من تاريخ الحزب الشيوعي الفلسطيني 2


عبد المطلب العلمي
2022 / 2 / 11 - 11:59     

تعريب الحزب

ليس من الممكن أن تنجح الثورة من دون تجنيد أشخاص من صفوف الأغلبية في المنظمات الشيوعية المحلية. بعبارة أخرى ، كان على الأحزاب الشيوعية في الشرق الأوسط أن تترسخ في التربة المحلية. أي من المفترض أن يكونوا المعبرين عن تطلعات كادحي هذه الأغلبية. تم تحديد مهمة تعريب الحزب كأولوية لأنشطة اللجنه التنفيذيه للكمنترن وأمانتها الشرقية، بعد انتفاضه البراق عام 1929 في فلسطين ، والتي بدأت في القدس ردا على استفزازات جابونتسكي و اتباعه و من ثم اجتاحت جميع انحاء فلسطين.
رده فعل و تقييم الحزب الشيوعي الفلسطيني ، كانت خاطئه ، مثلا بيرغر في "المراسلات الأمميه" كتب مقالا جاء فيه ( كانت هذه الأحداث نتيجة أعمال جماهير الفلاحين و البدو المتعصبين التي وجهتها البرجوازية ، الإقطاعيين ورجال الدين المسلمين لإضرام النار في سكان المستوطنات اليهودية الفقراء والعزل لذبحهم). بدوره ذكر ليشينسكي في "الشرق الثوري" (إن القوميين العرب بحاجة إلى مثل هذا التطور للأحداث من أجل وضع حد للتوسع الاقتصادي للصهاينة وصرف انتباه الفلاحين الذين استغلهم الملاكين العرب عن عدوهم الطبقي الحقيقي ، بتوجيه كراهيتهم لليهود. و ذكر أن الانتفاضة كانت ضرورية للإقطاعيين العرب و استخدام المذابح اليهودية لضرب الوعي الطبقي المتنامي لدى البروليتاريا العربية). رد فعل اللجنه التنفيذيه للكمنترن كان مختلفًا بشكل أساسي. في 16 تشرين الأول 1929 ، أصدرت الأمانة السياسيه للجنه التنفيذيه قراراً بعنوان (حركة التمرد في عربستان) . مؤكده على أن الانتفاضة كانت دليلًا واضحًا على اشتداد الصراع بين الإمبريالية والجماهير العاملة في البلدان المستَعمرة ، وظهور حركات التحرر الوطني في المستعمرات وأشباه المستعمرات. تكمن أسباب الانتفاضة في دوس التطلعات القومية للعرب و في الاستعمار الاستيطاني الصهيوني لفلسطين المبني على العنف ، فلسطين والشرق الأوسط يدخلان أساسًا مرحلة ثورة مناهضة للإمبريالية بقيادة جماهير العمال والفلاحين ، والتي تتمثل مهمتها في النضال ضد الاضطهاد الأجنبي ، من أجل حل المشكلة القومية للوحدة العربية، وانجاز الثورة الزراعية . وفي الظروف الحالية من المهم استبعاد ديكتاتورية حفنة من العمال اليهود على غالبية السكان العرب، الحزب لم يكن مستعدًا للانتفاضة. لأنه ظل حزبًا للبروليتاريين اليهود ذو علاقات ضعيفه مع السكان العرب بشكل عام والفلاحين العرب بشكل خاص. ولم يسعى الحزب إلى تنفيذ توصيات الكومنترن بشأن تعريب صفوفه. لم يفهم الشيوعيون التعريب إلا على أنه إدخال ميكانيكي في اللجنة المركزية لبعض الرفاق العرب).
قيادة الكومنترن بدأت خط تصحيح الخطأ الذي ارتكب عام 1924 أثناء المفاوضات مع أفيربوخ. كما انه بلا شك أن سياسة تعريب الحزب نشأت في سياق إدراك اللجنه التنفيذيه للفشل المطلق لسياستها السابقة في فلسطين والشرق الأوسط. ومع ذلك ، نتج هذا الفشل عن خط الكومنترن ، الذي اختاره في بداية تكوين العلاقات مع الحزب الشيوعي الفلسطيني ، أدى عزل الحزب عن الييشوف إلى خيبة الأمل واليأس في بيئته. اليكم اقتباس من مقال لأحد قاده الحزب إ. ديرفيل: (العمل الشيوعي بين العمال اليهود في فلسطين ليس له آفاق. هذا عمل عبثي، أما بالنسبة للعمل بين العرب ، فلا الحزب بتكوينه الحالي ولا القيادة الحالية للحزب قادرين على القيام بهذه المهمة ، يجب حل الحزب لأنه حزب يهودي أغلبيه أعضائه من عناصر برجوازية وضيعه) . كما عجز الحزب عن أداء المهمة الأكثر جدية التي كلفه بها الكمنترن. فالشيوعيون العرب لم يصبحوا همزة وصل بين الحزب وبين الشغيلة في فلسطين. في كانون الثاني 1930 ، انعقد المؤتمر الأول للعمال العرب في فلسطين في مدينه حيفا. سعى المشاركون في المؤتمر إلى إنشاء مركز نقابي للعمال العرب ( اتحاد عموم فلسطين لنقابات العمال العرب) كمنافس وبديل للهستدروت. التحضير لهذا المؤتمر وعقده كان بمثابة منتدى لدعم الحركه الوطنيه الفلسطينيه ، على الرغم من ان الشيوعيين العرب محمود الأطرش و رضوان الحلو شاركوا في المؤتمر ، لكنهم مثلوا النقابات العمالية ، وليس الحزب ، كذلك رفضت هيئة رئاسة المؤتمر قراءة برقية الترحيب المرسلة من قبل الحزب .
. في أواخر العشرينيات ، سعى الوطنيون العرب الفلسطينيون إلى إقامة اتصالات مع الكومنترن ، وكان الكومنترن يطمح أيضًا إلى ذلك. كان الكمنترن يَنظر إليهم على أنهم احتياطي لثورة اجتماعية مستقبلية في الشرق الأوسط. لكن مجموعات العمل الوطني هذه كانت بعيدة كل البعد عن الاعتراف بالحزب الشيوعي باعتباره القوة الموجهة في التحول المناهض للاستعمار في المنطقة. في شباط 1929 ، وصل عضو قيادة رابطة مناهضة الإمبريالية ، حمدي الحسيني ، إلى موسكو. واعتبر أنه من الضروري إقناع اللجنه التنفيذيه للكمنترن بتعميق العلاقات المباشرة مع الحركة الوطنية الفلسطينية ، في المذكرة التي قدمها إلى الأمانة الشرقية ، شرح تقييمه الخاص لإمكانيات الحزب. هذا التقييم لم يكن مطمئنًا ، رغم أن الحزب الشيوعي الفلسطيني ، كما كتب ، ثابت في نضاله ، لكنه ليس كبيرًا ، منعزلاً ، لا يتمتع بتأثير في الدول العربية، الحزب لن يصبح قوة جادة ، لأن غالبية أعضائه يهود ، والجماهير مقتنعة بأن اليهود والصهاينة لا فرق بينهم، اما العرب في الحزب فإن الجماهير تعتبرهم خونه للقضيه الوطنيه .
في كانون الثاني 1931 ، بعثت اللجنه التنفيذيه برسالة إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي طرحت فيها المسأله بوضوح شديد: أهم مهمات الحزب التعريب ثم التعريب ومرة أخرى التعريب، و احتوت الرسالة على تقييم للزعماء الثلاثة البارزين للحزب - أفيربوخ و بيرغر و ليشينسكي. بخصوص أفربوخ جاء: أيها الرفاق. لا يزال حيدر العقل المرشد للحزب ، فهو رفيق مقتدر ويفكر سياسيًا وموهوب للغاية. ولكنه اتضح أنه لم يتجاوز بعد كل مواقفه الصهيونية ، فهويعتبر العمال العرب عنصرًا أدنى. و كذلك له صفات سلبيه: إنه مغرور و طموح و مدبر للمكائد ومرتبط أيضًا بالبوعالي تسيون. كذلك لدينا انطباع بأن الرفاق العرب النشطين لا يحبونه ، بل يكرهونه. يعرف حيدر أننا نريد تعريب اللجنة المركزية ، ويخشى أن يضعف ذلك نفوذه. أما بيرغر في هذه الرسالة تم تقييمه بأنه : صحافي مقتدر وموهوب وجيد و من المفترض أن يبقى في الحزب إذا تم ازاحه حيدر. اما ليشينسكي ، فهو أضعف سياسيًا من حيدر وبيرغر ، لكن يجب تحريره من نفوذ حيدر عليه. الشيء الأكثر أهمية ورد في نهاية الرسالة. الرفاق العرب أضعف وأقل خبرة وأقل استعدادًا من اليهود ، لكن لا يزال من الضروري ، إذا أمكن ، إشراك العرب في جميع الهيئات الحزبية. ويجب أيضًا أن يكون هناك المزيد من الرفاق العرب في اللجنة المركزية. على اليهود أن يصبحوا مساعدين مخلصين لرفاقهم العرب. لقد ادركت اللجنه التنفيذيه أن التعريب التام لقيادته ستدمر الحزب على الفور. لهذا السبب كان الكومنترن في البداية موافقا فقط عن استبدال أفيربوخ كسكرتير للحزب والتمثيل المتساوي في المؤتمرات الحزبية.
في كانون الثاني 1931 ، عُقد المؤتمر السابع للحزب ، حضره عدد متساوٍ من المندوبين عرب ويهود ، لأول مرة انتخب العربي محمود الأطرش ، قائداً للحزب. و لاحقا ، أصبح تقليدًا ان الخريجين العرب من جامعات الكمنترن سكرتيريين للحزب. بعد الأطرش تولى السكرتاريه طاهر الفرحي و من ثم رضوان الحلو. ومع ذلك ، كان الشيوعيون اليهود حاضرين في كل من اللجنة المركزية وفي قيادة المنظمات الحزبية. وحدد المؤتمر أهم شعارات نشاط الحزب وهي (حكومة العمال والفلاحين في فلسطين) و (اتحاد جمهوريات العمال والفلاحين في الدول العربية). كانت أداة تنفيذ الشعار الأول ، انتزاع السيطره على الجماهير في سياق النضال ضد الإمبريالية البريطانية والبرجوازية اليهودية و الإقطاعيين العرب في فلسطين ، وأداة تنفيذ الشعار الثاني تأسيس فيدرالية للأحزاب الشيوعية في المنطقة (مصر وفلسطين وسوريا).
في عام 1931 ، تم إعداد وثيقة في الأمانة الشرقية للجنه التنفيذيه حددت أنشطة الشيوعيين في الشرق الأوسط حتى نهاية الثلاثينيات. سميت " مهام الشيوعيين في الحركة القومية العربية". و كانت نتيجة لأعمال مؤتمر عام 1931 للأحزاب الشيوعية في سوريا وفلسطين. شددت الوثيقة على أن الحركات الوطنية التي تطورت داخل الفضاء الجيوسياسي الشاسع من العراق إلى مراكش ، حددت مهمتها الأساسية سحق هيمنة المُستَغِلين الأجانب. في سياق النضال من أجل التحرر الوطني ، تُعارض هذه الحركات أيضًا الوكلاء الداخليين للإمبريالية ، ويمثلهم ،الزمر الرجعية الملكية ، وملاك الأراضي الإقطاعيين وشبه الإقطاعيين وشيوخ القبائل ، والبرجوازية الكومبرادورية ، وكبار رجال الدين. لهذا السبب ، فإن النضال من أجل الاستقلال الوطني للدول العربية ،مرتبط حتما بالنضال من أجل ثورة فلاحية زراعية موجهة ضد الغزاة الإمبرياليين وعملائهم وفي نفس الوقت ضد ملاك الأراضي، الإقطاعيين المحليين. و بالنسبة لفلسطين ، يضاف العملاء الصهاينة. من أجل تحويل النضال الوطني للشعوب العربية إلى طريق الإطاحة الثورية بالسيطرة الطبقية للمستغلين الأجانب والمحليين ، لا يوجد سوى طريق واحد - جبهة تقوم على تطوير الحركة العمالية والفلاحية و تستمد قوتها منها. القوة الرئيسية لهذه الجبهة هي الطبقة العاملة العربية الفتيه ، التي باشرت سلوك طريق النضال للقيام بدورها التاريخي. يجب على الأحزاب الشيوعية في بلادها أن تقود الجماهير إلى تحقيق الاستقلال الوطني للدولة، وتحقيق ثورة الفلاحين و إقامة حكومة العمال والفلاحين ، ضد الغزاة الإمبرياليين وملاك الأراضي والمرابين ، وضد البرجوازية . ونتيجة هذه العملية سيكون إعلان الوحدة القومية لـ ( اتحاد جمهوريات العمال والفلاحين الاشتراكية العربيه ) يشمل المنطقة العربية بأسرها ، وستصبح وحدة الدولة القومية للشعوب العربية الأداة الأكثر فاعلية لمواجهة الأجانب والمستغلين المحليين. للقيام بذلك ، من الضروري إنشاء حزب شيوعي عربي موحد. من الواضح أن الكومنترن استوعب مزاج القاده الجدد للحزب الشيوعي الفلسطيني، و المزاج الجماهيري العام ، وسعى إلى تشجيعهم .
هكذا ، فإن الصفحة الأهم في تاريخ الحزب الشيوعي الفلسطيني ، المرتبطة بظروف تشكيله ، قد تم طيها. فقد أعلن المؤتمر السابع للحزب أنه ، بفضل (التدخل المستمرللأممية الشيوعية ، خرج الحزب من الغيتو اليهودي ، وأصبح أخيرًا زعيم الجماهير ، ليس فقط من الناحية النظرية ، ولكن أيضًا من الناحيه العمليه .