثقافة هذا: "الثقافة، ككل، بالمعنى الواسع، تشمل مُجمل جميع جوانب حياة المُجتمع. انها تتضمن الحياة المادية للبشر والمسائل الاجتماعية الحكومية والسياسة والايديولوجيا(24).

نظراً لأن جوانب الحياة الاجتماعية المُتنوعة أصبحت أكثر تعقيداً وتمايزاً، فإن التخصصات المُختلفة للمعرفة التاريخية، رغم تخلّفها وراء هذا العملية المُعقدة، الا أنها قد تشكّلت بالفعل. ظهرت مجالات موضوعاتها كتاريخٍ لهذا الجانب أو ذاك من جوانب عملية تطور البشرية الواحد: التاريخ الاقتصادي، تاريخ الدولة والقانون، الحركة العُمالية، الأدب وما الى ذلك. ما هو جانب العملية التاريخية التي يدرسها تاريخ الثقافة؟ من الواضح أنه من المُستحيل العثور على إجابة من خلال إتّباع المُقاربة الانثروبولوجية.

تُثبت المُقاربة السوسيولوجية، من هذا المُنطلق، أنها أكثر فائدة، حيث تتعامل مع الثقافة على أنها جانب أو جزء أو عُنصر مُعيّن من الحياة الاجتماعية. حتى التعريف المعروف جيداً الذي وضعه مؤسس الانثروبولوجيا الحديثة ادوارد بارنت تايلور Edward Burnett Tylor هو من النمط السوسيولوجي الى حدٍ ما. فالثقافة، على حد تعبيره "تتكون في مُجملها من المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقوانين والعادات وأي قدرات وعادات أُخرى يكتسبها الانسان كعضو في المُجتمع"(25). فقط الظواهر من نوع البُنى الفوقية هي التي يقوم بتعدادها فقط. يوسّع عالم الانثروبولوجيا البريطاني برونيسلاف مالينوفسكي Bronisław Malinowski فكرة الثقافة: الاختراعات والأشياء والعمليات التقنية والأفكار والعادات والقِيَم الموروثة". يُضمّن رادكليف براون Radcliffe-Brown اللغة والمعتقدات والأذواق الجمالية والمعرفة والمهارات المهنية والعادات من كل نمط في مفهوم الثقافة. يتم وضع التعريف في عنصر أو عنصرين فقط في العديد من التعريفات المُختصرة: "طريقة تفكير مقبولة"(كارل يونغ). "الأفكار والعادات" (رالف لينتون Ralph Linton). "الاتيكيت واللغة والعادات... المعتقدات الدينية والبحوث والاختراعات ونظام المعارف"(لوغان ويلسون Logan Wilson وويليام كولب William L. Kolb). "دفق الأفكار الذي ينتقل من فردٍ الى فرد"(C. Ford) (26).

إن واضعي هذه التعريفات، الذين ينتمون الى مدارس مُختلفة من السوسيولوجيا البرجوازية، بعيدون تماماً عن المقاربة المادية الدياليكتيكية العلمية الحقيقية للظواهر الاجتماعية. ما يضعونه ليس حتى تعريفات، ولكن مُجرّد قائمة من العناصر، من الأجزاء المُكونة لكُلٍ ما. "لقد نسوا أن يقولوا ما هي الثقافة" حسبما علّق كروبر وكلوكهون(27). ان النقطة الأساسية، فيما يتعلق بمسألة موضوع تاريخ الثقافة ليست المكونات المُختلفة المُتعلقة بالثقافة، بل المنهج نفسه: فكرة "الثقافة" لا تشمل حياة المُجتمع كله لكن جانب مُعيّن منها.
يتم التعبير عن المُقاربة السوسيولوجية في أدبياتنا من خلال تنويعتين رئيسيتين. التنويعة الأكثر انتشاراً هي الميل الى التمييز بين مفهوم "الثقافة" بالمعنى الواسع والضيق للمُصطلح(28).

التعريفات الواسعة التي قدمها كيم وأرزاكانيان وبوللر Baller وكابانوف المعروضة أعلاه تتعلق تحديداً بالجانب الواسع للفكرة. في هذه الحالة، فإن فهم الثقافة بالمعنى الواسع للكلمة هو الذي يحتوي على حس انثروبولوجي. ومع ذلك، يفهم هؤلاء المؤلفين وغيرهم الثقافة بالمعنى الضيق على أنها تعني الثقافة الروحية، والتي يتم تفسيرها على أنها "مجموع القِيَم الروحية"، وفي بعض التعريفات على أنها "وسائل خلقها" أيضاً. تُنبه هيئة تحرير العمل الجماعي المعروف (الشيوعية والثقافة) Kommunizm i kul tura القارئ من أن الثقافة "تُفهَم في هذا الكتاب بالمعنى الضيّق"(29).

في الحالة الثانية، يتم فرز ليس أحد جوانب العملية الموحّدة لتطور المُجتمع، ولكن جانب مُحدد منه. يفهم التيروفيتش O. N. Al terovich الثقافة على أنها "استعياب الانسانية والمُجتمع الاثني والطبقة والفرد للواقع الموضوعي"(30). يطرح فاديم ميجويف التعريف التالي: هي "نشاط كوسيلة لتطور الانسان الشامل والمُتكامل، والذي يتجلّى مُباشرةً في الاستيعاب الشامل للطبيعة ومُعالجتها من خلاله: هذه هي ماهية الثقافة"(31). بالطبع، تحتوي هذه الصِيَغ على تلوين أنثروبولوجي يُمكن مُلاحظته جيداً، حيث يتم تضمين كُلٍ من الانتاج المادي والعلاقات الاجتماعية والصراع الطبقي في مجال دراسة الثقافة. لكن مع ذلك، يسعى المؤلفين الى توجيه دراسة الثقافة ليس نحو دراسة العملية التاريخية ككل، بل نحو أحد جوانبها، مثل تاريخ عملية استيعاب الواقع أو تاريخ النشاط الانساني، بينما يتم التركيز في الحالة الثانية على "تطور الانسان كشخصية مُتكاملة"(32).

أخيراً، لا تتقدم الثقافة في ظل المُقاربة الفلسفية كمُرادف للمُجتمع وليس كجُزء أو جانب مُعيّن من التطور الاجتماعي، بل كظاهرة مُجرّدة يُمكن استبعادها من العملية فقط بطريقة تحليلية صرف. وهكذا يرى ايفانز بريتشارد Evans-Pritchard أنه يُمكن تمييز شيء ما كُلّي في دراسة الثقافة: "عند القيام بذلك، لا يتم رسم حدود الاختلاف بين نوعين من الأشياء- المُجتمع والثقافة غير موجودين في الواقع- ولكن بين تجريدين مُختلفين"(33). يطرح كروبر وبارسونز في المقالة التي سَبَقَ واستشهدنا بها نفس الفكرة تقريباً، على الرغم من أن المُجتمع والثقافة بالنسبة لهما ليسا تجريداً بل ظواهر موجودة بالفعل، يتم حذف الأول أو الثاني عن طريق التحليل(34).

مُنتقداً المُعالجة المثالية لكلٍ من الأفكار قيد الدراسة ومفهوم "التجريد"، حاوَلَ ماركاريان طرح تفسير ماركسي للمسألة: "عند تحديد مشكلة العلاقة المُتبادلة بين المُجتمع (بالمعنى الضيق) والثقافة، يُمكن أن يكون فهمها فهماً صحيحاً من الناحية النظرية ومُثمراً من الناحية المنهجية عندما لا نعتبر العلاقة بين فكرتي "المُجتمع" و"الثقافة" كعلاقة بين الجزء والكُل، ولكن كتعبير عن جانبين مُختلفين مُتحدين عضوياً وينهضان نشوئياً في نفس الوقت، والذين لا يُمكن فصل مكوناتهما الا من خلال تكنيكات التحليل المنطقي(35). يُمكن تعريف الثقافة، وفقاً لماركاريان، على أنها "وظيفة للوجود الجماعي للبشر"(36).

هذا الفهم، في رأينا، ليس مُثمر، على الأقل بالنسبة للبحث التاريخي في مجال الثقافة. بالطبع، من الصواب التأكيد على أن الثقافة والمُجتمع نشآ في وقتٍ واحد. لكن علاقات الانتاج نشأت بالتزامن مع ظهور المُجتمع، بالضبط كما نشأ الانتاج نفسه ونوع مُعيّن من التنظيم الاجتماعي. هل هذا يعني أن جميع مكونات الحياة الاجتماعية هذه ليست جُزءاً من المُجتمع كأنها جُزء من كُل؟ وهل صحيح أنه لا يُمكننا فصل مكون عن آخر وفصل الجُزء عن الكُل الا بالتحليل المنطقي؟ بالنسبة للاقتصاد والعائلة (العشيرة) وجميع أنواع العلاقات الأُخرى (بما في ذلك الثقافية)، توجد جميعها في الواقع الموضوعي على وجه التحديد كجزءٍ من المُجتمع ككلية. يُمكن،على هذا النحو بالضبط، أن تخضع لتحليل تاريخي ملموس، وهذه المقاربة بالضبط مُثمرة للغاية.

كان ماركاريان مُحقاً أيضاً عندما يُذكرنا بالوحدة العضوية لمُختلف جوانب العملية التاريخية. دائماً ما يهتم الماركسيين بهذا الجانب. لكن هذا بالتأكيد لا يمنعنا من دراسة هذا الجانب أو ذاك على المستوى التاريخي. يوجد لهذا النوع من الدراسة كم مُعيّن من التجريد، لكنه ليس أكثر من أي بحث علمي آخر. مثلاً، العلاقة العضوية بين الاقتصاد والسياسة ليست عقبة أمام أي دراسة للتاريخ السياسي أو للتاريخ الاقتصادي كُلٌ على حدة.

برأينا، لا التفسير الانثروبولوجي المطاط للثقافة الذي يُفرِغ مُحتواها المُحدد، ولا المُقاربة الفلسفية للمفهوم قيد البحث قد أديا الى حل المُشكلة. هذا لا يعني، مع ذلك، أنه من المُستحيل استخلاص أي شيء مُفيد منهما لمُعالجة مسألة ماهية الثقافة. تحتوي المُقاربة الانثروبولوجية على الأقل على عامل أساسي واحد مُهم: السعي الى دراسة الثقافة ليس كمجموع الظواهر والجوانب المُختلفة للواقع، بل كظاهرة مُتكاملة. يجب اعتبار أن توجّه المُقاربة الانثروبولوجية لدراسة الظواهر السائدة بين الجماهير بما في ذلك توجهاتهم القِيَمية وقواعد سلوكهم ومُثُلهُم العُليا وأذواقهم وما الى ذلك، سمة لها أهمية خاصة لتاريخ الثقافة. وكما لاحَظَ الباحث السوفييتي أرتانوفسكي بحق، فإن الانثروبولوجيا والاثنوغرافيا يطرحان "تكنيكات مُفصلة جيداً لمقاربة مُتكاملة نحو الثقافة" ليس فقط لدراسة سوسيولوجيتها ولكن تاريخها أيضاً(37).

أثبت فكر ماركاريان في عددٍ من الحالات أنه مُثمر للغاية فيما يتعلق بالتفسير الفلسفي لفكرة "الثقافة". يتعلق هذا، على سبيل المثال، بفصل التحليل الصرف للظواهر التي نُصنفها على أنها "ثقافية" عن عملية الانتاج أو العلاقات الاجتماعية.

تُركز المناقشة الحالية على تطوير رأي موحّد حول أي جانب من جوانب الواقع يجب أن نعتبره ضمن تلك الجوانب التي يجب أن تندرج في اطار المفهوم المُعطى. هذا ضروري من أجل "التوصل الى اتفاق بشأن شروط ومُعطيات تحديد موضوع دراسات التاريخ الثقافي بشكلٍ واضح. من غير المُستحسن، في هذا الصدد، المُحافظة على كُلٍ من تعريفي الثقافة الواسع والضيق: يجب أن يكون جهاز العلم المفاهيمي واضحاً.
برأينا، يُمكن للمقاربات المُتنوعة لدراسة الثقافة، وكذلك التعاريف المُختلفة للثقافة أن تتخللها فكرة "الحياة الروحية للمُجتمع". ان هذه الفكرة ليست مُعادلاً للوعي الاجتماعي، على الرغم من أن لديها الكثير من القواسم المُشتركة مع هذه المقولة. طَرَحَ إجيتخانيان فكرة أن نفهم الوعي الاجتماعي على أنه "أفكار ووجهات نظر ونظريات تنشأ وتتطور على أساس العلاقات المادية والوجود الاجتماعي وتبرُز على أنها انعكاس (صحيح أو خاطئ) لهذه العملية"(38).

ولكن حتى عند دراستها بشكلٍ شامل وليس من الناحية الابستمولوجية الصرف، فإن الأفكار والنظريات والآراء لا تستنفد على الاطلاق ثراء الحياة الروحية للمُجتمع. ما هي، على سبيل المثال، حالة التعليم في مُجتمعٍ مُعيّن؟ ما مدى انتشار الآراء المُختلفة أو الأذواق الجمالية فيه؟ ما هو تنظيم الحياة الروحية عند مُختلف الطبقات، أي كيف هي أوضاع وسائل اتصالها ومعلوماتها ومؤسساتها؟ كل هذا يتجاوز مفهوم الوعي الاجتماعي، بالضبط كما هو في حالة تاريخ الصراع السياسي فيما يتعلق بمسائل التطور الفكري للمُجتمع، والحقوق والتشريعات الموجودة فيه، وما الى ذلك. ومع ذلك، فإن هذه عناصر بالغة الأهمية للحياة الروحية للمُجتمع.

تتضمن أنواع الوعي الاجتماعي الوعي اليومي الشائع. ولكن "الوعي اليومي بشكلٍ عام ليس وعياً إجتماعياً ولكنه ذلك العنصر العالمي الطبقي (الشامل) في وعي الناس اليومي، في آرائهم ومشاعرهم التي لا يُمكن تفسيرها إن ظل المرء في إطار فهم الوعي كوعي "بشكلٍ عام" كما يقول اجيتخانيان عن حق(39). لا تدخل المكونات "التكنولوجية" اللاتحددية للوعي اليومي في مفهوم "الوعي الاجتماعي"، ولكنها تحتل مكاناً مُهماً في الحياة الروحية للمُجتمع. الحقيقة هي أن مُستوى قدرات التفكير، أي القدرة على التعميم والاستفادة من الأفكار المُجردة التي توصل اليها مُجتمع مُعيّن تتغلغل في جميع جوانب الحياة الروحية وضع بصمتها على نمط الجدالات والأخلاق والعادات.

وهكذا، فإن مفهوم "الحياة الروحية للمُجتمع" أوسع بكثير من مفهوم "الوعي الاجتماعي". لكن الأفكار والنظريات والصور الابداعية لا تدخل الحياة الروحية للمُجتمع من حيث مكانتها في عملية الادراك بقدر ما تدخلها من حيث مُستوى وجودها في مُجتمعٍ مُعطى في مرحلةٍ مُعينةٍ من تطوره.

كما أن مفهوم "الحياة الروحية للمُجتمع" لا يتطابق مع مفهوم "الانتاج الفكري" الذي طرحه ميجويف كمقولة أساسية في تاريخ الثقافة. إن تركنا جانباً مسألة مدى قابلية تطبيق هذه الفكرة المُستعارة من الاقتصاد السياسي على نظرية الثقافة، فإننا نُلاحظ فقط أنها تتعلق حصرياً بالنشاط المهني لأُناس العمل الفكري. يقول ميجويف: "ان المُقدمة المُباشرة لوجود تطور الانتاج الفكري هو انقسام نشاط الناس المادي والفكري، الانقسام بين العمل الذهني والبدني"(40). والواقع، أن فكرة "الانتاج الفكري" ستُفقَر من محتواها الذي يُميزها (على عكس "الانتاج المادي") ان فهمناها على أنها تشمل كل نشاط فكري. يتضمن نشاط الناس المادي، نشاط الإنتاج المادي، ولكن لا يُمكن اختزال الأول للثاني. الرجل الذي يمشي في الشارع أو ينقل الأثاث في مكانٍ ما هو في حالة نشاط مادي، لكنه لا يُنتج أي شيء، وهو ليس في عملية انتاج مادي. الفرد الذي يتذكر أن لديه موعداً هو منخرط في عملية فكرية مُعينة، انه في نشاط فكري، لكنه لا يُنتج شيئاً، وهو لا يقع ضمن مجال الانتاج الفكري.

الحياة الفكرية توجد بالطبع في كل مُجتمع بشري بمعزلٍ عما ان كان قد حدث فيه (اي في المُجتمع) الفصل بين العمل الذهني والعمل الجسدي. ولكن حتى في المرحلة التي اتخذ فيها تقسيم العمل أشكالاً مُتطرفة من التناقض بين العمل الفكري والجسدي، تتمتع جميع الطبقات بحياةٍ روحية، حتى تلك التي لا تُشارك في الانتاج الفكري (بالمعنى المُشار اليه للمُصطلح).

ان هذه الطبقات، مثل جميع الأشخاص الذين لا يُشاركون بشكلٍ مُباشرٍ مهنياً في الانتاج الفكري، ليست معزولةً على الإطلاق عن خلق القِيَم الروحية. على عكس القِيَم المادية، فهي لا تتشكل فقط في سياق نشاط العمل الهادف. يمتلك الفرد الذي يقوم ببناء منزل، معرفةً دقيقةٍ الى حدٍ ما بالنتيجة التي يرغب في التوصل اليها. لكن الفرد الذي يُشكلُ رأياً أو تقييماً لأحداث أو ظواهر مُختلفة لا ينصّب لنفسه أي مهام انتاجية: إنه ببساطة يعيش ويعمل في عالمٍ من أشخاصٍ مثله. انه، في وجوده الواقعي، يُضيف الى الثروة الروحية للانسانية اضافةً-حتى وإن كانت اضافةً بسيطة جداً.

وهكذا، فإن الحياة الروحية، رغم أنها لا تتطابق مع الوعي الاجتماعي أو مع الانتاج الروحي، ولكنها تتضمن هذه الأفكار كُلياً أو جزئياً، هي جانب مُحدد جداً من حياة المُجتمع. انها ظاهرة تقوم على أساسٍ واحد، وتتحدد، في التحليل النهائي، من خلال ظروف الوجود المادي ويتم التعبير عنها في أشكالٍ مُتنوعة وتتغير في عملية التطور التاريخي.

في رأينا، الثقافة هي الحياة الروحية للمُجتمع والتي تتحدد خصائصها الأساسية بظروف الحياة المادية والعلاقات الاجتماعية، وكذلك تُمارس تأثيراً مُتبادلاً عليها. هذه الصيغة لا تقوم مقام التعريف الرسمي الى جانب المفاهيم التي تسبقه، الا أنها تُساعد على الكشف عن جوهر حل مسألة موضوع تاريخ الثقافة الذي طرحناه. تتضمن هذه المُقاربة عًنصراً من عناصر المُقاربة الانثروبولوجية حيث تُمثّل الثقافة هنا كُلاً لا يتجزأ، بينما ينتقل مركز الثِقَل الى الحياة الروحية للمُجتمع بأسره. إنها تتضمن عنصراً سوسيولوجياً، حيث يضمن المفهوم بعض جوانب حياة المُجتمع، وتتضمن كذلك عنصراً فلسفياً، لأن بعض مكونات الحياة الروحية (على سبيل المثال، الفكري داخل حدود الانتاج المادي) لا يُمكن فصلها عن بعضها البعض الا بوسائل التحليل المنطقي.

يبدو لنا أن لينين أعطى هذا المعنى للثقافة بالضبط. على الرغم من أن كلمة "ثقافة" تُستَخدَم في كتابات لينين بمُختلف الفروق من حيث المعنى حسب طبيعة العمل (مقالة، خطاب شفهي) وحسب الجمهور الذي يتم توجيه الخطاب له، الا أنه لم يستخدمه أبداً بالمعنى الانثروبولوجي الواسع بشكلٍ مُبالغٍ فيه.

في صِيَغ لينين، مثل "مع التدمير الهائل للثقافة ووسائل الانتاج" و"الاشتراكية مُستحيلة دون الاستفادة من مكاسب التكنولوجيا والثقافة" و"الاستفادة من كل ما صنعه أنشأته الثقافة الرأسمالية، والاستفادة مما خلقه الانتاج الرأسمالي"(41)، لا تظهر قوى الانتاج والتكنولوجيا والانتاج نفسه كجزء من الثقافة بل موازية لها بشكلٍ مُستقل. بالطريقة نفسها لا يُدرِج لينين علاقات الانتاج في مفهوم "الثقافة". من الضروري أخذ الثقافة التي خلفتها الرأسمالية وراءها بالكامل وبناء الاشتراكية بالاستناد عليها(42). أليس من الواضح أنه لا يتحدث عن "أخذ" علاقات الانتاج الرأسمالية؟ لم يُدرِج لينين ما يُطلَق عليه عادةً "الثقافة المادية"، أي أدوات العمل والمساكن وأشياء الحياة اليومية، لم يُدرجه في مفهوم الثقافة. في صياغاته المألوفة حول ثقافة مُلّاك الأراضي وثقافة الكهنة والبرجوازية وعناصر الثقافة الديمقراطية والاشتراكية (43) فإن القضية بالطبع ليست مُتعلقة بالآلات ووسائل الإنتاج، لأن الآلة غير قادرة على أن تكون رأسمالية أو اشتراكية، بل الأفكار والآراء والتوجهات والقِيَم، أي الحياة الروحية لمُختلف طبقات أو فئات المُجتمع.

تُمارس البيئة المادية للإنسان، مثل أدوات العمل التي يستخدمها وخصائص طعامه ونوع مسكنه وملابسه، تُمارس بطبيعة الحال (جنباً الى جنب مع علاقات الإنتاج) تأثيراً حاسماً على جميع جوانب حياة المُجتمع. ولكن لا ينبع من ذلك على الإطلاق أنه ينبغي اعتبار القِيَم المادية نفسها جزءاً من مكونات الثقافة. ان الآلات والمباني والمُنتجات عموماً هي تجسيدات materializations ليس فقط للعمل البدني، وبل وللعمل الفكري، أي تجسيد materialization للثقافة. ما يوجد في عملية انتاج السلع المادية ويحمل طابع النشاط الفكري (الكشوفات العلمنية والاختراعات والتطويرات التكنولوجية بغض النظر عن كم انتاجها ومستوى تبادل الآراء والتفاعل الواعي ومستوى تنظيم الانتاج والانضباط والموقف من العمل) تشمل عناصر الحياة الروحية، أي الثقافة(44). هذا هو بالضبط ما يدور في أذهاننا عندما نتحدث عن "ثقافة الانتاج".

تحتل عناصر الحياة الروحية هذه، في مُجمل تصريحات لينين حول الحاجة الى استخدام مُنجزات الثقافة المُكتسبة في ظل الرأسمالية، مكاناً هاماً. كتب لينين: "ان التعاون موروث ثقافي هائل للغاية من الضروري تقديره واستغلاله"(45). وبذلك يتم وضع مهارات تنظيمية مُعينة ضمن مفهوم "الثقافة". في مُلاحظته أن الرأسمالية قد "رفعت الثقافة بشكلٍ عام أكثر بكثير من أي وقتٍ مضى، وخاصةً ثقافة الجماهير" يقول لينين، بعد عدة فقرات أدناه، عن احدى تجسيدات هذا الانتعاش لثقافة الجماهير: "مبدأ الانضباط والتنظيم والعمل المُنظم على أساس صناعة الآلات الأكثر حداثةً، وحفظ السجلات والمراقبة الأكثر صرامةً"(46).
وهكذا، بدون دمج نتاجات الانتاج المادي والانتاج نفسه في مفهوم "الثقافة"، يُصنّف لينين العنصر الفكري في عملية الانتاج بالكامل ضمن هذا المفهوم. وهنا يواجه الباحث مهمة العزل التحليلي لهذا العُنصر، مع ادماجه اللاحق في التعقيد العام للحياة الروحية لهذه الطبقة أو تلك في مرحلة مُعينة من التاريخ.

لا تعني حقيقة أن الفِهم المطروح للثقافة باعتبارها الحياة الروحية للمُجتمع، يستثني "الانتاج المادي" من المفهوم، لا تعني على الإطلاق أي استخفاف بالنشاط المادي للناس والوجود المادي بشكلٍ عام، بالضبط كما أن وجود فكرة "البناء الفوقي" لا يعني الاستهانة بالبناء التحتي. كان اليزار الكساندرفيتش بالير
Eleazar Aleksandrovich Baller مُحقاً عندما كتب في تحليله لأحد الأخطاء الأساسية في الدراسة البرجوازية للثقافة: "إن الفصل المثالي للثقافة الروحية عن أساسها المادي هو الأساس المنهجي لاستنتاج أن الثقافة الروحية مُستقلة تماماً وأساس لنظريات التطور الذاتي للثقافة، المُستمدة من هذه النظرة"(47). لكن كل ما يجب أن نستنتجه من هذا هو أن الثقافة يجب أن لا تنفصل عن أساسها، لا أن نقوم بتبني هاتين الظاهرتين كشيء واحد. على العكس من ذلك، فإن مفهوم "الثقافة" بالمعنى الواسع للمُصطلح يمحو الحدود بين البناء الفوقي والبناء التحتي.

بتعريف الثقافة بوضوح كظاهرة تنتمي الى البناء الفوقي، فإننا نعترف بالتالي أنها مُشتقة وتستند الى البناء التحتي. لا توجد أسباب لإذابة نمط الانتاج في مفهوم "الثقافة". تُعَد آثار الثقافة المادية مصدراً مُهماً لدراسة تاريخ البشرية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إن مفهوم "الثقافة المادية" كمفهوم خاص في بعض العلوم (الأركيولوجيا على سبيل المثال) له الحق في الوجود، تماماً مثل مفاهيم مثل "ثقافة الحبوب"، ولكن هذه أفكار مُستقلة ومُتخصصة.

برأينا، يُمكن اعتبار موضوع التاريخ الثقافي، إن قَبِلَ المرء تفسير مفهوم الثقافة المطروح أعلاه، تطوراً لتاريخ الروح الانسانية ووسائل التعبير عنها منذ نشوءها منذ ظهور الانسان العاقل homo sapiens وحتى اليوم. ولكن من الواضح أن هذا التعريف العام للغاية، غير مُناسب لتوضيح إطار مسألة دراسات التاريخ الثقافي وسماتها المُحددة.

الحياة الروحية ليست شيئاً موجوداً بشكلٍ عام: فهي دائماً جزء من مُجتمع من الناس مُحدد تاريخياً نشأ على أساس الوجود المادي والبُنية الاجتماعية لمُجتمع مُحدد. تُعتَبَر نظرية التشكيلات الاقتصادية-الاجتماعية ذات أهمية حاسمة بالنسبة للتحليل الماركسي اللينيني للحياة الروحية لمُختلف المُجتمعات والجماعات. السمة الرئيسية للحياة الروحية في التشكيلات الاجتماعية التناحرية هي طابعها الطبقي ووجود ثقافتين أو أكثر في مُجتمعٍ مُعيّن، وهذا لا يستبعد وجود سمات عامة للحياة الروحية في هذه المُجتمعات. هنا، الرئيسي الذي تتميز به الحياة الروحية وما يُمكن من خلاله تحديدها نوعياً هو الطبقة، وهي حامل التوجهات القِيَمية والمُثُل العليا ومعايير الحياة المُجتمعية والأذواق ومبادئ فهم الطبيعة والانسان والمُجتمع.

بطبيعة الحال، هناك اختلافات في الحياة الروحية بين الفئات العمرية والجنس والتجمعات المهنية وحتى الأنماط النفسية تكون ذات أهمية قُصوى. لكن التصنيف وفقاً لهذه المعايير لا يكشف عن الجوهر الحقيقي لظواهر التاريخ الثقافي. وليس من قبيل الصدفة أن يعتمد علم الثقافة البرجوازي عليها. لا توجد ثقافة شبابية وثقافة كبار سن، أو ذكرية وأنثوية، متفائلة أو متشائمة، لكن هناك ثقافة الفلاحين وثقافة السادة الاقطاعيين، وثقافة ديمقراطية وثقافة استغلال الطبقات. لذلك، فإن تصنيف الثقافة حسب المعيار الطبقي هو المعيار العلمي الوحيد، والمنهج الطبقي في دراسة التاريخ الثقافي يجعل من الممكن التغلغل في جوهر الحياة الثقافية. فيما يتعلق بتاريخ النظام الرأسمالي، فإن ظهور وتطور الحياة الروحية لجميع طبقاته هو موضوع التاريخ الثقافي. نحن نُشير هنا الى الثقافة البرجوازية والديمقراطية والاشتراكية، والتي يُشكّل تفاعلها المُعقد ثقافة العصر الحديث.

انطلاقاً من المُقدمات الماركسية اللينينية حول الدور الحاسم للجماهير في العملية التاريخية، كَشَفَ العلماء الماركسيون عن عُقم الطابع التبريري لمُختلف النظريات النُخبوية السائدة على نطاقٍ واسع في دراسات الثقافة البرجوازية(48). في الوقت نفسه، يتم التأكيد بشكلٍ مُحق على أن الرأسمالية تحرم جماهير الكادحين من التمتع بالثروات الروحية المُتراكمة وتحد من تعليم الناس الى الحد الأدنى الضروري لتطوير الانتاج، وبالتالي تقف عائقاً في وجه تلبية الحاجات الفكرية للناس. فقط الثورة الاشتراكية هي التي تستطيع ازالة العقبات عن طريق التطوير الشامل للشخصية وتحقيق الامكانات الروحية الكاملة للعشب.

عموماً، ما هو دور الكادحين في الحياة الروحية في ظل الرأسمالية؟ يبدو لنا أن التصور عن هذا الأمر يحتاج الى تصحيحات جوهرية في أدبنا. كَتَبَ ارنولدوف، أنه يتم التعبير عن الدور الحاسم للناس في تطوير الثقافة الروحية في ظل الرأسمالية، بشكلٍ أساسي، في خلق الظروف والمُتطلبات المادية اللازمة لها. بعبارةٍ أُخرى، الناس ليسوا خالقين للقِيَم الروحية، بل فقط المُقدمات المادية للثقافة. هذا صحيح بحق. ولكن وضع هذه الحدود لا معنى له، لأن المؤلف يعترف بالمُشاركة المُباشرة للناس في خلق القِيَم الروحية بمعنىً واحدٍ فقط: "الشعب هو خالق اللغة وُشارك بشكلٍ مُباشر في ولادة الثقافة الروحية"(49).

قدّم ماكسيم بافلوفيتش كيم Maxim Pavlovich Kim اجابةً أوسع وأعمق لهذا السؤال. إنه يؤكد أن "الكادحين هم المبدعين الحقيقيين للثقافة"(50). ان هذا الافتراض مُثبت (كما يظهر بشكلٍ أساسي في العديد من الأعمال المُتعلقة بنظرية وتاريخ الثقافة، ان لم يكن كلها)، من خلال أمرين هامين: "يتغير الانسان ثقافياً لدن انتاجه السلع المادية". "يتم انشاء أكثر أنواع الشخصيات عمقاً وحيويةً من خلال الابداع الشعبي الشفوي" من المؤكد أن تغيّر الجوانب الروحية للمُنتِج نفسه هو مساهمة مُهمة للغاية ومُباشرة من قِبَل الناس في الثقافة. لا يُمكن أيضاً أن يخضع للشك، الابداع الفني الشعبي في مُساهمته الثقافية.

لكن هذا الحل للمسألة لا يذكر أيضاً عاملاً مُهماً يُظهِر، في رأينا، الدور الحاسم حقاً لجماهير الناس في تطور الثقافة. لقد سَبَقَ أن لوحِظَ أعلاه أن الجماهير، تُطورٍ في حياتها اليومية، وجهات نظر وتقييمات مُعينة. ان التفسير البرجوازي المثالي للقِيَم كأنها موجودة خارج كل الوجود المادي، وحتى فوق الانسان والتاريخ، هو بطبيعة الحال غير مقبول كُلياً بالنسبة الى وجهة نظر علمية حقيقية حول القِيَم الفكرية. لكن التوجهات القِيَمية التي يخلقها الوجود المادي ومكان الطبقة المُعطاة في عملية الانتاج وفي مصفوفة العلاقات الاجتماعية هي ظاهرة حقيقية تماماً في الحياة الروحية. كتب الباحث السوفييتي دروبنيتسكي: "على أساس مفاهيم القِيَم الخاصة بهم، لا يُقيَم الناس ما هو موجود وحسب، بل ويختارون أفعالهم ويُطالبون بالعدالة ويسعون الى تحقيقها أيضاً"(51). ان معايير الأخلاق والعدالة التي وُلِدَت من تاريخ أعمل الكادحين أنفسهم هي واحدة من أعظم القِيَم الثقافية، ويتجلى الدور الحاسم للجماهير الكادحة في تطوير الثقافة، في المقام الأول، في تطوير هذه المعايير والتوجهات القِيَمية والمُثُل العُليا الموافقة لها.

ان وعي الكادحين اليومي في المُجتمع الرأسمالي يتطور مُباشرةً في عمليات الانتاج المادي والصراع الطبقي. وكما أشار لينين، فإن وجود الاستغلال "ٍيولّد دائماً، حتى عند الأشخاص الأكثر عُرضةً للاستغلال وكذلك بعض أوساط الانتلجنسيا، مُثُل مُعارضة النظام"(52). سيحمل الوعي اليومي للجماهير في ظل الرأسمالية في المقام الأول طابع حُكم القيمة مُعبراً عن مصالحهم واحتياجاتهم، بسبب محدودية التمتع بالتعليم. لكن الوعي اليومي لا ينفصل بحاجزٍ لا يُمكن عبوره عن الابداع العلمي والفني. على العكس، انه التربة التي تُغذي نظريات ومذاهب وتصورات الايديولوجيين. أكّد لينين أن "هذه المُثُل قيمة للغاية بالنسبة الى الماركسيين"(53).

بطبيعة الحال، لا تُشكّل التوجهات القِيَمية والمُثُل العُليا للجماهير نظريةً علمية. قام لينين، في كتابه (ما العمل) بدراسةٍ شاملة للكيفيات التي تنتقل الاشتراكية العلمية فيها الى أذهان الجماهير من "الخارج". لاحَظَ لينين في كثيرٍ من الأحيان أن الديمقراطية الاجتماعية عند الطبقة العاملة غالباً ما "تنجذب الى الاشتراكية بصورة عفوية"(54). كتب انجلز عن العمال الانجليز في عام 1895: "تُصبح الغريزة الاشتراكية عند الجماهير أقوى فأقوى"(55). فقط الاشتراكية العلمية، القائمة على كل منجزات العقل الانساني، هي التي تكشف قوانين تطور الطبيعة والمُجتمع.

يُمكن القول أن الوعي اليومي يطرح فقط المسائل التي يستجيب لها الوعي الوعي العلمي والابداعي ويطرح الاتجاه الأكثر عموميةً لأبحاث الايديولوجيين. يتعلق هذا بالعلم أيضاً. ان جماهير العمال لم تخلق بشكلٍ مُباشر مسرحية هاملت أو كتاب الحرب والسلام ولوحات كوربيه وسيروف وسيمفونيات بيتهوفن وتشايكوفسكي ومسرحيات كين وتشيبكين Shchepkin. ولكن عند التحليل الدقيق، يجد المرء أن ما يكمن وراء هذه الابداعات العظيمة للتوجهات القِيَمية الانسانية العبقرية، ومفاهيم ما هو كائن وما يجب أن يكون قد أبدعته الجماهير بهذه الطريقة أو تلك. ان مجموعة مقالات لينين عن تولستوي تُقدّم لنا مثالاً رائعاً لتحليل العلاقة بين الكتابة الابداعية لفنان عظيم والنفسية الاجتماعية لجماعير الفلاحين، التناقضات التي انعكست بدقة في أعمال تولستوي.

كل ما سبق، لا ينفي بأي شكلٍ من الأشكال الدور الهائل للايديولوجي الذي يخدم ليس فقط مُعبّر عن الأفكار والمفاهيم والمُثُل العليا الموضوعية بالنسبة له، بل وقبل كل شيء كمُبدعٍ يُثؤري الحياة الفكرية بثمار تفكيره العلمي أو التخيلي. ان موقعه في الصراع الطبقي، سواءاً كان واعياً أو غير واعي، والتناقضات في عمله، وتفرّد ادراكه للعالم، وطابع "تملّكه للثقافة" ذاته لا تقل أهميةً بالنسبة لمؤرخ الثقافة عن أهمية شخصية تاريخية بالنسبة لمؤرخٍ "مُتحضّر". بشكلٍ عام، لا تختلف العلاقة بين الجماهير والشخصيات الثقافية البارزة اختلافاً جوهرياً عن العلاقة بين الجماهير والشخصيات التاريخية. عبّر عن هذ بيوتر ايفيموفيتش كرياجيف Pyotr Efimovich Kryazhev: "الشخصية التاريخية هي قوة دافعة للتطور التاريخي مُستقلة نسبياً، مُركزّةً ومُعبّراً عنها في شخصٍ فرد أو عدد من الشخصيات الفردية. تتكون جماهير الشعب وهي القوة الحاسمة للعملية التاريخية، بطبيعة الحال، من الشخصيات، ولكن الشخصية الفردية هنا... تفقد دور القوة الدافعة المُستقلة نسبياً للتاريخ"(56).

الجماهير ككل، كما هي الدافع الرئيسي المُحرك للتاريخ، هي دافع رئيسي لتاريخ الثقافة. يُلاحظ ماركس أنه "فوق الأشكال المُختلفة للمُلكية، فوق شروط البقاء الاجتماعية، ينهض بناء فوقي كامل من المشاعر والأوهام وأنماط التفكير ووجهات النظر الى العالم المُتميزة عن بعضها البعض والمُشكّلة تشكيلاً خاصاً" وهو يُفسر منشأها: "ان الطبقة بأسرها تخلقها وتكونها على أساس شروطها المادية وعلى أساس العلاقات الاجتماعية التي توافقها"(57). "الطبقة بأكملها" وليس ايديولوجيوها فقط: هنا تكمن الأهمية المنهجية الأساسية لمُقدمة ماركس حول تاريخ الثقافة.

ان الفهم العلمي لدور الجماهير الحاسم في الحياة الروحية للمُجتمع يوفر الفرصة، كما يبدو لنا، من أجل وضع معيار واضح، يُمكن على أساسه، في سياق التحليل الملموس، تحديد الطبيعة الطبقية لظواهر الحياة الروحية.

يبدو لنا أن تلك الظواهر من الحياة الفكرية وُلِدَت على مستوى الوعي اليومي، ويجب النظر الى ثمار جهود الايديولوجيين التي تُعبّر عن التوجهات القِيَيمية والمُثُل العُليا لجماهير الناس ومبادئها الأخلاقية، يجب النظر اليها على أنها ظاهرة من الثقافة الديمقراطية. وغنيٌّ عن البيان أن المفكر أو الفنان العظيم غالباً ما يستشف فقط العناصر الجنينية لمُثُل الشعب والنظام المُتغير باستمرار للتوجهات القِيَمية التي لم تصبح بعد سائدة كمياً عند الجماهير، ولكنها لا تزال قِيَماً للجماهير على وجه التحديد.

ينشأ نظام المُثُل والتوجهات القِيَمية الديمقراطية العام في بيئة الكادحين أو طليعتها المُتقدمة في مرحلةٍ مُعينة من تاريخ بلدٍ ما، ومن ثم يُمكن أن يتحول هذا الى نموذج أُمثولات اشتراكية، جنباً الى جنب مع القِيَم الفنية والعلمية التي طورتها، وهذا ما يُشكّل ظاهرة الثقافة الاشتراكية.

ومع ذلك، فإن ظواهر الثقافة البرجوازية تولد في وسط الطبقة الرأسمالية نفسها، في شكل توجهاتها القِيَمية ووجهات نظرها ومفاهيمها وتحيزاتها، ويطورها الايديولوجيين البرجوازيين على هذا الأساس. كَتَبَ ماركس وانجلز أن الهيغيلية الشابة "تُكرر فقط في الشكل الفلسفي أفكار البرجوازية الألمانية"(58).

ان المعيار المُقتَرَح يجعل من المُمكن، في نظرنا، تحديد انضواء ظاهرة مُعينة من الحياة الروحية للمُجتمع الرأسمالي الى الثقافة البرجوازية أو الديمقراطية أو الاشتراكية، في سياق دراسة التاريخ الثقافي. لكن المعيار ليس مفتاحاً رئيسياً يُمكنه أن يفتح أي قفل، لأنه غالباً ما توجد خلف هذه الأقفال ظواهر روحية مُعقدة ومُتعددة المستويات.

ان تاريخ الثقافة منطقة واسعة جداً لدرجة أن ارتباطها بالبناء التحتي وكذلك الصراع الطبقي ككل، يُمكن تتبعه بشكلٍ مُباشر أكثر من الترابط بين البناء التحتي وصراع الأفكار في مجال الفلسفة أو صراع التيارات الفنية على سبيل المثال. مثلما لا يُمكن لدراسة فرع واحد من فروع الصناعة أو حتى دراسة موازية لجميع الفروع أن تحل محل التاريخ الاقتصادي ككل، فإن دراسة مُختلف المجالات في الحياة الروحية لا يُمكن أن تحل محل تاريخ الثقافة. إن وجود تاريخ العلم والأدب والفن كتخصصات علمية مُنفصلة له ما يُبرره تماماً بل هو ضروري لأغراض المعرفة العميقة لمُختلف مجالات الحياة الروحية. لكن بالكاد يُمكن لحالة مُعطاة مُعينة، على سبيل المثال في مجال الموسيقى والأدب، أن تكون بحد ذاتها ذات أهمية كبيرة لتحليل العملية التاريخية، في حين أن دراسة مسار مُعين لتطور الثقافة، والذي يكون مشروطاً في التحليل النهائي بواسطة البناء التحتي، يُمكنه أن يكتسب أهميةً كبيرةً في التعرف على وضعيات تاريخية ملموسة.

هذا هو السبب في أن دراسة تاريخ الثقافة هي احدى المهام التي تواجه تخصص التاريخ على وجه التحديد. يُمكن للمؤرخ، ويجب عليه، أن يستخدم نتائج الدراسات التي أجراها مُتخصصون في مجال الأدب والفن وما الى ذلك. انه لا يدّعي أنه يُمكنه أن يحل مكانهم. لكن البحث مُتعدد التخصصات في مجال التاريخ الثقافي على هذا النحو هو من عمل المؤرخ. ومع ذلك، فإن هذا يتطلب تأهيلاً مُتخصصاً لم تُقدمه أقسام التاريخ لدينا بشكلٍ كافٍ. نحن بحاجة الى تخصصات في التاريخ الثقافي في عددٍ قليلٍ من الجامعات على الأقل. نحن بحاجة الى مواقع تدريسية وأقسام مُناسبة في معاهد التاريخ وأكاديميات العلوم، وفي النهاية، الى مجلة خاصة. سيكون من الصعب، بدون هذه التدابير، تطوير هذا الفرع المُهم من التخصص التاريخي بنجاح.

* ليف ايفيموفيتش كيرتمان 1917-1987، مؤرخ سوفييتي-انجليزي، دكتور في العلوم التاريخية 1961، واستاذ ورئيس قسم تاريخ العالم 1956-1974، واستاذ في قسم التاريخ الحديث والمُعاصر 1974-1987 في جامعة مدينة بيرم، ومؤسس مدرسة بيرم العلمية حول مسائل حركة الطبقة العاملة وتاريخ الثقافة الأجنبية في القرنين التاسع عشر والعشرين.
تخرّج كيرتمان من كلية التاريخ في جامعة كييف عام 1940. وتم استدعاءه للجيش في نفس السنة حيث شارك في الحرب الوطنية العُظمى حتى تم تسريحه بسبب اصابة عام 1941. تم تقليده العديد من الميداليات والجوائز، منها ميدالية بطل حرب من الدرجتين الأولى والثانية. واصل دراساته العُليا في جامعة قازان عام 1942.
دافَعَ عام 1943 عن اطروحته لدرجة مُرشح في العلوم التاريخية (تطور نظرات ت. م. غرانوفسكي التاريخية)، وبدأ بالتدريس في جامعة كييف. صار بروفسور مساعد في التاريخ الحديث عام 1944. صار منذ عام 1949 بروفسوراً ورئيساً لقسم تاريخ العالم التابع لكلية التاريخ وفلسفة اللغة في جامعة بيرم، ودافَعَ عام 1961 عن اطروحته لنيل الدكتوراة (الحركة العمالية في انجلترا وصراع التيارين في حزب العمال 1900-1914). ترأسَ، منذ عام 1965 قسم تاريخ العالم، وبعد تقسيم هذا القسم الى فروع، صار عام 1974 رئيساً لقسم التاريخ الحديث والمُعاصر. ترأسَ كذلك المجلس المنهجي للجامعة. كان عضواً في اللجنة الوطنية للمؤرخين السوفييت وعضواً في المجلس العلمي السوفييتي حول تأريخ العلوم التاريخية. كانت المجالات الرئيسية لاهتماماته العلمية تتضمن دراسات اللغة الانجليزية، الدراسات الثقافية، منهجية التاريخ والتأريخ، ومناهج تدريس التاريخ في التعليم العالي. نُشَرَ أكثر من 100 مؤلّف بما في ذلك 6 دراسات، واشرك في تأليف العديد من الكُتب المدرسية حول التاريخ الحديث والمُعاصر في المدارس الثانوية.
من أعماله الرئيسية: (حركة الطبقة العاملة في انجلترا وصراع التيارين في حزب العمل 1900-1914) 1957، كتاب مدرسي: (صراع التيارات في الحركة العمالية الاشتراكية الانجليزية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين) 1960، كتاب مدرسي: (اوروبا الغربية وأمريكا البرجوازيتين على مشارف القرن العشرين: على طريق الأزمة العامة للرأسمالية) 1984. ومن مقالاته: (حركة الطبقة العاملة وسياسة البرجوازية الانجليزية 1906-1914) 1957، (قوانين الوضعيات التاريخية) 1971-سنقوم بترجمته قريباً، (دراسة مسائل التاريخ الحديث والمعاصر في الأعوام 1966-1970) 1971، (مساهمة في منهجية دراسة الثقافة ونقد مفاهيمها المثالية).


1- See S. N. Artanovskii, Istoricheskoe edinstvo chelovechestva i vzaimnoe vliianie kul tur, Leningrad, 1967 V. A. Karpushin, "0 nekotorykh sovremennykh burzhuaznykh teoriiakh kul tury, Uchenye zapiski Moskovskogo gos. in-ta kul tury, Issue 14, Moscow, 1967 E. M. Shtaerman, "Problemy kul tury v zapadnoi sotsiologii," Voprosy filosofii, 1967, No. 1 A. I. Arnol dov and E. A. Baller, Filosofskie problemy kul tury, Moscow, 1968 V. M. Mezhuev, Kul tura i obshchestvo, Moscow, 1968 E. A. Baller, Preemstvennost v razvitii kul tury, Moscow, 1969 E. s. Markarian, Ocherki teorii kul tury, Erevan, 1969.
2- F. L. Polak, The Image of the Future, Vol. 11, New York, 1961, pp. 126, 89. [All citations from non-Russian-language sources are retranslated from the Russian.]
3- Ibid., p. 326
4- C. P. Snow, "The Two Cultures and the Scientific Revolution," The Open Form, Essays for Our Time, ed. A. Kazin, New York, 1965, p. 43.
5- F. R. Leavis, "The Significance of C. P. Snow, Spectator March 9, 1962 L. Trilling, Beyond Culture
6- D. Regin, Culture and the Crowd. A Cultural History of the Proletarian Era, Philadelphia, 1968, p. 467
7- Ibid., p. 9
8- Ibid., p. 482
9- C. Greenberg, Art and Culture. Critical Essays, Toronto, 1961, p. 9
10- D. Macdonald, "A Theory of Mass Culture," in Mass Culture, ed. B. Rosenberg and D. White, Glencoe, 1958, p. 63
11- D. Regin, op. cit., p. 473
12- A. L. Kroeber and Charles Kluckhohn, Culture. A Crit-ical Review of Concepts and Definitions, Cambridge, 1952
13- E. M. Shtaerman, op. cit
14- A. L. Kroeber and C. Kluckhohn, op. cit., p. 32
15- E. S. Markarian, op. cit., p. 98
16- A. L. Kroeber and T. Parsons, "The Concept of Culture and of Social System," American Sociological Review, October, 1958 also see E. S. Markarian, op. cit., pp. 52-54
17- A. L. Kroeber and C. Kluckhohn, op. cit., pp. 27, 44, 56, 64, 65, 69
18- P. Bagby, Culture and History, London, 1958, p. 8
19- E. S. Markarian, op. cit., pp. 11, 30. There is a similar definition: "Culture is everything that man has created as distinct from what was created by nature," in A. A. Zvorykin, Opredelenie kul tury i mesto material noi kul tury v obshchei kul ture, Moscow, 1964, p. 3
20- M. P. Kim, Kommunisticheskaia partiia - organizator kul turnoi revoliutsii v SSSR, Moscow, 1955, p. 8 E. A. Baller, Kul tura sotsialisticheskaia i kul tura burzhuaznaia, Moscow, 1961, p. 6 P. I. Kabanov, Istoriia kul turnoi revoliutsii v SSSR, Uchebnoe posobie, Moscow, 1971, p. 5
21- E. S. Markarian, op. cit., p. 67
22- V. M. Mezhuev, "0 poniatii kul tury," Uchenye zapiski Moskovskogo gos. in-ta kul tury, Issue 14, Moscow, 1967, p.27
23- Ts. G. Arzakan ian, "Kul tura i tsivilizatsiia: problemy teorii i istorii," Vestnik istorii mirovoi kul tury, 1961, No. 3, p. 65
24- K. P. Abrosenko, Sovetskaia sotsialisticheskaia kul tura - samaia peredovaia kul tura v mire, Moscow, 1951, p. 7
25- E. Taylor, Pervobytnaia kul tura, Moscow, 1939, p. 1. We found it necessary to correct the translation and replace the work nekotorykh by liubykh, since the original reads "any other capabilities
26- A. L. Kroeber and C. Kluckhohn, op. cit., pp. 47, 48, 58, 50, 67
27- Ibid., p. 57
28- See A. I. Arnol dov, Sotsializm i kul tura, Moscow, 1962, pp. 39-40
29- Kommunizm i kul tura, Moscow, 1966, p. 7
30- 0. N. Al terovich, "Dialektika kul turnogo razvitiia,"Dialektika material noi i dukhovnoi zhizni obshchestva, Moscow, 1966, p. 239
31- V. M. Mezhuev, "0 poniatii kul tury, p. 29
32- Ibid., p. 30
33- A. L. Kroeber and C. Kluckhohn, op. cit., p. 134
34- A. L. Kroeber and T. Parsons, op. cit
35- E. S. Markarian, op. cit., p. 57
36- Ibid., p. 61
37- S. N. Artanovskii, op. cit., p. 31
38- M. G. Igitkhanian, "Teoriia poznaniia i issledovanie obshchestvennogo soznaniia," in Dialektika material noi i dukhovnoi zhizni obshchestva, Moscow, 1966, p. 192
39- Ibid., p. 195
40- Kommunizm i kul tura, p. 25
41- V. I. Lenin, Poln. sobr. soch., Vol. 36, pp. 46, 310 Vol.37, p. 446
42- Ibid., Vol. 38, p. 55
43- Ibid., Vol. 24, pp. 120, 121
44- The question of intellectual factors in material production is dealt with solidly in an article by A. S. Frisch, "Kul tura i proizvodstvo," in Uchenye zapiski Moskovskogo gos. in-ta kul tury, Issue 14, Moscow, 1967
45- Lenin, Poln. sobr. soch., Vol. 37, p. 202
46- Ibid., Vol. 36, pp. 81, 82
47- E. A. Baller, Preemstvennost v razvitii kul tury, p. 51
48- See Iu. N. Davydov, Iskusstvo i elita, Moscow, 1966
49- A. I. Arnol dov, op. cit., p. 72
50- M. P. Kim, op. cit., p. 9
51- D. G. Drobnitskii, Mir ozhivshikh predmetov, Moscow, 1967, p. 45 also see V. P. Tugarinov, 0 tsennostiakh zhizni i kul tury, Leningrad, 1960
52- Lenin, Poln. sobr. soch., Vol. 1, p. 435
53- hid
54- المُختارات في 10 مُجلدات-المُجلّد الثاني، لينين، دار التقدم 1979، ص58
55- K. Marx and F. Engels, -Soch., Vol. 39, p. 299
56- P. E. Kriazhev, "0 dialektike obshcheniia i obosobleniia lichnosti v obshchestve," in Dialektika material noi i dukhovnoi zhizni obshchestva, Moscow, 1966, p. 61
57- الثامن عشر من برومير لويس بونابارت، كارل ماركس، ص23. نسخة الكترونية لا تذكر اسم المُترجم.
58- Ibid., Vol. 3, p. 11
59- Lenin, Poln. sobr. soch., Vol. 1, p. 405

ترجمة لمقالة:
L. E. Kertman (1974) A Contribution to the Methodology of the Study of Culture and A Critique of its Idealist Conceptions, Soviet Studies in History, 13:3, 3-31