الإسلام والمستقبل


حميد المصباحي
2022 / 2 / 23 - 00:35     

120 الإسلام والمستقبل
لم يهزم الزمن دينا ولا نال منه فحجبه عن العالم، ولم يحدث أن تلاشى كما تلاشت بعض اللغات ونسيت، فهو ما يستمر حتى عندما تضمحل اللغة التي كانت له حاملة، وهذه حالة عاشتها ديانات سابقة على الإسلام بآلاف السنوات أي مئات القرون وربما أكثر، فهي تتحول وتغير تمثل الناس لها، بحيث تبدو وكأنها خارج الزمن، تستوعب الجديد وتتضمنه بعد أن تكون قد واجهته أو حتى رفضته، فما يفرض نفسه اجتماعيا، تعود إليه لتدمجه بصيغة أخرى في صيرورتها حتى لتحسبه كان منها منذ البداية، هذه قاعدة لا يستثنى منها أي دين، وهي في ديانات الوحي بحكم طبيعة النصوص المعبرة عنه، قابلية حاضرة وبإلحاح، غير أن خطورتها تكمن، في أمرين:
الأول: إمكانية العودة بالحركة إلى القديم وبعثه بحيث يصير هو الحامل للحقيقة المقدسة، وهو المطالب بالقضاء على الجديد، المسمى بدعة، وهي حالة تظهر، كلما انحطت المجتمعات أو الحضارة، فيكون ذلك، بمثابة ردة فعل للهوية عندما تنجرح ولا تستطيع التخلص من تناقضاتها تجاه ذاتها والعالم، فتنفر من حاضرها المأزوم وتنتكس للوراء باحثة عن النموذج الأولي الخالص، الذي به تصفي حسابها مع أية محاولة للتجديد مست سلطتها على المجتمع روحيا أو ثقافيا، فوجدت لها قاعدة تقليدية اجتماعية دعمتها فاستجابت لها رفضا لما يهدد مصالحها وسلطتها.
الثاني: هو عكس الأول، يصبو بقوة تاريخية للتجديد فيعصف بالقديم كما حدث في المسيحية، لدرجة أنها عزلت الرهبان ومنعتهم من الاتصال بالناس، بل فرضت عليهم البقاء في كنائسهم ليزورهم من شاء بدون أن تكون لهم أية سلطة عليهم وعلى معارفهم ومعتقداتهم، وهي حالة لم يعرفها الإسلام، وإن حدثت بسيادة فكرة خلق القرآن في الدولة العباسية، ولم يدم ذلك طويلا، بل سرعان ما انقلب الخليفة المتوكل على المعتزلة مسيدا المذهب السني القائل بقدم القرآن، وهي التجربة الوحيدة من داخل الدولة نفسها، لكن ماذا عن التجربة الأموية، ألم تغير مفهوم الخلافة والسياسة في الإسلام؟
نعم، لكنها في تجاهلها للنص القرآني، وجدت نفسها تختلق أحاديث وتحذف أخرى بدون أن تحاول تجديد تأويلها للوحي الذي استندت فيه على فكرة الجبر والقدرية لتتبرأ من كل ما ألصق بخلفائها من أفعال وصلت حد الكبائر، باختصار إن قابلية الانتكاس قائمة بالحظوظ نفسها للتجديد، لكن كيف يمكن التحكم في هذه الحركية ودفعها للتقدم؟؟
خلاصة: لا بديل عن الإصلاح الديني بما يفرضه من حسم تجاه كل ما هو خرافي في الإسلام، ليس في الممارسات الفقهية الراهنة، بل بالعودة للتراث وفحصه بجرأة تاريخية صادمة تنتصر لحرية الفكر والاجتهاد التأويلي للوحي وفق قاعدتي العقل والمصلحة، وتحرير المعتقد الإسلامي من سطوة وسلطة الفقيه ليحتل مكانه الطبيعي بعيدا عن تدخله المبالغ فيه في الشؤون العامة والخاصة.