الخطاب التاريخي عند المؤرخ محمد بن علي آل هزاع - الصراع العربي البرتغالي في الخليج العربي والبحر الأحمر- نموذجا


فتحي عبد العزيز محمد
2022 / 2 / 19 - 10:58     

الخطاب التاريخي عند المؤرخ محمـد بن علي آل هزاع
" الصراع العربي البرتغالي في الخليج العربي والبحر الأحمر" نموذجا
د. فتحي عبد العزيز محمـد

صدر للمؤرخ محمـد بن علي آل هزاع مع بداية هذا العام 2022 أحدث كتاب حول الصراع العربي البرتغالي ذلك الصراع الذي مثل أول مواجهة مع أول مستعمر أوربي في بدايات حركة الكشوف الجغرافية، والكتاب صادر عن دار غراب للنشر والتوزيع بالقاهرة ويعد الكتاب تحولا في شكل الكتابة التاريخية حيث يعرض وبصورة تحليلية متقنة لموضوع قل تناولة رغم أهميته.

مثل الصراع العربي البرتغالي علي الجانب الشرقي من المنطقة العربية ( الخليج العربي وجنوب الجزيرة العربية) مرحلة خطيرة في تاريخها، وكان بمثابة نقطة تحول معاكسة حيث عرقل نهوضها بعد ازدهارحضاري شهدته سواحلها وموانيها علي مدارقرون عدة، وفي تصوري المتواضع أن تلك القضية هي صلب الخطاب الذي بني علي أساسه المؤرخ عناصر كتابه وأبوابه الأربعة وهي قضية جديرة بإعادة النظر كما أوضح فالواقع المؤلم الذي بدأ منذ مقدم المستعمر البرتغالي و استمر لأكثر من مئة وخمسين عاما (1507-1625) أثر سلبا علي اقتصاد كان مزدهرا وكيانات سياسية قوية.إلي جانب ما ارتكبته القوات البرتغالية من جرائم حرب غير مسبوقة في بشاعتها ضد أبناء المنطقة طالت الكبير والصغير وأتت علي الأخضر واليابس بما أشعله قادة مثل دالبوكيرك من حرائق للموانئ في عمان وغيرها بل ما انتواه البرتغاليون من الدخول إلي مكه والمدينة ونبش قبر الرسول عليه الصلاة والسلام.

أكد المؤرخ علي أهمية الكتابة عن ذلك الصراع المرير بين العرب وأول قادم أوربي استعماري حيث أوضح أن الدراسات بشأنه قليلة رغم أهميته التاريخية وقد عزا الأمر إلي ندرة المصادر والوثائق والمراجع العربية والأجنبية بل وعدم مصداقية بعضها، بيد أنه لم يأل جهدا في سبيل الوصول إلي الحقيقة التاريخية الثابته ويهمنا قبل الدخول في صلب الكتاب أو متنه تناول الزاوية التى دلف منها المؤرخ إلي موضوعه ألا وهي عنوان كتابه التي يقول عنها نقاد الأدب عتبة النص وهي بحق مثيرة للاهتمام والجدل معا حيث جاء العنوان بهذه الصورة "الصراع العربي البرتغالي في الخليج العربي وجنوب البحر الأحمر بالقرن التاسع الهجري الخامس عشر الميلادي" ومنه نري أنه يحمل في أولي كلماته كلمة الصراع وهي دالة علي الندية وبعيدة عن الدونية ففيها تكمن روح المقاومة والمواجهة العربية مع عدو شرس مدعوم من قوي الغرب الأوربي والبابوية جاءت تلك الروح المقاومة من شعور أبناء المنطقة بسيادتهم عليها وبعروبتها(الخليج العربي) كان الخطاب التاريخي محدد الهدف منذ البداية بعيدا عن العنصرية وقائم علي حقائق تاريخية عرض لها فيما بعد في متن الكتاب.
لقد قدم المؤرخ سردا تحليليا تاريخيا بدا فيه الخطاب التاريخي بشكل معمق لقيمة المحتوي حيث جاء الكتاب في أربعة فصول تناول في الفصل الأول منطقة الخليج العربي بالإضافة إلي منطقة جنوب البحر الأحمر قبيل الغزو البرتغالي وقد عرض للحكومات والإمارات القائمة بهما وثراء اقتصادياتهما وجاء التناول متسقا معا ما استهدف المؤرخ تبيانه من حضارة ورقي المنطقتين ليستشعر القارئ الفارق وحجم الخسارة التى اصابت الأهلين هناك مع تواجد الغزو علي مدار مئة وخمسين عاما.
وجاء الفصل الثاني بحديث عن الغزو البرتغالي محللا أسبابه ودوافعه وآثاره السلبية علي المنطقة العربية كلها وقد تطرق المؤرخ إلي بدايات حركة الكشوف البرتغالية حيث سعي البرتغاليون إلي تحصيل المعلومات عن دول المشرق العربي والهند ودول الساحل الإفريقي وقد استعانوا في هذا الشأن بالعلماء اليهود وبعض اليهود الذين جابوا البلدان العربية علي هيئة تجار.
ثم عرض الكتاب لأسباب خروج البرتغاليين في حركتهم الكشفية وهي دالة علي ظروفهم الاقتصادية المتردية من نقص في العمالة وتدني لقيمة العملة بل وتوقف سك العملة الذهبية ما أدي إلي وجود أزمة طاحنة أضرت بالطبقة العالية التي تبنت عمليات الغزو كحل لأزمتها وغيرها من الأسباب وبين دوافعهم وراء التوجه شرقا. ومما تجدر الإشارة إليه تتبع مراحل الغزو البرتغالي من خلال الرسائل التي كانت تصل ملك البرتغال من قادة الغزو وهي من أصدق الوثائق دقة وتعبيرا عما ألحقه الغزو بأهالي المنطقة من ضرر.
وقد أفرد الفصل الثالث لتناول العلاقة بين البرتغاليين والمماليك فقد كانت دولة المماليك بمثابة قلب العالم الاسلامي والمدافع عنه
بينما ركز الفصل الأخير علي الأسباب التي دفعت البرتغاليين إلي مغادرة المنطقة وما آلت إليه أحوالها بغد خروجهم منها.
لقد جاء الكتاب متوافقا مع مادعا إليه المؤرخ محمد بن علي آل هزاع من الحاجة إلي مزيد من الكتابة عن الصراع العربي البرتغالي الذي جاء في نهاية العصور الوسطي ليوقف تطور المنطقة حضاريا إلي حين وفي الختام فالكتاب إضافة حقيقية للمكتبة العربية .