أزمة الرهن العقاري: إنقاذ القطاع المالي


زكرياء بغور
2022 / 2 / 24 - 08:11     

اندلعت أزمة الرهن العقاري عقب ثلاث فقاعات عالمية كانت مرتبطة فيما بينها رغم تفاوت فترات حدوثها. ارتبطت الفقاعة الأولى بالأسهم و كانت بدايتها سنة 1987. أما الفقاعة الثانية فكانت متعلقة بالعقارات و ظهرت للعلن سنة 1997، فيما كانت الفقاعة الثالثة مرتبطة بالأسعار التي ارتفعت بشكل حاد في 2005 و2006. ما يميز هذه الفقاعات الثلاث أنها كلها كانت مرتبطة بالأصول، كما أنها ولدت في النهاية إحدى أكبر الأزمات الإقتصادية التي واجهت الرأسمالية عبر تاريخها.
أدت إجراءات التقشف التي انتهجتها الحكومات الغربية عقب أزمة الرهن العقاري إلى إنقاذ القطاع المصرفي، و قد كان القطاع الأكثر تضررا من الأزمة. هذا أمر طبيعي. و ذلك لأن المصارف كان السبب المباشر لوقوع أزمة الرهون. فتلاعبها بما كان يعرف ب"سوق الريبو" و أسعار الرهون العقارية أدى إلى بداية الأزمة. صحيح أن خطط الإنقاذ كانت كفيلة بإعادة الحياة للقطاع المالي. لكن هذا لا ينفي أن مصارف ذائعة السيط كانت قد تركت لتبتلعها الأزمة كما حدث مع مصرف "ليمان براذرز" الأمريكي الشهير. لا يمكن أيضا أن نتغاضى عن حقيقة أن أزمة الرهون كانت فرصة ذهبية لمصرف "جي بي مورغان"، حيث كان أبرز المتلاعبين بسوق الرهون و جنى ملياري دولار من خلال الأزمة. يطرح إذن تساؤلان مرتبطان بما حدث خلال أزمة الرهن العقاري. الأول متعلق بالكيفية التي تم من خلالها إنقاذ القطاع المالي خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية مهد الأزمة. أما التساؤل الثاني فيخص السبب الذي دفع الحكومات الغربية إلى هذا الإنقاذ و ذلك على حساب المواطنين من خلال إجراءات تقشفية حادة رغم أن المصارف كانت سبب اندلاع الأزمة. ذلك ما ستتطرق إليه الأسطر التالية.
عقب نهاية عصر بريتن وودز، و عندما تخلت الولايات المتحدة عن قاعدة الذهب في 1971، كان على الدول التأقلم مع "عودة ظهور القطاع المالي العالمي" بتعبير إيريك هيلينز. كان القطاع المالي هو القطاع الأكثر ربحية للإقتصادين الأمريكي و البريطاني بحلول القرن الواحد و العشرين و ذلك نتيجة لأسعار الصرف العائمة و إلغاء التنظيمات و الوسائط. و كان ذلك تمثابة نظام جديد. ما حققه القطاع المالي، لم يكن يجب أن يحقق، كونه ليس قطاعا اقتصاديا بالمعنى التقليدي، بل جزءا من نظام المعلومات في الإقتصاد يربط المقرضين بالمقترضين. و على الرغم من ذلك، كان القطاع المالي ينتج 40٪ من أرباح الشركات في الولايات المتحدة حتى قبيل اندلاع الأزمة.
قام القطاع المالي بالركوب صعودا و نزولا على ثلاث فقاعات عالمية من خلال كميات كبيرة من الرفع المالي. كانت الفقاعة الأولى سنة 1987، و ارتبطت بالأسهم الأمريكية. استمرت هذه الفقاعة حتى سنة 2007 مع تراجع عصر التجارة الإلكترونية. و قد كان ذلك أطول صعود لأسواق الأسهم فانطلق من الأسواق الأمريكية نحو باقي الأسواق العالمية. خلال ذلك، بحث النقد الذكي الذي كان يحقق في أسواق الأسهم عن أصول آمنة فتوجه نحو العقارات. سنة 1997، ظهرت الفقاعة الثانية و كانت مرتبطة بالعقارات. و استمرت حتى اندلاع أزمة الرهن العقاري. أما الفقاعة الثالثة فكانت مرتبطة بالسلع. وقد ارتفعت أسعارها بشكل حاد في 2005 و 2006. لكن هذه الفقاعة سرعان ما انفجرت لأن الأسواق لم تكن قادرة على الحفاظ على كميات كبيرة من السيولة تبحث عن السلامة و الربح.
كان انفجار الفقاعات الثلاث بالتزامن مع خسائر في أسواق الرهن العقاري، و الذي نتج عن تلاعب المصارف في أسعار الرهون العقارية، سببا كافيا لاندلاع الزمة الإقتصادية في 2006. بدأ الإنهيار في المساكن سنة 2006 و انطلق بعد ذلك ليصيب الأسهم ثم السلع. و ما تلى ذلك كان ارتفاعا في أسعار الأسهم نتيجة برامج السيولة للمصارف المركزية التي قدمت ضمانات تدعمها أصول لشراء الأسهم الغارقة. و ارتفعت أيضا أسعار السلع نتيجة لإقبال المستثمرين عليها من أجل تحصيل الربح مع وجود أسعار فائدة صفرية.
لطالما عرفت الأسهم الأمريكية الإستقرار لفترة طويلة حتى منتصف الثمانينيات. لكن القطاع المالي قام بزعزعة هذ الإستقرار. نفس الشيء ينطبق على قطاع الإسكان الذي كان رخيصا. و كذلك السلع كانت سوقا فرعية. تسبب القطاع المالي في تضخيم هذه الأصول و تقليصها ليجني أرباحا كبيرة وراء ذلك. لكن النتيجة كان أزمة هي الأعنف منذ سنوات.
رغم أن المصارف كانت سببا في الأزمة، قامت الحكومات الغربية بعملية إنقاذ للقطاع المالي. فهذا الأخير كان يوفر أرباحا هامة كما كان الحال في الولايات المتحدة و بريطانيا. قامت البنوك المركزية في أروبا و أمريكا و آسيا بضخ 326 مليار دولار في نظمها المالية لحماية النظام المالي العالمي من السقوط. و في أمريكا، تمت الموافقة على إصدار قانون يحمي ملاك العقارات بتوفير 300 مليار دولار لإعادة تمويل قروض الرعن العقاري. كما قامت الفيدرالي بتخفيض سعر الفائدة إلى 3.5٪ ثم إلى 2٪ بالتدريج. و تم السماح للحكومة بشراء أصولبقيمة 700 مليار دولار مرتبطة بالرهن العقاري. منحت أيضا إعفاءات ضريبية بقيمة 100 مليار دولار للشركات المتضررة في مجال العقارات.
كان من شأن تلك الإجراء ات، من بين أخرى، أن تساهم في إنقاذ القطاع المالي العالمي من الإنهيار. و جدير بالتذكير أيضا أن هذا الإنقاذ كان على حساب الطبقة الوسطى و على حساب الإقتصاد الحقيقي ككل بسبب الإجراء ات التقشفية التي طبقتها الحكومات إثر الأزمة. و ربما لم يكن من الأجدر فعلا إنقاذ هذا القطاع الذي ليست له منفعة اجتماعية حقيقية.