الحرب في اوكرانيا- بيان


حزب اليسار الشيوعي العراقي
2022 / 2 / 28 - 23:43     

الحرب في اوكرانيا
إنّ تصريح الرئيس الأوكراني الذي يقول؛ "تُركنا لوحدنا في مواجهة روسيا" هو أوضح تعبير عن طبيعة الإمبريالية الغربية التي اصطنعت في العقود الأخيرة نموذجاً جديداً للحروب، تُجرى بالنيابة، تقوم بها دول الأطراف الرأسمالية والبلدان التابعة والعصابات الفاشية، نيابة عن جيوش الإمبرياليين، كما هي الحال في تورط السعودية وبلدان الخليج في الحرب على اليمن التي منحت أمريكا فرصة لا تعوَّض في بسط هيمنتها على المنطقة فضلاً عن حضورها الفعلي عبر قواعدها الجديدة القائمة على فرض سياستها، من دون أنْ تطلق رصاصة واحدة.
ويؤكد تصريح ممثل الكومبرادور الأوكراني هذا حينما تُرك وحيداً في مواجهة مصيرية صعبة ضد روسيا، أنّه اكتشف أخيراً أنّ العنجهية الإمبريالية وضعته في فوهة المدفع، وليس هناك حل إلآ التفاوض لحفظ مصالح الكومبرادور الأوكراني والطبقات التي تهدد هذه الحرب مصالحها الاقتصادية بقوة، ومنه جاءت دعوته للتفاوض مع الكرملين.
إنّ أبناء أوكرانيا في هذه الساعات يقاتلون بالنيابة عن الإمبريالية الأمريكية وعن الناتو ومطامعهما، تحت إمرة الكومبرادور الأوكراني الطامع بمكاسب اقتصادية طبقية أكثر ربحاً بعدما فتح الباب أمام الناتو وتخلى عن وثيقة مينسك وبعدما شجعته أمريكا على ذلك. وشجّعته أيضاً على إهمال اتفاق 1997 بين روسيا الرأسمالية والغرب الإمبريالي، من دون أن تعبأ الحكومة الأوكرانية بالضرر الذي يمكن أن يقع على الشعب الأوكراني. خصوصا بعد نشر أوكرانيا أنظمة صواريخ تَعِدُ بحربٍ نووية مدمرة لصالح الناتو، وإطلاق يد القوميين الفاشست للعبث ومصادرة حريات الشعب الأوكراني، وهو خلاف ما جاءت به بنود اتفاق مينسك.
وكما هو معروف لن يكون للعقوبات الاقتصادية الأثر الفعّال في إنهاء الحرب أو وقف القوات الروسية التي تكتسح كل شيء أمامها وتقضي على البنية الاقتصادية لأوكرانيا. فقد حصن بوتين بقدر مناسب الوضع الداخلي ضد تأثير العقوبات على روسيا وحياة الشعب الروسي بجملة من الاجراءات الوقائية التي امتدت لثمان سنوات منذ 2014 من حيث الوضع الاجتماعي والاقتصادي والمالي والنقدي.
ولكن هل يعكس قول بشار الأسد لبوتين؛ "إن روسيا تدافع عن العالم، وأن ما يحدث تصحيح للتاريخ" حقيقة ما يجري في الحرب الأوكرانية الروسية القائمة؟ خصوصاً بعد الاستهتار الإمبريالي الغربي حينما شنت أمريكا العدوان على الشعوب الآمنة وعرّضت استقرارها وسيادتها للتدمير، كالذي حصل في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن، والتهديد الدائم لاستقرار فنزويلا والتآمر عليها وعلى حكومتها بشتى الطرق واستمرار مهاجمتها إعلاميا، إإضافة إلى تسليح أكراد عفرين وتوريط تركيا في الصراع السوري،الخ.
في الحقيقة؛ إن الأمر ليس كذلك. وليس الحرب القائمة وما يجري الآن تصحيحاً للتاريخ او دفاعاً عن العالم. إن الحرب القائمة هناك واضحة المعالم جداً، على الرغم من التدخل الخارجي الذي دفع وعجّل في اندلاعها. وكما هو معروف، أنّ الحروب الكبرى في عصرنا يصنعها الجشع الرأسمالي بينما يمسي الكادحون وفقراؤهم وقودها، وينعم الراسمالون في نفس الوقت بالأمن. إنّ كادحي البلدين وشغيلته هم من يدفع ثمنها الباهض في النتيجة، حينما تنزف هذه الطبقات المستلبة دمائها في ظلِّ أكاذيب الفاشية والشوفينية البغيضة. إن الرأسمالية وأطماعها هي من يسوس الحروب وينظمها في خدمة مصالحها ومعالجة أزماتها الاقتصادية المستعصية.
ومن الملاحظ أن الحرب الاوكرانية تُبرز ظاهرة جديدة هي محاولة الغرب، عن طريق الدفع نحو تفجير الأوضاع كما في الأزمة الأوكرانية، وقف التطور الذي سيصبح بمرور الوقت قوة مهددة. عليه، لابد من إعاقته وتعريضه للتدمير بالقدر الذي يمنعه من المنافسة على المستوى الاقتصادي والعسكري. ومن اللازم أيضاً أن نذكر أنّ تخريب العلاقات الثنائية الروسية الألمانية وخط "نورد ستريم 2" لضخ الغاز إلى أوربا عبر ألمانيا، يقع في مركز هذا الحدث الكبير، خصوصا وأنّ "نورد ستريم 2" الذي يزوّد أوربا بالغاز يمرً بالأراضي الأوكرانية. وقد انصب عمل التضخيم الإعلامي وشيطنة روسيا، على هذه القضية.
وفي الحقيقة، إن ما تخشاه أمريكا هو العلاقات التي تربط روسيا بألمانيا، وقد عبر "جورج فريدمان" الرئيس التنفيذي لشركة "سترانفور" بشكل واضح أمام مجلس شيكاغو للشؤون الخارجية؛ إن "المصلحة الأساسية للولايات المتحدة والتي من أجلها خضنا حروبا... كانت موضوع العلاقة بين ألمانيا وروسيا. لأن اتحاد البلدين معاً يشكل القوة الوحيدة التي يمكن أنْ تهددنا. ويجب العمل على أن لايحصل ذلك". لقد رأت امريكا دائماً أن اتحاد البلدين الآن على وجه الخصوص، سوف يوفر الطاقة لأوربا من الغاز الروسي عبر خطوط "نوردستريم 2"، الذي سيوحد أوربا غربا وشرقاً ويجعلها قوة مستقرة، إضافة إلى تحقيق نظام اقتصادي يربط أوربا بآسيا بقوة، وهو الأمر الذي سوف يسرّع في انحدار التأثير الأمريكي دولياً، ويقلل من أهمية أمريكا لأوربا أو يعزلها عن العالم، حيث ستفقد قواعدها الـ 800 المنتشرة عبرالعالم أهميتها.
كذلك يلاحظ المتابع أن رأس الرمح الإمبريالي موجّه نحو البلدين روسيا وأوكرانيا معاً، لمنعهما من اكتساب الإمكانية أو القوة المنافسة للغرب الإمبريالي، خصوصا بعد أن تهيأت شروط هذا التطور لأوكرانيا كي تصبح دولة نووية بعد التقارب الاقتصادي والعسكري الأوكراني- الصيني، وتطوير القدرات الصناعية العسكرية الأوكرانية بالقدرات والخبرات الصينية التي نجحت كثيرا منذ بداية التعاون قبل سنوات في تطوير هذه الصناعة. من جهة أخرى كانت إحدى أسباب الدفع باتجاه الحرب والدفع نحو تصعيد التوتر، والتهيئة العسكرية لها بالنسبة للناتو وأمريكا هو تخزين السلاح قرب الحدود الروسية، وجعل أوكرانيا أكبر ترسانة للأسلحة الغربية المتطورة والمهيّأة للعدوان، وكذلك لإجبار روسيا على كشف خططها العسكرية والجيوسياسية وإضعافها أزاء متغيرات المستقبل ونتائج هذه الحرب.
وفضلا عن منع روسيا من التطور والعودة إلى ما كان عليه الوضع الدولي أيام الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي السابق، وإن كانت هذه العودة بصورة نسبية، فإن هناك تصور غربي آخر عن خطر أوكرانيا ذاتها والتهديد القادم من الحليف الجديد هذا، وهي البلد الأكثر استعدادا للتحول إلى دولة نووية لما تمتلكه من إمكانات هائلة، كالمصانع الضخمة ومختبرات تطوير الاسلحة التي تركها الانهيار المدوي للاتحاد السوفييتي خصوصاً في مجال تصنيع السلاح والتسلح النووي.
وفي الحقيقة، من جهة أخرى، إنّ الأسباب الروسية المشروعة، المخاوف والمطالب، التي قدمها بوتين ولم تلق صدىً لدى الغرب، وجدت لها صدىً كبيراً في بلدان تعتبرها روسيا دولاً صديقة أو حيادية إلى حدٍ ما، مثل موقف الصين التي تدعم مطالب روسيا ومخاوفها وتسخر من الإستراتيجة الغربية قائلة "إن كيسنجر لا يسعفكم دائماً"، والصين تعلم تماماً أنّها مستهدفة في هذه الأزمة من قبل الناتو وأمريكا أيضاً بسبب الشراكة مع أوكرانيا، وهي في مركز الإعصار من هذه الحرب. كذلك نشهد مواقف أخرى تؤيد روسيا مثل كوريا الديمقراطية وكوبا، وليس ما حصل في رفض تركيا طلب أوكرانيا إليها بغلق مضيق الدردنيل والبسفور بوجه السفن العسكرية الروسية ببعيد عن هذه الرؤية.
وكانت روسيا قد تذرعت بأن الغرب لم يأخذ مخاوف ومطالب روسيا ومتطلبات أمنها بالاعتبار بعد تقدم الناتو شرقاً حينما وضع اتفاق 1997 وراء ظهره، وبدأ يتقدم شرقاً ونجح في ضم دول حلف وارشو السابق، مثل رومانيا وبولندا وبلغاريا والجيك وجورجيا ودول البلطيق والجبل الأسود تحت مظلته وصولاً إلى أوكرانيا التي يمنع الاتفاق المذكور دخولها الناتو. ولن تنسى روسيا الانقلاب الذي دبّره الناتو عام 2014 على الرئيس الأوكراني المنتخب "بيترو بوروشنكو" القريب من موسكو، والذي لايحابي الغرب وأمريكا. وروسيا تعرف ما يمكن أن تفعله مؤامرات الناتو وخططه العدوانية ضد روسيا مستقبلاً من على الأراضي الأوكرانية.
فضلاً عن أنه من مصلحة روسيا الرأسمالية انتهاج سياسة تؤمِّن لها حضوراً في المنطقة، وأنْ تجري سياستها على عدم تمكين بلدان الجوار الروسي والبلدان التي تقع على حدودها من شنِّ العدوان على روسيا من الأراضي الاوكرانية أو أيّةِ دولة مجاورة أخرى، إضافة إلى عملها على ترك المجال مفتوحاً لها من أجل الحفاظ على تجارتها الدولية وتأمين وصولها إلى بحار العالم بلا متاعب وأخطار كما كانت عليه الأوضاع في زمن الاتحاد السوفييتي. فيما يعمل الغرب وأمريكا على تحجيم هذه القدرات ومنعها عبر فرض الحصار المتواصل على روسيا عن طريق ضم دول حلف وارشو السابق تدريجيا.
وليس أمام أوكرانيا لإنهاء حالة الحرب القائمة إلا الذهاب نحو تطبيق بنود وثيقة مينسك 2 والجلوس إلى طاولة المفاوضات والاتفاق مع روسيا على ترتيب الوضع الإقليمي بعيداً عن الناتو والغرب الإمبريالي، وترك وعودهما جانباً، الوعود التي أثبت وقوع الغزو زيفها، حينما تركت أوكرانيا بمفردها أمام روسيا، وذلك من أجل الوصول مع روسيا إلى محددات جديدة يقع في مركزها اتفاق 1997 وبنود وثيقة منسك الأثنتي عشر الموقعة من قبل روسيا وأوكرانيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوربا في 5/10/2014 التي تؤسس لسياسة أوكرانية تحترم بموجبها القوميات الأخرى وتمنحها الحكم الذاتي، خصوصاً جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين المنشقتين.
وفي رؤية حزبنا لطبيعة الحروب الإمبريالية ومخاطرها على سكان الكرة الأرضية ومصيرها، يدين العدوان العسكري الذي تشنه الدول الرأسمالية وشركاتها الاحتكارية بوصفه الفعل العسكري العدواني الذي لا يدعم الاستقرار العالمي وأمن الشعوب ويعرض السلم للانهيار، بل يضع العالم أيضاً على كف عفريت الحرب النووية الكاسحة، فضلاً عن تعريض استقرار الشعوب إلى خطرٍ كبير ومدمّر.
وبالمقابل يدين حزبنا التصعيد الذي صنعته وقادته السياسة الإمبريالية الغربية على يد الناتو وأمريكا، الذي عرّض أوكرانيا وشعبها إلى الخطر الداهم، الذي انخدع بوعوده وأكاذيبه الكومبرادور الأوكراني، حين دفع الأخير إلى اتخاذ سياسة متصلبة وسلبية وشجعه على إهمال مخاوف روسيا، طمعا بالتدخل العسكري الغربي من أجل إعادة تنظيم مصالح الحكومة الأوكرانية الكومبرادورية وتقوية قبضتها الفاشية على الشعوب الأخرى في أوكرانيا، وهي السياسة التي أثبتت أحداث اليومين الماضيين خطأها وخطرها الداهم.
ويأمل حزبنا أن يجنب البلدين روسيا وأوكرانيا شعبيهما مخاطر الحرب وويلاتها، ويعملان بجد على إيقاف الاقتتال وإنهاء حالة الحرب، والذهاب نحو الحلول الدبلوماسية وتقديم مصالح الشعبين وحمايتهما من ويلات الحرب ومصائبها التي تقع نتائجها المدمرة على عموم فقراء الكادحين الذين يشكلون الغالبية العظمى.
ويقف حزبنا إلى جانب المبادرة الجديدة للجلوس إلى طاولة المفاوضات على الأراضي الروسية التي أطلقها الرئيس الأوكراني واستجابة الكرملين بقبول الاقتراح وتحديدها أن مينسك ستحتضن هذه المبادرة، بعد شعور الرئيس الأوكراني كما يبدو ومعرفته بخدعة الإمبريالية الغربية في دفع أبناء أوكرانيا إلى الحرب بالنيابة عن أطماعها، خصوصا بعد قبول روسيا بالمبادرة وإرسال وفدها الى مينسك للتفاوض، وتصريحها بأنها تثق بعودة العلاقات الودية بين الشعبين من جديد، مع أنّ هذا لا يخفي غايات الحرب الأخرى التي تقف خلفها الرأسمالية الروسية.

ل ع ف
25/2/2022