الآليات التي يضعها المجتمع من أجل تنظيم شؤونه - 2 - المجال الاقتصادي


حسين محمود التلاوي
2022 / 2 / 23 - 21:48     

ب. المجال الاقتصادى: تتعدد الوسائل التي يمكن لكل مجتمع أن يتبعها من أجل إقامة حياة اقتصادية ويأتى هذا التنوع جراء تعدد الأهداف الممكنة أمام كل مجتمع والتى يضعها كى تتحقق وإن كانت كل هذه الأهداف تنقسم إلى أقسام ثلاثة وهى ما يهدف إلى تحقيق مصلحة المجتمع باستخدام الفرد في ذلك أو ما يهدف لتحقيق صالح الفرد وفى هذه الحالة لا يوجد أي تدخل في العملية الاقتصادية من جانب المجتمع إلى جانب أنه لا يحقق أية منفعة من النشاط الاقتصادى وبالطبع فإن هذا النمط لا يشيع في أي من المجتمعات المتطورة وهناك النمط الثالث الذى يشير إلى النشاط الاقتصادى المشترك بين الفرد والمجتمع بكل آلياته ووسائله وقدراته والذى تعود فيه الفائدة على الطرفين وفيما يلى بعض الآليات التي يتبعها المجتمع الإنساني.
1- النشاط الزراعى: يمكن لفرد يعيش في مجتمع أن يمارس هذا النشاط من أجل اكتساب الرزق وقد يكون هذا النشاط موجها لخدمة الفرد ومجتمعه الصغير – عائلته – فقط أو في خدمة المجتمع الكبير فقط أو في خدمة الطرفين. ولكن كيف يكون ذلك؟! قد يزرع الفرد ويأكل ما يزرع أو يبيع ما يزرع الآخرين ويعيش المال المكتسب من بيع هذه الحاصلات الزراعية وهو بهذا يحيا لنفسه فقط دون النظر إلى مصلحة الباقين من الأفراد في المجتمع الذى يعيش فيه ولكنه إذا ما كان يبيع هذه الحاصلات للدولة محتفظًا ببعضها لنفسه ومستفيدًا من بيع البعض الآخر فإن هذا النشاط يكون بين المجتمع وبين الفرد من دون أي نوع من أنواع الإجبار على البيع أو الشراء إلا بما يحقق مصالح الأطراف المختلفة من فرد وأفراد آخرين ومجتمع كامل تمثل مصالحة الدولة هنا إلا أن هناك نوعًا آخر يكون بمقتضاه الفلاح أو صاحب الأرض موظفًا لدى الدولة يزرع ما تملين عليه دون النظر لرغباته الشخصية ودون السماح له بالاستفادة من أرضه كما يريد وهنا هو صحيح يمارس نشاطًا زراعيًا ويبيع ما يحصل عليه للدولة لكنه لا يستفيد إلا بالمادة فقط ولا يشعر بملكيته للأرض أو بائتمانه للفعل الزراعى الذى يمارسه وعلى الرغم من عدم الارتباط. بشكل أساسى. بين طريقة ممارسة النشاط الزراعى وبين سلبية المجتمع وإيجابيته إلا أن النشاط الزراعى الذى تتحكم فيه الدولة بصورة مطاقة ومتعسفة يكون في الغالب من أبرز معالم المجتمع السلبى لقهره حرية ورغبات الفرد في ممارسة النشاط الذى يريد.
2- النشاط التجارى: يعتبر النشاط التجارى من أهم أنواع الأنشطة الاقتصادية في المجتمعات الإنسانية لكونه يساعد على دفع علاقة الفرد بالآخرين وكذلك المجتمع بغيره من المجتمعات كما أنه ينمى موارد الفرد والمجتمع بموارد غير متاحة في البيئة الأصلية كما أنه يساهم في دفع أنواع مختلفة من الأنشطة الإنسانية الأخرى مثل حركة النقل وصياغة العهود والمواثيق وسن القوانين. وكما في النشاط الزراعى يمكننا القول في النشاط التجارى حيث المتاجرة بين الأفراد وكذلك المتاجرة بين الفرد والدولة إلا أن التجارة في الغالب لا تنشط إلا في مجتمع إيجابي يحاول تلبية حاجات الأفراد وتطلعات المجتمع فيدفع ذلك في اتجاه استقدام البضائع التي تفيد المجتمع والتدخل الرشيد من الدول في العملية التجارية يكون في اتجاهين إما في اتجاه السعى إلى تسهيل التبادل بين أفراد المجتمع الواحد ومن ثم يكون تحصيل الضرائب لتمويل عمليات التسهيل والتنظيم هذه إلى جانب تيسير تبادل البضائع بين الدخل والخارج وفى كل الأحوال فإن التدخل المطلق من الدولة يكون ضارًا بالصالح الاجتماعى عامة. ويبقى أن التجارة تتطلب مجتمعًا أكثر رقيًا من المجتمع الزراعى لما تحتاجه من منظومة إدارية وقدرة على ممارسة العلاقات الاجتماعية مع جهات أجنبية وهى عامة منظومة لا تحتاجها الزراعة بذات الدرجة.
3- النشاط الصناعى: من أهم أنواع النشاط التي يمكن للمجتمعات أن تمارسها ولا يدل على ذلك شىء أكثر من تعبير الثورة الصناعية "الذى فصل ما بين أوروبا في عصر ما قبل الصناعة وبين أوروبا الصناعية. فالصناعة تتطلب تطورًا حضاريًا وعلميًا ومهاريًا و... في مختلف المجالات إلى جانب درجة عالية من النضج الإدارى والتشريعى لحفظ حقوق العمال وغيرها من الجوانب الاجتماعية التي تفرزها الأنشطة الصناعية وبالقطع فإن النشاط الصناعى لا يمكن أن يتم بمعزل عن سلطة كبرى في المجتمع وهى – غالبًا – الدولة لضخامة الاحتياجات التي يتطلبها بالإضافة إلى أن هذا النشاط يستهلك قدرًا من موارد المجتمع الطبيعية وكذلك الاجتماعية وعليه فإنه يتطلب ضبط من جانب القوة المرتضاة لحكم المجتمع وعامة فإن النشاط الصناعى الذى يمارس في غياب إشراف الدولة يكون رديئًا وغير فعال إلا أنه قد يلقى رواجًا في الطبقات غير الواعية من المجتمع وبخاصة في المجتمعات السلبية. وفى علاقة هذا النشاط الاقتصادى بالفاعلية العامة في المجتمع فإن هذا النشاط يتواجد في غالبية المجتمعات إلا المتأخرة تمامًا منها كالدعوية والزراعية الصرفة كمجتمعات القبائل الإفريقية الحالية. يشيع النشاط الصناعى في المجتمعات الإيجابية التي قطعت شوطًا كبيرًا في التقدم ونجد الكل يعمل من أجل الصالحين العام والخاص. ومن العوامل التي تؤدى إلى قوة النشاط الصناعى في المجتمعات الإيجابية:
‌أ. الارتقاء العلمى والذى يساعد على إيجاد قاعدة الإنطلاق تكنولوجيا الصناعة والاستفادة من الموارد المختلفة.
‌ب. إيجابية العلاقة بين الدولة والفرد والتى تسمح بحصول تفاعل ناجح يعبر عن ذاته في المجال الصناعى وتسمح بتمرير كل القواعد والإجراءات التي تنظم هذا النشاط وتزيد من فاعليته.
‌ج. الرقى الفكرى والذى يبرز في وجود العمل كقيمة وكذلك الرغبة في التطور والنمو وفتح أفاق عمل ونمو اقتصادى جديد ومستمر.
‌د. حسن إدارة المجتمع – عن طريق السلطة السياسية. لعلاقاته الخارجية بما يسمح بتصدير الناتج الصناعى أو استيراد المواد أو الأدوات اللازمة لإقامة بنية صناعية كبرى قادرة على الاستمرار.
إلا أننا نلحظ وجود مجتمعات صناعية تفتقد بعض سمات المجتمعات الإيجابية كأن تكون السلطة ديكتاتورية أو لا تزال الأساطير والخرافات تتحكم في الحياة الفردية والاجتماعية وهنا لا يكون المجتمع متخلفًا لكنه يكون في درجة متأخرة من سلم التقدم وعلى وجه العموم فإن المجتمعات ذات الميراث الأخلاقى والتنظيم الحقوقى الجيد تكون على سلم التقدم حتى في حالة تأخرها تنمويًا وذلك في درجة أفضل من المجتمعات المتقدمة تنمويًا إلا أنها تفقد الدافع الأخلاقى والروحى والحقوقى أي أن الأفضلية في معايير التقدم لمعايير النمو الأخلاقى والفكرى لأنها تدفع لنمو اقتصادى فيما أن النمو الاقتصادى قد يفتقد السند الأخلاقى ولا يستطيع أن يبنيه ومن ثم ينهار.
ويضع أي مجتمع مجموعة من الإجراءات التي تنظم النشاط الاقتصادى الحاصل فيه وهى الإجراءات التي تختلف باختلاف نوع النشاط فهناك الضرائب وهناك للجمارك والتى تختلف باختلاف النشاط ويتطلب النمو الاقتصادى نموًا إداريًا كما أنه يدفع بوجود بعض القيم الاجتماعية الجديدة مثل نظام الطبقات وهنا يأتى دور البناء الأخلاقى والفكرى الجيد الذى يمكن أن يتلافى أية سلبيات من هذا القبيل ويعمل على تطويرها لنقاط إيجابية تتحول لقوة دافعة للمجتمع.